شبكة اخبار العراق:
2024-10-02@00:57:52 GMT

فهم المجتمع في أفق رؤية ابن خلدون

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

فهم المجتمع في أفق رؤية ابن خلدون

آخر تحديث: 9 نونبر 2023 - 12:03 مد. عبد الجبار الرفاعي نادرًا ما نقرأ لباحث في مجتمعنا يمتلك شجاعةَ الوردي وجرأته في نقد نفسه، وأندر من ذلك أن نقرأ اعترافات يعلن قائلها فيها عن أخطائه العلمية وتعجّله وتناقضاته في إصدار أحكامه. بعد أن أشار إلى كتبه ومحاضراته السابقة لدراسة طبيعة المجتمع العراقي أعلن الوردي بصراحته المعهودة: «قصدي من ذكر هذه البحوث السابقة هو لفت نظر القارئ إلى أن الآراء التي وردت فيها ليست نهائيّة.

فقد البعض منها، وأبقيت البعض الآخر على حاله، وهذا أمر لا أعتذر عنه. البحث العلمي من شأنه التغيير والتطوير، إذ هو يسير في ذلك تبعًا للمعلومات التي يعثر عليها الباحث مرة بعد مرة. ولهذا أرجو من القارئ ألا يستغرب حين يجدني في هذا الكتاب أقول برأي مخالف لما جاء في بحوثي السابقة. الواقع، أني من خلال دراستي الطويلة للمجتمع العراقي، قد ناقضت نفسي كثيرًا. وربما أخذت اليوم برأي، وتركته غدا، ثم رجعت إليه بعد غد. وقد لاحظ الطلاب ذلك مني، حيث وجدوني أغيّر منهج الدراسة عاما بعد عام. ولست أستبعد بعد صدور هذا الكتاب، أن أغيّر كثيرًا من الآراء التي وردت فيه. وربما شهد القارئ في كتبي المقبلة آراء مناقضة لها».   أكثرُ كتابات الوردي عن المجتمع العراقي تدور في أفقِ رؤية ابن خلدون للمجتمع، وتفسيرِه للصراع بين البداوة والحضارة، وآراءِ ابن خلدون في بناء العمران وخرابه، ونشوءِ الدولة على العصبية وانهيارها بعد انفراط تلك العصبية.حاول تفسيرَ التاريخ وفهمَ المجتمع ومعاينةَ الواقع في أفق رؤية ابن خلدون. يقول الوردي: «وخلاصةُ رأيي في ابن خلدون، هوَ أن نظريته التي مضى عليها نحو ستمائة سنةٍ ما زالت أفضلَ نظريةً لفهم المجتمع العربيِ».   القارئ الذي يواكب المسارَ التاريخي لكتابات الوردي يراه يعتمد مسلَّمات، تتمثل في: «صراع البداوة والحضارة، ازدواج الشخصية، التناشز الاجتماعي»، ونماذج وأمثلة لتطبيقاتها على الفرد والمجتمع العراقي. هذه المسلَّماتُ أنتجتها ظروفٌ وعوامل متغيرة، وتشكلت بوصفها معطياتٍ لواقع تاريخي فرضها، عندما يتبدل ذلك الواقعُ يفترض أن تتبدل المسلَّمات المعبِّرة عنه. لذلك ينبغي ألا نغضّ النظرَ عن عواملَ أخرى متغيّرةٍ تحدث تبعًا لما يستجد في الواقع، وتكون فاعلةً ومؤثرة في تكوين شخصية الفرد والمجتمع العراقي.    منذ أول محاضرة ألقاها في «قاعة الملكة عالية» سنة 1951 وصدرت في كراس ببغداد في السنة ذاتها بعنوان: «شخصية الفرد العراقي»، تبنى الوردي هذه المسلَّماتِ، واعتمدها بوصفها أدوات تفسيريّة لما يحدث في حياة الفرد والمجتمع، كما نقرأ في كتابه، الذي صدر بعد 20 عامًا من ذلك التاريخ: «دراسة في طبيعة المجتمع العراق». لم أقرأ تحوّلًا لافتًا في فكرِه في حوارت متأخرة معه: حوار في مجلةِ الأقلام سنة 1983، وحوار آخر معه أجراه جليل العطية في مجلةِ العربي الكويتية سنة 1988، وحوارٍ أعده وقدّم له سعد البزاز في عمان، انتخب المحرّر الإجابات نصوصًا مستقاة من أعمال الوردي، ونُشِر بعنوان: «في الطبيعة البشرية: محاولة في فهم ما جرى»، سنة 1996.    رؤيةُ ابن خلدون وتفسيرُه للتاريخ لم تتحرّر كليًّا من الأنساق الاعتقادية العميقة الكامنة في البنية اللا شعورية لمعتقده الديني وعقله الفقهي. لا ينتمي تفسيرُ ابن خلدون للحداثة بمضمونها الفلسفي، وعقلانيتها النقديّة، ورؤيتها للعالَم، وإن كان يصرّ غيرُ واحدٍ من الباحثين على حداثة رؤية ابن خلدون. لقد كشفت الباحثةُ التونسيّة الذكية ناجية الوريمي في كتابها: «حفريات في الخطاب الخلدوني»؛ عن البنيةَ التحتية والأنساقَ الاعتقادية العميقة الغاطسة في اللا شعور، وشرحت كيفية خضوع عقل ابن خلدون لسلطة النص، وأوضحت أن عقلَه فقهيّ لا فلسفيّ، إذ إن «خطاب ابن خلدون العمراني والتاريخي ينتظم في النسق المعرفي النصي، وصدور أهم إضافاته العمرانية عن عقل فقهي، ارتقى معه إلى درجة صياغة التصورات العامة الشاملة».  ترى الوريمي أن عملَ ابن خلدون في مجال التاريخ هو المرحلة الثالثة المكملة لتسيّد سلطة النص، أنجز الشافعي «ت 204 هـ» المرحلةَ الأولى في القرن الثاني الهجري بتأسيسه لعلم أصول الفقه(1)، وفي القرن الرابع الهجري أكمل أبو الحسن الأشعري «ت 324 هـ» المرحلةَ الثانية في علم الكلام، عندما أخضع العقلَ لسلطة النص، وفي القرن الهجري الثامن أكمل المرحلةَ الثالثة ابنُ خلدون «ت 808 هـ» بإخضاع التاريخ وعلم العمران إلى النص.    لا يُنكر أن علي الوردي لم يقفز في أعماله على حقائق الواقع، ولم يتجاهل الزمانَ والمكانَ والسلطة واللغة والثقافة والمحيط، إنّه منهجٌ يسعى لأن يتبصّرَ تاريخيّةَ المعتقَد ويكتشفَ سياقاتِ تشكله المجتمعيّة، ويزيل الغبارَ عن صوره المتنوعة عبر محطاته.  تمكن الوردي من ذلك، لأنّه يمتلك تكوينًا أكاديميًّا جادًّا في علم الاجتماع، ولديه خبرةٌ واسعةٌ بثقافِة المجتمع العراقي وتقاليدِه وأعرافِه وفلكلورِه، وتاريخِه في القرنين الأخيرين، غير أنه كان يفتقر لتكوينٍ مماثل معمّق في المنطق والفلسفة وعلم الكلام وأصول الفقه والفقه وغيرها من علوم الدين. كانت أحكامُه تتموضع في تمثلات الدين المجتمعيّة والفرديّة، وقلّما تلامس البنيةَ التحتية والأنساقَ الاعتقادية العميقة الغاطسة في اللاشعور، بوصفها المنابعَ الأساسية التي تبتني عليها وتتغذّى منها تلك التمثلات. كان لفهمِ الدين في سياق معتقدات علم الكلام التقليدي، وما صنعته الأنساقُ الراسخة لمقولات الأشعري الاعتقاديّة، ومقولات متكلمي الفرق الإسلامية، وخاصة عقيدة الجبر، ونفي السببيّة كما نصّت عقيدةُ الكسب الأشعرية بأسلوب ملتبِس، أثرٌ شديد في إعاقةِ الاجتهاد وتجديدِ فهم الدين، وانحطاطِ مجتمعات عالَم الإسلام.    الوردي لم يبحث في الأنساق الاعتقاديّة العميقة الكامنة في البنى اللا شعوريّة للوعي الجمعي، وأثرِها الكبير في رؤية هذه الشخصية للعالَم، وفهمِها للمعاش والمعاد. يمكن التماسُ العذرَ للوردي هنا لأن الكشفَ عن تلك البنى والأنساق الاعتقاديّة يتطلب خبرةً واسعةً في علم الكلام التقليدي، ومعرفةً علميةً معمّقة بالتراث ومسالكه المتنوعة. وذلك حقلٌ لم يكن الوردي متمرّسًا فيه، وكثيرٌ من المتخصّصين في علوم الإنسان والمجتمع يفتقرون لمثل هذا التكوين التراثي.   انشغلت أعمالُ الوردي بالتفسير والنقد والتفكيك، ولم تنتقل إلى التركيبِ والبناء، ورسمِ خارطةِ طريقٍ واضحة للخلاص. لم يهتم الوردي كثيرًا بالأثر العميق لطريقةِ فهم الدين وتفسيرِ نصوصه في تكوين الشخصية، وتأثيرِه في تشكيل البنى اللا شعورية للوعي، وأثرِها في توجيه سلوك الإنسان ومواقفه. طريقةُ فهم الأفراد والمجتمعات للدينِ وتفسيرِ نصوصه من أهم العوامل الفاعلة في تحولات الاقتصاد والثقافة والسياسة في المجتمعات الإسلامية عامة والمجتمع العراقي خاصة(2).   كان الوردي ناقدًا جسورًا لتأثير فهم الدين والتفسير المتشدد لنصوصه في التحجّر، غير أن الدينَ لم يحضر بوضوح في كتاباته بوصفه حافزًا فاعلًا في العمل والإنتاج والبناء، وعنصرًا في بناء التمدّن والحضارة كما نراه في تجربة الإسلام وتعبيراته الحضارية في الأندلس وغيرها. «الدينُ يمكن أن يكون عاملًا أساسيًّا في البناء، كما يمكن أن يكون عاملًا أساسيًّا في الهدم، ويعود الاختلافُ في ذلك إلى الاختلاف في طريقةِ فهم الناس للدين، ونمطِ قراءتهم لنصوصه، وكيفيةِ تمثّلهم له في حياتهم».(3)‏  

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: المجتمع العراقی ة العمیقة

إقرأ أيضاً:

محافظ القاهرة: اهتمام القيادة السياسية بتمكين الشباب ركيزة أساسية لتحقيق رؤية مصر 2030

أكد الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة على اهتمام القيادة السياسية ببرامج تمكين الشباب ورفع الوعى الصحى بينهم، والتعاون مع المنظمات التي تقدم برامج توعية للشباب باعتبارهم ركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030.

جاء ذلك خلال كلمته بإحتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان برنامج "تمكين الشباب ورفع الوعى بقضايا السكان" التى افتتحها د.أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بحضور محافظى  الجيزة، والقليوبية وسفير كندا بالقاهرة وممثلى وزراة الصحة والجهات المعنية.

 مراكز الشباب تلعب دورًا كبيرًا في التوعية بقضايا الوعي المجتمعي ، ورفع وعى الشباب بالقضايا السكانية

وأشار محافظ القاهرة الي  أن مراكز الشباب تلعب دورًا كبيرًا في التوعية بقضايا الوعي المجتمعي ، ورفع وعى الشباب بالقضايا السكانية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة فيما يتعلق بالصحة ، والتعليم ، والمساواة بين الجنسين .

 

وقد أطلقت وزارة الشباب والرياضة برنامج تمكين الشباب ورفع الوعى بقضايا السكان داخل أندية السكان عام 2014 بدعم من  صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA وبالشراكة مع المؤسسة الاستشارية للتنمية «اتجاه».
ويهدف البرنامج إلى المساهمة فى تعزيز الوعى المجتمعى حول القضايا السكانية،  والتنمية المستدامة ، وتفعيل دور مراكز الشباب بالتوعية بالقضايا السكانية ، ويعمل برنامج أندية السكان على تمكين الشباب والتوعية بصحة الشباب والمراهقين،  ومناهضة العنف ضد المرأة.
 

وقد توسع البرنامج خلال 10 سنوات ليصل إلى 431 نادى سكانى فى 27 محافظة بمصر، ويتم تنفيذ التدريبات الخاصة بقضايا السكان والصحة الإنجابية، والزواج المبكر وزواج الأطفال، والممارسات الضارة والعنف القائم على النوع الاجتماعي داخل مراكز الشباب عبر بعض الفعاليات كالجلسات التفاعلية،  ومسرح نواة ، والأفلام، وفرق شمندورة حكى وغنا ، وأنشطة رياضية من أجل التنمية تستهدف المرحلة العمرية من 18 إلى 35 عامًا.

 

وكان قد شهد د. إبراهيم صابر محافظ القاهرة احتفالية مؤسسة "حياة كريمة" باليوم العالمى للغة الإشارة " مبادرة اتكلم هنسمعك" والتى تقيمها المؤسسة للعام الثانى على التوالى، وذلك بمتحف الطفل للحضارة والابداع بحى غرب مدينة نصر.


شهد الاحتفالية م. منى البطراوى نائب المحافظ للمنطقة الشرقية، ود. إبراهيم الشهابى نائب محافظ الجيزة، ود. مروة فخرى المدير التنفيذى لمؤسسة حياة كريمة، وأحمد فرغلى المنسق العام للمؤسسة ومدير فرع القاهرة.
وأكد د. إبراهيم صابر محافظ القاهرة أن الدولة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي تولي اهتمامًا كبيرًا بذوي القدرات الخاصة وأصحاب الهمم مشيرًا إلى حرص رئيس الجمهورية على التوجيه المستمر بتلبية كافة احتياجاتهم وتوفير كافة أوجه الدعم لهم ودمجهم فى المجتمع، واشراكهم فى كافة الأنشطة والمجالات إيمانًا بدورهم الفعال في كل مناحى الحياة وأهمية دمجهم فى المجتمع.


وأضاف محافظ القاهرة أن الأجهزة التنفيذية بالمحافظة تقدم سبل الدعم اللازمة لأنشطة ذوى القدرات الخاصة ، لإظهار إمكانياتهم وقدراتهم ومواهبهم فى كافة القطاعات، وتلبية كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم، وتذليل أى معوقات تحول دون ممارسة أنشطتهم بشكل طبيعى.


وأشاد محافظ القاهرة بالمشغولات والمنتجات اليدوية الموجودة بالمعرض مشيرًا إلى أنه سيتم اشراك أصحابها فى كافة المعارض التى ستقيمها المحافظة تشجيعًا لهم ولخلق فرص عمل تناسب مواهبهم. 


ضمت فعاليات الاحتفالية التى أقيمت بالتعاون مع وزارتى التربية والتعليم والصحة، والمبادرة الرئاسية لصحة المرأة ، والمجلس القومى للأشخاص ذوى الاعاقة عروضًا فنية بلغة الاشارة، ومعرضًا للمشغولات اليدوية والفنية لذوى الاعاقة السمعية، كما تم تنفيذ حملة للتوعية بسرطان الثدى والكشف المبكر عنه عند الفتيات والسيدات من عمر 18 عامًا.

مقالات مشابهة

  • تقدم محاور رؤية المملكة 2030
  • Copilot AI يحصل على صوت والقدرة على رؤية مواقع الويب
  • محافظ دمياط يستعرض رؤية متكاملة للخطة الاستثمارية
  • رئيس جامعة الأزهر: لو نطقت أعمدة وباحات الجامع لأسمعتنا ابن خلدون وغيره من العلماء الذين أثروا الحياة علما وفهما
  • رئيس الوزراء العراقي: المنطقة دخلت مرحلة بالغة الخطورة في ظل عجز المجتمع الدولي
  • «رؤية عُمان 2040» ومؤشرات إيجابية
  • محافظ القاهرة: اهتمام القيادة السياسية بتمكين الشباب ركيزة أساسية لتحقيق رؤية مصر 2030
  • أيدن: شركات تركية تبحث بالرياض تنفيذ مشاريع ضمن رؤية 2030
  • تفسير رؤية الذهب في المنام.. ما علاقته بالجشع والثروة؟
  • حزب العدل: نتبنى رؤية موضوعية ومتوازنة في قضية الدعم