تترواح حلقاتها ما بين 60 و90، بل تمتد في بعض الأحيان إلى الـ100 حلقة وأكثر.. أعمال درامية أجنبية معربة انتشرت في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت بمثابة "آفة" تنشط بوتيرة سريعة، وتستقطب شريحة كبيرة من الجمهور العربي، على الرغم من تنافي قصصها مع العادات والتقاليد العربية، إذ تجاوز "الاقتباس" مفهومه المتعارف عليه وأصبح استنساخاً طبق الأصل، وترجمة حرفية للعمل الأصلي بكل حذافيره، من دون مراعاة ما يلائم ثقافة المجتمع الذي يعرض فيه العمل "المنقول".

وعلى الرغم من توجيه جملة من الانتقادات للقائمين على الأعمال الدرامية المستنسخة، كتاباً ومخرجين وممثلين، إلا أن هذا الاتجاه لا يزال يتنامى بشكل مطرد ويستقطب شرائح أوسع، لكنه في الوقت ذاته، يطرح سؤالاً مضمونه هل بات "باب رزق" لا يمكن رفضه من قبل فنانين لهم أسماء لامعة في عالم الفن، أم عجز من قبل كتاب السيناريو والمؤلفين وعدم قدرتهم على خلق قصص وحكايات ومحتوى جذاب، كما كان سابقاً، أم استسهالاً وزيادة أرباح، استناداً وبشكل مسبق على أعمال أصلية لاقت نجاحاً وشهرة لدى نفس الجمهور العربي.

بدءاً من "هبة رجل الغراب" 2014، و"غراند أوتيل" 2016، مروراً بـ"ليالي أوجيني" 2018، و"الآنسة فرح" 2019، ثم "عروس بيروت" 2019، بعدها "ع الحلوة والمرة" 2021، ثم "ستيلتو" 2022 و"سوتس بالعربي"، ويتبعه "الثمن"، و"كريستال" 2023، وأخيراً  وليس آخراً مسلسل "الخائن" المعروض حالياً.. أعمال يزداد عددها عاماً تلو الآخر، وتعزز وجودها على الشاشة العربية وحضورها لدى المشاهد العربي، على الرغم من أنها منقولة حرفياً من أعمال فنية أجنبية عرضت في السابق، وربما لفتت انتباه الشريحة نفسها من الجمهور العربي، الذي يقارن بينها وبين النسخة العربية المعروضة حالياً، فلا تغيير في أي جزء من المحتوى الدرامي، سوى ما يتعلق بالممثلين.

ما سر انجذاب الجمهور لهذه النوعية من المسلسلات؟

اللافت للنظر أن نفس الجمهور الذي شاهد النسخ الأصلية من تلك الأعمال المعربة، يتابع عن كثب النسخة المستنسخة، بل ينتظرها بفارغ الصبر، على الرغم من أنه بكل سهولة يستطيع معرفة نهايتها، لأنه وببساطة يسعى العمل المُعرب "المنقول" في طريقة طرحه المعتمدة على "الترجمة الحرفية"، للحفاظ على كل مقومات وخصوصية المسلسل الأصلي، سواء كان تركياً أو أمريكياً أو كورياً، بما في ذلك أداء الممثلين وتركيبة الشخصيات، والديكورات، واختيار الملابس وأماكن التصوير، وحتى نوعية الأطعمة والأماكن السياحية، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا كل الاهتمام من قبل الجمهور، على الرغم من معرفة تسلسل الأحداث من بدايتها حتى النهاية بكل تفاصيلها؟

ويتجه الجمهور نفسه إلى مواقع التواصل الاجتماعي للمقارنة والمقاربة بين المشاهد في النسخ الأصلية والنسخة العربية المستنسخة، بل يبدأ المفاضلة بين أفضل المسلسلات المُعرّبة، بطرح سؤال على شاكلة "أيها الأفضل.. أو ما هو أقوى مسلسل؟ عروس بيروت، أم كريستال أم الخائن.. وهكذا؟"، وتنقسم الآراء بين مُعجب بأداء الممثلين وتفاعلهم، ومنتقد للتقليد بأدق تفاصيله، حتى أصبح الممثلون ذاتهم غير مقنعين في أغلب المشاهد.

استقطاب وزيادة أرباح

من جانب آخر، يرى البعض أن صنّاع المسلسلات المستنسخة شكلاً ومضموناً، مدعومون من قبل المنصات الرقمية التي تعي جيداً قدرة هذه النوعية من المسلسلات على تحقيق نسب مشاهدات عالية واستقطاب الجمهور وزيادة الربح، لذا فلا ضير ولا حرج من الاستعانة بنخبة من الممثلين السوريين واللبنانيين والمصريين، الذين يجازفون بمسيرتهم الفنية، ويخاطرون بالنجاح الذي حققوه في مسلسلات وأعمال درامية عربية أصيلة، فقط لتقليد أداء وشكل وحتى مشاعر الشخصية التي قدمها أقرانهم في النسخ الأصلية.

تقليد أعمى ومنافٍ للقيم

وفيما اعتبر البعض أن تكرار السيناريوهات يصيب المشاهد بالفتور والملل، فهي لا تقدم إضافة تذكر، وجد آخرون المسألة من زاوية أخرى، المتمثلة في عدم تقارب أو تشابه أحداث المسلسل مع هوايات وعادات وتقاليد المجتمع الشرقي، باختلاف شرائحه الاجتماعية، فالقصص جميعها تتمحور حول فكرة واحدة بأشكال متعددة، ألا وهي "الحب والخيانة والشك والانتقام"، وبطبيعة الحال تتضمن مشاهد جريئة، منافية لقيم المجتمع العربي، ينبذها ويرفضها الكثير، فيما اعتاد عليها البعض الآخر، نظراً إما لكثرتها أو لأنهم يدركون جيداً أن تلك الأعمال ليست حقيقية بل هي استنساخ وتقليد أعمى لدراما أخرى ليست عربية، ولا تناقش قضية تهم المجتمع العربي من قريب أو بعيد، أو حتى تحمل في ثناياها رسائل موضوعية هامة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الدراما الدراما العربية على الرغم من من قبل

إقرأ أيضاً:

شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية

(1)

يحتفي البريطانيون، وأبناء الثقافة الإنجليزية القحة، والناطقون بها في جميع أنحاء العالم بيوم اللغة الإنجليزية الذي يتزامن مع تاريخ ميلاد أبي الدراما الإنجليزية، وكاتبها الأعظم والأشهر وليام شكسبير (1564-1616) أشهر مؤلف درامي مسرحي عرفه التاريخ؛ صاحب التراجيديات والكوميديات والمسرحيات التاريخية الخالدة.

مات شكسبير منذ قرون طويلة، وما زالت أعماله وروائعه المسرحية (التراجيدية والكوميدية) تملأ الدنيا وتمتع الملايين! تقريبًا لا تُوجد لغة حية واحدة من اللغات الحية والمتداولة لم تُترجم إليها أعمال شكسبير، تتحدى الزمن وتدافع عن مبدعها حتى وقتنا هذا، ولمن يأتي بعدنا بقرون أخرى طويلة! تلك الآثار البارزة في المسرح الكوميدي والتراجيدي التي جسّد من خلالها أبرز دقائق النفس البشرية في بناء درامي، محكم، متساوٍ، أقرب ما يوصف به أنه "سيمفونية شعرية" لا مثيل لها في الدقة والانسجام والتآلف والجمال.

ومنذ سنوات الصبا، ومنذ بدأت أطالع كتب الجيب، وروائع الأدب العالمي للناشئين، والمختصرات المنشورة للقصص والمسرحيات الكلاسيكية العالمية، أصبحت من عشاق "الدراما الشكسبيرية" بكل أشكالها وتنويعاتها؛ قراءة ومشاهدة، وكنت على قناعة بأن "شكسبير" هو أحد أعظم كتّاب التراث الإنساني على الإطلاق؛ هكذا أتصور حينما تحاول أن تضع قائمة مختصرة لأكبر وألمع وأشهر المبدعين الذين مروا على تاريخ البشرية منذ وعى الإنسان ذاته وحضوره على هذه الأرض؛ قائمة لا يمكن أن تخلو فيما أظن من هوميروس، مثلا، وفيرجيل، وسوفوكليس، أريستوفانيس، وشكسبير، ثم ضع ما شئت من أسماء بعد ذلك!

وظللت على قناعتي تلك بل إنها ترسخت بمقولة الناقد القدير والمبدع المثقف الموسوعي محمود عبد الشكور "إن أفضل معلم للكتابة الدرامية هو مشاهدة وتحليل أعمال شكسبير". كما زادت رسوخا وثباتا بما قرأته لدى العقاد الذي كتب رسالته الشهيرة في «التعريف بشكسبير» (صدرت عن دار المعارف في أواسط القرن العشرين) من أنه: "ارتفع -بموازين النقد جميعًا- في فن الرواية المسرحية: فن الخلق والإبداع في تصوير النفوس وتصوير العلاقات بينها على السواء.

وإذا استثنينا الرسل والأنبياء من أصحاب الأديان الكبرى، فليس في أصحاب الأقلام منذ كتب الإنسان بالقلم عشرة يُعَدُّون معه في الصف الأول الذي تقدم إليه بين الصفوف العباقرة العالميون"..

(2)

ثم زادت تلك القناعة رسوخًا وثباتًا بعد أن طالعت الكتاب الرائع الذي ألفه ثلاثة من كبار الكتاب والمؤلفين بالعربية عن شكسبير، وصدر عن سلسلة (اقرأ) العريقة في أربعينيات القرن الماضي. في هذا الكتاب الممتع الذي يقدمه ثلاثة من كبار مثقفينا في القرن العشرين (زكي نجيب محمود، ومحمد فريد أبو حديد، وأحمد خاكي) تعريف واف بشكسبير عبقري المسرح الإنجليزي في القرون الوسطى، وبحث في عظمة وعبقرية صاحب المسرحيات الرائعة التي ما زلنا نقرأها، ونستمتع بها رغم رحيل مبدعها منذ قرون. قارئ هذا الكتاب سيتعرف على جوانب العظمة الشكسبيرية المتخطية للزمن، خاصة في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد، وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد.

وقد كانت هذه الفكرة التي تعرفت عليها في هذا الكتاب المكثف هي مدخلي لإعادة قراءة شكسبير كاملا وفق خطة ارتضيتها لنفسي، وتحديد الترجمات التي سأبدأ بها وأطالعها ثم أعرج عليها رجوعا مرة أخرى، متخذا من العبارة التي صاغها شكسبير على لسان عطيل أحد أشهر أبطال مسرحياته التراجيدية؛ مفتاحا للبحث عن سيرة شكسبير، وقراءة أعماله، وتحليل عناصر الدراما التي وصل فيها إلى الذروة، تلك العبارة التي يقول فيها:

"أرغب إليكم حينما تقصون قصتي في رسائلكم أن تذكروني بحقيقتي، لا بمزيد ولا بنقصان، وألا تدخلوا فيها شيئًا من المكر السيئ" (من مسرحية عطيل لشكسبير)

(3)

تذكرت هذه الجملة التي وردت على لسان "عطيل" في المسرحية الشهيرة التي كتبها شكسبير، وأنا أسأل السؤال الذي سأله غيري وقبلي وبعدي بما لا يعد ولا يحصى: السؤال المتكرر دائما وأبدا من عشاق الفن ومتذوقي الجمال ومتابعي الدراما:

هل هناك كاتب واحد فقط لو قرأنا أعماله كاملة، ودرسنا مسرحياته بتنويعاتها التراجيدية والكوميدية، وتأملناها تحت مجهر الفحص والتحليل.. هل لو فعلنا ذلك فهل يمكننا النفاذ إلى روح الدراما وإدراك سرها وسر التمكن منها بما يمكن أو يصح القول معه "إدراك صنعة الكتابة الدرامية" أو ماهية كتابة الدراما جملة وتفصيلا؟

سيرة شكسبير العظيمة وأعماله تمنحنا الإجابة الكاملة الدقيقة دون ذرة تردد ولا شك واحدة: نعم يمكن؛ لأن هناك كاتبا عبقريا وعظيما اسمه وليم شكسبير، ظهر في الأمة الإنجليزية، وكتب باللغة الإنجليزية، وقدم للتراث الإنساني واحدا من أعظم نصوصه المسرحية والدرامية،

وليم شكسبير هو أستاذ صنعة الدراما، أقولها بكل ثقة ويقين!

وبالمناسبة؛ فليس من الضروري أن تقرأ كل ما كتبه شكسبير للتأكد من أنه أستاذ صنعة الدراما بلا منازع؛ يكفي أن تقرأ بتأمل وبصيرة واستيعاب أعماله الكبرى سواء في التراجيديا أو الكوميديا؛ في التراجيديا لديك مثلا «هاملت»، أو «ماكبث»، «الملك لير»، «عطيل»، «يوليوس قيصر»، أو «روميو وجولييت».. وفي الكوميديا؛ خذ عندك على سبيل المثال وليس الحصر: «حلم ليلة صيف»، «تاجر البندقية»، «العبرة بالخواتيم»، و«ترويض الشرسة» وهي النموذج الكامل فيما أرى للكتابة الكوميدية!

(4)

من يقرأ هذه الأعمال جيدًا ويتأمل دقة بنائها وقدرة مؤلفها على سبر غور أعماق شخصياته ووضع يده باقتدار على نوازعها ومحركاتها الدافعية والشخصية، واضطرابها واندفاعها.. إلخ من خصال وطوابع بشرية تتلاقى أو تتقاطع أو تصطدم بغيرها من الشخوص، في المحيط التاريخي أو الاجتماعي أو أيا ما كان السياق الجامع لها، أقول من يقرأ هذه الأعمال ويتملاها سيدرك أن قوة وعظمة شكسبير وسر عبقريته لم تكن أبدًا في محض نسج حكاياته وحواديته التي بنى عليها مسرحياته (سواء كانت مأخوذة من التاريخ أو من الأساطير أو من القصص والحكايات المشهورة) بل كانت وبالدرجة الأولى في قدرته الفذة على صنع دراما مكتملة كاملة الأركان من هذه الحكايات والحواديت؛ يستخرج منها أو بالأحرى يستولد منها أسئلة كبرى حول الوجود والإنسان في اضطرابه وقلقه وتناقضاته ودوافعه وغرائزه.. إلخ، كما تتجلى أيضا في قدرته المذهلة والمدهشة على بناء مسرحياته ورسم شخصياته، وبناء المواقف وإحكامها والانتقال في الزمان والمكان وخلق الصراع بين الشخوص، وإدارته ببراعة منقطع النظير وصولا بهذا الصراع إلى ذروته ونهايته الحتمية والمنطقية.. ثم يزيد على هذا كله، كأنها العبقرية فوق العبقرية، تقديم زوايا متعددة ومختلفة للرؤية وهي كلها في النهاية أهم عناصر صناعة الدراما المحورية..

إن عظمة شكسبير وعبقريته المتفردة، تتجسد فيما يرى الناقد الكبير محمود عبد الشكور "في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد، بالإضافة بالطبع إلى قوة التعبير البلاغي، والصور الشعرية، عن هذه المواقف الدرامية".

(5)

سيظل وليم شكسبير، وأمثاله من عباقرة الكتابة الإبداعية والأدب والمسرح والرواية، في تاريخ الإنسانية؛ شاهدًا حيًّا وخالدًا على ما يسميه عميد الأدب العربي بـ"الأدب الحي"؛ ذلك الأدب الذي يصنعه الأدباء الأحرار؛ وهؤلاء "الأدباء الأحرار" هم الذين يرون أن الأدب حي دائمًا، وأن الجمال في النصوص الأدبية الجديرة بهذا الاسم لا يخضع لسلطان الزمان، وإنما هو باقٍ على تتابع العصور، وتعاقب الأجيال، وهو من أجل ذلك جدير أن يشغلنا؛ لأن الحياة القوية التي تشيع فيه لا تلبث أن تتجاوزه إلى عقولنا وقلوبنا وأذواقنا..

(وللحديث بقية)

مقالات مشابهة

  • «شبكة الاتصال الحكومي» منصة استراتيجية لتعزيز تفاعل الأفراد مع القيم المجتمعية
  • ديسبروسيوم.. المعدن النادر الذي يهدد مستقبل السيارات الكهربائية
  • جاسم النبهان يُدافع عن زوجته المغربية: مرتي مو ساحرة.. فيديو
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • اللواء بامشموس: تم إعداد برامج مميزة لأحياء الأسبوع العربي للتوعية المرورية كمحطة لتقييم الأداء وتعزيز السلامة الطرقية
  • ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
  • شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية
  • أسبوع الأصم العربي الخمسون تحت شعار "الذكاء الاصطناعي"
  • مخرج عراقي يرهن تطور الدراما بالاستقرار السياسي والاقتصادي
  • داود:الأزهر يقود الاجتهاد والتجديد ‏‏وقادر على مواجهة أي شذوذ فكري يهدد أمن ‏المجتمع‏‏