"من المعيب حقًا أن نسمع كلاماً عن إسقاط قائد الجيش في أدقّ مرحلة من حياة لبنان وأمنه واستقراره وتعاطيه مع الدول". بهذه العبارات، لخّص البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل أيام، الموقف من "الجدل" حول التمديد لقائد الجيش، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية "منبع ثقة المواطنين واستقرارهم النفسيّ والأمنيّ"، وهي تحتاج "إلى مزيد من المساعدة والتشجيع والاصطفاف حولها".


 
قبل كلام البطريرك الراعي، كانت المؤشرات تدلّ إلى غياب "الأكثرية الوازنة" المؤيّدة للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي تنتهي ولايته مطلع السنة المقبلة، فإعلان كتلة "الجمهورية القوية" عن اقتراح قانون لتأجيل سنّ تقاعد القائد لعامٍ كامل، لم يشرّع الباب عمليًا أمام مثل هذا التمديد، ولا سيما أنّ حلفاءه في المعارضة انتقدوا قبل غيرهم ما وصفوه بـ"التسرّع"، فيما نفى حزب "الكتائب" نيّته المشاركة في جلسة برلمانية تحت عنوان التمديد.
 
وجاء موقف القوى المعارضة لـ"التشريع في ظلّ الفراغ"، ليتكامل مع موقف رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل الذي يُشهِر "الفيتو" في وجه التمديد لقائد الجيش، لأسباب يقول إنّها "مبدئية"، فيما يعتبرها خصومه "مصلحيّة"، ما يفتح الباب أمام التكهّنات، فهل يغيّر موقف الراعي من تموضع الأفرقاء من الاستحقاق المُنتظَر، فيصبح "التمديد" تحصيلاً حاصلاً، ولو تُرِك الربع الساعة الأخير؟
 
معارضون للتمديد
 
قبل كلام البطريرك الماروني الأخير، كانت الكفة تميل لصالح "المعارضين" للتمديد لقائد الجيش، ولو اختلفت الأسباب وتفاوتت الخلفيّات، فموقف رئيس "التيار الوطني الحر" يبدو الأكثر "ثباتًا"، هو الذي بات يصنَّف "خصمًا شخصيًا" لعون، وثمّة من يعتبر أنّ اعتراضه على التمديد له ليس مبنيًا فقط على "مبدئية أو براغماتية"، بقدر ما هو محاولة لإبعاد قائد الجيش من الصورة، بما يضعِف حظوظه الرئاسية التي يقول البعض إنّها لا تزال"الأعلى".
 
وإلى باسيل، يعتقد كثيرون أنّ "الثنائي الشيعي" المتريّث في حسم موقفه، لا يبدو مستعدًا للسير باقتراح "القوات"، فرئيس مجلس النواب نبيه بري يعترض على "مصادرة صلاحياته" من جانب "القوات"، عبر "اشتراط" جدول أعمال أيّ جلسة تشريعية يدعو إليها، فيما "حزب الله" يريد من جهة مراعاة موقف باسيل، في ضوء "التقاطع الإيجابي" معه على المستوى الاستراتيجي، ويرفض من جهة ثانية السير باقتراح مقدَّم من "القوات اللبنانية"، مهما كان الثمن.
 
وفي حين تضمّ لائحة رافضي التمديد أسماء أخرى، وإن بدت أكثر "مرونة"، كرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، الذي يريد تعيين رئيس للأركان أولاً، فإنّها قد تضمّ أيضًا قوى من المعارضة كحزب "الكتائب"، الذي يعتبر أن أيّ تمديد يجب أن ينطلق من الحكومة، لا من مجلس النواب، انسجامًا مع رفض هذا الفريق ما يسمّى بـ"تشريع الضرورة"، تحت أيّ عنوان أو مبرّر.
 
ماذا بعد موقف الراعي؟
 
لكنّ كلّ ما سبق من مواقف، سواء صُنّفت مبدئية أو براغماتية، قد لا تبقى على حالها، وفق ما يقول العارفون، خصوصًا بعد كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي خلط الأوراق لأكثر من سبب، ولا سيما أنّه اعتبر الكلام عن "إسقاط" قائد الجيش معيبًا في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية، علمًا أنّ هذا المنطق يتلاقى مع القائلين بعدم إمكانية "المسّ" بالمؤسسة العسكرية في زمن الحروب، التي يلوح "شبحها" في الأفق اللبناني، ولو بقي بعيدًا.
 
يقول العارفون إنّ أبعادًا كثيرة تدفع البعض لإعادة النظر بموقفهم من التمديد لقائد الجيش، بينها قد يكون طائفيًا، باعتبار أنّ "الشغور" على رأس القيادة العسكرية، يعني ضمنًا "ضرب" الموقع الماروني الثالث في الدولة، بعد موقعي رئيس الجمهورية وحاكم مصرف لبنان، علمًا أنّ البدائل المُتاحة، ومن بينها تعيين رئيس للأركان يمكن أن يتصدّى للمسؤولية، قد تصطدم هي الأخرى بعقبات طائفية، ولو تمّ تخطّيها في مواقع أخرى، في الأمن العام ومصرف لبنان.
 
في المقابل، ثمّة من يقلّل من شأن هذا "التحفّظ"، باعتبار أنّ التمديد هو الحالة "الاستثنائية"، وليس الالتزام بالدستور، الذي يضمن عدم حصول "فراغ" في المؤسسة العسكرية، شأنها شأن غيرها من المؤسسات التي تحكمها "استمرارية العمل العام"، ويرى هؤلاء أنّ موقف البطريرك الراعي بهذا المعنى قد يشكّل "ضغطًا معنويًا"، لكنه ليس "ملزمًا"، علمًا أنّ الأولوية يجب أن تكون مركّزة على انتخاب رئيس للجمهورية، بدل التمديد لقائد الجيش.
 
ثمّة من يقول إنّ "التمديد" لقائد الجيش حاصلٌ بالتأكيد، عاجلاً أم آجلاً، لأنّ البلاد في هذه المرحلة لا تحتمل أيّ شغور على رأس المؤسسة العسكرية، وأنّ المعترضين سيغيّرون موقفهم في الوقت المناسب. لكن ثمّة من يقول في المقابل، إنّ "النوم على حرير التمديد" لن ينفع، لأنّ "الإجماع" على مثل هذا القرار قد لا يكون مُتاحًا، في ظلّ "الفيتو الباسيليّ" الثابت، لتبقى الكلمة "الفصل" كالعادة متروكة إلى اللحظة الأخيرة! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: التمدید لقائد الجیش

إقرأ أيضاً:

التاريخ الأسود لقائد درع السودان ودوره القادم الأكثر قذارة

في خطابٍ مفاجئٍ نقلته حسابات إخبارية محلية وتداولته منصات التواصل الاجتماعي، هاجم قائد ميليشيا "درع السودان" كيكل قيادات الجيش ووزارة المالية السودانية باتهاماتٍ صريحة بتدمير مشروع الجزيرة الزراعي، وتجويع أبناء الولاية، ملوحًا بتهديدٍ خطير: "إذا فتحت فمي… فلن يبقى من قيادات الجيش أحد. أعرف من خطط، ومن خان، ومن باع. ولن أرتجف لحظة". هذه التصريحات لم تكن مجرد هجومٍ عابر، بل تكشف عن تاريخٍ أسود لهذا القائد، وتحذيرًا من دورٍ أكثر قذارة يُحضّر له في المشهد السوداني المتأزم. من صنع هذا القائد؟ نشأ كيكل ضمن تشكيلات "الدعم السريع"، حيث ارتقى سريعًا بفضل ولائه المطلق وتحالفه مع مراكز القوى التي وظّفته لتنفيذ أجنداتٍ عسكرية وأمنية. خلال سنوات الحرب، ارتبط اسمه بانتهاكاتٍ ممنهجة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة، منها عمليات الإخلاء القسري، والاعتقالات التعسفية، وتجريف الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تدميرٍ منهجي لاقتصاد المنطقة. تقارير حقوقية دولية ومحلية أدرجته ضمن قائمة "مشتبه في ارتكابهم جرائم حرب"، بينما يتهمه أبناء الولاية بالتواطؤ في تهريب المحاصيل وإفقار المزارعين عبر تحالفاتٍ مع شبكات فسادٍ مؤسسي. تهديدات كشف الأسرار: سلاحٌ مزدوج لا تأتي تهديدات كيكل بفضح "الملفات الخطيرة" من فراغ، فهي تعكس أسلوبًا متكررًا في مسيرته القائمة على الابتزاز السياسي. فمع تصاعد الضغوط الدولية والمحلية لمحاسبة قادة الميليشيات، يحاول كيكل تحويل نفسه من "مُجرم حرب" إلى "شاهد إثبات" ضد المؤسسة العسكرية، مستغلًا معرفته الوثيقة بتحالفات القادة والصفقات المشبوهة التي شهدتها سنوات الحرب. مصادره المعلنة – وإن بدت دفاعًا عن المظلومين – تُخفي هدفًا رئيسيًا: الحصانة من المحاكمة عبر إرباك الخصوم وإجبارهم على منحه ضماناتٍ أمنية وسياسية. مشروع الجزيرة: ورقة الضغط الأكثر قذارة اختار كيكل التصعيد عبر التلاعب بملفٍ حساسٍ يُجمع السودانيون على أهميته الاستراتيجية: مشروع الجزيرة الزراعي، الذي تحوّل من رمزٍ للاكتفاء الغذائي إلى ساحةٍ لصراعات النفوذ. بات تدمير المشروع – وفق اتهامات كيكل – أداةً لتجويع المدنيين وإضعاف مقاومتهم، ما يُظهر كيف حوّل القائد الميليشياوي الأزمة الإنسانية إلى سلاحٍ لتحقيق مكاسب شخصية. الأسوأ أن هذه التصريحات تزامنت مع تقارير عن تحالفاتٍ جديدة لكيكل مع جهاتٍ إقليمية تُموِّل صراعاتٍ جانبية، ما يفتح الباب لتحويل الولاية إلى سوقٍ لتجارة السلاح والموارد المسروقة. الدور القادم: من الابتزاز إلى التفجير المخاوف الأكبر لا تكمن في ما كشفه كيكل، بل فيما يُخبئه. فتصعيده الحالي يُعتبر جزءًا من استراتيجيةٍ أوسع لـتفجير التحالفات العسكرية القائمة، خاصة بين الجيش السوداني وفصائل الدعم السريع، عبر نشر وثائقَ مزعومةٍ تثبت تورط قياداتٍ في فسادٍ أو تعاونٍ مع أطراف خارجية. مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى: انهيار الثقة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية، مما يعقّد جهود بناء السلام. اندلاع مواجهاتٍ داخلية بين الميليشيات المتحالفة، واستبدال حربٍ مركزية بحروبٍ أهلية مصغرة. تعطيل الوساطات الدولية التي تسعى لوقف النزاع، لصالح إطالة أمد الحرب واستنزاف الموارد. كيف يُمكن كسر الحلقة؟ التاريخ الأسود لقادة مثل كيكل لا يُختصر في جرائم الماضي، بل في قدرته على استنساخ الأزمات عبر تحالفاتٍ جديدة. لمواجهة دوره القادم، يجب: محاكمته عاجلًا بتهم جرائم الحرب عبر آلياتٍ قضائية دولية أو محلية مستقلة، لسحب ورقة الابتزاز من يديه. كشف التمويل الخفي لتحالفاته الجديدة، سواء من جهات إقليمية أو شبكات فساد محلية. إشراف مدني مباشر على ملفات الفساد العسكري، وخاصة تلك المتعلقة بمشروع الجزيرة، لاستعادة ثقة المواطنين. ضغط دولي مُوجّه لإجبار الأطراف الإقليمية على وقف دعم الميليشيات، عبر عقوباتٍ تستهدف حلفاء كيكل. السيناريو الأسوأ هو تحوّل السودان إلى ساحةٍ مفتوحة لصراعات الابتزاز، حيث يُصبح كل قائد ميليشيا "حارس أسرار" يهدد بكشفها ما لم يُمنح نفوذًا أكبر. هنا، لن تنتهي الحرب بانتصار طرفٍ على آخر، بل بانتصار الفوضى على الدولة نفسها.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • الدور البطولي الذي قاده اللواء أبو عبيدة.. تكريم رئيس هيئة العمليات العسكرية لمتحرك المناقل الغربي
  • البعريني: ما يجري في الضاحية من انتهاكات يستدعي موقفًا وطنيًا موحّدًا يلتف حول الجيش
  • من هو القيادي الحوثي عبدالله الرصاص الذي استهدفه الجيش الأمريكي في اليمن؟
  • محمد معز رئيس المالديف الذي منع الإسرائيليين من دخول بلاده
  • العدل والمساواة تعلن عن موقف حاسم تجاه دمج قواتها في الجيش السوداني وتحذر من حملة أعداء
  • تفاصيل كمين حي الشجاعية برواية الجيش الإسرائيلي.. ما الذي حصل؟
  • التاريخ الأسود لقائد درع السودان ودوره القادم الأكثر قذارة
  • هل سيرأس البطريرك الراعي القداس غدا؟
  • ترامب يقول إنه ضغط على نتنياهو لإدخال الغذاء والدواء إلى غزة
  • ترامب يقول إنه ضغط على نتنياهو لإدخال المزيد من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة