العقل المدبر لـ ''طوفان الأقصى'' والمطلوب الأول لإسرائيل.. من هو القائد الغزاوي ابن المخيمات؟
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
اتفق الأعضاء الثلاثة في مجلس الحرب الإسرائيلي على تصفية قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، ولا سيما رئيسها في قطاع غزة المحاصر يحيى السنوار، الذي وصفه وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه المسؤول الأول عن عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية ضدّ الكيان الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يبرز هذا التوافق مركزية السنوار في التفكير الإسرائيلي الانتقامي، إذ بات الحديث عنه الشغل الشاغل للبروباغندا العبرية، وهذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها كيان الاحتلال لتصفية السنوار، والنتيجة دائما كانت معروفة للجميع.
نحاول في هذا الاقتراب أكثر من شخصية زعيم حماس، وأبرز المحطات التي مرّ بها في المقاومة الفلسطينية وبالخصوص داخل حركة المقاومة الإسلامية.
ابن المخيمات
في التاسع والعشرين من أكتوبر تشرين الأول الماضي، أتمّ يحيى إبراهيم السنوار، عامه الحادي والستين؛ وفي هذه العقود الستة عرفت حياته عديد التطورات والتغيرات. ويعود تاريخ ولادة السنوار إلى سنة 1962 في مخيم خان يونس للاجئين بغزة.
أما أصله فيعود إلى عائلة كانت تعيش في مدينة "المَجْدَل عَسْقَلان" التي هُجّرت ودُمّرت بالكامل سنة 1948 على يد العصابات الصهيونية التي افتكت الأرض الفلسطينية من أصحابها، وأقامت مكانها المستعمرات التي سكنها المستوطنون.
انخرط السنوار في العمل السياسي مبكرًا
بعد 5 سنوات فقط من ولادته، وقع المخيم الذي رأى فيه السنوار النور تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي، ليشاهد بعينيه جرائم الاحتلال الصهيوني البربرية في حق الفلسطينيين عوضًا أن يسمعها من أهله المهجرين، وهو ما منحه الصبر والقوة معًا.
تلقى القادة الغزاوي تعليمه في مدارس المخيم حتى أنهى دراسته الثانوية، ليلتحق فيما بعد بالجامعة الإسلامية في غزة وهناك أكمل تعليمه الجامعي، وتحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية، وأثناء دراسته الجامعية ترأس “الكتلة الإسلامية”، وهي الذراع الطلابي للإخوان المسلمين في فلسطين.
مدى الحياة أربع مرّات
انخرط السنوار في العمل السياسي مبكرًا، وكان عضوًا فاعلًا في الساحة السياسية الفلسطينية ما جعله محلّ متابعة من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، التي سعت جاهدة للحدّ من نشاطه لكنها لم تفلح في ذلك، والدليل ما نشاهده هذه الأيام من صمود المقاومة.
نتيجة نشاطه السياسي، عرف السنوار السجون الإسرائيلية مبكرًا، ففي سنّ العشرين، أُلقي القبض عليه ووضع رهن الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر بتهمة الانخراط في "أنشطة تخريبية"، وفي سنة 1988، قضت محكمة إسرائيلية على السنوار بالسجن مدى الحياة أربع مرّات بالإضافة إلى حُكم بالسجن مدة 30 سنة (مدة 426 عامًا).
وُجِّهَت للسنوار حينها تُهم تتعلَّق بتأسيس جهاز أمني والمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري الأول للحركة الذي عُرَف باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، وتحوّل فيما بعد لاسم “كتائب عز الدين القسام” وذلك في أواسط سنة 1992.
أمضى السنوار 24 عامًا في السجن، خلالها استغل الوقتَ لتعلمِ اللغة العبرية حتى يأمن مكر الصهاينة، كما تابع الإعلام الإسرائيلي لمعرفة كيفية تفكيره، وقراءة جميع الكتب التي صدرت عن شخصياتٍ إسرائيليةٍ بارزة، مثل مناحم بيغن وإسحق رابين، واطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية التي تناولت الوضع الداخلي الإسرائيلي، وفق صحيفة "فايننشنال تايمز" البريطانية.
أُطلق سراح السنوار سنة 2011، في إطار صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس التي كانت تأسر الجندي جلعاد شاليط والقيادة الإسرائيلية، وتقول "الإيكونوميست"، إن "إسرائيل" استخدمت في تلك الصفقة السنوار كمحاور، حيث كان مسموحًا له بالتحدث إلى قياديّي حماس الذين أرادوا استبدال أكثر من 1000 معتقل فلسطيني مقابل شاليط.
تقول عديد التقارير إن الكيان الإسرائيلي اعترض على عدد من الأسماء التي اقترحتها حركة حماس، لكن السنوار لم يكن من بين هؤلاء المعترَض عليهم، فقد كانت الاستخبارات الإسرائيلية تظن أن السنوار لم يعد يشكل تهديدا باعتبارِه قضى أكثر من 3 عقود في السجونِ الإسرائيلية، وفقا لصحيفة "غلوبز" الإسرائيلية.
وفي سنة 2011، أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًا في صفقة ضخمة سمَّتها المقاومة "وفاء الأحرار"، وشملت الكثير من أسرى حركات "حماس" و"فتح" و"الجهاد الإسلامي" وغيرهم.
جهاز الأمن والدعوة "مجد"
خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات، جنّد كيان الاحتلال الإسرائيلي عديد العملاء الفلسطينيين للعمل لصالحه في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تفطّن السنوار لذلك، ورأى ضرورة تحصين المجتمع من الداخل وأن كسر الاحتلال لا يتم قبل القضاء على أدواته في الداخل الفلسطيني.
اقترح السنوار على الشيخ "أحمد ياسين" تأسيس جهاز الأمن والدعوة "مجد"، وذلك حتى يتم تعزيز الجانب الأمني للمقاومة الفلسطينية، وتولَّى هذا الجهاز الملفات الأمنية الداخلية، وتم تأسيس الجهاز سنة 1985 أي قبل سنتين من تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس (1987).
تتبّع السنوار صحبة مجموعة من الكوادر الأمنية الفلسطينية عدد من العملاء الذين عملوا لصالح الاحتلال في قطاع غزة، وتمت تصفية أغلبهم، وذلك في مسعى من السنوار وجماعته لوقف تعامل الفلسطينيين مع كيان الاحتلال.
كان لجهاز المجد دور بارز في غزة، حيث كان عمله يتمحور حول جمع المعلومات عن العملاء والجواسيس وتجار المخدرات، كما حارب مظاهر الفساد من تجارة وترويج للحشيش والمخدرات وبيع الخمور.
سنة 1987 تأسست حركة حماس، وكانت "مجد" النواة الأولى لتأسيس النظام الأمني الداخلي لحماس، وتطور دورها، حيث لم يعد يقتصر على إجراء التحقيقات مع عملاء الكيان الإسرائيلي إنما امتدّ لاقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
خادع الإسرائيليين
يقول تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إن "القراءة الخاطئة لشخصية السنوار شكلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي لإسرائيل"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس ضدّ الكيان الصهيوني يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واعتبر تقرير الصحيفة البريطانية أن الخبرة الإسرائيلية في التعامل مع السنوار، "لم تؤد سوى إلى تهدئة قادة الأمن الإسرائيليين، ومنحهم شعورًا زائفًا بالرضا عن النفس"، وقال ضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية يدعى مايكل ميلشتاين، لصحيفة فايننشال تايمز "لم نفهمه إطلاقًا"، في إشارة إلى السنوار.
وقال تقييم استخباراتي إسرائيلي للسنوار خلال فترة وجوده في السجن، إنه "قاس.. موثوق ومؤثر ومقبول من قبل أصدقائه"، ويعتبر التقييم أن السنوار "يتمتع بقدرات غير عادية على التحمل والمكر والتلاعب ويكتفي بالقليل.. يحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين".
يرأس السنوار حاليًا المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة وذلك منذ 13 فبراير/شباط 2017
ما زاد من طمأنة الاحتلال حديث السنوار خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية عن ضرورة التهدئة، حيث قال "نحن نفهم أن الكيان الإسرائيلي يمتلك 200 رأس حربي نووي وأن لديه سلاح جو هو الأكثر تطورًا في المنطقة، ونحن نعلم أننا لا نملك القدرة على تفكيك إسرائيل"، وأضاف "يجب على الجمهور الإسرائيلي أن يدعم هدنة أو وقف إطلاق نار مع حركة حماس المسلحة".
مخططُ طوفان الأقصى
يعتبر الكيان الإسرائيلي يحيى السنوار، العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى التي كبدت الاحتلال خسائر كبرى لم يعهدها من قبل، وهو ما جعلهم يضعونه على رأس قائمتِها للمستهدفين في الحركة المقاومة الإسلامية حماس.
ويعتبر السنوار المطلوب الأول لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ فترة يسعى لتصفيته، وفق ما أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، وكان هذا الأخير قد قال: "سوف نستمر، سنلاحقه حتى نعثر عليه"، وقبل أيام قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في مؤتمر صحفي: "سنعثر على السنوار وسنقضي عليه”، مضيفا “أقول لسكان غزة: إذا عثرتم عليه قبلنا فإن ذلك سيقصر أمد الحرب".
وتعدّ "طوفان الأقصى" أكبر عملية شنتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الكيان الإسرائيلي مند عقود، وشملت العملية هجوما بريا وبحريا وجويا وتسللا للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة
،وتجاوزت الضربة الأولى للعملية 5 آلاف صاروخ وقذيفة.
وأسفرت العملية عن مقتل حوالي 1500 إسرائيلي بين جنود ومستوطنين، وأسر وفقدان أكثر من 250، بعضهم جنود، وأدت إلى إغلاق المطارات المحلية وسط وجنوب “إسرائيل” أمام الاستخدام التجاري، وألغيت عشرات الرحلات الجوية إلى تل أبيب بمطار بن غوريون.
ويعتقد الكيان الإسرائيلي أن قائد كتائب القسام محمد الضيف هو من نفذ خطة الهجوم في عملية طوفان الأقصى، ولكن العقل المدبر والحقيقي للعملية في الأساس هو يحيى السنوار الذي خبر جيدا حياة المجتمع الإسرائيلي، ويعرف أدقّ تفاصيلهم.
يرأس السنوار حاليًا المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة وذلك منذ 13 فبراير/شباط 2017، وهو جزء مهم من هيكل قيادة حماس المعقد والسري الذي يضم جناحها العسكري وذراعها السياسي، وفق عديد التقارير.
يذكر أنه في سبتمبر/أيلول 2015، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية اسم السنوار على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين"، إلى جانب قياديين اثنين آخرين من حركة حماس هما القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: حرکة المقاومة الإسلامیة الاحتلال الإسرائیلی عملیة طوفان الأقصى الکیان الإسرائیلی فی قطاع غزة حرکة حماس أکثر من
إقرأ أيضاً:
تحقيقات طوفان الأقصى.. الشاباك في مواجهة نتنياهو
أثار تحقيق جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، الذي ركز على الأسباب المباشرة وراء الإخفاق في توقع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (طوفان الأقصى)، جدلا واسعا في إسرائيل، تمحور حول تحديد المسؤوليات والخطوات المستقبلية، ورافق ذلك تبادل للاتهامات بين الحكومة من جهة، وبين المعارضة والمؤسسة الأمنية من جهة أخرى.
وجاء إعلان الشاباك عن تحقيقه بعد أيام قليلة من نشر الجيش الإسرائيلي تقريره الخاص، الذي أقر فيه بعدد من الإخفاقات في توقع الهجوم ومنعه أو التعامل معه.
وبينما اعترف الشاباك أيضا بوجود فشل أمني، فقد وُجهت سهام النقد إلى المستوى السياسي بدرجة أكبر، مع انتقادات أقل حدة للمستوى العسكري.
الشاباك ينتقد سياسات الحكومةحمل التقرير لوما جزئيا على الجيش مشددا على ضعف التنسيق الاستخباري بين الشاباك والجيش مما أدى لمنع اتخاذ خطوات استباقية ضد هجوم 7 أكتوبر.
ولكن الانتقاد الأكثر قوة في التقرير كان للمستوى السياسي، حيث أشار إلى أن عددا من سياسات الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها "الانتهاكات في المسجد الأقصى والتضييق على الأسرى الفلسطينيين، وسياسة الهدوء والسماح بتدفق الأموال القطرية إلى غزة إضافة إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلي" كانت عوامل رئيسية في تمكن حركة حماس من تعزيز قوتها العسكرية.
إعلانوقد اندلعت حرب كلامية واتهامات متبادلة بعد نشر تسريبات في الصحف الإسرائيلية حول وجود تحذيرات من رئيس الشاباك رونين بار لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث كشفت صحيفة يسرائيل هيوم أن جهاز الشاباك قاد رؤية لتصفية قادة حماس وعلى رأسهم يحيى السنوار وطرح مقترحا لذلك في 6 مناسبات على الأقل، ولكن نتنياهو لم يصدق على ذلك.
ووفقا لصحيفة هآرتس، فقد دافع أنصار نتنياهو عنه من خلال سرد حجج مثل "لو أنه تم تنبيهه قبل ليلة من الهجوم، لكان أرسل الجيش كله إلى الميدان، ومنع ما حدث في مستوطنات غلاف غزة، وقواعد الجيش الإسرائيلي".
وتضيف الصحيفة أن "هذا الرد ليس مقنعا لأنه خلال الفترة التي سبقت الحرب، وحتى في الوقت الذي كان نتنياهو يقظا جدا، فإنه لم يطلب من الاستخبارات إعادة فحص تقديراتها، ولم يسألها: ماذا لو كنتم على خطأ، وكان السنوار يضللنا بتهدئة الميدان".
أثارت التقارير الصادرة عن الجيش والشاباك الجدل أيضا حول مسؤولية رئيس الوزراء، إذ كان ملحوظا تحمل كل من رئيس الأركان المستقيل هرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار للمسؤولية عن الإخفاقات بخصوص السابع من أكتوبر، فيما لم يصدر عن نتنياهو أي شكل من أشكال تحمل المسؤولية عن هذا الإخفاق.
وفي هذا السياق، قال هاليفي -في كلمة ألقاها أثناء مراسم تنحيه وتولي خلفه إيال زامير- إنه كان جزءا من الإخفاقات، وقال رونين بار في ملخص تحقيق الشاباك: "بصفتي رئيسا للجهاز، سأحمل هذا العبء الثقيل على كتفي لبقية حياتي".
وفيما يلقي تحمل هاليفي وبار للمسؤولية ضغطا على نتنياهو لأخذ موقف مبدئي حول تحمل المسؤولية كونه صانع القرار الأول، فقد ذكر الكاتب ألوف بن في مقال له بصحيفة هآرتس أن رئيس الوزراء لم يقدم روايته للجمهور واكتفى بالتنصل من المسؤولية عن الكارثة وتوجيه التهم للتابعين له، وظل يتلاعب بالرأي العام الإسرائيلي.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
وكان مكتب رئيس الوزراء قد نفى التقارير التي قالت إن نتنياهو رفض توصية جهاز الشاباك بتصفية قادة حركة حماس قبل 7 أكتوبر.
إعلانولم يصبر أنصار نتنياهو سوى دقائق بعد نشر تحقيق الشاباك حتى شن مقربون منه هجمة على الشاباك، معتبرين أن التحقيق لا يجيب عن الأسئلة الرئيسية بشأن الفشل الاستخباري الخطير وأن استنتاجات التحقيق لا تظهر حجم الإخفاق الذي مني به جهاز الشاباك.
وقد شملت الانتقادات رونين بار الذي تفيد تكهنات بأن نتنياهو يسعى لإقالته بعدما أزاله من طاقم المفاوضات هو ورئيس الموساد ديفيد برنيع.
ووفقا لصحف إسرائيلية فقد قال نتنياهو إن "الشاباك لم يقرأ الصورة الاستخبارية وكان أسير تصور معين"، محملا الشاباك الإخفاق الأمني.
وبعد نشر تقرير الشاباك، هاجم نتنياهو رونين بار مرة أخرى قائلا "إن تقديرات الشاباك قبل أيام قليلة من 7 أكتوبر كانت تركز على أن حماس معنية بالحفاظ على الهدوء ولن تفتح معركة" بل إن رونين بار أوصى بتقديم منافع مدنية لحماس مقابل شراء الهدوء وعدم الدخول في جولة قتال أخرى.
المطالبة بتحقيق أشمللم يتورع قادة المؤسسة العسكرية والأمنية عن الإشارة بشكل مباشر وغير مباشر إلى ضرورة تحديد المسؤوليات عبر لجان رسمية مستقلة، فتوازيا مع طلب هاليفي إنشاء لجنة تحقيق رسمية طالب رونين بار بوجود تحقيق أشمل للمساعدة في الفهم الحقيقي للأسباب التي حالت دون وقف هجوم 7 أكتوبر مع ضرورة أن يطال التحقيق دور العناصر الأمنية والسياسية في إسرائيل.
ومن جانب آخر، يعتقد بار أيضا وفقا لما ذكرته الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" أن هناك نظريات مؤامرة ضده وضد شعبة الاستخبارات العسكرية مفادها أن مسؤولين في الشاباك والاستخبارات العسكرية علموا باستعدادات حماس لهجوم 7 أكتوبر ولكنهم تجاهلوا الحديث عنها بسبب الإهمال أو خوفا من كشف مصادر مهمة.
ويرى بار أنه من أجل قطع الطريق على نظريات المؤامرة هذه، فلا بد من تشكيل لجنة تحقيق رسمية وأن عدم القيام بذلك يبقي الأرضية خصبة لانتشار ادعاءات كاذبة.
من ناحية ثانية، تدور معركة أخرى حول تشكيل لجنة التحقيق الرسمية مع المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا حول مبررات رفض نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق رسمية من خلال الادعاء بأنه "لا يمكن القول إن الحرب انتهت".
إعلانكما انتقدت ميارا عدم تعميم نتنياهو موقف رئيس الشاباك على بقية الوزراء، مما جعله يرد بالقول إنه "موظف.. ما علاقته بهذه القضية؟ وهذا تناقض.. بأي صلاحية يعبر عن موقف دون أن يطالَب بذلك، ومن دون أن يكون هو مرتبطا به أصلا؟".
وكانت الحكومة رفضت سابقا فكرة لجنة التحقيق التي طلبها بار وشهدت الجلسة حينها جدلا واتهامات متبادلة، حيث قالت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية في فبراير/شباط 2025 إن حكومة الاحتلال رفضت طلب رونين بار المشاركة في جلسة خاصة لمناقشة تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر، وتضمنت الجلسة حينها مناقشات حادة.
ووفقا للإذاعة، هاجم نتنياهو بار واصفا إياه بأنه موظف لا علاقة له بلجنة التحقيق الحكومية، كما هاجم وزير الاتصالات شلومو كرعي فكرة تشكيل لجنة تحقيق بناء على قرار قضاة المحكمة العليا قائلا إن "هناك حكومة منتخبة في إسرائيل، ولن تضع مصير التحقيق في أيدي شخص يجب التحقيق معه".
ومن زواية أخرى، قالت المستشارة القضائية إن تشكيل لجنة تحقيق رسمية مرتبط بموقف تم تقديمه للمحكمة في لاهاي، وإن هذا أمر لا يمكن التراجع عنه. وقد سألها نتنياهو "من الذي صدق على ذلك؟"، أجابت بهراف ميارا "أنت يا سيدي".
قد تكون إقالة بار الخطوة المقبلة لنتنياهو، ولكن هذا سيكون موضع خلاف كبير، فوفقا لما ذكرته القناة الـ12، فإن بار صرح بأنه لا يخطط للتنحي عن منصبه حتى يتم إعادة جميع الرهائن وتشكيل لجنة حكومية للتحقيق في الإخفاقات المحيطة بهجوم حماس.
وأفادت وسائل إعلام عبرية، بأن نتنياهو كان يبحث في تداعيات إقالة بار، وتكهنت بأن هذه الخطوة قد تحدث في غضون أسابيع.
وعلى غرار ما حصل في رئاسة الأركان، يبحث رئيس الوزراء عن شخص مقرب منه لإدارة الشاباك، ويعتقد وفقًا لما نشرته هيئة البث الإسرائيلية أن نائب رئيس الشاباك السابق الذي عيّنه نتنياهو في طاقم المفاوضات بدلا عن بار قد يكون مرشحه لإدارة الشاباك.
إعلانوقد يكون لدى رئيس الوزراء مرشحون من خارج الجهاز، وهذا من شأنه أن يشعل خشية من تسييس جهاز الشاباك الذي كان ينظر إليه على أنه مؤسسة مهنية ليست داخلة في الخلافات السياسية.
عاجل | القناة 12 الإسرائيلية عن ضباط متقاعدين: إقالة رئيس الشاباك وسط تضارب في المصالح وفي هذا الوقت انتهاك للقانون pic.twitter.com/scqG0lXJ7O
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 23, 2025
مواقف الرأي العاموفي هذا السياق، أظهر استطلاع رأي أجرته القناة الـ12 الإسرائيلية نشر يوم 5 مارس/آذار الجاري أن 60% من الإسرائيليين يؤيدون استقالة رئيس الحكومة نتنياهو، كذلك أعرب 64% عن تأييدهم لاستقالة رئيس الشاباك رونين بار.
بالإضافة إلى دعم كبير لإنشاء لجنة تحقيق مستقلة حول أحداث 7 أكتوبر، فقد دعم هذه الفكرة 75% من الإسرائيليين، كما أيد 42% إقالة المستشارة القضائية غالي بهراف ميارا، فيما عارض هذه الخطوة 41% من المستطلعة آراؤهم.
تشير هذه الحالة من الجدل والاتهامات بعد نشر جهات متخصصة لنتائج التحقيق أن تراجعا كبيرا في الثقة تجاه المؤسسات المسؤولة عن توفير الأمن في دولة الاحتلال على كافة المستويات، وهو ما يشكل خطرا داخليا.
وعليه، وفق ما نقله موقع "واينت" الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تنضم هيئات أمنية إسرائيلية إلى موقف رئيس الشاباك، الذي يرى أن الطريقة الوحيدة لإعادة تعزيز ثقة الجمهور بالشاباك هي من خلال تشكيل لجنة تحقيق رسمية فقط، وليس لجنة تحقيق حكومية لن تحظى بثقة الجمهور.
فيما سيبقى تعنت نتنياهو حجر عثرة أمام إنشاء هذه اللجنة التي يخشى أن تشكل نتائجها ضربة قاضية لمستقبله السياسي.