طوفان الأقصى.. جمال حمدان يكشف إسرائيل خرجت من رحم الاستعمار.. أمريكا سرطان العالم.. رضوى عاشور تعرض قضية التهجير من الطنطورية.. محمود درويش يطلق كلمات صارخة بوجه الاحتلال
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
جمال حمدان: إسرائيل خرجت من رحم الاستعمار.. والوحدة العربية أمل فلسطين في التحرير..
الصهيونات اليوم أكبر خطر على وجه الأرض ضد العالم العربي
تحرير فلسطين يبدأ من وحدة الأمة العريية
المؤرخ جمال حمدان
مر شهر على أحداث غزة منذ أن بدأت حركة طوفان الأقصى التي أقدمت عليها المقاومة الفلسطينية يوم 7 من أكتوبر من الشهر الماضي وما زال المدنيون الفلسطينيون في غزة يعانون قسوة الاحتلال الصهيوني الغاشم دون رحمة، وقد أغلقت في وجوههم كل الطرق للمساندة والمساعدة بكل الأوجه في محاولة لقمع الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم بكل الطرق وهو الأمر المحال أن يتم إطلاقا.
الدكتور والمؤرخ الراحل جمال حمدان تحدث عن القضية الفلسطينية فكان يرى أن الخطر الصهيوني لا يستهدف الأرض المقدسة فحسب، حتى أن تهديدها وخطرها لا يقف عن حد العالم العربي فقط إنما يتسع دائرته ليتعدى العالم الإسلامي كله، فإسرائيل وحلفاؤها تسعى وبكل قوة من قديم الأزل وحتى وقتنا الحاضر تهدد العالم العربي في العلن والخفاء فالصهيونات اليوم هي أكبر خطر على وجه الأرض التي تواجه العالم العربي، وتحرير فلسطين هو وحدة العالم العربي، والعكس صحيح فوحدة العالم العربي هو تحرير فلسطين.
هناك عدة حقائق لابد ألا يغفل عنها الجميع عند النظر إلى القضية الفلسطينية كما يوضح الدكتور جمال حمدان في كتابه "فلسطين أولا"، وهو أن القومية العربية، وتحرير فلسطين قضيتان متكاملتان ويتواكبان بحيث يمكن أن يسير كل منهما جنبا إلى جنب فليس بينهما بالضرورة أولويات أو أسبقيات إلا أنه لو سبقت الوحدة القومية لكان ذلك أفضل وأشد فائدة بصورة مباشرة في تحرير الأرض الفلسطينية. إن هذه الحرب تكشف أننا لا نحارب إسرائيل وحدها ولا حتى الاستعمار خلفها لكن يضاف إليهما الرجعية العربية معهما على حد سواء فإسرائيل هي إسرائيل ومن وراءها الاستعمار ومن أمامها الرجعية العربية، فإن كانت إسرائيل هي قلب العدو، فالاستعمار هو جناحه الأيمن، والرجعية هي جناحه الأيسر، فلابد أن نكون صادقين مع أنفسنا كما قال الراحل جمال عبدالناصر " أن الوطن العربي إذا كان لا يتسع للعرب وإسرائيل فقد آن لنا أن ندرك أن الوطن العربي لم يعد يتسع للتقدمية والرجعية ولن تزول إسرائيل حتى تزول الرجعية". إن إسرائيل ولدت في حجر الاستعمار ومن رحمه خرجت، فهو الذي خلقها وغذّاها وهو الآن الذي يحميها من الزوال، فإسرائيل نبت شيطاني اصطناعي يعيش تحت صوبة زجاجية، بل مسخ يتنفس في مناخ مفتعل تحت خيمة أو أكسجين دائمة ويحيا على عمليات الدم التي لا تنقطع، وفي المقابل نجد أن الاستعمار الغربي هو الطبيب المداوي الذي يقدم كل الإسعافات ووسائل الإنقاذ بأثمان بخيسة في أغلب الأحيان ليقوم هذا التشويه الخلقي، فلو انتزعت هذه الصوبة أو الخيمة من إسرائيل لماتت وزالت إلى الأبد وتنهار من الداخل في المناخ الطبيعي للعالم العربي، لكن الاستعمار الغربي يحاول مع كل مرة بكل وسيلة إلى عدم انتزاعها أو زوالها، فهو حارسها الشرس المتربص لأي أحد يحاول ذلك.
العالم الغربي والصهيونية
القدسيبين جمال حمدان أن العالم الغربي والصهيونية بالتحديد حققت وجودها بوضع العالم أمام الأمر الواقع في فلسطين، وإذا كان العالم العربي يرفض ذلك الأمر الواقع الظالم الباغي فإن من واجبنا أن نحاربه بنفس السلاح، وهذا يكون بفرض التحرير على أرض فلسطين طريق وضع العالم إزاء الأمر الواقع آخذين في الاعتبار أن نكون منتبهين إلى أننا علينا ألا نهتم بلغة التهديد المتكررة بتدمير إسرائيل أو إلقائها في البحر فذلك سيعكس الرأي العام العالمي ويستغله العدو لينقلب الحق باطلا ويمثل دور المضطهد ويستجدي التعاطف، ولذلك وجب علينا أن نحول دعايتنا من الدفاع إلى الهجوم بالضغط على إسرائيل وفرض الرأي العام لنا، فالسبيل الوحيد للقضاء على الوجود الإسرائيلي هو الوحدة العربية التي تضربه، فإسرائيل كلما رأت تقدما ملموسا وجادا بين العرب وبعضهم وشعرت أن هناك خطوات جادة في سبيل الوحدة العربية وتوحيد كلمتهم تضربها لأنها تعرف جيدا أن ذلك يؤدي إلى هلاكها.
أمريكا سرطان العالم المعاصر
يرى الدكتور جمال حمدان أن الرأسمالية الأمريكية قد قطعت شوطا رهيبا نحو الفاشية المبطنة، بعد أن سيطرت عليها إله وآلهة الحرب فتحولت أمريكا إلى أيدي عصابات رعاة البقر إلى لعنة العالم الجديد وتتار الغرب، بل شبهها البعض بأنها سرطان العالم المعاصر، أما إسرائيل المجرمة المباشرة فهي قاعدة أمريكا العسكرية كسائر القواعد إلا إذا كسر البغي والطغيان الأمريكي الحاقد المتعطش للقوة والدماء.
امريكاإن أمريكا كما يقول جمال حمدان ظلت محتفظة بقواعدها العسكرية التي تطوق العرب من كل الجوانب وبأساطيها سنوات طوال منذ الحرب العالمية الثانية دون أن تستخدم إطلاقا إلا ضد العرب، وعلى هذا لابد أن يدرك العرب تماما أن الصراع مع أمريكا صراع حياة أو موت ومقتل إسرائيل يكمن في مواجهة أمريكا، فالهدف الرئيسي لها هو السيطرة على العالم وإخضاعه لنفوذها لخلق أول إمبراطورية كوكبية في التاريخ وإن يكون بشكل غير مباشر الاستعمار الجديد. أن ذلك الذي يحدث في غزو حاليا يفسر ما قاله الدكتور جمال حمدان في التواطؤ الأمريكي لما يجري الآن، ويبين عداء وكراهية وحقد أمريكا الواضح منذ سنين للعرب بأكمله بل إنها حرب سرية معنا فأمريكا هي إسرائيل والعكس صحيح بل يمكن أن نتصور أنها أكثر صهيونة من إسرائيل ذاتها، وإلا فلماذا حماية أمريكا لبقاء إسرائيل إنما هي مجرد خط في مخطط وجزء من كل.
وقد تنبأ جمال حمدان بأن إسرائيل ستملأ الدنيا ضجيجا بانتصار جديد لها وتتظاهر في ادعاءاتها القوى المادية في الغرب إذلالا للعرب وتحطيما لأسطورة القوة المصرية أو العربية، لكن بغير حد أنها تمارس خداع الذات مرة أخرى ولولا التواطؤ من جانب الاستعمار لسحقت قوة إسرائيل الذاتية سحقا لا على أرض سيناء وإنما على أرض فلسطين المحتلة حتى تل أبيب.
صورة ارشيفيةكتاب وأدباء قاوموا الغزو الصهيوني بالإبداع والمواقف الشجاعة
صدى الكلمة في مواجهة العدو الغاشم.. ناجي العلي رمز القضية الفلسطينية.. رضوى عاشور تعرض قضية التهجير من الطنطورية.. كلمات صارخة من محمود درويش في وجه الاحتلال
لا شك أن التاريخ الأدبي مليء بالروايات والأشعار التي قاومت الغزو الصهيوني ليس بالسلاح إنما بالكلمة التي كانت سهاما حادة في قلوب الاسرائليين، الأمر الذي يدلل على أن الكلمة لها تأثير بالغ في الرد على تقوم به اسرائيل والجيش الصهيوني على فلسطين فتعد سلاحا كبيرا ودفاعا قويا عن القضية الفلسطينية، وكان لها صدى كبير في المجتمع .
الروائي غسان كنفانيالروائى الفلسطينى الكبير غسان كنفانى كان له باع كبير في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذا كان واضحا جدا سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر في الأعمال الأدبية التي كتبها ففي روايته "رجال فى الشمس"، وصف كنفانى تأثيرات النكبة عام ١٩٤٨ على الشعب الفلسطيني، تناول فيها عددا من الشخصيات، ومنهم رجل فقد كل ما يملك عقب الحرب ليعيش فى المخيمات، ولكنه لم يجرؤ على التفكير فى المخيمات، والآخر الذى ارتبط ببلده ويحلم بعودة ما كان، لكنه لا يعرف كيف يمكن أن تحدث هذه العودة بعد ضياع كل شيء وشاب آخر تطارده السلطات بسبب نشاطه السياسي، ولا ينسى أحد كلمته الشهيرة "لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟ والتى صورت موت ثلاثة أشخاص داخل خزان سيارة دون محاولة للمقاومة، بين فيها كنفانى روح الفلسطينيين وكيف كانوا يجدون صعوبة فى مقاومة العدو الصهيوني".
كما يعتبر الرسام الكاريكاتيري ناجي العلي واحدا من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عبروا عن القضية الفلسطينية من خلال فنه، أثر بشكل كبير في التعبير عن الشعب الفلسطيني ومعاناته، فمن خلال لوحاته رسم وقدم للعالم العديد من الشخصيات الكاريكاتيرية المهمة التي أثرت في وجدان العالم بل كانت سببا في وفاته، ومن هذه الشخصيات المهمة شخصية "حنظلة" التي ابتدعها من خلال لوحاته.
شخصية " حنظلة" الخيالية أصبحت واقعا حيا عند العالم فهي تمثل صبيا في العاشرة من عمره أدار ظهره في سنوات ما بعد حرب 1973، وعقد يديه خلف ظهره ليكون رمزا للفلسطيني المعذب والقوي في نفس الوقت، فهو شاهد على الأحداث في بلاده ولا يخشى الموت في سبيل تحرير بلاده
يقول ناجي العلي عن هذه الشخصية: "إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية".
إن ناجي العلي هو رمز للقضية الفلسطينية، تم اغتياله في 22 يوليو عام 1987 بعدما أطلق شاب النار عليه، ليصاب أسفل عينه اليمنى ويظل في غيبوبة حتى التاسع والعشرين من أغسطس من نفس العام لتكون ريشته سلاحا لاذعا في صدور الاحتلال الصهيوني وتبقى شخصية حنظلة حية إلى الأبد.
قضية التهجير وكلمات صارخة من محمود درويش
الكاتبة رضوى عاشورونجد أيضا الروائية رضوى عاشور عبرت عن القضية الفلسطينية، من خلال روايتها رواية" الطنطورية" التي تناولت فيها الهجوم الذي تعرضت خلاله قرية الطنطورية الواقعة على الساحل الفلسطيني جنوب حيفا بفلسطين لهجوم عنيف من العدو الصهيوني، فتقدم في هذه الرواية قصة حياة عائلة عاشت تجربة التهجير من قريتها لنجد رقية الطنطورية التى عانت وتحملت فقدان والدها وشقيقها وتزوجت فى المنفى، حتى إنها يوم زواجها تغنت ببعض الأبيات “قولوا لامه تفرح وتتهنا/ وترش الوسايد بالعطر والحنا والفرح إلنا والعرسان تتهنا/ والدار دارى والبيوت بيوتي/واحنا يا عدوى موتي".
الشاعر محمود درويشووصف الشاعر محمود درويش ما يحدث في فلسطسن من خلال كلماته الرنانة والثائرة في قصائده وأشعاره التي دونها فيقول: أيها المارون بين الكلمات العابرة /منكم السيف ومنا دمنا /منكم الفولاذ والنار ومنا لحمنا منكم دبابة أخرى/ ومنا حجر منكم قنبلة الغاز- ومنا المطر/ وعلينا ما عليكم من سماء وهواء /فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا / وادخلوا حفل عشاء راقص/ وانصرفوا وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء.
وكتب المسرحى السورى سعد الله ونوس مسرحيته الشهيرة "طقوس الإشارات والتحولات" أورد فيها شخصية فخرى البارودى الذى يعتبر واحدا من أشهر شخصيات المقاومة ضد الاستعمار الفرنسى فى سوريا وتروى القصة أن خلافا قد نشب بين نقيب الإشراف ومفتى الشام أيام الوالى راشد باشا وتجاوز المفتى الخلاف الشخصى ومد يد العون للنقيب حين أوقع به قائد الدرك وقبض عليه فهذه الحكاية بنى عليها الكاتب قصته، وكانت نكسة ١٩٦٧ بمثابة الطعنة المسددة لشخص ونوس عن قصد، إصابته بحزن شديد خاصة أنه تلقى النبأ وهو بعيد عن وطنه وبين شوارع باريس فكتب مسرحيته الشهيرة "حفلة سمر من أجل خمسة حزيران"ثم مسرحية"عندما يلعب الرجال".
الشاعر السورى نزار قباني، كانت أشعاره رافضة الاحتلال الصهيونى وبكلماته كان دفاعا قويا عن القضية الفلسطينية فكتب: إذا خسرنا الحرب لا غرابة لأننا ندخلها/بكلِ ما يملك الشرقى من مواهبِ الخطابة/بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة لأننا ندخلها/ بمنطق الطبلة والربابة/ السر فى مأساتنا/ صراخنا أضخم من أصواتنا/ وسيفنا أطول من قاماتنا.
جمع شتات الشعوب العربية
الشاعر ابراهيم طوقانبينما نجد ان الشاعر الراحل إبراهيم طوقان هو الذي جمع شتات الشعوب العربية حول القضية بقوة الكلمة فقد كتب قصيدته المشهورة "موطني" التى أصبحت النشيد الرسمى لفلسطين موطني.. موطني../ الجلال والجمال والسناء والبهاء /فى رباك... فى رباك / والحياة والنجاة والهناء والرجاء/ فى هواك... فى هواك / هل أراك... هل أراك../سالما منعما وغانما مكرما؟/ هل أراك موطني.. موطني.. موطنى / الشباب لن يكل همه أن يستقل أو يبيد... فى علاك / تبلغ السماك؟... تبلغ السماك؟ /موطني....
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جمال حمدان إسرائيل الاستعمار الوحدة العربية فلسطين العالم العربي طوفان الأقصى المقاومة الفلسطينية تحرير فلسطين عن القضیة الفلسطینیة العالم العربی محمود درویش ناجی العلی جمال حمدان من خلال
إقرأ أيضاً:
FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إن المسألة لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تخترق حقائق الوضع في سوريا الروايات الأخيرة، التي اتسمت في معظمها بالأمل والتفاؤل، حول انتقال البلاد من سلالة الأسد.
في 7 آذار/ مارس، اندلعت انتفاضةٌ ضد النظام السوري الجديد الذي أسسه أحمد الشرع، واشتبكت مع السلطات في اللاذقية وطرطوس وجبلة. بعد أن حقق الأسديون بعض النجاح الأولي، حشدت القوات الموالية للشرع قواتها وقمعت الانتفاضة.
تفاصيل هذه الأحداث غامضة نوعا ما نظرا لسيل الشائعات والمعلومات المضللة التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن ندرة الصحفيين الفعليين في المنطقة.
بحسب من اختار المراقبون تصديقه، كانت هناك إما مجازر بحق العلويين والأكراد والمسيحيين السوريين، أو لم تكن.
كان الشرع على علم بهذه المجازر، أو لم يكن. أما الرئيس السوري، فهو إما جهادي غير متجدد، أو أنه انفصل عن ماضيه ويحاول بناء سوريا جديدة بعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.
تشير التقارير الموثوقة إلى أن القوات الحكومية والقوات الموالية للشرع سحقت الموالين للأسد بشراسة صادمة خلّفت نحو ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.
تفاصيل الانتفاضة - كما هي، وإلى الحد الذي يستطيع المحللون فيه استنباط ما حدث - أقل تعقيدا من التحديات والعقبات التي تعترض بناء مجتمع يتفق فيه الجميع على معنى أن يكون المرء "سوريا".
لا شك أن الغالبية العظمى من السوريين سيقولون إن جميع سكان البلاد - العلويون والأكراد والدروز والمسلمين والإسماعيليون والمسيحيون والقلة المتبقية من اليهود - سوريون. هذا شعور إيجابي، لكنه شعور هش. وكما رأينا للتو، ففي أوقات الأزمات، يُمكن بسهولة وبعنف الطعن في هذه الفكرة التعددية. وهذا لا يُبشر بالخير لمستقبل البلاد القريب.
تُتيح الظروف الحالية في سوريا فرصة شبه مثالية لأصحاب المشاريع السياسية والقوى الخارجية العازمة على تقويض الشرع وجماعته التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام. عندما كانت فرنسا قوة استعمارية في بلاد الشام، رسّخت مكانة الطائفتين العلوية والدرزية كأقليات مُفضّلة، بل ذهبت إلى حدّ إنشاء دويلات لكليهما.
وتمّ في النهاية ضمّ هذه الدويلات إلى سوريا، لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للدولة المسيحية التي اقتطعها الفرنسيون مما أسماه القوميون ذوو الرؤية التوسعية لبلادهم "سوريا الطبيعية" لإنشاء دولة ذات هيمنة مارونية تُدعى لبنان. تمّ كل هذا على حساب السكان السنة، الذين كانوا كثيرين وغير مُرتاحين عموما للمشروع الأوروبي في المنطقة.
لقد خلق التلاعب الاستعماري بالطوائف والجماعات العرقية مجموعة من التبعيات المسارية التي ثبت أنه من الصعب على السوريين التخلص منها على مدى المائة عام الماضية.
كان حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، عضوا في حزب البعث - وهو حزب قومي عربي بامتياز. لقد حافظ، مثل الأحزاب والفصائل القومية العربية في جميع أنحاء المنطقة، على وهم أن الشرق الأوسط عربي بامتياز، مما أدى إلى محو التشكيلة الغنية من الجماعات العرقية والدينية التي كانت من السكان الأصليين للمنطقة.
لم يكن التزام حافظ بالبعث مهما كثيرا من الناحية العملية أو السياسية. ربما كان الرجل القوي في سوريا لفترة طويلة، لكنه لم يستطع أبدا التخلص من حقيقة أنه كان علويا - عضوا في مجتمع فقير تقليديا يمارس دينا غير تقليدي وتعاون قادته مع السلطات الاستعمارية الفرنسية.
وعلى الرغم من وجود سوريين من خلفيات متنوعة في هيكل السلطة السورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الطويلة، فإنه اعتمد على العلويين كقاعدة لسلطته، مما أدى إلى إعادة خلق وتعزيز الاختلافات الطائفية والعرقية بين السوريين.
خلال فترة حكمه، قيل إن المسيحيين كانوا محميين، والأكراد كانوا يتعرضون للقمع ما لم يُستخدموا ضد الأتراك، وكان العديد من السنة مستائين. تمرد البعض - وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها - وأشهرها في حماة عام ١٩٨٢. من جانبهم، مارس الدروز التقية.
هذه تعميمات بالطبع. لم يدعم كل علوي نظام الأسد، ولم يعارض كل سني النظام. كان هناك مسيحيون فعلوا ذلك، وكان هناك دروز وطنيون سوريون. أراد معظم السوريين ما يريده الجميع في كل مكان: عيش حياة كريمة ورؤية أطفالهم يكبرون ويزدهرون. مع ذلك، لا تقلل هذه الفروق الدقيقة من البعد الطائفي للسياسة السورية، وهو قابل للاستغلال.
ليس من المستحيل على السوريين التغلب على المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تقسمهم وتصنفهم حسب الطائفة والعرق، لكن الأمر سيكون في غاية الصعوبة.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السياسة الجديدة في سوريا ستقوض هذه الأنماط، التي ترسخت في سياسة البلاد ومجتمعها على مدى القرن الماضي، أم ستعززها.
تُفسر هذه السمة "المتأصلة" لماذا، بمجرد أن أقدم الأسديون، الذين تدور مظالمهم ظاهريا حول السلطة والسياسة، على التحرك، بدا أن العنف الذي أعقب ذلك قد اتخذ طابعا طائفيا وعرقيا. ذلك لأن السلطة والسياسة في سوريا متشابكتان بشدة مع هذه الاختلافات.
لا شك أن أشخاصا وجماعات ودولا - إيران؟ روسيا؟ إسرائيل؟ - داخل سوريا وخارجها، سعت إلى تضخيم هذه الاختلافات وتعزيز فكرة أن ما كان يحدث هو هجوم جهادي شامل على الأقليات السورية.
يبدو - من التقارير غير الدقيقة التي ظهرت من غرب سوريا - أن هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات. لا يمكن إنكار حقيقة أن أتباع الشرع قتلوا أعدادا كبيرة من العلويين (مع ذهاب البعض خارج البلاد إلى حد التلميح إلى أنهم يستحقون ذلك). رفض ناشطون وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهامات الموجهة إلى مؤيدي النظام الجديد بقتل المسيحيين، ولكن يبدو أنهم كانوا مستهدفين. وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُفاجئ أحدا. فالمتطرفون الإسلاميون يهددون رجال الدين المسيحيين وكنائسهم منذ سقوط الأسد.
هذا ليس دفاعا عن الأسديين. فقد كانت سوريا بلدا قمعيا ودمويا للغاية خلال العقود الممتدة بين صعود حافظ الأسد عام ١٩٧١ وسقوط بشار الأسد أواخر عام ٢٠٢٤. وكان تصميم الابن على استخدام القتل كوسيلة للخروج من الانتفاضة ضد حكمه عام ٢٠١١ هو الدرس الذي تعلمه من والده، الذي قتل عشرات الآلاف ردا على انتفاضة حماة عام ١٩٨٢.
بل إن وجهة نظري هي أن السوريين، مثل جيرانهم في لبنان والعراق، من المرجح أن يواجهوا صعوبات في التكيف مع الهياكل الاجتماعية التي أورثهم إياها التاريخ. هناك نماذج قليلة يمكن للسوريين اتباعها. يُسهم النظام السياسي الطائفي في لبنان في التشرذم، بينما يُسهم النظام العراقي في دوامة من الغنائم والاختلال الوظيفي. لقد قال الشرع كلاما صائبا عن كون سوريا لجميع السوريين.
إنها رؤية إيجابية لمستقبل سوريا، يتفق عليها بلا شك الكثير من مواطنيه. ولكن، وبعيدا عن التعبير عن المشاعر، لم يُقدم الرئيس السوري طريقا حقيقيا للمضي قدما. في الوقت الحالي، يحق للسوريين أن يتساءلوا: "إلى أي سوريين يشير؟".