التخطيط العمراني المتحيز يعرض أحياء الملونين لإجهاد حراري أكبر في الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
يمكن أن يؤدي التعقيد الحضري إلى وجود نقاط ساخنة لدرجة الحرارة داخل المدن، بحيث تواجه بعض الأحياء (وسكانها) حرارة أعلى من غيرها، وفقا لنتائج دراسة جديدة نشرت يوم 23 يونيو/حزيران الماضي في دورية "وان إيرث" (One Earth).
وفحص باحثون في مختبر شمال غرب المحيط الهادي التابع لوزارة الطاقة الأميركية، جميع المدن الرئيسية في الولايات المتحدة، ووجدوا أن المواطن العادي المنتمي إلى الأعراق الملونة يتعرض للهواء الأكثر دفئا بمقدار 0.
يقصد بالإجهاد الحراري ارتفاع درجة حرارة الجسم بمقدار 6 أو 7 درجات أعلى من نطاق درجة الحرارة المعتادة للجسم -تتفاوت حسب عدة عوامل منها موقع الميلاد والنشأة- وهو ما تتبعه عواقب فسيولوجية قد تكون خطيرة في بعض الأحيان، مثل تعطل العمليات الخلوية، وزيادة ضربات القلب، وعجز بعض الأعضاء عن العمل بصورة طبيعية، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert).
وقال تيرثانكار تشاكرابورتي المؤلف الرئيسي للدراسة ومحلل النظم الجيومكانية والباحث في علوم الأرض في مختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني في تصريح للجزيرة نت إن التفاوتات في درجات الحرارة تنشأ في داخل البيئات الحضرية، مما يخلق بؤرا ساخنة للحرارة تؤثر على مختلف الأحياء والسكان بدرجات متفاوتة، وأحيانا حسب الأصل العرقي.
ولفهم هذه التفاوتات، أجرى الباحثون الدراسة على مرحلتين، كان الهدف الأول هو الوصول لتقديرات محسنة على الصعيد الوطني للإجهاد الحراري من خلال دمج العوامل المختلفة التي تؤثر على كيفية استجابة الجسم للحرارة الخارجية.
وأضاف تشاكرابورتي "من خلال مقارنة هذه التقديرات بالبيانات الديمغرافية، سعينا إلى تحديد السكان الأكثر تضررا من الإجهاد الحراري في المناطق الحضرية. ووجدنا أن ما يقرب من 94% من سكان الحضر، أي ما يعادل حوالي 228 مليون شخص، يقيمون في المدن حيث يؤثر عبء الإجهاد الحراري في ذروة الصيف بشكل غير متناسب على الفقراء".
وتشير الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين تباينات الإجهاد الحراري والفصل السكني على أساس العرق، إذ يواجه الأفراد الذين يعيشون في أحياء مخططة تاريخيا، حيث أثر التمييز العنصري على الموافقات على القروض في الماضي، مستويات أعلى من الإجهاد الحراري في الهواء الطلق مقارنة بنظرائهم في المناطق غير المخططة بالمدينة.
قياس الإجهاد الحراريانتقد المؤلفون بعض القيود التي تعوق الأساليب التقليدية المعتمدة على الأقمار الصناعية المستخدمة في تقدير تفاوتات الإجهاد الحراري في المناطق الحضرية، خاصة أن هذه الطرق التي تعتمد على قياسات درجة حرارة سطح الأرض، غالبا ما تبالغ في تقدير حجم هذه التفاوتات.
وقال تشاكرابورتي إن مثل هذه القياسات لا تقدم صورة كاملة للإجهاد الحراري، إذ إن قياس درجة حرارة سطح الأرض فقط، مثل سطح الرصيف أو قطعة من العشب، يقدم فقط فكرة قاصرة، لأنه يفسر فقط درجة حرارة سطح الأرض ويفشل في رصد الظروف الفعلية التي يمر بها الأفراد، وأوضح "ما لم تكن تتجول حافي القدمين أو مستلقيا عاريا على الأرض، فأنت لا تشعر بتلك الحرارة في المناطق الحضرية".
عوضا عن ذلك، استخدم تشاكرابورتي وفريقه تقديرات يقولون إنها الأكثر كفاءة في رصد الإجهاد الحراري، وذات صلة من ناحية تأثيراته الفيسولوجية، فضلا عن أنها تتضمن مزيجا من العوامل التي يمكن أن توفرها النماذج.
ومزج الباحثون بين بيانات الأقمار الصناعية ونماذج المحاكاة لمقارنة درجة حرارة سطح الأرض المشتقة من الأقمار الصناعية مع التعرض للحرارة المحيطة داخل المدن. ومن خلال استخدام مقاييس مثل مؤشر حرارة خدمة الطقس الوطنية ومؤشر الرطوبة، رصد الباحثون التأثيرات المجمعة لدرجة حرارة الهواء والرطوبة على جسم الإنسان.
ويعتقد المؤلفون أنه مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يمكن لهذه النتائج أن تفيد في تطوير خطط الاستجابة للحرارة الحضرية من قبل الحكومات المحلية، وخاصة التي تهدف إلى مساعدة الفئات الضعيفة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
العمدة المسلم في كنف الحرية والعلمانية
العمدة المسلم في كنف الحرية والعلمانية
خالد فضل
يعتنق الشاب الأمريكي محمود ممداني الدين الإسلامي كمعتقد روحي، وينحدر عرقياً من أسرة إفريقية يوغندية، وينتمي سياسياً إلى الحزب الديمقراطي الأمريكي، ويتبنى فكرياً مبادئ الاشتراكية والعدالة الاجتماعية. تدعو تلك السيرة المختصرة إلى تأمل عميق، إذ تكشف بوضوح لا لبس فيه المكونات الإنسانية للفرد، وتناغمها لتجعل منه رمزاً لقاعدة واسعة من الجمهور، تمنحه ثقتها بحر إرادتها، وتضعه في موقع المسؤولية لرعاية مصالحها. يحمل منصب عمدة مدينة مثل نيويورك من الرمزية ما يجعله معياراً للبيئة الخصبة التي تزدهر فيها القيم الإنسانية الرفيعة، فهنا تنتصب معاني الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتجسيدها عملياً قبل أن ينتصب مجسماً بشعار الحرية كواحد من أبرز معالمها. هنا مقر الحكومة العالمية، الأمم المتحدة، عبارة موحية بالفعل، وتذكير دائم بوحدة الإنسانية في مواجهة واقع عيشها على بلدها المشترك، الأرض التي بسطها الخالق كما في اعتقاد الروحانيين أو أوجدتها الطبيعة كما يتصور الدهريون، وليس في اختلافهما أي مشكلة طالما سادت بينهم قيم الحرية والمساواة وقوانين وأحكام الديمقراطية المؤسسية وعلت مبادئ حقوق الإنسان كما هي في علوها على أي اختلاف بسبب العرق، النوع، الدين، الثقافة، اللون، المنحدر الاثني، إلخ.
لا غرو أن مارتن لوثر كنج رائد المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة قد كان لديه حلم منذ الستينات من القرن الماضي، وفي البيئة الصالحة المتطورة الناهضة المتطلعة للمستقبل، فاز أوباما بالمنصب الأول في بلد المساحات الشاسعة والشعوب المتعددة، ومنحدره من كينيا الإفريقية، ثم أتى ممداني ليفوز بعمودية المدينة العالمية ليؤكد صحة رؤيا كنج وسلامة بصيرته ودقة أحلامه. الإنسان بدون أحلام قطعة حطام.
يعتبر الدستور المنظم لحياة البشر في الولايات المتحدة الأمريكية دستوراً وضعياً، لم يدع واضعوه أنهم رسل الله أو خلفائه الموكلين بقيادة الناس إلى طريق الهداية وأبواب الجنان في يوم القيامة، لم يزعموا أنهم يجاهدون بالموت والفناء والإفناء ليحوزوا الطيبات من حور عين وولدان مخلدون وفاكهة وأباً وجداول عسل ولبن مما يشتهون. بل كانت غايتهم تنظيم وتيسير سبل العيش للإنسان من حيث هو إنسان فقط على الأرض من بداية تخلقه نطفة في رحم الأم وحتى مرقد جسده في مدفن يليق أو أي طقس يراه للتعامل مع موتاه دون تمييز ولو كان حرق الجثمان بأعواد الصندل أو ألواح الزان. المهم هنا يتوفر لكل طقس مكان، فالإنسان غاية الحكومات ومنتهى أمل السلطات، أما شؤون ما بعد الموت فليس لمن هم على الأرض عليها سلطان، تلك معادلة واضحة ظاهرة يتعامى عنها كثير من الناس فتراهم يسيرون في ركب من يبيعهم الأوهام وهم مصدقون، يقودهم للحتف وهم منقادون كالسوام لا يعقلون، ولو سأل سائل منهم سؤال بسيط لفك الطلسم المطروح، سيدي القائد هل لك أن تؤكد لنا حيازتك أنت شخصياً لمقعد صدق عند عزيز مقتدر كما تقول؟ نعم أنت تحوز الآن على مقعد الزعامة بوضع اليد أو الانتخاب سيان، لكن من يضمن لك المقعد في حيز آخر ليس فيه نحن الجمهور فننتخبك أو الجيوش فتنفذ عبرها الانقلاب؟ قبهت الذي ادعى وخاب.
تبرز هنا مدينة نيويورك، يقطنها ملايين البشر، من كل السحنات والمعتقدات، لكنهم رأوا فيما يطرحه ممداني سبيلاً لترقية أوجه حياتهم فاختبروه بالانتخاب وهم على نزعه من المنصب أصحاب الحق في الأجل المرقوم، هنا لم يك للدين اعتبار أو كونه أسود يوغندي من معنى، فهو اشتراكي ديمقراطي الفكر والتوجهات، وبالطبع علماني لا يزعم أنه نور الله أو وكيل الغيب. فهو مثل الملايين يطمح لتأمين السكن والمعاش والطرق والجسور ووسائل المواصلات والتوظيف، ليذهب من يشاء يوم الجمعة للمسجد أو السبت للكنيس وفي الأحد الكنيسة فذاك من حق الاختيار لمن يروم هدأة الروح ومن لم يختار فهو حر كما يشاء. ذاك ببساطة مفهوم العلمانية، البناء على مشتركات الحياة، والتعددية فيما وراء القبور. في هذه البيئة نشأ ممداني، تفتح وعيه، انخرط سياسياً، ونشط اجتماعياً، فحاز على الرضا والقبول والانتخاب. فهل من متدبر في هذا المسار، وهل لبني السودان فسحة للتأمل أم غاب عن أفقهم ضوء الصباح فباتوا رهائن لدي غلالات التضليل. نسأل الله السلامة.
الوسومالعلمانية العمدة المسلم الولايات المتحدة خالد فضل عمدة نيويورك كنف الحرية مارتن لوثر كينج محمود ممداني الدين