الجزيرة:
2024-07-06@14:10:31 GMT

اقتلوا ولكن على غير مَرأى من الصحافة

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

اقتلوا ولكن على غير مَرأى من الصحافة

لم يصطبر مديرُ مكتب المندوبية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم، بنيويورك السيد كريك موخيبر Craig Mokhiber على ما يجري في غزّة وقدّم استقالته لِما اعتبره إبادة جماعيَّة تجري أمام الأعين، للتهاون الذي أبدته المنظومة الدوليّة والمجموعة الدولية في وقف العدوان وحماية المدنيين، وشفع الاستقالة برسالة إلى المندوب السامي لحقوق الإنسان تُوضّح حقيقة الوضع وسبب المشكل:

"يظهر جليًا، مع ما يطبع ذلك من أسى، أننا تخلّفنا عما يلزم وما يفرضه الواجب لتجنب فظائع جماعيّة، وعن واجبنا في حماية الأشخاص في وضعيّة هشّة، وإلى الواجب المرتّب عن ذلك في عرض من اقترفوا تلك الجرائم أن يكونوا محاسَبين على أفعالهم.

استمرّ الأمر من خلال موجات متكرّرة من تقتيل الفلسطينيين واضطهادهم منذ أن وُجدت الأمم المتحدة."

وليضيف:

"إنَّ المجزرة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني- والتي تستند إلى أيديولوجية استعمارية، وإثنية قومية، بعد عقود من الاضطهاد والتطهير المنهجي، على أساس وضعيتهم بصفتهم عربًا، مع إعلان عن تلك النوايا بشكل جلي، من قِبل زعماء الحكومة الإسرائيلية، وجيشها- لا تترك مجالًا للشكّ ولا للحوار".

ويسترسل :

"في غزة تُقصف المساكن والمدارس والكنائس والمساجد والمؤسسات الطبية، من غير سبب، ويُقتل آلاف المدنيين. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، تتم مصادرة بيوت أصحابها، وتُمنح للأغيار، استنادًا لعِرقهم. يرافق المستوطنين- الذين يرتكبون بوغرومات (مجازر)- وحداتٌ عسكرية إسرائيلية. تسود شِرعة الأبارتيد البلد كله.

ندخل إلى صنف جديد من الإبادة (..) القضاء بشكل سريع على بقايا الحياة الفلسطينية الأهلية في تلك الأراضي".

لنصل إلى بيت القصيد :

"حكومات كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجزء كبير من أوروبا مشاركون في هذه الهجمة المريعة. إنهم لا يكتفون بالامتناع عن الاضطلاع بواجبهم بالنظر لاحترام معاهدات جنيف، ولكنهم يمدُّون إسرائيل بالسلاح والمعلومات ويغطون سياسيًا ودبلوماسيًا على الفظائع التي ترتكبها".

أتوقف هنا، لأنَّه ليس هناك تحليل أدقّ عن جذور المأساة، والتي تعود إلى فجر الأمم المتحدة، أو عقبها مباشرة، وإلى جوهر المشكل، وهو واقع الاحتلال والأبارتيد، والقتل والاضطهاد، وإلى التطور الذي حصل في مسار النزاع- مع الانتقال إلى فصل جديد في الإبادة، إلى إبادة نهائيّة، والإشارة إلى المسؤولين عمّا يجري- وهو مشاركة الغرب، وليس فقط تواطؤُه، مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب، عسكريًا ولوجيستيكيًا، ثم تغطية أعمال إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا.

أهمية التحليل هو أنه يأتي من شخص ليس فلسطينيًا ولا عربيًا ولا مسلمًا، ولا ناشطًا سياسيًا، ولكنه مسؤولٌ عن ملفّ حقوق الإنسان، في منظمة أممية، وهو ما يضفي عليه الموضوعية.

هناك مسؤولية دولية عن الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، ومشاركة غربية، فعلية أو ضمنية، ولا يمكن لأحد منذ الآن، أن يتذرع بأنه لم يكن يعرف.

ما تزعمه الولايات من حقّ "إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بل "واجبها"- حسب الرئيس الأميركي بايدن- يعني عمليًا قتل شعب وإبادته، وعدم التحرج من التطهير العِرقي.

هذا ما يقوله مسؤولوها في إسرائيل، جهارًا، ويرسمون خطط الإبادة في الاجتماعات التي يعقدونها مع القيادة العسكرية الإسرائيلية سرًّا.

المؤذي ليس هو اصطفاف الولايات المتحدة إلى جانب القوة، والعنف والتقتيل، والدمار، والتشريد، والزيف والتضليل، وتقديم أدوات التقتيل؛ إذ ليس في الأمر جديد، ولكن تقديم خدمة الشفاه، كما يقال في اللغة الإنجليزية، أو الضحك على الذقون باللغة العربية؛ لأنّ أميركا تزعم أنها تُعنى بحَيَوات المدنيين، وتقديم المساعدات لهم، وفتح "الممرات الإنسانية"، وهي التي حملت في أول مُكوكها خيار "الترانسفير".

بلينيكن، الذي يمثل جيلًا جديدًا من ساكنة فوغي باتوم (مقر كتابة الدولة الأميركية)، يُغلفون خطابهم ببعض المراهم. اقتلوا ولكن لا تغلوا في القتل، واقتلوا ولكن على غير مرأى من الصحافة. اقتلوا، وأعطوا ضحاياكم مهلة، كي تستردوا قوتكم.. ويسترجعوا أنفاسهم.

لا شيء يمكن انتظاره من الولايات المتحدة، "الوسيط النزيه"، الذي روّج الأداة السحرية، في الحديث إلى العالم العربي، من خلال توظيف تناقضات مكوناته، ولغة خدمة الشفاه.

الحديث ينبغي أن يجري مع التاريخ. وما يقع هو إبادة جماعية، وهو تطهير عِرقيّ، غير مسبوق مما تعرض له الفلسطينيون منذ النكبة. ينبغي حفظ كل ما يجري وتوثيقه لتحديد مسؤولية الجناة، ومسؤولية المشاركين والمتواطئين، للتاريخ.

نحن أمام تطهير عِرقيّ وإبادة جماعيَّة، ونكبة جديدة، ولكن في حجم أكبر من الأولى. فلم يعرف الفلسطينيون تقتيلًا كهذا الذي يجري الآن- وفي برودة دم- يفوق دير ياسين، وكفر قاسم، وجنين، وغزة 2009، وغزة 2014.

ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن تكرّر. يأخذ شكلًا تراجيديًا أول الأمر، ولكنه يأخذ شكلًا مغايرًا بعدها. لن تكون حرب "استقلال" ثانية، كما زعم نتنياهو، ولكن بداية منعرج في العلاقات الدولية لن يكون أبدًا -من منظور التاريخ- في مصلحة إسرائيل، ولا الغرب، ولا الدول المتمسّكة بتلابيه، والمستظلّة بحمايته.

ما يقع هو تحول جذريّ ليس فقط على مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي، ولكنه على مستوى العالم، ستبلغ فرقعاته مجتمعات العالم العربي، يحجبه عنا اليوم نقْعُ المواجهة.. نعم الثمن غالٍ، ذلك الذي أدّاه الفلسطينيون ويؤدّونه، ولكن التحوّل لن يكون في صالح من ارتكنوا للقوَّة، وخنقوا الحقيقة.

الانتصار العسكري ليس بالضرورة صنو الانتصار السياسي، والقوة ليست مرادفًا للحق والعدل. والموضوعية تقتضي النظر إلى الصورة كاملة، إلى سياق ما قبل "طوفان الأقصى"، إلى الحصار المضروب على غزّة والتضييق والتقتيل والاستهتار الذي يطال الفلسطينيين.

ونتحمل مسؤوليتنا فيما يجري؛ لأننا حرمنا الفلسطينيين من جدارٍ يسندون إليه ظهورهم حين المواجهة، وعمقٍ يلوذون به، ليضمّدوا جراحهم، ويستردوا أنفاسهم.

حينما كان مسلمو الأندلس يواجهون وحدهم عمليات الإبادة بعد مجزرة معارك البوشارات (1568) بعث فقيهٌ رسالة إلى علماء تلمسان والأزهر حول ما كان يتعرض له مسلمو الأندلس من تقتيل وانتهاك حرمات ذويهم، وشفع أن ما يؤذيه ليس ما يتعرضون له، فذلك أهون عليهم من الفُرقة التي عليها أبناء جلدتهم وإخوانهم في الدين، فذلكم يؤذيهم أكثر مما يؤذيهم ما كان العدو يفعله بهم.

وستبقى مسؤوليتنا قائمة ما أبقينا على الفُرقة بيننا والنزاعات الهامشية، ولم نستخلص العِبرة مما يجري، ونقبل أن نكون كما الأيتام على مائدة اللئام.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة ما یجری ا یجری

إقرأ أيضاً:

خطوة مهمة ولكن

التعديل والتحديث في الأنظمة والقوانين ومراجعتها سنويا أمران في غاية الأهمية ويسهمان في معالجة السلبيات والارتقاء بالإيجابيات للأفضل.. وفي الأيام الماضية شهدت اجتماعات متواصلة للجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية كان الهدف منها هو تعديل مسودة النظام الأساسي الموحد للاتحادات الرياضية المدعومة حكوميا.

وشهدت بعض هذه الاجتماعات مناقشات مثيرة وتساؤلات حول التعديلات الجديدة في النظام الأساسي كان أبرزها الشهادة الجامعية للمترشح لعضوية الاتحادات الرياضية وإلزام المترشح أن يكون حاصلا على مؤهل جامعي لا يقل عن البكالوريوس معترفا به من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في سلطنة عمان وسيقطع هذا الشرط الإلزامي الذي أضيف في النظام الأساسي على العديد من الراغبين في الترشح لانتخابات الاتحادات الرياضية والتي لم يتبق على موعدها سوى أشهر معدودة حتى الآن فإن التحركات لخوض هذه الانتخابات لم تعد كما كانت في السابق.

في اجتماع الجمعية العمومية للهوكي طرحت هذه القضية بقوة للنقاش وبين مؤيد ومعارض حول شرط الشهادة الجامعية، ويطالب المعارضون أن يبدأ تطبيق هذا الشرط في انتخابات الأندية الرياضية كون أن المترشحين للاتحادات الرياضية يأتون من الأندية وكان من الأجدر أن يتم البدء بها في الأندية الرياضية، والمؤيدون للقرار يرون أنها خطوة مهمة وإيجابية أن يكون المترشحون للاتحادات الرياضية من أصحاب الكفاءات العالية.

قد نختلف أو نتفق مع المؤيدين أو المعارضين لهذه الخطوة ولكن الأمر أيضا ينطبق على انتخاب مقعد المرأة الإلزامي وكذلك على الرياضيين، رغم أن تعريف الرياضيين يكتنفه الغموض، وهل يشمل كل من مارس الرياضية كلاعب هاو أو محترف أو دولي، أو حكم أو إداري أو صحفي أو إعلامي رياضي أو مصور أو طبيب أو مدلك أو أخصاصي علاج وغيرها من المسميات التي يندرج تحتها تعريف الرياضيين ونفس ما ينطبق على عضو مجلس الإدارة ينطبق على العضو الرياضي الذي سيمثل الرياضيين في مجلس الإدارة.

الجمعية العمومية للاتحاد العماني لكرة القدم في اجتماعها نهاية الشهر التي يحضرها 50 ناديا وهي أكبر جمعية عمومية للاتحادات الرياضية عليها أن تدرس التعديلات المقترحة في مسودة النظام الأساسي وأن تبدي ملاحظاتها مبكرا قبل أن يتم التصويت على مسودة النظام بشكل نهائي وحتى لا يكون هناك لغط في تفسير أي بند من بنود مسودة النظام الأساسي، والوقت ما زال باكرا أمام الأندية في إبداء ملاحظاتها التي يمكن الرد عليها وشرحها بشكل مفصل من قبل المعنين بالأمر.

ناصر درويش صحفي رياضي عماني

مقالات مشابهة

  • هكذا دمر 7 أكتوبر أسطورة القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر وإلى الأبد
  • روبن نيفيز يوجه رسالة حزينة لجماهير البرتغال
  • في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل
  • عقيل: لا يجري الحديث عن الانتخابات إلا لإشغال الليبيين عن الانتباه لما يخطط لبلادهم من سوء
  • تجريم الهوية الفلسطينية في أميركا.. شباب يتحدى سياسة قمع الأفواه
  • طلال خريس.. رحلة امتدت لـ35 عاماً في مهنة المتاعب والمخاطر
  • باسيل: اسرائيل عاجزة عن شن حرب شاملة على لبنان
  • طالبان تشيد باستبعاد الأمم المتحدة النساء عن محادثات الدوحة
  • الأولمبياد الخاص يجري مقابلات شخصية للمرشحين للمجلس الوطني لأسر اللاعبين
  • خطوة مهمة ولكن