بوابة الفجر:
2024-09-19@03:28:25 GMT

منى غنيم تكتب: أنبياء كاذبون

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

منذ بداية الأحداث في السابع من شهر أكتوبر الماضي، تعلق ذهني بالكامل بذكرى واحدة، واقعة واحدة من عمر الزمن قد لا يكترث لها أحد؛ لأنها مثل معظم الأشياء ليست مميزة؛ بل هي مجرد ومضة ضوئية أنجبت صورة "بولارويد" من مئات الملايين من الصور الفوتوغرافية التي تلخص قصتنا على الأرض.

كنت صغيرة السن - لا يتجاوز عمري الـ١٠ سنوات - حين استيقظت على طرقات سريعة ملهوفة على باب شقتنا تشي بآلام صاحبتها وبالمصيبة المتوقعة، كانت جارتنا الست المصرية "أزهار" تستغيث بوالدتي لأن زوجها الفلسطيني - الذي لم أستطع أبدًا تذكر اسمه - سقط مريضًا وهو في حاجة لمساعدة عاجلة، بطبيعة الحال والشخصية المصرية الخدومة هرولت أمي للطابق الذي يعلونا، وتسللت أنا، لا أعرف إن كان تسلل أم إن كان تم جرّي للشقة العلوية، لكنني أتذكر جيدًا جلوسي أمام الرجل المحتضر على سريره وجهًا لوجه وكأن الزمن تجمد؛ كان يشهق وروحه تتسابق للخروج وينظر لي بثبات، وقد أعياه المرض عن محاولة التجمل أو إخفاء الأصوات أو عدم إخافتي، كان نبيًا صادقًا.

ربماكان ينظر لي مستجديًا النجدة؟ وربما كان منتظرًا للاشىء؟ بينما تمكنت السيدتان بنجاح من طلب الإسعاف، توفي الأستاذ الذي لا أذكر اسمه بعدها بأيام قليلة، أما صورة وجهه فقد حُفرت بذاكرتي للأبد، ربما كان يحاول أن يقول أن الشعب الفلسطيني خُلق ليموت؟

قد يبدو نوع من أنواع التجديف أو الهرطقة الفكرية التي لا تؤمن بعصر المعجزات، ولكنها حقيقة دولية منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" الأخيرة، أعرف أنه نزاع مسلح حول حق واضح وبديهي يبدو مثل وضوح وبديهية عمليات الجمع والطرح في الرياضيات، لكنه استمر - وسيستمر - لعدة أجيال، بل وربما زال بزوال الأرض نفسها.

ما استوقفني في الصراع الأخير كان طوفان "الأنبياء الكاذبين" الذي نزلوا لعالم البشر دون عقيدة، هم يعون أن ليس بيدهم الحل وأنهم لا يقدرون على شىء؛ ومنهم الشركات الكبرى التي حاولت بشكل مثير للضحك التنصل من علامتها التجارية من أجل استمرار المبيعات، ثم حرب الفنانين التي لا طائل منها والتي كان ممكن استبدالها بالكامل بشيك تبرعات أو اعتذار صامت عن عمل ما أو صمت موسيقي جميل، ثم المناقشات الدولية - وما أدراك ما المناقشات الدولية - التي لا تسمن ولا تغني من جوع مع دول رئيسية ومنها قائدة العالم الحر شخصيًا المعروفة منذ ولادة المجرات وفصول السنة بمساندتها للكيان الصهيوني وهي لم تبذل حتى أبسط الجهد لإخفاء ذلك بل تعلنه صراحة حتى في قلب الأزمة المشتعلة كما هو الحال الآن.

وبرغم ذلك يتوهم الأنبياء الكاذبون أن بيدهم مفتاح الحل.

الأنبياء الكاذبون في تعريفي الخاص هم كل من يتوهم أنه يدعو لنصرة الحق وهو لا يقدر على شىء وللأمانة لا يكترث حقًا لكنه الترند، لكنها الهوجة، وهل يعلو صوت فوق صوت الجنون؟

تتذكرون مأساة "سيزيف" عندما ارتقى الجبل وهو يحمل الصخرة ثم لا تلبث الصخرة أن تتدحرج للأسفل مجددًا نحو الوادي؟ ما يحدث الآن هو ملايين "السيزيفات" التي سمحت لها "السوشيال ميديا" بالوجود وجميعهم يحاولون الارتقاء لعنان السماء من أجل أن تسقط صخرتهم على الأرض، عقاب أبدي لكنه جدير بالنبوة الكاذبة.

الخلاص لن يأتي إلا بالوحدة، وكيف تنتظر الشىء من غير معطيه؟ كيف تتوقع الوحدة والاتحاد من مجموعة من المتناحرين داخليًا وخارجيًا وعلى كافة الأصعدة، يمزقهم النصب والفساد الذي يسري في الأوردة وفي الضمائر وفي الواقع المشوه، والمصالح الفردية، والغيرة، وقانون الغاب، بل والتنمر القبلي الذي قد يكون حلًا جيدًا لو كنا في سوق عكاظ.

النصر مشروع جاد، ولكن هل نحن جادون؟ تذكرت شخصية "سمارة بهجت" في رائعة نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل"؛ الفتاة الوحيدة الجادة وسط مجموعة من المنحلين المدمنين، ترى هل يمكن تطبيق تجربتها الكاملة على عالمنا الناقص؟ أم يجب "المهادنة" وترقيع الحقيقة بالكذب؟ الساسة يكذبون حين ينادون بوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، ما يريدونه حقًا أن تنجلي الأزمة بعصا سحرية وأن يحيا أولاد العمومة الثلاثة المتجاورين معًا في انسجام تام، كانسجامنا في الأيام الغابرة مع جارتنا، نصعد إلى شقتهم وينزلون إلى شقتنا.

آلهة المنتجات الاستهلاكية الحديثة يكذبون؛ لا أحد مهتم بتحرير الأقصى بقدر اهتمامه بسب هؤلاء الغزاة الخنازير من أجل ثمن زجاجة مياة غازية بالتأكيد لن يتقاسمون ريعها مناصفة مع غزة، أما القنوات التليفزيونية - العربية والغربية - لا تكترث سوى لنسب المشاهدات، ترى هل يمكن وجود واقع لا تشوبه "الواقعية السحرية" بل تشوبه المعطيات والنتائج؟ أم أنه مجرد خيال قارىء؟!

من يريد النصر فعليه بالقوة؛ النبوة الكاذبة ليست سوى مرآة للضعف، ولا تعكس سوى ضحكات السخرية العالمية المستترة وراء كاميرات التصوير التي قد تشجب أو تدين فقط، على حسب الموديل.

((هل هو أمر طبيعي أنني لا أتذكر سوى اسم السيدة جارتنا؟ أم هي مفارقة كونية مقصودة؟))

لا حرية ولا كرامة إلا بالوحدة، وإن كانت مشروع خيالي في مخيلة بعض القراء الرومانسيين مثلي فقط، أما الباقي فتحصيل حاصل.

أما الباقي فنظرة الخواء في عين الأستاذ المتوفي رحمه الله الذي لم أفك شفرتها حتى الآن.

((أكانت استغاثة أم استجابة للمصير؟ ))

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

محجوب فضل بدری: أنقذو عبد الرحيم

-إنَّه وزير الدفاع الوحيد الذی فعل ما لم يفعله كل وزراء الدفاع الذين مرّوا علی الوزارة منذ إستقلال السودان،وإن لم يفعل سویٰ تأهيل سلاح الطيران،لكفاه ،فمن تأسيس جامعة كرری التی تُعنیٰ بتدريب الطيارين إلیٰ استجلاب أنواع مختلفة من الطاٸرات المقاتلة المجنحة والطوافة،وطاٸرات التدريب،حتی أصبح سلاح الجو هو السلاح الأول فی جيشنا الذی يحقق فی حرب الكرامة الإنتصارات الساحقة فی المعارك،والضربات الماحقة للمتمردين،والذراع الطويلة التی تطال رقاب الإرهابيين، وأصبح أزيز الطاٸرات الحربية نغمة يتغنی بها الناس،ونسور الجو ايقونة يسعد برٶيتها الشباب والكبار،وقد حقق نسور الجو الهدف القاتل فی شباك التمرد منذ الوهلة الأولیٰ ۔
-وعبدالرحيم من شباك زنزانته يسعد بهذه الإنتصارات وهو يریٰ أحلامه تتحقق فی سلاح جو سودانی يُعتد به،ولكنه فی الزنزانة لا يتمتع بالحرية ولا بالحق فی العلاج وليته كان بصحة جيدة،أو حتَّیّ وسط !! لكن التقرير الطبی يقول :-
عبدالرحيم محمد حسين
العمر فوق ٧٥سنة
-داء السكرى والضغط المزمنين۔
أعراض ذبحة صدرية:
-الدوخة المتكررة
-ألم بالصدر
-ضيق التنفس
-التعرق عند بذل المجهود
-إحتمال إنسداد فی أحد الشرايين
التوصية :يُنقل لمستشفیٰ مروی، لعمل قسطرة للقلب
ومن ثم إجراء فحوصات بالرنين المغنطيسی۔
لعناية سعادة السيد القاٸد العام للقوات المسلحة السودانية
كما هو معلوم لسعادتكم فإنَّ الطلب ليس إطلاق سراحه، ولا سفره للخارج لتلقی العلاج،ولكن فقط نقله لمستشفی مروی۔
صاحب السعادة القاٸد العام حالة عبد الرحيم بين يديكم للإنتصار للمُثُل السودانية الراسخة،
ولإحياء القواعد العسكرية المتبعة،
وللوفاء للرجل الذی كان من بعد الله سبباً فی النصر للوطن وللشعب وللجيش۔
أنقذوا عبد الرحيم، فإن مات فی معتقله نتيجة الإهمال، فالموت سبيل الأولين والآخرين،لكن اللوم ما بيشبهكم۔
ألا هل بلغت اللهم فاشهد۔

محجوب فضل بدری

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مجلس الشورى يدين العدوان السيبراني الذي نفذه الكيان الصهيوني على لبنان
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • شاهد - الصاروخ اليمني فلسطين (2) الذي ضرب قلب يافا
  • مكاري: لا أحد كان يتوقع الخرق الاسرائيلي الذي حصل أمس
  • المغترب حمدوك الذي لم يُعرف له موقف ولم يُسمع له صوت قبل توليه المنصب
  • محجوب فضل بدری: أنقذو عبد الرحيم
  • تعرف على جهاز البايجر الذي استخدمه العدو لارتكاب جريمته في لبنان
  • ما هو جهاز بيجر الذي أصاب المئات وتسبب بحالة هلع في لبنان وسوريا؟
  • بعد طائرة “يافا”.. ما الذي حمله الصاروخ اليمني إلى قلب الكيان؟
  • ما الذي يُفسر تعافي اقتصادات جنوب أوروبا؟