الدكتور خيام الزعبي: هل خرجت الحرب في السودان عن السيطرة… ما السيناريوهات القادمة؟
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
الدكتور خيام الزعبي في إطار استمرار الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي انشأها الرئيس الاسبق البشير للقتال في دارفور ويقودها حميدتي، ونظراً لعدم قدرة أي من الطرفين على حسم الحرب لصالحه حتى الآن، فقد باتت هذه الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وبخاصة في ظل التضارب الشديد في البيانات والتصريحات الصادرة عن الجانبين، و لم يكن أمراً مستغرباً بوجهة نظر المحللين السياسيين، فقد توقعوا حدوث هذه الحرب بل انهم توقعوا ايضاً تطور الاحداث الى وقوع حرب أهلية ثالثة بالسودان.
لم تخفِ أمريكا يوماً مخططها بتجزئة وتفتيت الدولة السودانية، وتقسيمها الى عناوين متصارعة فيما بينها من أجل إضعافها ومن ثم القضاء عليها بعد أن أصبحت رقماً صعباً في المنطقة، فسياسة الإغماء التي تتبعها واشنطن الآن في السودان عن طريق إدخالها بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصراعات الطائفية، واستنزاف ثرواتها بمحاربة الإرهاب كل هذه الأمور ليست إلا تمهيداً لإنجاز مشروعها المرسوم مسبقاً وتعمل على تنفيذه منذ سنوات طويلة وأنجزت منه الكثير حتى الآن. وإنطلاقاً من ذلك يعيش السودان فوق صفيح ساخن منذ فتحت القوى العظمى عينيها على مساحتها الشاسعة وخيراتها من الارض الزراعية الخصبة والذهب والمعادن وموقعها الاستراتيجي على البحر الاحمر وباب المندب، وكانت اولى نجاحات القوى العظمى بتمزيق السوادان انفصال الجنوب على الشمال واستقلاله. واليوم، فإن ما يجري هو استكمال لدائرة تقزيم السودان وتقسيمه بالحرب الاهلية مجدداً عبر الصراع على السلطة بين القوتين العسكريتين فيها، وكل طرف منهم له أجندته ومصالحه الخاصة وعلاقاته بالقوى الدولية والاقليمية، والتي لكل منها مصالحها الخاصة في الاستفادة ونهب خيرات السودان، بينما امن واستقرار الشعب السوداني علي ارضه بات على المحك، بدليل نزوح الكثير من السودانيين الى مصر ودول الجوار بعد اندلاع الحرب الاخيرة بالخرطوم . والمؤشرات تشير الى أن الموقف العسكري بين الطرفين (أي بين الجيش السوداني ، وقوات الدعم السريع) لا يوجد أي تقدم لأي طرف على الاخر في المعارك خاصة في منطقة الخرطوم مما يعني ان آلية الصراع اصبحت ثابتة ومستمرة وإن أي من الطرفين غير قادر على حسم المعارك لصالحة، وهذا مما يعمق الصراع العسكري وامتداده الى بقية مناطق السودان، والنتيجة الحتمية استمرار الحرب بين أطرافها والتوسع بنيرانها الغرب والشرق، وهذا مما يشجع الأطراف الأخرى للتدخل في الصراع، وإسرائيل ووفق إستراتيجية المصالح المشتركة مع واشنطن عززت من هذا التوجه بل دافعت بكل ما تملك من وسائل مشروعة وغير مشروعة في تكريس هذا السيناريو. ونتيجة لهذا العبث يعيش السودان تحت وطأة فوضى أمنية شاملة مع الانتشار الكثيف للسلاح وتعدد الجهات المسلحة، تتزايد وتتصاعد الانتهاكات بشكل غير مسبوق، وهنا يمكن القول إن علامات الحرب الأهلية الشاملة بدأت تلوح في الأفق، خاصة مع تصاعد كثيف لخطاب الكراهية، ودلائل متعددة عن تصنيف القوتين المتحاربتين للمواطنين على أسس سحناتهم وقبائلهم، لذلك لا تحتاج الحرب الأهلية بعد هذا سوى التسليح والانحياز. ومع انتشار السلاح بشكل عشوائي في كل مكان في السودان، يكون الانحياز المباشر للمجموعات القبلية والعشائرية والمناطقية لأحد طرفي الحرب هو آخر خطوات الحرب الشاملة الذي يهدد السودان، فالصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع ليس في صالح السودان ولا في صالح مستقبله، بل إنه قد يؤدى إلى عواقب كارثية، أهمها تعميق الانقسام بين أبناء الشعب وتعزيز الفوضى الخلاقة، ما قد يؤدي إلى تشجيع النزعات الانفصالية وظهور دول متعددة جديدة. في هذا الإطار إن تفتيت وتقسيم السودان قد يقلب الخرائط كلها وأولها مصر والدول المجاورة لها وهي التي تفتح آفاق حرب أهلية بعدوى من الوضع السوداني، وهناك ستكون كارثة التقسيم جزءاً من مرسوم وقعته أمريكا، وحتى ليبيا وغيرها من الدول المجاورة سوف تجد نفسها في مواجهة مع المليشيات المسلحة، وهنا سيشكل هذا السيناريو حقيقة أساسية مفادها أن سلام وإستقرار السودان يضمن سلامة جيرانها، وفي حال فقدانها هذه الشروط ستكون ملحمة الموت والتقسيم لها ولمن حولها من الجيران. مجملاً… ان السودان يواجه مؤامرة دولية تتورط فيها العديد من الاطراف الدولية والعربية والاقليمية لدفعها الى الحرب الأهلية لتقسيم السودان، والبقية تأتي وهذا يعني ان الوجود العربي نفسه بات مهدداً، في الوقت الذي تقف فيه جامعة الدول العربية كعادتها عاجزة عن التدخل وتكتفي ببيانات هزيلة من شأن القلق والانزعاج للاحتراب السوداني، وهنا لا بد للدول العربية أن تتحرك بكل الوسائل للتضامن مع السودان وخاصة مصر، فالسودان بلد عربي يتعرض للتدمير الانفصالي و لالغاء هويته العربية الاسلامية . وهنا كلنا أمل بعد هذه الفترة العصيبة أن يصبح الحوار ضرورة لا بد منها للخروج من الأزمة ونزع فتيل الإضطرابات وحقن الدماء، ومازال الأمل معقوداً على الحكماء والعقلاء السودانيين وكل القوى السياسية في السودان إلى السعي للجلوس حول طاولة حوار وطني تضم الجميع ولا تستثني أحداً تبحث في قضايا السودان الصعبة وفي مطالب أبناء الشعب السوداني وتخرج بخريطة طريق تستجيب لطموحات وتطلعات أهل السودان جميعاً وتجنب السودان وشعبه الخطيئة التي وقع فيها الآخرون. وأختم مقالي وكلي أمل في أن تتكلل كل الجهود بأن يبقى السودان وطناً عزيزاً قوياً لأنه يمثل العروبة فى قلب إفريقيا. كاتب سياسي سوري Khaym1979@yahoo.com
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
بعد تأجيلها في نيروبي.. كل ما تريد معرفته مبادرة تومايني
مبادرة تومايني.. تصدرت محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعد غياب وفد حكومة جوبا عن الجلسات المقررة أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب وراء هذا التأخير، ومدى تأثيره على جهود تحقيق الاستقرار في جنوب السودان. جاءت هذه المحادثات ضمن مبادرة "تومايني" التي يقودها الرئيس الكيني وليام روتو، وتهدف إلى دعم الحوار وإيجاد حلول سلمية للصراع المستمر في جنوب السودان، وذلك عبر شراكة وثيقة مع قادة البلاد وفي مقدمتهم الرئيس سلفا كير.
قلق دولي من غياب الوفد الحكومي وتأثيره على استقرار البلادأبدت عدة جهات دولية وإقليمية قلقها من عدم حضور وفد حكومة جوبا، مما يعكس احتمالية استمرار حالة عدم الاستقرار. وأعرب محللون عن أن غياب الوفد يشير إلى تمسك بعض الشخصيات النافذة بالوضع الراهن، حيث تُعتبر حالة النزاع فرصة لبعض الأطراف في جوبا لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب عملية السلام التي ينتظرها الشعب الجنوبي بفارغ الصبر. واستنكر هؤلاء المحللون استمرار الصراع الذي يُثقل كاهل الشعب ويعطل تنمية البلاد، مطالبين الأطراف الفاعلة بتحقيق تقدم جاد في الحوار الذي تيسره كينيا.
مبادرة "تومايني" للسلام: جهود كينية لحل الصراع ودعم التنميةمبادرة "تومايني" هي مسعى كيني بقيادة الرئيس وليام روتو، يسعى إلى توفير إطار سلام شامل ومستدام في جنوب السودان. وتشتمل المبادرة على عدة بروتوكولات تشمل ترتيبات أمنية وبرامج لإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، إضافة إلى مشاريع تنموية واقتصادية لمساعدة المجتمعات المتضررة. وتأتي هذه الجهود تلبيةً لاحتياجات المنطقة، في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي لحل النزاع الذي يهدد استقرار القرن الأفريقي.
وبالرغم من توقيع الأطراف على اتفاقيات سابقة تدعم هذه المبادرة، فإن بعض التحديات لا تزال قائمة في ظل غياب إرادة كاملة من كافة الأطراف للمشاركة الفاعلة. وترى كينيا، من خلال مبادرتها، أن تعزيز السلام الداخلي يتطلب تكاتفًا إقليميًا ودعمًا دوليًا، آملة أن تؤدي هذه الجهود إلى إنهاء الصراع المتواصل وفتح صفحة جديدة من التعاون والاستقرار في جنوب السودان.