مجازر غزة وانتهاء دور الرجل الأبيض!!
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
كتب الشهيد المفكر الكبير سيد قطب رحمه الله، سنة 1962م كتابين مهمين من أخريات كتبه، الأول بعنوان: (هذا الدين)، وقد تحدث فيه عن خصائص الدين الإسلامي. أما الثاني فكان بعنوان: (المستقبل لهذا الدين)، وفي كتيبه الأخير، عقد قطب فصلا بعنوان: انتهى دور الرجل الأبيض، ويقصد بالرجل الأبيض هنا الرجل الغربي وحضارته، وليس مقصوده بالبياض اللون، فربما رأيت ألوانا أخرى لا تختلف عنه، كما صك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مصطلح: الإنجليز السمر، إشارة إلى عملاء وتلامذة الاحتلال الإنجليزي في بلادنا، من أصحاب البشرات السمراء من أهل البلد، بعد أن غادرها الاحتلال، وتركهم يقومون مقامه وزيادة.
وقد سبق الشهيد سيد قطب لهذه الحقيقة الفيلسوف الفرنسي برتراند راسل، لكنه قالها من باب النظرة المادية البحتة فقط، بينما تناولها سيد بنظرة شاملة، تجمع أسباب انتهاء وسقوط هذه الحضارة، وهذا الدور. أما سيد رحمه الله، فقد بين أن المسألة أعمق من السبب المادي بكثير، وأن حضارة الرجل الأبيض قد استنفدت أغراضها المحدودة القريبة، ولم يعد لديها ما تعطيه للبشرية من تصورات، ومفاهيم، ومبادئ وقيم، تسمح لقيادة البشرية، وتسمح لها بالنمو والترقي، وأنها أصيبت بالعقم، رغم أن ما جادت به قريحة الغربيين من هذه المبادئ والقيم كانت محدودة تروج في فترة خاصة، وتواجه حالات محدودة، وأوضاعا خاصة.
وفي هذا الفصل العميق الذي كتبه سيد قطب، وأسهب فيه، في بيان عوامل سقوط هذه الحضارة، وانتهاء دورها عن قيادة البشرية، وتركيزه على أنها حضارة مادية تجهل الدين، وتجهل الإنسان نفسه، وتجهل طبيعة الحياة البشرية، التي لا تحتاج لغذاء البدن فقط، بل إضافة إلى ذلك غذاء الروح والعقل والنفس، وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري، إلا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض! ولهذا السبب ـ من وراء كل سبب ـ انتهى دور الرجل الأبيض.
مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة،هذه المعاني التي أسهب فيها سيد قطب وغيره من مفكرينا الإسلاميين الكبار، كانت كلاما نظريا، كنا نقرؤه ونعتقد به، لكن كان هناك من يشكك فيه، تارة بالتشكيك في أصحاب هذه الأفكار، أنهم صداميون، أو أنهم منغلقون على ذواتهم وتراثهم، وتارة بأنهم لم يسبروا غور الحضارة الأوروبية بمنجزاتها الكبرى، بينما أثبتت الأيام التي نعيشها، والسنوات التي نمضيها، أنهم كانوا أبعد نظرا، وأصوب فكرا، وأكثر تشريحا وتحليلا لجوهر هذه الحضارة، بل ولمظهرها.
وقد جاءت معركة طوفان الأقصى في غزة، وبدأت تستدعى مثل هذه الأفكار، ليس لطرحها من جديد، بل للتدليل على صحتها، وللبرهنة على صدقها، بأن الرجل الأبيض قد انتهى دوره، ولم يعد له وجه يلقى به أحدا يدعي فيه أنه راعي حقوق الإنسان، أو أنه صك ميثاق الأمم المتحدة، أو أسس مجلس الأمن، فكلها صيغت على مبدأ التعالي على الخلق، والنظرة الأنانية لمن سواه، وعند التطبيق لا تكون لصالح المظلوم، إن كان المظلوم ليس على لون هذه الحضارة الأيديولوجي.
مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة، هو نفسه الغربي الذي منذ شهور كان يملأ الدنيا ضجيجا تعاطفا مع أوكرانيا وحقها في تقرير مصيرها، والدفاع عن أرضها ضد روسيا، هو نفسه الذي يمد الكيان الصهيوني بما يحتاج وما لا يحتاج من أدوات الحرب اللاأخلاقية، والتي لا تتسم بأي لون من ألوان الإنسانية، أو الالتزام بمعاهدة جنيف ومواثيق الحقوق الدولية التي صكها الغرب نفسه!!
وقبل أحداث أوكرانيا، جاءت أزمة كورونا، لتعري هذه الحضارة وأهلها، بأنانيتها، وسحقها للإنسان لحساب بقائها فقط، فرأينا احتكار الدواء لصالح أصحاب هذه الحضارة فقط، ورأينا القرصنة على سفن تحمل أدوات طبية.
لقد رأى العالم أجمع، بكل مستوياته، إفلاس الرجل الأبيض، وإفلاس من قلدوه من بني جلدتنا، رأوا الكيل بعدة مكاييل، سواء من حيث منع الحرب والقتل والتشريد، أو من حيث إغاثة الجرحى، فلم يكتفوا بالتفرج، بل كانوا مشاركين بالعتاد والسلاح، كانوا من قبل يشاركون بالصمت، والكيل بمكيالين.
من أكبر إيجابيات المجازر التي تجري في غزة، أنها أسقطت ورقة التوت عن حملة لواء هذه الحضارة، سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو العسكري، عندما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني، تخلفت كل المواثيق، ونحيت جانبا كل العهود، بل صدروا جميعا عن قوس واحد، يصيبون به الأطفال والنساء، وهما أكبر عنصر يتغنى به الغرب في الحقوق، فهما أقدس المقدسات: الطفل والمرأة.
ما كان يناقش في محافل البحث العلمي، ما بين رافض ومؤيد، من التردي والسقوط الأخلاقي والقيمي لهذه الحضارة وانهيارها، كان موضع جدل ونقاش، الآن برهنت هذه الحرب في غزة على صحته، بل دللت ووثقت بكل ما لا يدع مجالا للشك، على هذه النظرة، وهذه النتيجة: انتهاء دور الرجل الأبيض، ممثلا في الحضارة الغربية، التي لم يعد لها مجرد التاريخ والماضي الذي يمسح عار واقعها المخزي.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحرب فلسطين غزة مواقف رأي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الحضارة على مستوى سید قطب
إقرأ أيضاً:
أموريم: أنا الرجل المناسب لإعادة مانشستر يونايتد لأمجاده
وصف روبن أموريم، المدير الفني الجديد لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي لكرة القدم نفسه، اليوم الجمعة، بأنه شخص "حالم"، وقال إن بإمكانه النجاح؛ حيث فشل الكثيرون قبله في إحياء الفريق الإنجليزي العريق.
أموريم: أنا الرجل المناسب لإعادة مانشستر يونايتد لأمجادهوقال المدرب البرتغالي، في أول تصريحات يدلي بها لوسائل الإعلام منذ توليه تدريب مانشستر يونايتد:" أوصفوني بالساذج، ولكنني أؤمن حقا بأنني الشخص المناسب في الوقت المناسب".
التعادل السلبي يخيم على مواجهة مولودية وهران واتحاد خنشلة بالدوري الجزائري موناكو يفوز على ستاد بريست في الدوري الفرنسيوأصبح أموريم، الذي وقع على عقد لمدة عامين ونصف العام، سادس مدرب دائم يتولى تدريب الفريق منذ اعتزال أليكس فيرجسون في عام 2013.
وسيخلف أموريم، مدرب سبورتينج لشبونة السابق، ديفيد مويس، ولويس فان جال، وجوزيه مورينيو، وأولي جونار سولشاير، إريك تن هاج، في محاولة لإعادة النادي لقمة الكرة الإنجليزية والأوروبية.
وعن أول مباراة سيتولى فيها قيادة الفريق أمام إبسويتش بعد غد الأحد، قال أموريم:" أنا شخص حالم قليلا، وأؤمن بنفسي وأؤمن بالنادي".
وأضاف: "لا أعلم المدة التي سأحتاجها. أعلم أنه عندما تتواجد في مانشستر بالتالي يجب عليك أن تفوز بالمباريات، لذلك لن أقول لكم أني سأحتاج للكثير من الوقت. بالطبع نحتاج للكثير من الوقت لأنه دوري كبير، هو الأقوى في العالم، ويجب أن نتحسن كثيرا لكي نحاول الفوز. يحب أن نفوز بمباريات لكي نحصل على الوقت، وبعدها يجب أن نفوز بالألقاب".
ورفض أموريم، الذي فاز بلقبين للدوري البرتغالي، فكرة أن تدريب مانشستر يونايتد أصبح وظيفة مستحيلة منذ اعتزال فيرجسون.
ويعد فيرجسون واحدا من أعظم المدربين في التاريخ، وفاز بـ28 لقبا كبيرا مع يونايتد من بينها 13 لقبا للدوري ولقبين لدوري أبطال أوروبا.
كان السير على خطاه أمرا صعبا للغاية حتى على مدربين اعتادوا التتويج بالألقاب أمثال فان جال ومورينيو، حيث كانت لديهما مسيرات مبهرة مع العديد من الأندية الكبرى في أوروبا.
وتولى تن هاج تدريب مانشستر يونايتد في 2022 بعد الفوز بثلاثة ألقاب للدوري الهولندي مع أياكس. ورغم قيادة مانشستر يونايتد للفوز بلقبين كأس محليين في موسمين كاملين قضاهما مع الفريق، أقيل الشهر الماضي، بعد بداية سيئة للموسم، والتي تركت الفريق في المركز الرابع عشر بجدول الترتيب.
وقال أموريم: "لدينا أنواع مختلفة من المدربين، نفس النتائج. سنحاول القيام بالأمور بطريقتنا".
وأصبح أموريم أول مدرب يتم تعيينه منذ أن أصبح الملياردير البريطاني جيم راتكليف مالكا جزئيا ليونايتد في فبراير الماضي.