خسائر إسرائيل وحقيقة مساعدات أميركا والخليج
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
خسائر إسرائيل وحقيقة مساعدات أميركا والخليج الضخمة
الاقتصاد الإسرائيلي يراكم خسائر هائلة يوماً بعد آخر منذ بدء عدوانه على غزة.
من المتوقع أن يتواصل هذا التراجع في الاحتياطي الأجنبي خلال الشهور المقبل.
إسرائيل بحاجة إلى سيولة نقدية ضخمة وعاجلة تعوضها عن الخسائر الكبيرة التي تلاحقها حاليا وترمم عجز موازنتها الحاد.
الأموال التي قد تضخها الإمارات في اقتصاد إسرائيل ربما لن تكون مساعدات نقدية ومنح وودائع مباشرة، بل ستكون استثمارات مباشرة في مشروعات وشركات.
* * *
لا أحد ينكر فداحة الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي جراء الحرب الإجرامية على غزة. أحدث الأرقام في هذا الشأن ما كشفه البنك المركزي الإسرائيلي أمس عن حدوث تراجع كبير في احتياطي النقد الأجنبي بقيمة 7.3 مليارات دولار بسبب الحرب على القطاع.
واكب هذا التراجع حدوث قفزة في أعداد العاطلين من العمل وبنسبة زيادة 460% خلال الشهر الماضي.
ومن المتوقع أن يتواصل هذا التراجع في الاحتياطي الأجنبي خلال الشهور المقبلة مع إصابة قطاعات حيوية مدرة للنقد الأجنبي بنزيف حاد، مثل السياحة والطيران والاستثمارات المباشرة والصادرات ونزوح الأموال من القطاع المصرفي، ومواصلة الإسرائيليين والمستثمرين الأجانب على حد سواء تهريب أموالهم إلى الخارج، وزيادة الطلب على حيازة الدولار والتخلص من الشيكل، إضافة إلى التكاليف المباشرة للحرب والتي تتحملها ميزانية الدولة وتقدر بنحو 200 مليار شيكل (51 مليار دولار).
هذه الكلفة مرشحة للزيادة مع طول أمد الحرب، واضطراب الأنشطة الاقتصادية، وفشل جيش الاحتلال في حسم الحرب على المدى القصير، وتعثر الغزو البري، واستمرار تدفق صواريخ المقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلة، واحتمال تراجع الصادرات مع تصاعد حملات المقاطعة، وتجميد مشروعات التطبيع سواء مع بعض دول الخليج مثل السعودية والبحرين أو دول عربية أخرى، منها المغرب والسودان وليبيا.
ومع تفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي يسارع البعض للتقليل من مخاطرها وكلفتها على دولة الاحتلال، والتأكيد على أن الولايات المتحدة وبعض دول الخليج والدول الداعمة للحرب ستعوض تلك الخسائر، وأن مليارات الدولارات ستتدفق من الخزانة الأميركية والخليجية على خزانة دولة الاحتلال الخاوية لتعيد ترميمها من جديد، وتغطي العجز الناتج عن تكاليف الحرب.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالأموال التي وعدت الإدارة الأميركية بتدبيرها لدولة الاحتلال وتبلغ قيمتها 14.3 مليار دولار ستكون على الأغلب في صورة أسلحة وعتاد عسكري ودعم للمجهود الحربي، حيث سيتم تخصيص 4 مليارات دولار لمنظومتي الدفاع الجوي (القبة الحديدية ومقلاع داود)، و1.2 مليار دولار لمنظومة "الشعاع الحديدي" لمواجهة التهديدات الصاروخية قصيرة المدى والقادمة من غزة ولبنان واليمن، ومليارات أخرى لتمويل أمن الحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض عمليات نقل العتاد من المخزونات الأميركية لدولة الاحتلال.
وبالتالي قد لا يكون الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية المقدمة لإسرائيل في شكل سيولة نقدية وأموال تضاف للاحتياطي الأجنبي مثلا، علما بن هناك معارضة أصلا لإرسال تلك المساعدات من قبل أعضاء بالكونغرس في ظل العجز الهائل الذي تعاني منه الموازنة الأميركية ووصول الدين الأميركي لمعدلات خطرة، حيث تتجاوز قيمته 35 تريليون دولار، وبلوغ قيمة المدفوعات المستحقة عليه أكثر من تريليون دولار في عام.
والأموال التي قد تضخها بعض دول الخليج، وتحديدا الإمارات، في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي ربما لن تكون في شكل مساعدات نقدية ومنح وودائع مباشرة، بل ستكون في شكل استثمارات مباشرة في مشروعات وشركات.
فقد أعلنت الإمارات في مارس/ آذار 2021 إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار في إسرائيل يهدف للاستثمار في قطاعات وصفتها بالاستراتيجية، بينها الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية.
وهذه الاستثمارات تحتاج إلى سنوات طويلة لضخها، خاصة مع هز المقاومة الفلسطينية الصورة الذهنية لدولة الاحتلال واستقرارها الهش وتهديد موقعها كجاذب لقطاع الأعمال والشركات العربية والعالمية.
كما أن الحديث الإماراتي عن مشروعات كبرى، منها تدشين شراكة اقتصادية شاملة بين البلدين، وتنفيذ خطة لزيادة العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل إلى أكثر من تريليون دولار خلال العقد المقبل، وتأسيس مناطق حرة، وإبرام صفقات استحواذ كبرى، منها شراء صندوق أبوظبي السيادي 30% من أسهم شركة "فينيكس غروب" الإسرائيلية مقابل 2.5 مليار دولار، كل ذلك قد يصاب بالجمود في الفترة المقبلة بسبب تدهور الوضع الأمني وربما السياسي لاحقا داخل دولة الاحتلال، وبالتالي فإن استفادة إسرائيل من هذه المشروعات ستظل حبرا على ورق إلى حين.
أما البحرين التي أبرمت اتفاقات تطبيع مع دولة الاحتلال، فإن اقتصادها بحاجة أصلاً إلى مساعدات نقدية ومزيد من الديون الخارجية، وبالتالي فهي غير قادرة على مساعدة دولة الاحتلال في مواجهة تلال الخسائر التي تعرضت لها بسبب الحرب على غزة.
إسرائيل بحاجة إلى سيولة نقدية ضخمة وعاجلة تعوضها عن الخسائر الكبيرة التي تلاحقها حاليا وترمم عجز موازنتها الحاد، وتعوضها عن تهاوي الإيرادات الأجنبية، وهذه السيولة لن تأتي في المستقبل القريب، وقد لا تأتي أصلا إذا ما استمرت الأوضاع الأمنية في التدهور داخل إسرائيل، وتواصل هروب الإسرائيليين للخارج مع استمرار تدفق صواريخ المقاومة على الأراضي المحتلة.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل أميركا الإمارات الشيكل الاحتياطي الأجنبي طوفان الأقصى الحرب على غزة الاقتصاد الإسرائيلي بورصة تل أبيب البنك المركزي الإسرائيلي الاقتصاد الإسرائیلی دولة الاحتلال ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
لبنان وسوريا ما بعد انتخابات أميركا
تعتبر عودة دونالد ترامب المثيرة إلى البيت الأبيض وما رافقها من ظهور مؤشرات قوية لتصعيد ميداني كبير في لبنان وسوريا، أبرز التحديات المقبلة، فالمؤشر الأوَّل جاء عشية الانتخابات الأميركية مع إقالة رئيسِ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزيرَ الدفاع يوآف غالانت من موقعه وتعيين يسرائيل كاتس الأكثر تطرفًا مكانه.
في الضفة الأخرى، أتى خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، التصعيدي عقب ساعات من فوز دونالد ترامب، في ذكرى أربعين السيد حسن نصرالله، على الرغم من أن الخطاب أتى مسجلًا ومتأخرًا في العناوين والتطورات.
والأكيد أن فوز ترامب بالرئاسة الأميركية كان مفاجأة من العيار الثقيل، بعد صراع طويل قاده طوال السنوات الأربع الماضية، وجاء حافلًا بالصراعات الدامية والأحداث العنيفة.
فمع خروجه من البيت الأبيض بعد رفضه نتائج انتخابات العام 2020، واتهامه بالوقوف وراء الهجوم على مبنى "الكابيتول هيل" في حادثة تُعتبر من النوادر في التاريخ السياسي الأميركي، ومطاردته في المحكمة الجنائية واتهامه بالتهرب الضريبي، وأخيرًا وليس آخرًا نجاته من محاولة اغتياله، عاد ترامب بفوز ودعم شعبي واسع.
وسريعًا في قراءة لطبيعة المعركة التي جرت على المستوى الداخلي، فقد نجح في استثمار محاولات اغتياله، ما جعل الشارع الأميركي يتجاوز مشهد اقتحام الكابيتول في 2020. وهو استفاد من التحديات الداخلية، كالارتفاع المتسارع للأسعار وتحديدًا أسعار النفط، إضافة لملف المكسيك والهجرة، والاستثمار بهذا الملف على أنه يهدد الهوية الوطنية الأميركية، ويشجع على الجرائم.
ولم يتوقف ترامب عن استغلال ملف الحروب التي انخرطت واشنطن في دعمها والتي باتت تستنزف المال العام الأميركي وتحديدًا الحرب الأوكرانية – الروسية، لكن الملف الأهم الذي عمل على مخاطبة المتدينين الأميركيين به هو رفع الحماية عن المتحولين جنسيًا، وهذا السياق يندرج ضمن السياسة المحافظة للحزب الجمهوري، في مقابل المفاهيم الليبرالية للحزب الديمقراطي.
وخلال مخاطبته جمهور الشباب الأميركي كان ترامب حريصًا على إعلانه وعدًا بالسعي الجاد والنهائي لوقف الحروب الحاصلة في الشرق الأوسط وتحديدًا غزة ولبنان، رغم أنه لم يقدم أي تصور واضح لوقفها، لكنه كان وعدًا انتخابيًا لايزال العديد يعول على تنفيذه.
وفي الحرب الأوكرانية – الروسية، سيسعى ترامب إلى إنهائها والتي كلفت واشنطن تكاليف كبرى، وذلك وفقًا لتفاهمات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأكيد أن ترامب إذا ما أوفى بتعهداته الانتخابية بوقف الدعم المالي والعسكري عن إدارة الرئيس زيلينسكي، لإجباره على الذهاب إلى إعلان وقف الحرب ولو بشروط لا تلائمه، فهذا الخيار يعني بالضرورة ترك أوروبا تصارع بوتين وحيدة، ما يعني تخلخل حلف شمال الأطلسي الذي كان ترامب في العهد السابق معاديًا له.
فيما الحرب المندلعة دون أفق لانتهائها في إقليم الشرق الأوسط، تتقاطع المصالح وتتشابك وتجعل المشهد عصيًا على إدراك التبعات التي ستخلفها حروب المنطقة، في ظل توسع هوامش اللاعبين الكبار في المنطقة.
فيما كان اللافت وفق كل المراقبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبق ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، بإقالة يوآف غالانت، الصديق الأقرب لإدارة بايدن، والذي كان يعارض نتنياهو في استمرار الحرب وميله الدائم لوقف الحرب مع لبنان وغزة، عبر إنجاز تسوية سياسية تؤدي لوقف الحرب واستعادة الأسرى.
إيرانيًا بدت ردود الفعل صامتة تجاه نتائج الانتخابات الأميركية، حيث بادرت طهران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بأنّه لا يوجد فارق كبير بالنسبة لإيران بين ترامب وبايدن، وهذا الجواب يخفي في طياته الحقيقية بعض القلق.
إذ لم يعد سرًا أن طهران عملت على بقاء الديمقراطيين، لأن مرحلة اختبارها للولاية الأولى لترامب كانت غير مشجعة، على المستوى الأمني والمالي والعقوبات والتشدد في تطبيقها، بخلاف ما حصل خلال ولاية بايدن الذي غض النظر عن بيع إيران نفطها في السوق السوداء، ما جعلها ترتاح ماليًا وتعود للعمل الخارجي بشكل أفضل.
وفي سوريا، يكمن خوف وترقب مزدوج، فالأسد الذي عول على تثمير صمته السياسي والميداني في حرب غزة، وعلى الدور الروسي، يخشى من سياسات ترامب تجاه النظام، وهو الذي تشدد في عقوباته تجاه النظام عبر قانون قيصر، وكان يسعى للإطاحة بالنظام وفق تفاهمات تقتضي حلولًا جديدة للواقع السوري وفق معالجات مشتركة مع تركيا، وروسيا، والعرب.
والأكيد أن دور روسيا في إبعاد الأسد عن تلاحم الساحات، بالإضافة إلى دور بعض الدول العربية التي انفتحت على دمشق لإخراجها من الحضن الإيراني، باتت تسبب انزعاجًا وشعورًا بالخيبة لدى حزب الله من الأسد، وخاصة في ظل تزايد الإجراءات الأمنية والسياسية والتي باتت تضيق هامش تحرك عناصر الحزب في دمشق وحمص، وخصوصًا حركة نقل الأسلحة.
بالإضافة إلى إجراءات أمنية اتخذت في جنوب سوريا عبر فرض وقائع جديدة على تحركات الحزب وحلفاء إيران، وعدم السماح بأي تحركات أو عمليات عسكرية من الجنوب السوري، والتي ترجمت بانسحاب الفصائل العراقية من الجنوب السوري، وذلك منعًا لحصول مواجهة مع الإسرائيليين، الذين قد يتخذون من وجود هذه الفصائل ذريعة للإقدام على خطوات عسكرية داخل الأراضي السورية.
وليس من باب المصادفة أن تعمد أطراف إقليمية وعربية إلى تسريب أفكار متعلقة بسوريا واليوم التالي للحرب، فالأطروحات التي تناقش بين أطراف متعددة باتت تتحدث عن نقل صلاحيات الأسد لرئيس حكومة "سني" وقبوله بواقع سياسي يشبه لبنان بعد انتهاء الحرب واتفاق الطائف في 1990 والذي أتى بشخصية رفيق الحريري بعد نقل الصلاحيات المطلقة من رئيس الجمهورية للحكومة مجتمعة، وهذا ما يجري التخطيط له لسوريا في عهد ترامب وفق مستشاريه العرب والذين أظهروا وعودًا للجاليات السورية في الولايات المتحدة بإبرام اتفاق نهائي وحاسم في الجغرافيا السورية.
وهذه التطورات تعزز القناعات بأن التوقيت والظروف يوحيان بأشهر قليلة ملتهبة، بهدف تعزيز الأوراق التفاوضية قبل الذهاب إلى وضعها على طاولة النقاش وتقسيم النفوذ، والتي ستُنتج تسوية سياسية كاملة تطاول لبنان، وغزة، وسوريا، وإعادة تكوين السلطة في لبنان، وهو ما سيشكّل ما يشبه الجائزة التي سيحملها ترامب مع بدء ولايته الثانية، وعلى أساس أنه الرئيس التاريخي الذي نجح بإنهاء حربين كبيرتين في أوروبا والشرق الأوسط حال دخوله إلى البيت الأبيض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية