الدكتور خيام الزعبي في إطار استمرار الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي انشأها الرئيس الاسبق البشير للقتال في دارفور ويقودها حميدتي، ونظراً لعدم  قدرة أي من الطرفين على حسم الحرب لصالحه حتى الآن، فقد باتت هذه الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وبخاصة في ظل التضارب الشديد في البيانات والتصريحات الصادرة عن الجانبين، و لم يكن أمراً مستغرباً بوجهة نظر المحللين السياسيين، فقد توقعوا حدوث هذه الحرب بل انهم توقعوا ايضاً تطور الاحداث الى وقوع حرب أهلية ثالثة بالسودان.

لم تخفِ أمريكا يوماً مخططها بتجزئة وتفتيت الدولة السودانية، وتقسيمها الى عناوين متصارعة فيما بينها من أجل إضعافها ومن ثم القضاء عليها بعد أن أصبحت رقماً صعباً في المنطقة، فسياسة الإغماء التي تتبعها واشنطن الآن في السودان عن طريق إدخالها بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصراعات الطائفية، واستنزاف ثرواتها بمحاربة الإرهاب كل هذه الأمور ليست إلا تمهيداً لإنجاز مشروعها المرسوم مسبقاً وتعمل على تنفيذه منذ سنوات طويلة وأنجزت منه الكثير حتى الآن. وإنطلاقاً من ذلك يعيش السودان فوق صفيح ساخن منذ فتحت القوى العظمى عينيها على مساحتها الشاسعة وخيراتها من الارض الزراعية الخصبة والذهب والمعادن وموقعها الاستراتيجي على البحر الاحمر وباب المندب، وكانت اولى نجاحات القوى العظمى بتمزيق السوادان انفصال الجنوب على الشمال واستقلاله. واليوم، فإن ما يجري هو استكمال لدائرة تقزيم السودان وتقسيمه بالحرب الاهلية مجدداً عبر الصراع على السلطة بين القوتين العسكريتين فيها، وكل طرف منهم له أجندته ومصالحه الخاصة وعلاقاته بالقوى الدولية والاقليمية، والتي لكل منها مصالحها الخاصة في الاستفادة ونهب خيرات السودان، بينما امن واستقرار الشعب السوداني علي ارضه بات على المحك، بدليل نزوح الكثير من السودانيين الى مصر ودول الجوار بعد اندلاع الحرب الاخيرة بالخرطوم . والمؤشرات تشير الى أن الموقف العسكري بين الطرفين (أي بين الجيش السوداني ، وقوات الدعم السريع) لا يوجد أي تقدم لأي طرف على الاخر في المعارك خاصة في منطقة الخرطوم مما يعني ان آلية الصراع اصبحت ثابتة ومستمرة وإن أي من الطرفين غير قادر على حسم المعارك لصالحة، وهذا مما يعمق الصراع العسكري وامتداده الى بقية مناطق السودان، والنتيجة الحتمية استمرار الحرب بين أطرافها والتوسع بنيرانها الغرب والشرق، وهذا مما يشجع الأطراف الأخرى للتدخل في الصراع، وإسرائيل ووفق إستراتيجية المصالح المشتركة مع واشنطن عززت من هذا التوجه بل دافعت بكل ما تملك من وسائل مشروعة وغير مشروعة في تكريس هذا  السيناريو. ونتيجة لهذا العبث يعيش السودان تحت وطأة فوضى أمنية شاملة مع الانتشار الكثيف للسلاح وتعدد الجهات المسلحة، تتزايد وتتصاعد الانتهاكات بشكل غير مسبوق، وهنا يمكن القول إن علامات الحرب الأهلية الشاملة بدأت تلوح في الأفق، خاصة مع تصاعد كثيف لخطاب الكراهية، ودلائل متعددة عن تصنيف القوتين المتحاربتين للمواطنين على أسس سحناتهم وقبائلهم، لذلك لا تحتاج الحرب الأهلية بعد هذا سوى التسليح والانحياز.  ومع انتشار السلاح بشكل عشوائي في كل مكان في السودان، يكون الانحياز المباشر للمجموعات القبلية والعشائرية والمناطقية لأحد طرفي الحرب هو آخر خطوات الحرب الشاملة الذي يهدد السودان، فالصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع ليس في صالح السودان ولا في صالح مستقبله، بل إنه قد يؤدى إلى عواقب كارثية، أهمها تعميق الانقسام بين أبناء الشعب وتعزيز الفوضى الخلاقة، ما قد يؤدي إلى تشجيع النزعات الانفصالية وظهور دول متعددة جديدة. في هذا الإطار إن تفتيت وتقسيم السودان قد يقلب الخرائط كلها وأولها مصر والدول المجاورة لها وهي التي تفتح آفاق حرب أهلية بعدوى من الوضع السوداني، وهناك ستكون كارثة التقسيم جزءاً من مرسوم وقعته أمريكا، وحتى ليبيا  وغيرها من الدول المجاورة سوف تجد نفسها في مواجهة مع المليشيات المسلحة، وهنا سيشكل هذا السيناريو حقيقة أساسية مفادها أن سلام وإستقرار السودان يضمن سلامة جيرانها، وفي حال فقدانها هذه الشروط ستكون ملحمة الموت والتقسيم لها ولمن حولها من الجيران. مجملاً… ان السودان يواجه مؤامرة دولية تتورط فيها العديد من الاطراف الدولية والعربية والاقليمية لدفعها الى الحرب الأهلية لتقسيم السودان، والبقية تأتي وهذا يعني ان الوجود العربي نفسه بات مهدداً، في الوقت الذي تقف فيه جامعة الدول العربية كعادتها عاجزة عن التدخل وتكتفي ببيانات هزيلة من شأن القلق والانزعاج للاحتراب السوداني، وهنا لا بد للدول العربية أن تتحرك بكل الوسائل للتضامن مع السودان وخاصة مصر، فالسودان بلد عربي يتعرض للتدمير الانفصالي و لالغاء هويته العربية الاسلامية . وهنا كلنا أمل بعد هذه الفترة العصيبة أن يصبح الحوار ضرورة لا بد منها للخروج من الأزمة ونزع فتيل الإضطرابات وحقن الدماء، ومازال الأمل معقوداً على الحكماء والعقلاء السودانيين وكل القوى السياسية في السودان إلى السعي للجلوس حول طاولة حوار وطني تضم الجميع ولا تستثني أحداً تبحث في قضايا السودان الصعبة وفي مطالب أبناء الشعب السوداني وتخرج بخريطة طريق تستجيب لطموحات وتطلعات أهل السودان جميعاً وتجنب السودان وشعبه الخطيئة التي وقع فيها الآخرون. وأختم مقالي وكلي أمل في أن تتكلل كل الجهود بأن يبقى السودان وطناً عزيزاً قوياً لأنه يمثل العروبة فى قلب إفريقيا. كاتب سياسي سوري Khaym1979@yahoo.com

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

(أكل تورك و أدِّي زولك)

بعد زيارة محمد إدريس دبي (محمد كاكا) الرئيس التشادي إلى أبو ظبي في يونيو 2023 أي بعد شهرين من إندلاع تمرد و حرب مليشيا الجنجويد الإماراتية المجرمة الإرهابية ، و بعد أن دفعت له أبوظبي خلال تلك الزيارة مبلغ مليار و نصف المليار دولار كمنحة ، أذكر أنني وجهت إليه رسالة قلت فيها : نحن في السودان لدينا مثل شعبي تقول كلماته ( أكل تورك و أدي زولك ) و هو لا يحتاج إلى تفسير !!

و أذكر حينها أن أحد الأصدقاء من دولة تشاد تواصل معي و طلب مني شرحاً للمثل و المناسبة التي قيل فيها و عندما فعلت إنفجر صديقي من الضحك و ذكر لي لاحقاً أن هذا المثل أصبح موضوعه الرئيسي في أي جلسة أنس تجمعه مع أصدقائه !!

في تلك الرسالة ذكرت أن تشاد تدرك جيداً أن مصالحها الإستراتيجية ترتبط بالسودان مباشرة و أن أمنها القومي و استقرارها مرتبط بأمن و استقرار السودان لذلك عليها أن تراعي هذا الأمر و ألا تتورط في الحرب !!

و مع مرور الأيام أصبحت تشاد في ظل قيادة محمد كاكا جزءاً من معسكر الحرب على شعب و دولة السودان و ما يزال (مطار أم جرس) بالقرب من الحدود بين البلدين حتى اليوم يمثل أكبر قاعدة إماراتية في غرب أفريقيا لإمداد المليشيا بالسلاح و العتاد !!

السودان يمتلك كل الأدلة التي تثبت تورط نظام محمد كاكا في الحرب لذلك نقدم بشكوى رسمية ضدها في مجلس الأمن ، و أعلن كذلك على لسان الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة عضو مجلس السيادة أن (مطار أم جرس) الذي ينقل عبره الدعم العسكري للمليشيا أصبح هدفاً مشروعاً للجيش السوداني !!

جاء في أخبار اليوم أن السعودية رتبت للقاء يجمع رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق البرهان الذي يزورها حالياً بالرئيس التشادي الذي سبقه إلى هناك و ذلك بغرض تسوية الخلاف المتصاعد خاصة بعد تصريحات العطا الأخيرة !!

عموماً نتمنى أن يكون محمد كاكا قد وعى الدرس و عرف أين تكمن مصالح بلاده و شعبه الحقيقية و أن يؤدي ذلك إلى تغيير موقفه من الحرب ، و نتمنى للمبادرة السعودية النجاح ..
سوار
28 مارس 2025

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة الأركان: المرحلة القادمة ستشهد تحولات كبرى والأمم التي يتمسك أبناؤها بالقرآن الكريم هي أمم لا تُقهر
  • عزلتهم أم عزلهم !!
  • الصراع الإقليمي بين الدول ليس معادلة صفرية بالضرورة، بل عملية إعادة تموضع مستمرة
  • حميدتي: الحرب في السودان لم تنته وسنعود إلى الخرطوم أشد قوة
  • الجيش السوداني ومفترق الطرق
  • مواقف الإمارات ومحنة السودان
  • (أكل تورك و أدِّي زولك)
  • البرهان في السعودية.. تفاصيل رحلة مهمة…!
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس