رأي اليوم:
2025-11-04@16:48:17 GMT

د. نائلة تلس محاجنة: مغامرة السطور…

تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT

د. نائلة تلس محاجنة: مغامرة السطور…

د. نائلة تلس محاجنة نشأتُ من رحم امي الاميّة التي لا تستطيع سوى رسم اسمها حين يطلب منها التوقيع، لكنها كانت تحترق الماً يومياَ وتقص علي قصصها مع حياة الماضي، وكيف ان والدها حرمها من ان تتعلم في المدرسة تعصبا منه بحجة التعلم مع “الذكور” حينها مع بداية الخمسينات من القرن الماضي وفي اول مدرسة في ام الفحم التي أقيمت في العهد البريطاني من العام 1925.

وعلى أثر هذه الحكايات، شهدت امي الابية كيف كانت تتغزل بالكتب والمكتبة في بيتنا، تحملها وتنظفها وتتأمل صفحاتها التي لطالما حلمت في ان تقرأ منها، وهيهات فقد اكتفت بمداعبة صور الاغلفة والصفحات، فزرعت في نفسي قيمة هذه الكتب والروايات والادب برغم عدم قدرتها على فك حروفها، وهذا ما اخترق جوارحي حين كنت بالحادية عشر اقرأ “بين القصرين” وفي بيتنا رجل” وارتبط حبلي السري في مغامرة بين القلب والعقل وحب اللغة والقراءة والكتب. ومع عصر الابتكارات التكنولوجية المتسارعة والسحر البصري لوسائل الإعلام المتعددة، قد يظن البعض أن القراءة قد فقدت بريقها وتلاشت أهميتها في حياتنا المعاصرة. ومع ذلك، إذا ألقينا نظرة عبر التاريخ البشري وثقافاته المتعددة، سنكتشف أن القراءة لم تكن مجرد نافذة إلى المعرفة بل كانت حجر الزاوية الذي شيدت عليه الحضارات بأكملها.  تعد القراءة عبر الحضارات من أبرز العوامل التي ساهمت في تقدم البشرية. فمنذ القدم، استخدم الناس الكتب والمخطوطات لنقل المعرفة والخبرات وتوثيق التاريخ. فقد شهدت العديد من الحضارات العريقة مثل الحضارة الإغريقية والحضارة العربية والإسلامية والحضارة الصينية ازدهاراً ثقافياً كبيراً بفضل القراءة. ومن بين سدود ظلام العصور الماضية، انبثقت الحكمة والعقل من رحم الكتب، حيث أسس المفكرون والفلاسفة قواعدهم الفكرية والأخلاقية بالاستناد إلى النصوص المقدسة والمؤلفات الفلسفية. ومن خلال القراءة المتأملة والتأمل المستنير، تم تشكيل العقول وتغذية الأرواح واكتساب المعرفة العميقة. اذ ان أفلاطون، الطالب المشهور لسقراط، ألف العديد من الأعمال المكتوبة التي تحتوي على مفاهيم فلسفية عميقة. وفي أعماله، أكد على أهمية الدراسة والبحث والتعلم، ووضع القراءة والانغماس في العلوم والفلسفة كطريقة لتحقيق الحقيقة والفهم العميق، اما أرسطو، الفيلسوف اليوناني الآخر وتلميذ أفلاطون، كان يشدد على أهمية القراءة والتعلم المستمر لتطوير القدرات العقلية والمعرفية. وضع نظرياته الفلسفية في مجالات متعددة مثل المنطق والأخلاق والسياسة والعلوم الطبيعية، وعزز فكرة أن القراءة والدراسة هي أدوات أساسية لتحقيق التقدم والتطور. إن الكتب هي كنوز تحتضن أفكار العباقرة وتجارب الشعوب. قد تبدو مجرد ورق وحبر، لكنها تحمل قوة لا تُضاهى في تحويل الأفكار إلى أفعال وتغيير العالم. ففي صفحاتها الملونة، تتجسد الثورات والتغييرات الاجتماعية والاكتشافات العلمية. إنها بوابة الى عوالم مدهشة وأفق مفتوح للإبداع والتخيل. حيث قال الفيلسوف العربي الأندلسي ابن باجة: “الكتب هي أصدق الأصدقاء وأوفى الأوفياء، ففيها تجد العلم والمعرفة والإلهام” ولا شك ان في هذا العالم الرقمي المليء بالتشتت والسرعة، فيه تتحول القراءة إلى وسيلة للتأمل والتركيز. إنها فرصة للانغماس في عوالم مختلفة، وتوسع الأفق الفكري والشبكات الذهنية والمعرفية. وقد أشار الفيلسوف العربي الأندلسي ابن خلدون إلى أهمية القراءة في تنمية الفكر والثقافة قائلاً: “القراءة هي الغذاء الروحي الذي يمد العقل بالحكمة والمعرفة”. وإذا ما امهلنا أنفسنا للحظة وسحبنا أنفاسنا من صخب الحياة اليومية، نجد في الكتب صديقًا مخلصًا ومعلمًا حكيمًا يقودنا نحو الحقائق العميقة والمعرفة الأبدية.  فالقراءة هي الرافد الاساسي للتعلم والتنمية الشخصية، وهي المفتاح الذي يفتح لنا أبواب المعرفة والفهم العميق. إنها رحلة استكشافية تأخذنا إلى عوالم جديدة، تفتح أمامنا آفاقاً متعددة وتعزز قدراتنا العقلية والابتكارية. من خلال القراءة، تتشعب مخيلتنا ونزيد من معرفتنا وثقافتنا، ونفتح آفاقاً جديدة تساهم في تشكيل آراءنا وتوسيع آفاقنا التبصرية. تمثل القراءة جسراً ثقافياً بين الأجيال، حيث يتم تمرير المعرفة والقيم من جيل إلى جيل. وهي وسيلة لنقل التراث الثقافي والأدبي، وبفضلها يمكننا الاستفادة من تجارب الآخرين وتعظيم إمكاناتنا الذهنية. إن قراءة الكلاسيكيات الأدبية والفلسفية تساعدنا على فهم التطور الحضاري للبشرية وترسيخ القيم الجمالية والأخلاقية في نفوسنا. بالإضافة إلى ذلك، ترسي وتمتّن القراءة القدرة على التفكير النقدي والتحليل، وتطور مهارات الاستيعاب والتركيز. فعندما نقرأ، نضع أنفسنا في موقف الباحثين والمستكشفين، نتعلم كيفية استيعاب المعلومات وتحليلها وتقييمها. وهذه المهارات العقلية الناتجة عن القراءة تنعكس إيجاباً على ممارسات حياتنا الشخصية والمهنية. دعونا نقر بكل يقين أن القراءة هي مفتاح سرّ العظمة والتفوق، وكنز من خلاله تولّد شعلة الفكر وتغذّي نار التجدد والتبصر. بوصفها أداة القراءة، نرتقي لمستويات أعلى من الوعي والتفهّم، ونكتسب القوّة لتأثير على الواقع وبناء مستقبلٍ يليق بنا. في عالم الكتب، نغوص في رحلة استنباطية لا تعرف حدوداً زمانية أو مكانية. فتاريخ وحضارات تتجلى أمامنا، وأفكار وآراء تخطف الأنفاس تتراوح من الكلاسيكيات العتيقة إلى الأعمال العصرية الجريئة. هذه الرحلة المدهشة هي ما يمنحنا المفتاح الرئيسي لتحقيق النجاح والتميّز في حياتنا. فلنتحدى الحدود ولنرتقي بأنفسنا من خلال صفحات الكتب، ولنتحول إلى روادٍ يتسلحون بسلاح العلم والمعرفة، فحينها سنكون قادرين على التغيير وبناء مستقبلٍ أفضل وأكثر إشراقاً. ولنتذكر ونذكر صغارنا دوماً أن القراءة ليست مجرد هواية تسلية بل هي عبورٌ جريء نحو أفق التعلم والتنور. فهي كنز يمكننا استغلاله بأساليب بليغة وبلاغة فائقة. لنطورِ قدراتنا اللغوية ونتألق بأفكارنا الجريئة، لتصبح الكتب شهوداً على إبداعاتنا ومصدر إلهام للعالم من حولنا. فلنمسك بقلم القراءة بقوة، ولنغوص في بحار الكتب بشغف وشجاعة. ففي دفء الصفحات وأبجديات الأحرف، يتجلى أمامنا استعراض حكمة العصور وجمال الأفكار. وعندما نعيش واقع الكتب ونتنفس هواء أفكارها، سندرك أن القراءة هي السرّ الأعظم للتحكم في مصيرنا وبناء حضارتنا. فبيوتنا التي فقدناها ولم يبقى سوى مفاتيحها يحملها الأجداد فان على الاجيال القادمة ان تحمل بفخر مفتاح القراءة والعلم، لنتحلى بروح المغامر والباحث، ونعيش حياة لا تعرف القيود والتقييدات. لنضع بصمتنا على صفحات التاريخ ونصبح جزءاً لا يتجزأ من حضارتنا، فالقراءة هي النهج الذي يشقّ لنا طريق الى ارتقاء الأوطان. ولنتأهب للمغامرة العظيمة في عوالم القراءة، حيث تكمن حكمة الأجداد وروعة الأفكار الحديثة، ولنستعد لأن نكون استنارة تضيء طريق العالم من حولنا لنشِهد التاريخ على آثارنا. كاتبة فلسطينية

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

الجينوم العربي ورهانات السيادة المعرفية

في قلب الثورة البيولوجية التي تعيد تشكيل مفهوم الصحة والهوية والتاريخ البشري، يظل العالم العربي غائبًا عن مسرح الأحداث العلمية الكبرى، خصوصًا في حقل الجينوم البشري، الذي بات يشكل العمود الفقري للطب الدقيق، والتشخيص الاستباقي، وتطوير استراتيجيات الأمن الغذائي. لا يكمن التحدي في ضعف الحضور العربي داخل هذا الميدان، بل في غياب تصور استراتيجي يتعامل مع البحث الجينومي كأداة سيادية معرفية، لا كمجرد مشروع أكاديمي منفصل عن مسارات التنمية والقرار السياسي.
يمر البحث العلمي العربي بحالة يمكن توصيفها بالانكماش البنيوي المزمن، تتمثل في قلة الاستثمار، وتفكك المنظومة المؤسسية، وغياب الإرادة السياسية الفاعلة. في الوقت الذي تُنفق فيه الدول المتقدمة ما بين 3 إلى 4% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث العلمي، تكتفي معظم الدول العربية بأقل من 1%، بل إن بعضها لا يتجاوز عتبة 0.2%. هذا التفاوت لا يُترجم فقط إلى فجوة في عدد الدراسات أو الأبحاث المنشورة، بل إلى غياب شبه تام عن طاولات القرار العلمي الدولي، حيث تُرسم خرائط المستقبل الجيني للبشرية.
تكمن أهمية الجينوم العربي في كونه خزانًا معرفيًا حيويًا لفهم أمراض المنطقة وتاريخها الوراثي وتنوعها السكاني، إضافة إلى ما يمكن أن يقدمه من أدوات لا تقدر بثمن في تطوير نظم الرعاية الصحية، وتمكين الزراعة المحلية من مجابهة تحديات المناخ والإنتاج. إن دراسة الجينوم العربي أصبح ضرورة استراتيجية تمس الأمن الحيوي للمنطقة، وقدرتها على الاستقلال في إنتاج المعرفة، وتوطين الحلول الصحية والغذائية.
رغم هذه الأهمية، تظل المساهمة العربية في البحوث الجينومية العالمية متواضعة إلى حد الغياب. تشير الدراسات إلى أن التمثيل العربي في المشاريع الجينومية الكبرى لا يعكس بأي حال من الأحوال الثقل الديمغرافي والثقافي والبيئي للمنطقة. فالتنوع الوراثي الغني الذي تحمله المجتمعات العربية، نتيجة التداخلات التاريخية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، لا يجد طريقه إلى المختبرات الدولية، ولا يتم توثيقه في قواعد البيانات العالمية. وبهذا الغياب، لا تُحرم المنطقة من المشاركة في المستقبل فقط، بل تُقصى أيضًا من صياغة المعايير العلمية التي ستؤطر الطب والسياسات الصحية لعقود قادمة.
وتتعمق الأزمة حين ننظر إلى العلاقة المأزومة بين البحث العلمي والهجرة. يسعى العديد من العلماء العرب إلى مواصلة مسيرتهم البحثية في بيئات علمية توفر لهم شروطًا أكثر ملاءمة من حيث الدعم المؤسسي، والبنية التحتية، وحرية الاستكشاف العلمي. وغالبًا ما يكون قرارهم بالعمل في الخارج مدفوعًا برغبتهم في تطوير مشاريعهم ضمن منظومات بحثية ناضجة، تسمح لهم بتحقيق إمكاناتهم الكاملة، وهو ما لا يزال يمثل تحديًا في عدد من المؤسسات العلمية في المنطقة العربية. 
المفارقة القاسية أن الباحث العربي يصبح فاعلًا حين يغادر وطنه، وغائبًا حين يعود إليه. وهنا يكمن الخطر؛ ليس فقط في هجرة العقول، بل في فقدان الاتصال بين المراكز العلمية العالمية والمجتمعات التي أنتجت هذه العقول أصلًا.
وما يزيد المشهد تعقيدًا هو افتقار العالم العربي إلى سياسة بحثية متكاملة، تُعنى بخلق بيئة علمية مؤسساتية، وتوفر شروطًا عادلة للتفوق الأكاديمي، وتحول المعرفة إلى خيار استراتيجي. فالجامعات تعمل غالبًا في جزر منعزلة، والمراكز البحثية تفتقر إلى التمويل والاستقلالية، والتعاون الدولي لا يتجاوز حدود المؤتمرات الشكلية أو اتفاقات النوايا.
مع ذلك، ثمة إشارات مضيئة، رغم محدوديتها، توحي بإمكانية تشكّل نواة لتحرك عربي منسق في ميدان البحث الجينومي. فمشروع "قطر جينوم" يُعد من المبادرات الطموحة في بناء قاعدة بيانات وراثية للسكان، تُوظّف في تطوير تطبيقات الطب الدقيق على نحو علمي ومنهجي. 
وفي مصر، يمضي مشروع الجينوم البشري الوطني بخطى واعدة، وإن كان مرهونًا بتجاوز تحديات لوجستية وتنظيمية معقدة، إلا أنه يحمل مقومات التحول إلى نموذج فعّال للربط بين المعرفة الجينية والاحتياجات الصحية الوطنية. 
وإلى جانب ذلك، يُمثّل مشروع الجينوم الإماراتي تجربة بالغة الأهمية، ليس فقط لحجمه الطموح الذي يهدف إلى جمع وتحليل مليون عينة جينية، بل لما يحمله من رؤية شاملة تربط بين المعرفة البيولوجية والاستثمار في الصحة الوقائية، مستندًا إلى بنية تحتية متقدمة واستراتيجية وطنية واضحة. 

هذه المبادرات، رغم تباعدها الجغرافي وتفاوت قدراتها، تشكّل في مجملها مؤشرات أولية على إمكانية بلورة كتلة علمية حيوية تتعامل مع الجينوم العربي بوصفه ملفًا سياديًا متكاملًا، لا موضوعًا أكاديميًا عابرًا.
في ضوء هذا الواقع، لا يمكن الحديث عن نهضة في علم الجينوم العربي دون ربطه بإعادة تأسيس حقيقية لمفهوم البحث العلمي في المنطقة. يتطلب ذلك إرادة سياسية تعتبر المعرفة جزءًا من الأمن القومي، واستثمارًا طويل الأجل لا تُقاس نتائجه بالحسابات الاستثمارية المحدودة الأفق، بل بقدرة الدولة على الصمود والابتكار وتحقيق السيادة المعرفية.
ما يجب التفكير فيه بعمق هو: لماذا لا نُعامل الجينوم بوصفه بُعدًا من أبعاد الهوية العربية؟ ولماذا لا يُنظر إلى التنوع الوراثي كأصل استراتيجي يُبنى عليه خطاب علمي مستقل؟ إن ما نفتقده اليوم ليس مجرد تمويل أو بنى تحتية، بل رؤية تنقلنا من موقع المستهلك للمعلومة الجينية إلى موقع المنتج للمعرفة البيولوجية. وحين يتم ذلك، لن يكون الجينوم العربي مجرد مشروع علمي، بل أفقًا جديدًا لإعادة تعريف علاقتنا مع العالم، ومع أنفسنا.
وفي لحظة يندفع فيها العالم نحو اقتصاد المعرفة الحيوية، حيث تتحوّل المعلومات الجينية إلى سلعة استراتيجية، يصبح غيابنا عن المشهد ليس مجرد تقصير، بل تهديدًا صامتًا لمستقبلنا الصحي، وغربتنا عن أحد أهم الميادين التي ستحدد شكل العالم القادم.

مقالات مشابهة

  • نائلة جبر تتحدث عن أبرز الاستراتيجيات الوطنية والدولية لمكافحة الهجرة وتهريب المهاجرين
  • أطول رحلة طيران في التاريخ... ماذا تعرف عن طائرة هاسيندا التي حلّقت 64 يومًا دون توقف؟
  • بالفيديو ….بعد 20 سنة… 65 موظفًا من الاقتصاد الرقمي إلى المجهول
  • سعود بن صقر: العلم والمعرفة وبناء الإنسان ركائز أساسية في مسيرتنا
  • الطفل الذي غير وجه التاريخ.. القصة الحقيقية لحسين عبد الرسول مكتشف مقبرة توت عنخ آمون
  • الفتى الذي غير التاريخ.. القصة الحقيقية لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون
  • جامعة قطر تطلق "الهاكاثون الصحي 2025"
  • بسبب "طباعة الكتب".. توقيف وزير التربية الليبي
  • الميول الأدبية لدى الأطفال أحدث إصدارات دار الكتب
  • الجينوم العربي ورهانات السيادة المعرفية