بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي.. 60 مدرسة بغزة تخرج عن الخدمة
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
أعلن رئيس مكتب الإعلام الحكومي في غزة عن خروج 60 مدرسة عن الخدمة إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي المباشر للمدارس، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "معا" الفلسطينية اليوم الخميس.
وأمس الأربعاء، كشفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن حوالي 300 ألف طفل في غزة محرومون من التعليم جراء الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقال المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، إن ما يقرب من 50 من مباني الوكالة، من ضمنها مدارس، تضررت بسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: غزة مدارس الاحتلال الإسرائيلي الاحتلال الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
التجنيد والجيش الإسرائيلي.. شرخ وسعه الطوفان
ما زالت آثار طوفان الأقصى تحفر في بنية النظام الإسرائيلي وتوسع شرخه، وواحدة من هذه الشروخ الأساسية متعلقة بمسألة التجنيد، قد يبدو للناظر من بعيد أن الجيش الذي قاتل على أربع جبهات هو بكامل عافيته، لكن منطق الشروخ يعمل ببطء.
لقد بنيت النظرية الأمنية الإسرائيلية على مبدأين أساسيين، وهما: الثالوث الأمني (الإنذار المبكر، الحسم، الردع)، وكذلك جيش الشعب، والذي يمكن تجسيده من خلال فرض التجنيد الإجباري على جميع الإسرائيليين، فيما ذهب قادة الجيش الإسرائيلي في العقدين الأخيرين إلى الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة وتبني مفهوم "جيش صغير وذكي"، لكن أحداث حرب طوفان الأقصى وما أفرزته من تحديات أعادت من جديد الجدل الداخلي الإسرائيلي حول المفاهيم الأمنية السائدة وفي مقدمتها "جيش الشعب" و"جيش صغير وذكي".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أي تحدٍّ خلقه الطوفان لإسرائيل؟.. تقييمات جنرالات الجيشlist 2 of 2موجز تاريخ تجنيد الحريديم.. من التسوية إلى الحسمend of listمع امتداد الحرب لأكثر من سنة وتراكم الخسائر البشرية في الجيش الإسرائيلي، برزت الحاجة إلى تجنيد جميع فئات المجتمع الإسرائيلي، بمن فيهم الحريديم المُعفَون من التجنيد بذريعة "عملُه توراتُه"، ليصبح الجيش الإسرائيلي فعلا هو جيش "الشعب"، جميع شرائح "الشعب" وليس فقط شريحة العلمانيين. وفي الوقت ذاته تجدد الجدل حول ضرورة زيادة عدد الجيش وعدم الركون بشكل كامل للتكنولوجيا. من هنا برز السؤال الرئيس لهذه المقالة وهو: ما تأثيرات حرب طوفان الأقصى على المفاهيم الأمنية الإسرائيلية السائدة؟ وما تبعات السعي إلى زيادة عدد أفراد الجيش بواسطة تجنيد الحريديم؟
إعلان مشكلة الحريديممرّ موضوع تجنيد اليهود المتدينين (الحريديم) في الجيش الإسرائيلي بعدة مراحل منذ نشأة الكيان الصهيوني وحتى ما بعد حرب طوفان الأقصى، فمن "القوائم المعتمدة" مرورا بقرارات المحكمة العليا وقانون "طال" وصولا إلى السابع من أكتوبر، ففي عام 1948 وقبل الإعلان عن إنشاء الكيان الصهيوني وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون على طلب الحزب الممثل للحريديم "أغودات يسرائيل"، والمتمثل بعدم تجنيد أعضاء المدرسة الدينية المدرجين في "القوائم المعتمدة" والمقدر عددهم بـ400 شخص، المتفرغين لدراسة التوراة تحت شعار "عمله توراته". في عام 1958 تضمنت ترتيبات الإعفاء تأجيل الخدمة العسكرية بحيث يتم تجنيد طلاب المدارس الدينية الذين يتركونها وهم تحت سن 25، بينما يتم تجنيد الذين يتركونها بين سن 25-29 لمدة ثلاثة أشهر، والطالب الذي يترك المدرسة الدينية فوق سن الـ29 يعفى من الخدمة.
أسهم هذا الترتيب في ارتفاع أعداد طلاب المدارس الدينية المعفين من الخدمة العسكرية، ما أثار حفيظة منظمات المجتمع المدني التي دعت إلى "المساواة بالعبء" لجميع أفراد المجتمع الإسرائيلي، وتطبيق مبدأ "جيش الشعب" ليشمل جميع شرائح المجتمع، فتم تقديم عدة التماسات للمحكمة العليا الإسرائيلية، من بينها استئناف تم تقديمه عام 1988، فحكمت العليا بأن وزير الدفاع الإسرائيلي يُمنح هامشا واسعا من السلطة التقديرية لمنح الإعفاء لأسباب أمنية، ما دام لا يوجد ضرر فعلي للأمن.
أنشأ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عام 1999 لجنة برئاسة القاضي "تسفي طال" لفحص الترتيب القانوني المناسب في مسألة تجنيد طلاب المدارس الدينية. أوصت اللجنة بمنح طالب المدرسة الدينية من سن 23 عاما فصاعدا (سنة اتخاذ القرار)، حيث يمكنه، في نفس الوقت الذي يدرس فيه بالمدرسة الدينية، الدراسة والبحث عن عمل دون فقدان مكانته بوصفه شخصا "عمله توراته"، وبعد ذلك يمكنه أن يختار ما إذا كان سيواصل الدراسة في المدرسة الدينية، أو الالتحاق بالجيش للخدمة النظامية، أو الاختيار في أحد الطريقين المخصصين له: الخدمة العسكرية المختصرة أو الخدمة المدنية.
إعلانفي أعقاب تقرير اللجنة، تم إقرار "قانون طال" عام 2002، قانون تأجيل الخدمة لطلاب المدارس الدينية الذين ينطبق عليهم "عمله توراته"، نفذ القانون فكرة "سنة القرار" (بين سن 22 و23)، وإنشاء بديل الخدمة المدنية كبديل للخدمة العسكرية النظامية والاحتياطية لخريجي المدارس الدينية (الذين تم إعفاؤهم من التجنيد لمدة أربع سنوات متتالية على الأقل). حاول القانون خلق توازنات من شأنها تخفيف الضرر الذي يلحق بقيمة المساواة من خلال تعزيز الإشراف والفحص الدوري لموضوع الإعفاء، ومن خلال تقديم حوافز للخروج من المدارس الدينية وتوزيع أكبر لعبء الخدمة.
ومع ذلك، فشل القانون عمليا في عكس اتجاه الزيادة في عدد المستفيدين من الإعفاء. كما تبين أن إطار الخدمة المدنية الذي تم تطبيقه غير فعال، وبقي الشعور بعدم المساواة على حاله، ما عزز من موقف الأحزاب العلمانية الداعية لـ"المساواة بالعبء" مثل "شينوي" و"يش عتيد"، وزاد من عدد مقاعدها في انتخابات 2003 وكذلك 2013. علاوة على ذلك، فإن المعركة القانونية حول الإعفاء من التجنيد لم تنتهِ بعد، وتلخصت إلى حد كبير في الجهود المبذولة للهجوم على دستورية قانون طال، وبالفعل قُدِّمت عدة التماسات ضد قانون "طال" بواسطة حركات مثل "حركة جودة الحكم"، لكن العليا لم تتجاوب مع هذه الالتماسات ومددت العمل بالقانون.
يُعتبر قانون "طال" بمثابة تغيير لأول مرة في الاتجاه، وكان يهدف، من ناحية، إلى تثبيت الإعفاء من الخدمة، ومن ناحية أخرى زيادة عدد المجندين من المجتمع الحريدي. تجنب القانون إلغاء ترتيبات الخدمة المؤجلة، لكنه أنشأ طرق تجنيد وأهداف تجنيد مصممة لتحقيق معدل أعلى من تجنيد الحريديم في الجيش، ومع ذلك بقيت معدلات التجنيد بين الحريديم منخفضة.
مع مرور الوقت زاد اعتماد الجيش على التكنولوجيا، ما قاد إلى ازدياد الاعتماد على الجيش النظامي وقلّت الحاجة إلى الاحتياط، هذا انعكس على أرض الواقع بانخفاض نسبة التجنيد، ففي عام 2006 انخفضت نسبة الملتحقين بالتجنيد ممن أعمارهم 18 عاما إلى 50% من الذكور والإناث، وكان من المتوقع زيادة هذه النسبة في السنوات اللاحقة مع ازدياد نسبة العرب والحريديم.
إعلانأسهمت عدة عوامل في انخفاض النسبة، من بينها ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي، فقد تراجعت الدافعية للقتال نتيجة تراجع الإحساس بوجود خطر وجودي على إسرائيل، لكن من ناحية أخرى ارتفعت نسبة المتجندين للجيش بـ16% منذ بداية التسعينات إلى عام 2011، فقد حصل تزايد في أعداد الجنود المفترض تجندهم نتيجة زيادة أعداد السكان، وذلك بسبب الهجرة في التسعينات وخصوصا من الاتحاد السوفييتي (أغلبهم علمانيون) وكذلك زيادة نسبة المواليد.
تصاعد السجال بين العلمانيين والحريديم بشأن قانون التقاسم بالعبء والتجنيد بظل الحرب على غزة. (الجزيرة)قبلت العليا عام 2007 أحد الالتماسات المقدمة لإبطال القانون باعتباره غير دستوري، حيث أشارت المحكمة إلى إخفاقات عديدة في آلية الخدمة المدنية، وفشل آلية "السنة الحاسمة" في أن تؤدي إلى زيادة فعلية في عدد الحريديم العاملين في الخدمة العسكرية أو في الخدمة المدنية. إلا أن المحكمة أوقفت نفاذ بطلان قانون "طال" لإتاحة الفرصة للمشرع للاستعداد للواقع القانوني الجديد، وهذا ما دفع النظام السياسي إلى صياغة قانون بديل، فتم سن قانون جديد عام 2014 يمنح الحريديم بموجبه الاختيار بين الخدمة العسكرية (24 شهرا) أو الخدمة المدنية (18 شهرا) أو طلب الإعفاء (على أن يتم تحديد عدد من يتم إعفاؤهم)، وسيتم فرض عقوبات فردية على الحريديم الذين لا يتناسبون مع أحد هذه المسارات، بما في ذلك الغرامة والعقوبة الجنائية وإلغاء المزايا الاجتماعية.
لكن حكومة بنيامين نتنياهو المتحالفة مع الحريديم قامت عام 2015 بتغيير الترتيب الذي تم تأسيسه في عام 2014، ومن وقتها يتم تمديد العمل بالقانون الذي يمنح وزير الدفاع صلاحية تأجيل الخدمة للحريديم، إلى أن تقدمت حركة "جودة الحكم" عام 2017 بالتماس للعليا التي قبلته لتطبيق مبدأ المساواة في منح الإعفاء، ومنذ ذلك التاريخ والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحاول سن قانون يتضمن "المساواة بالعبء"، لكن التحالفات السياسية التي عقدتها أحزاب الحريديم بالكنيست تحول دون ذلك.
إعلاندار النقاش داخل المجتمع الإسرائيلي حول مفهومَي "جيش الشعب" في مقابل "جيش مهني"، بمعنى أن يكون هناك جيش يتجند فيه كل فئات الشعب، في مقابل من دعا إلى تشكيل جيش "مهني" صغير وذكي، للتغلب على عدم تجنيد الحريديم. بشكل عام، صحيح أن عدد المتجندين للجيش كان يزيد من سنة لأخرى بسبب زيادة عدد السكان.
لكن فعليا كانت نسبة المتجندين بالمقارنة مع عدد السكان قد تقلصت، وهذا ما دفع للتفكير في بدائل لنظام التجنيد القائم في إسرائيل، والذي يصلح أن يطلق عليه "نظام هجين" يجمع ما بين الخدمة الإلزامية والانتقائية (من خلال إعفاء الحريديم)، فدعا البعض إلى تبني نموذج التجنيد الإلزامي الانتقائي الرسمي بحيث يتم انتقاء المنتسبين، فيما دعا آخرون إلى نموذج تجنيد المتطوعين (all-volunteer force)، لكن بقي التيار السائد الداعي للحفاظ على النموذج القائم للتجنيد الإلزامي مع تعديله من أجل الوصول إلى صيغة "المساواة بالعبء".
ونتيجة للإحساس بعدم وجود خطر وجودي على إسرائيل، تم تقصير مدة التجنيد في الجيش عام 2015 من 36 شهرا إلى 32، وخلال عام 2016 اتخذ الكنيست قرارا بتقصير المدة بحلول عام 2020 لتصبح 30 شهرا، لكن في عام 2022 تم تأجيل التقصير إلى عام 2024، وبقيت مدة التجنيد من يوليو 2020 كما كانت سابقا 32 شهرا. فقد أعلن الجيش أن تقصير المدة إلى 30 شهرا سيقود إلى نقص في عدد الجنود بمقدار 2000 جندي. يمكننا القول إن الحافز الأساسي للتفكير بتبني نماذج بديلة للتجنيد وتقليص مدة الخدمة جاء للتغلب على عدم تجنيد الحريديم، لكن جاء السابع من أكتوبر ليفرض على الجميع الحاجة إلى تجنيد الحريديم.
تجنيد الحريديم بالأرقامحسب القانون الإسرائيلي، يُلزم كل من وصل إلى سن 18 عاما بالخدمة العسكرية، توجد إحصائيات رسمية لمن وصلوا لسن 18، لكن لا توجد إحصائيات رسمية لتوزيع السكان بحسب الانتماء (حريديم/علمانيين)، لذلك توجد إحصائيات تقديرية لظاهرة عدم تجند الحريديم.
إعلانبلغت نسبة الذين لا يتجندون بالجيش (المتهربين من الخدمة) تحت ذريعة "عمله توراته" عام 1980 حوالي 3.7%، ارتفعت إلى 4.6% عام 1990، واستمرت بالارتفاع عام 1996 إلى 6.7%، وزادت في عام 1999 إلى 7.8%، و9% عام 2000، لتصل في عام 2007 إلى 11%. كما نلاحظ التزايد في نسبة المتهربين من الخدمة على مر السنين (بصرف النظر عن سبب التهرب)، ففي عام 1980 كانت النسبة 12.1% ممن يجب عليهم التجنيد، ارتفعت عام 1990 إلى %16.6، وفي عام 2002 إلى 23.9%. 4% منهم تم إعفاؤهم بسبب السكن خارج البلاد، و3% بسبب وجود ملف جنائي له، و2.5% بسبب الإعفاء الطبي.
وفقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، تم تجنيد 898 خريجا من التعليم الحريدي في عام 2010، وفي عام 2013 تم تجنيد 1,972 خريجا (حوالي 12.5% وحوالي 24% من الحريديم)، وفي عامي 2017 و2019 لوحظ انخفاض في عدد المجندين إلى 1,374 و1,222 فقط على التوالي (نقص بحوالي 11%)، وهو معدل استمر في الانخفاض على مر السنين 2020-2021 مع حوالي 1,200 مجند حريدي (حوالي 10%). ولا يزال تجنيد الحريديم لا يحقق أهداف التجنيد المحددة على مر السنين.
نجد أن حوالي نصف المعفين من الخدمة كانوا على أساس "توراته عمله". حسب إحصائية العام 2022 يوجد حوالي 150 ألفا ينطبق عليهم قانون التجنيد ممن بلغوا سن 18، منهم 76,800 ذكور (منهم 52,600 يهودي) و73,300 إناث (منهن 50,400 يهوديات). متوسط نسبة التجنيد في أوساط الإناث يصل إلى 55%، ونسبة اللواتي يتم إعفاؤهن يصل إلى 45%. متوسط نسبة التجنيد في أوساط الذكور 68%، ومن يتلقون إعفاء من التجنيد نسبتهم 32%. أسباب الإعفاء تتراوح ما بين ("توراته عمله"، ووضع نفسي، ومدان جنائي، ووضع طبي، ومسافر للخارج).
أكبر نسبة من الإعفاء تذهب إلى "توراته عمله"، في عام 2020 بلغت النسبة 16.4%، وفي عام 2021 بلغت 16.5%، لترتفع في عام 2022 وتصل إلى 18.4%. المعفون على أساس الحالة النفسية عام 2020 بلغت نسبتهم 8.5%، انخفضت عام 2021 إلى 7.5%، واستمرت في الانخفاض عام 2021 إلى نسبة 6.5%. أصحاب السجل الجنائي بلغت نسبتهم عام 2020 ما يقارب 3.5%، انخفضت عام 2021 إلى 2.8%، وفي عام 2022 إلى نسبة 2.4%. أما المعفون على أساس الملف الطبي فبلغت نسبتهم عام 2020 حوالي 2.2%، انخفضت في العام 2021 إلى 1.9%، ونفس النسبة عام 2022. المسافرون للخارج بلغت نسبتهم عام 2020 حوالي 2.4%، وعام 2021 حوالي 2.5%، وعام 2022 نفس النسبة.
إعلانعام 2019 بلغ عدد المتجندين من الحريديم1,402، وعام 2020 بلغ عددهم 1,663، وعام 2021 كان عددهم 1,721، فيما تقدم للتجنيد من الحريديم بعد السابع من أكتوبر وحتى نهاية شهر فبراير 2024 حوالي 4 آلاف حريدي أعمارهم فوق 26 سنة، قرر الجيش أن 3,120 منهم غير صالحين للتجنيد لأسباب عدة في مقدمتها الوضع الصحي، ومن الـ880 الذين وجد أنهم صالحون للتجنيد خدم منهم فعليا 600 حريدي. ومن بداية الحرب وحتى أبريل 2024 تجند ممن هم تحت سن 26 فقط 540، وفي نفس الفترة أعفي من التجنيد 66 ألف تحت بند "توراته عمله".
لماذا لا يخدمون بالجيش؟يوجد تصور سائد أن الحريديم بشكل عام لا يخدمون بالجيش لأسباب دينية، وهذا التصور بحاجة لتدقيق من ناحيتين، أولهما: أن التيار الحريدي عبارة عن تيار واسع يضم عدة أحزاب ومدارس فكرية، منها ما هو مُعادٍ للحركة الصهيونية ومناقض لدولة إسرائيل لأنها لا تحكم بالشريعة التوراتية، كحركتَي "ناطوري كارتا" و"ساتمار"، وهؤلاء جميعهم لا يخدمون بالجيش من منطلقات دينية بحتة، فمن وجهة نظرهم هذا جيش علماني لا تجوز الخدمة به. الناحية الثانية التي يجب أخذها بالاعتبار أن هناك أحزابا حريدية صهيونية (مثل أغودات يسرائيل) أسهمت في بناء دولة إسرائيل، وتشارك في إدارة مؤسسات الدولة والنظام السياسي، كما شاركت في المجهود الحربي قبل قيام دولة إسرائيل، حيث انتمى معظم أفرادها للميليشيات الصهيونية كمنظمة "ليحي"، وعندما أقيم الكيان الصهيوني كانوا يخدمون بالجيش، لكن تم استثناء 400 فقط منهم (في البداية) للتفرغ لدراسة التوراة. هذا التيار لا يخدم معظمه بالجيش (توجد نسبة بسيطة تخدم) لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية.
أجرى بعض الباحثين الإسرائيليين دراسة مسحية تهدف للبحث في دوافع امتناع الحريديم عن الخدمة بالجيش. تتضمن الدراسة بيانات تم جمعها من نهاية عام 2020 حتى نهاية عام 2021، تُبيّن الدراسة أن حوالي ربع الشباب الحريدي (25%) يريدون التجنيد في الجيش الإسرائيلي، اكتشفت الدراسة وجود فجوة كبيرة بين الرغبة في التجنيد وبين الاستعداد العملي للتجنيد، فعلى أرض الواقع كان حوالي 10% فقط يتجندون بالجيش.
أنتج الحراك الاجتماعي لدى بعض جماعات الحسيدية والحريدية جماعة جديدة تسمى "الحردليم"، وهي اختصار "حريدي متدين قومي"(الفرنسية)رصدت الدراسة وجود عدة محفزات ودوافع يستخدمها الجيش لحث الحريديم على الخدمة العسكرية، من بينها دافع قيمة الخدمة (الرغبة في المساهمة في البلد)، والشخصية الفردية (الرغبة في اكتساب مهنة أو التقدم في الحياة)، والدافع المدني (تصور الخدمة كواجب مدني). وقد استنتجت الدراسة أن الحريديم الذين لا يرغبون في التجنيد هم أقل استجابة لهذا التحفيز ولهذه الدوافع، فقد سادت الدوافع السلبية التي تمنع الشباب الحريديم من التجنيد، وفي مقدمتها الدافع الديني السلطوي (الخوف من ردة فعل الحاخامات الرافضين للخدمة)، والاجتماعي (الخوف من النبذ الاجتماعي في المجتمع الحريدي)، والدافع الشخصي (الخوف من التكيف مع البيئة الجديدة و"الانهيار").
إعلانطوّر الجيش الإسرائيلي على مر السنين برامج تتكيف مع المجندين الحريديم أثناء محاولته تسخير عدد من الدوافع الرئيسية لتشجيعهم على الخدمة، ميزت البرامج بين مسارين رئيسيين للتجنيد، مسار قتالي حيث تم التركيز على خدمة أمن الدولة، والمسار المهني التكنولوجي، الذي تم التركيز فيه على الدوافع الاقتصادية المهنية واكتساب مهنة للمواطنة.
ومن أجل تهدئة الخوف من التجنيد الإجباري، أكد كلا المسارين على الحفاظ على أسلوب الحياة الحريدي، مع ضمان بيئة مناسبة للجنود الحريديم، ودون التخلي عن دراسة التوراة ومراعاة ممارساتهم الدينية. لذلك نجد بعض الوحدات العسكرية المخصصة للحريديم ويشرف عليها الحاخامات تحرص على اتباع تعاليم التوراة، ككتيبة "نيتسح يهودا".
كمؤشر على أهمية خوف الحريديم على الهوية الذاتية والذوبان في المجتمع العلماني نتيجة للخدمة بالجيش، يمكننا الاستشهاد بما توصلت له إحدى الدراسات الإسرائيلية التي تشير إلى أن من بين الشباب المتدينين الذين تطوعوا للخدمة بالجيش حوالي 70% منهم لم يعودوا يعرّفون أنفسهم على أنهم حريديم في وقت التجنيد، بمعنى أنهم تخلوا عن نمط الحياة الحريدي، وأصبحت الخدمة بالجيش أداة لبعض الشباب الحريدي للتهرب من نمط الحياة المتزمت الذي تفرضه عليهم التعاليم الحريدية. لذلك، وحتى يُهدّئ الجيش مخاوف المجتمع الحريدي وكذلك الحاخامات، قام بالإعلان عن البدء بإنشاء "لواء الحشمونائيم" المخصص للحريديم، حيث يجري بناء بنية تحتية وتشكيل إدارات تتلاءم مع نمط حياة الحريديم.
طوفان الأقصى ومشكلة التجنيدبرز النقص في القوة البشرية بالجيش الإسرائيلي عقب طوفان الأقصى، فبحسب تقرير صادر عن الجيش الإسرائيلي تسببت الحرب بسقوط العديد من القتلى والجرحى الإسرائيليين، فقد سقط 794 جنديا منذ 7 أكتوبر 2023، منهم 370 فقط خلال الحرب في قطاع غزة، وأصيب 5,346 جنديا (4,605 في غزة)، في حين انتهى الأمر بـ11,944 جنديا في غرف الطوارئ بالمستشفيات.
إعلاناهتز مفهوم "جيش الشعب" بشدة عقب طوفان الأقصى، حيث تقتصر التضحية على شريحة من المجتمع الإسرائيلي دون غيرها. فعليا، يعاني الجيش من نقص في العدد لا يقل عن 7,500 مقاتل (وفي بعض التقديرات 10 آلاف) بعدما تم تمديد خدمة جنود الاحتياط إلى الحد الأقصى، فالجنود منهكون ولا يحصلون على تغطية حكومية اقتصادية مناسبة، فقد أكمل معظم الجنود بالفعل 150 يوما احتياطيا، ومن ثم هناك نقص ظاهر وتغيب من شريحة من جنود الاحتياط عن الالتحاق بوحداتهم، حيث تشير بيانات الجيش لانخفاض يصل إلى 25%.
بناء على ذلك، يطالب الجيش الإسرائيلي وللتغلب على النقص في القوة البشرية بتغيير القوانين من أجل تكييف الوضع مع احتياجاته، وذلك من خلال تمديد الخدمة الإلزامية من 32 شهرا إلى 36 شهرا، ومن ثم زيادة عدد الجنود، وأيضا لتوفير أيام الاحتياط المكلفة والمرهقة للنظام، ومن جهة أخرى لا بد من رفع سن الإعفاء من الاحتياط بمقدار خمس سنوات (من 40 إلى 45)، ومن هنا برزت الحاجة إلى تجنيد الحريديم، الهدف السنوي (الذي تم قياسه بواسطة الجيش اعتبارا من أغسطس 2024) والذي تم تحديده هو 4,800 جندي حريدي، ومن المشكوك فيه جدا أن يتم تحقيقه، في الربع الأول تم تجنيد 900 حريدي من أصل 1,300 هدف. وتم إصدار 1,000 أمر إضافي من أصل 7,000 أمر بها وزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
طلب الجيش تغيير قانون الخدمة العسكرية من أجل تمديد الخدمة الإلزامية وكذلك قانون الخدمة الاحتياطية للسماح بمذكرات قانون التجنيد على نطاق واسع، فقد طلب التمديد من 32 إلى 36 شهرا، وهذا يعني مضاعفة العبء الواقع على الجنود بمقدار 2.3 ضعف (الوضع القانوني اليوم يسمح باستدعائهم لمدة 54 يوما احتياطيا على مدى 3 سنوات، أي 18 يوما في المتوسط سنويا)، ومضاعفة العبء على الضباط (يمكن استدعاؤهم لمدة تصل إلى 70 و84 يوما في السنة، على التوالي، لمدة 3 سنوات، أي بمتوسط 23 و28 يوما في السنة، على التوالي).
إعلاناعترض بعض السياسيين الإسرائيليين على الرقم المستهدف (4,800) لأنه لا يلبي احتياجات الجيش، فقد أعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست "يولي أدلشتين" بأنه قد أبلغ وزير الدفاع كاتس بأن هذا الرقم غير مقبول، وذلك بعدما أصدر كاتس أمرا بتجنيد 3 آلاف حريدي، في هذا السياق ونتيجة لامتناع الحريديم عن الالتحاق بالخدمة تم إصدار 1,126 مذكرة اعتقال بحق الحريديم. اضطر كاتس للالتزام بأمر المحكمة العليا الصادر في 25 يونيو/حزيران 2024، والذي ينص بشكل صريح على أنه يجب على الجيش ممارسة سلطته فيما يتعلق بالتجنيد على ضوء مبدأ المساواة، بما يتوافق مع التحديات الأمنية واحتياجات الجيش الإسرائيلي من القوى البشرية وقواعد القانون الإداري. لكن بين أوامر الحضور لحوالي 900 حريدي (من أصل 3 آلاف) تم توجيهها في 5 و6 أغسطس 2024، حضر 48 شخصا فقط كلهم من الذكور (وغابت النساء الحريديات تماما).
تطمح دولة إسرائيل إلى دمج الحريديم في الجيش، بضغط من الواقع القائم نتيجة الحرب، وطمعا في تحقيق منافع اقتصادية، ففي حالة تجنيد الحريديم بأعداد مماثلة لباقي السكان من المتوقع في عام 2045 ألا تكون هناك حاجة للجيش لأيام احتياطية تشغيلية، باستثناء السعي للحفاظ على الكفاءة لأفراد الاحتياط، وسيكون معدل التوفير للاقتصاد ما بين 77% و100% من نفقات ميزانية عام 2050، والأرقام بين 8 و10 مليار شيكل سنويا.
مزيدا من الشرختدحرجت ظاهرة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية تحت ذريعة "توراته عمله" من ظاهرة محدودة بقوائم معتمدة إلى ظاهرة عامة متفشية، أثرت بدورها على مفهوم المواطنة والمساواة، ففي حين تقوم شريحة من السكان ذوي التوجه العلماني بدفع الضرائب والخدمة بالجيش، ما يعني تأثر مصالحها الاقتصادية نتيجة غيابهم عن أعمالهم ومصالحهم، علاوة على تأثرهم اجتماعيا نتيجة غيابهم الطويل عن بيوتهم كما حصل في حرب طوفان الأقصى، في المقابل نجد شريحة الحريديم تتمتع بكافة المزايا، إذ تُعفى من الخدمة العسكرية وتحصل على دعم مالي حكومي يتيح لها التفرغ لدراسة التوراة.
إعلانتمحور الدافع الرئيسي لمطالبة حركات المجتمع المدني وبعض الأحزاب الإسرائيلية بتجنيد الحريديم في حرصهم على تحقيق مبدأ "جيش الشعب"، ورغم صدور بعض قرارات المحاكم لتحقيق "المساواة بالعبء" وسعي بعض الأحزاب لسن قوانين تراعي ذلك، فإن المسألة بقيت عالقة نتيجة عدم وجود حاجة ملحّة لتغيير القوانين أولا، وبسبب عقد أحزاب الحريديم في الكنيست تحالفات سياسية أثناء تشكيل الائتلافات الحكومية، تحمي امتيازاتهم وتهرب أفرادهم من التجنيد، إلى أن جاءت حرب طوفان الأقصى والخسائر التي مني بها الجيش، ما خلق الحاجة للقوة البشرية، ودفع الجميع إلى تغيير الاتجاه، وتناول (من جديد) مفهوم "جيش الشعب" وضرورة الأخذ به، وعدم الإبقاء على الحالة السابقة من تمييز لشريحة الحريديم دون غيرهم.
من المتوقع أن يتسبب إعادة فتح ملف تجنيد الحريديم وتحقيق مبدأ "جيش الشعب" في زيادة الشرخ المجتمعي، وارتفاع حدة الاستقطاب بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، لكن الشيء الأكيد بعد الحرب أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى لمعالجة هذه المعضلة، والخروج من دائرة الصفقات السياسية بين الأحزاب الإسرائيلية إلى تبني نموذج في التجنيد يحقق المساواة بالعبء.