ظلت "الأغذية فائقة المعالجة" تُعامل سنوات على أنها مجرد "أطعمة تحتوي على نسبة عالية من السكر والملح والدهون". حتى عدّها الخبراء أطعمة "غير صحية" في عام 2009، وربط بحث نُشر عام 2019 "بينها وبين الموت المبكر وسوء الصحة".

والأغذية فائقة المعالجة هي الأطعمة والمشروبات التي تتعرّض لتغييرات كبيرة باستخدام طرق ومواد كيميائية، وعبر إضافة مكونات لا تستخدم في طرق الطبخ التقليدية عادةً.

ومع ذلك، هيمنت الأغذية فائقة المعالجة على أرفف المتاجر حول العالم، حتى شكلت في الولايات المتحدة 60% مما يأكله البالغون، و70% مما يأكله الأطفال، وذلك حتى عام 2018. وأصبحت نحو 42% من غذاء الأستراليين، و50% من غذاء الكنديين، وأكثر من نصف السعرات الحرارية التي يستهلكها الناس في المملكة المتحدة.

وبعد مراجعة 43 دراسة، توصل العلماء في عام 2020 إلى أدلة على أن هذه الأغذية تضر صحة الإنسان من خلال رفع معدلات الإصابة بأمراض القلب والسكري والسمنة والاكتئاب.

كما أظهرت مراجعة شاملة -نُشرت آخر عام 2022- أنها قد تهدد "صحة الكوكب" عبر التلوث البلاستيكي والإفراط في استخدام الطاقة والأراضي، وفقدان التنوع البيولوجي؛ ما اضطر بعض البلدان -مثل البرازيل وبلجيكا وأوروغواي- لإصدار إرشادات غذائية تحث الأشخاص صراحة على عدم تناول الأغذية فائقة المعالجة، وفقا لصحيفة "ذي واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية.

الأغذية فائقة المعالجة قد تهدد صحة الكوكب عبر التلوث البلاستيكي (شترستوك) تصنيف الأغذية حسب مستوى معالجتها

وفقا لنظام "نوفا" (NOVA) الذي اعتمدته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لتصنيف الأغذية بناء على مقدار المعالجة التي تخضع لها، تنقسم الأغذية إلى 4 مجموعات:

الأغذية غير المعالجة: وتشمل جميع الأغذية الطازجة، وتلك التي لم تتعرض لعمليات تصنيع. الأغذية المعالجة بالحد الأدنى من العمليات: كالتنظيف والتقطيع، والتبريد والتجفيف والتعبئة والتغليف، من دون مكونات مضافة أو تغيير في خصائصها الغذائية الأصلية، وتشمل الفواكه والخضراوات والأسماك المجمدة والحليب المبستر والحبوب والمكسرات والتوابل والأعشاب المجففة. الأغذية المصنعة: التي تحتوي عادة على مكونين أو 3 مثل التونة المعلبة بالزيت أو اللحوم المدخنة. الأغذية فائقة المعالجة: التي يتم إنتاجها بتقنيات صناعية، وتشمل العصائر والشوكولاتة والمشروبات الغازية والآيس كريم والشوربة المعبأة والبطاطس المقلية والوجبات المجمدة. يصنف المنتج الذي يحتوي على أكثر من 5 مكونات ضمن الأغذية فائقة المعالجة (شترستوك) كيفية التعرف على الأغذية فائقة المعالجة

قد يكون من الصعب تحديد الأغذية فائقة المعالجة؛ إذ إن تصنيعها يتم عبر طرق معالجة صناعية تشمل التعديل الكيميائي والقولبة والهدرجة؛ وتستخدم مكونات لا تُوجد عادة في خزانة المطبخ المنزلي؛ وهو ما لا تذكره الشركات المنتجة على الملصق.

ترى أستاذة الطب الوقائي في جامعة نافارا الإسبانية مايرا بيس-راستوللو أن "المنتج الذي يحتوي على أكثر من 5 مكونات يكون من الأغذية فائقة المعالجة".

ويرى خبراء من كلية الصحة بجامعة ديكين الأسترالية أن "قائمة مكونات السلعة هي أفضل وسيلة لمعرفة الأغذية فائقة المعالجة"، ويقولون إن هناك نوعين من هذه المكونات:

المواد الغذائية الصناعية: وتشتمل على نسخ مُعالجة من البروتين والألياف، مثل مسحوق مصل اللبن أو الإينولين؛ أو كربوهيدرات معالجة بشكل مكثف، مثل مالتوديكسترين؛ أو شراب الفركتوز أو الجلوكوز، والزيوت المهدرجة. الإضافات التجميلية: وهي الألوان والنكهات المستخدمة لتحسين ملمس الأغذية أو طعمها أو لونها -وقد تُصنف بعضها على أنها مواد طبيعية- ومن بينها المُحليات منزوعة السعرات الحرارية، ومُحسّنات النكهة، والمُكثفات والمستحلبات التي تجعل الأغذية جذابة ولذيذة بشكل لا يقاوم، "مما يسهم في الإفراط في استهلاكها". (على سبيل المثال، تضاعف استهلاك المراهقين من المشروبات الغازية في الولايات المتحدة على مدى 3 عقود. وزاد استهلاك البرازيليين من المشروبات الغازية بأكثر من 400% في 3 عقود أيضا). من الصعب تحديد الأغذية فائقة المعالجة إذ يتم تصنيعها عبر طرق معالجة تشمل التعديل الكيميائي والقولبة والهدرجة (شترستوك) أطعمة قد لا ندرك أنها فائقة المعالجة

هناك أطعمة قد نعدّها عادية وصحية وهي فائقة المعالجة، وفقا لخبراء جامعة ديكين؛ مثل:

حبوب الإفطار: فالعديد من حبوب ومشروبات الإفطار -باستثناء الشوفان- التي يتم تسويقها بوصفها صحية تخضع لمعالجة فائقة، وقد تحتوي على المالتوديكسترين، والبروتينات والألياف المعالجة، والألوان. ألواح البروتين: وهي من المنتجات المُحاطة بالدعاية الصحية، رغم أن معظمها فائقة المعالجة، وتحتوي على ألياف وبروتينات معالجة وسكريات معدلة صناعيا، ومُحليات منزوعة السعرات الحرارية. بدائل الألبان (الحليب النباتي): حيث تحتوي العديد من بدائل الألبان على مستحلبات وعلكة نباتية ونكهات؛ (بعض أنواع حليب الصويا تحتوي على الماء وفول الصويا والزيت والملح فقط). الخبز المُصنّع: تحتوي بعض أنواع الخبز المُعبأ أو المقطع إلى شرائح ومغلف بالبلاستيك على "مُستحلبات ونشا معدل صناعيا وصمغ نباتي"؛ وهو ما ينطبق على الحلويات والبسكويت والفطائر والكعك. الزبادي: غالبا ما يحتوي الزبادي ذو النكهات على مواد مضافة "مثل المُكثِّفات أو المُحليات أو النكهات منزوعة السعرات الحرارية"؛ لذا ينصح الخبراء بالزبادي العادي. التتبيلات والصلصات: تحتوي المعكرونة والصلصات الجاهزة والفاصوليا المطبوخة والحساء المعلب عادة على مكونات مثل مكثفات ومحسنات النكهة والألوان؛ مما يجعل من الأفضل صُنع الصلصات في المنزل، بمكونات مثل الطماطم المعلبة المُعالجة بالحد الأدنى، والخضراوات والثوم والأعشاب. النقانق ومنتجات اللحوم المصنعة: فقد تحتوي على مستحلبات ونشويات معدلة ومكثفات وألياف مضافة، مما يجعلها فائقة المعالجة. والأفضل اختيار بدائل مثل اللحوم المشوية أو الدجاج. المارغرين: حيث يتم صنع السمن النباتي والألبان الصلبة بهدرجة الزيوت النباتية، وإضافة مستحلبات وألوان تجعلها طعاما فائق المعالجة. على عكس الزبدة الطبيعية التي تتكون من القشدة وبعض الملح. كيف نتعامل مع الأغذية فائقة المعالجة؟

رغم أنه من الصعب تجنب الأغذية فائقة المعالجة تماما، لكن هذا لا يمنع من محاولة اختيار الأغذية الأقل معالجة قدر الإمكان، ضمن "طريقة لاتباع نظام غذائي أكثر صحة واستدامة"، وفقا لنصائح الخبراء؛ وذلك لأننا عندما نستهلك طعاما عالي المعالجة فإنه "يحل محل طعام طازج ومغذ" في نظامنا الغذائي.

ومع أن بعض أنواع الأغذية فائقة المعالجة "قد تبدو أكثر صحة" أحيانا، أو تحتوي على مكونات صناعية أو نسبة سكر أقل؛ "فإن هذا لا يعني أنها أقل ضررا على صحتنا".

لذا، فإن أفضل نصيحة يقدمها العلماء للوقاية من الأمراض وتعزيز الرفاهية هي "تجنب المنتجات فائقة المعالجة، أو تقليل استهلاكها على الأقل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

لا ترفعوا من سقف السعادة

 

 

د. خالد بن علي الخوالدي

 

السعادة هي القيمة التي يبحث عنها كل إنسان، فليس هناك من لا يبحث عن السعادة، حتى أولئك الذين يطلق عليهم البعض "نكديين"؛ حيث إنهم رغم هذا النكد، يبحثون عن سعادة في داخلهم.

والسعادة نسبية بين البشر، فما يُسعدني قد لا يُسعد الكثيرين، لأنها ليست مجرد شعور عابر؛ بل حالة ذهنية وروحية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالرضا عن الحياة والشعور بالإنجاز.

ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع، عبارة لفتت انتباهي استمعت إليها في أحد البرامج الحوارية؛ حيث قال الضيف "لقد رفعنا من قيمة السعادة"، وحقيقة أنني أتفق معه بشدة؛ حيث كُنَّا سابقًا نشعر بالسعادة الغامرة ونحن نتناول الشكولاتة بالحليب ذات رسمة البقرة الشهيرة، وجيل الثمانينات والتسعينات يعرفونها عز المعرفة، فيما اليوم أبناؤنا يقتنون أغلى أنواع الشكولاتة ولا يشعرون بالسعادة. بالأمس القريب كانت أي نزهة خارج حدود القرية وبالسيارة تجعلنا في قمة السعادة، واليوم ربما ندفع مئات الريالات في الملاهي والحدائق والمنتزهات والألعاب ويرجع الأطفال وكأن على رؤوسهم الطير، حزنًا وكآبةً، ويقولون "شو هالطلعة..."!

لكنه واقع الحال للأسف الشديد، جيل قمة السعادة أصبح يشتري القهوة الفاخرة من أجل تصويرها ثم يرمي؛ لأنه أصلًا لا يطيق شربها، إنه جيل رفع سقف السعادة لأبعد مدى، ولا يكاد يُسعده شيء بسيط "ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" كما يقول المثل الشعبي!

ما أريد إيصاله في هذا المقال أن السعادة ليست في اقتناء الأشياء المادية وحسب، وإنما في الرضا بما قسمه الله لنا، والقناعة والاستمتاع بما رزقنا المولى سبحانه. وفي هذا الأمر أذكر أني تعرفت على شخصية متميزة واستثنائية ولا تكاد الابتسامة تفارقه، وعندما سألته عن السر، قالي لي: "السر في أنني راضٍ بما قسمه الله لي، ولا أنظر إلى ما في أيدي الناس، وإنما سعادتي بما أملك حتى لو القليل". علمًا بأن هذا الشخص لا يملك أكثر من بياض قلبه وصفاء ونقاء سريرته وراتبه 325 ريالًا، ودائمًا ما يؤكد لي أن "الرضا بما نملك يجعلنا نعيش في سعادة، وهذا الأمر أُعلِّمه لأولادي"، وهذا أوضح مثال على أن السعادة ليست بالأموال الطائلة. والسعادة المادية هي واقع ولا نستطيع تجاوزه بأي حال من الأحوال، لكنها نوع واحد من أنواع السعادة، فهناك السعادة اللحظية وهي السعادة التي نشعر بها في لحظات معينة، مثل الاحتفال بمناسبة خاصة أو قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء. والسعادة الدائمة وهي حالة من الرضا المستمر التي تتواصل لفترات طويلة، وتكون مرتبطة بتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة. وكذلك السعادة المعنوية وهي السعادة التي تأتي من القيم الروحية والمعنوية، مثل مساعدة الآخرين أو الانخراط في عمل تطوعي.

في هذه الأيام، يركز الكثير منا على أن السعادة تعني امتلاك المال، ويتناسون بأن السعادة الروحية هي العنصر الأهم والأساسي في تحقيق السعادة الكاملة. وترتبط هذه السعادة الروحية بالاتصال الصادق بالخالق سبحانه وتعالى وبتحقيق التعاليم الدينية، والارتباط الحقيقي بالذات وبالعالم الخارجي، وتأتي من التأمل والإيمان والتواصل مع الطبيعة، ويساعد البحث عن المعنى والقيم الروحية في تحقيق الرضا الداخلي، مما يسهم في تعزيز السعادة بشكل عام.

وأخيرًا أقول.. إنَّ السعادة قيمة جوهرية يسعى لبلوغها كل إنسان في حياته، لكن يتعين على كل فرد منا أن يفهم أنواع السعادة ومقاييسها، وأن يُدرك تأثير العوامل الاقتصادية والروحية على تحقيقها، وعلينا جميعًا أن نتخذ خطوات فعَّالة نحو تعزيز سعادتنا الشخصية والمجتمعية في عالم مليء بالتحديات، وينبغي أن نُعلي من قيمة السعادة، وليس من سقف السعادة، وأن نجعلها محور حياتنا على أسسٍ من الرضا والقناعة لا على البذخ والإسراف، لكي نعيش حياة مليئة بالرضا والفرح.

ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • موقع عسكري: ما أنواع أهداف الضربات الأمريكية في اليمن التي تستخدم فيها صواريخ مضادة للإشعاع الثمينة؟
  • نيجيرفان بارزاني وعبدي يؤكدان أهمية مشاركة الكورد وجميع مكونات سوريا في الحكم
  • نشرة المرأة والمنوعات| كارولين عزمي وهاجر أحمد يشعلان السوشيال ميديا.. دراسة: نظر الأطفال والمراهقين فى خطر.. أسنانك تحتوي على 700 نوع من البكتيريا
  • الإطار : الانتخابات المقبلة ستكون لصالح مكونات الإطار وهو من يشكل الحكومة
  • معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع خلال الثلاثي الأول من 2025
  • لا ترفعوا من سقف السعادة
  • معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع خلال الثلاثي الأول
  • الرياض تجمع مكونات الشرعية: معركة وشيكة أم رسائل سلام وفرز للمواقف؟
  • ياسين رجائي: لدينا توافر واستقرار لجميع أنواع الأدوية التي يحتاجها المواطن المصري| فيديو
  • النقل تحذر: اقتحام المزلقانات والسير عكس الاتجاه يعرض حياتك للخطر