رشيد أخريبيش لم نكن نعلم أنه في فرنسا الديمقراطية، وفي فرنسا الحريات ،وفي فرنسا حقوق الإنسان ، أن مخالفة مرورية قد تودي بك أنت كأفريقي وكمهاجر إلى الموت المحقق، بل لم نكن نعلم أن حرص الشرطة الفرنسية على تطبيق القانون فيما يخص السير يتطلب توجيه المسدسات إلى مستعملي الطريق . هذا ما حدث بالضبط مع الشاب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية الذي قتل بدم بارد من طرف شرطي عندما أوقفه وهو يقود سيارة في أحد الشوارع الفرنسية.
فهل كان الأمر يتطلب من الشرطي أن يوجه المسدس إلى صدر وائل حتى لو رفض الامتثال إلى أوامره مثلا ؟ ألم تكن لدى الشرطي الفرنسي طريقة أخرى لتوقيف الشاب؟ ألا يمكن مثلا في أسوء الحالات أن يوجَّه ذلك المُسدس إلى عجلات السّيارة بدل صدر الشّاب نائل إذا كان القانون يسمح له أصلا باستعمال السلاح في مثل هذه الأمور التي يكون فيها الشخص غيرمسلح ولا يهدد أمن وسلامة الشرطة ؟ ثم هل كان بإمكان الشرطي إطلاق النار على الشاب بتلك الطريقة البشعة لو كان الأمر يتعلق بمواطن فرنسي مثلا ؟ للأسف فرنسا التي طالما تحاول إشاعة ثقافة حقوق الانسان بين الشعوب في شمال افريقيا والتي تحاول إظهار حرصها على الديمقراطية في جل أنحاء العالم تسقط في كل مرة في اختبار لها مع حقوق الإنسان ، وتلطخ سمعتها الملطخة أصلا بدماء الأفارقة والمسلمين . فرنسا الاستعمارية الّتي كانت تحتلّ افريقيا والّتي ارتكبت جرائم ضد الشعوب في شمال افريقيا، هي نفسها فرنسا الّتي تُمارس نفس العنصرية وهي نفسها الّتي تخرق القانون وهي نفسها الّتي تعتدي على الحُرّيات وهي نفسها التي تقتل بدم بارد . الفرق الوحيد بين فرنسا الاستعمارية إبّان فترة الاحتلال وبين فرنسا اليوم هو جرائم هذه الدولة .فبعدما كانت جرائمها تُرتكب في السّابق على أرض مستعمراتها أصبحت
الآن تُرتكب على أرضها . جريمة الشّاب الجزائري المغدور هو مثال حيّ عن مظاهر العنصرية التي وُجدت من أجلها فرنسا، والتي بنت عليها أمجادها منذ بداية تأسيسها ،ولا نبالغ إن قلنا أن ما حدث مع الشّاب نائل هو صورة مصغّرة لألاف الحالات من المهاجرين الّذين يعانون مع عنصرية الشرطة في فرنسا والّذين غالباً ما يجدون أنفسهم يُحاربون دولة استعمرتهم في بلدانهم ونهبت ثرواتهم، وهاهي الآن تقتلهم لأتفه الأسباب . الجالية المُسلمة والجزائرية وكثير من الفرنسيين يرفضون رفضاً باتّا مثل هذه الأعمال، أن يُقتل شابّ في مقتبل العمر وهو يسوق سيارته بسبب رفض الامتثال وخروجهم للتّظاهر بعد هذا الحدث أمر طبيعي ومسألة متوقعة. ما يجب أن نعرفه أنّ ما يحدث الآن في فرنسا من احتجاجات كان تعبيرا واضحاً عن سنوات الظّلم الّتي تعرّض فيها المهاجرون في هذه الدّولة لأبشع الممارسات ، وعن سنوات العُنصرية الّتي طالت أبناء الجزائر والمغرب وأبناء افريقيا الّذين شرّدتهم فرنسا في بلدانهم وأصرّت على أن تقتلهم بدم بارد في بلادها . ما يحدث في فرنسا الآن أنّ هذه الأخيرة تدفع ثمن سياساتها العنصرية تجاه أبناء المُهاجرين، وتدفع ثمن الاضطهاد الّذي صوبته تجاه الأفارقة وثمن التّمييز على أساس العرق الذي جعلته منهج حياة علی أرضها. فهل يعتقد ماكرون والدّولة الفرنسية أنّ تسليح الشّرطة وتدريبها على توجيه الرصاص إلى صدور المُهاجرين الأفارقة قادر على أن يطمس جرائمها العنصرية في بلادهم ؟ وهل تعتقد فرنسا أنّ تلك الأعداد من المهاجرين الّذين بنت على أكتافهم دولتها إبّان الخمسينات والستّينات لن يكونوا إلا عبيداً لفرنسا إلى الأبد، وأن أحفادهم بتواجدهم على أرض فرنسا الّتي نهبت خيراتهم، سيشكرونها على فعلتها التي ماتزال راسخة في أذهانهم ؟ أبدا لن يكون لفرنسا ما أرادت، ولن تهدأ فرنسا مادام أنّ هناك في فرنسا حكومة وأحزاباً من يغذي مظاهر العنصرية ويُحاول إعادة أمجاد فرنسا الاستعمارية و ينظر إلى الإنسان الإفريقي على أنّه إنسان من الدرجة الثانية أو الثالثة.وهذا الذي يُفسّر انتفاضة المهاجرين الآن بعد مقتل نائل . نائل حالة من الحالات الّتي ضبطت فيها عنصرية فرنسا متلبّسة و حالة الشاب نائل هي حالة من الحالات الكثيرة الّتي نسمع عنها يوميا ،ولو لم تُوثق بكاميرات المراقبة لاتخذت القضية منحى آخر، ولما خرج ماكرون ليُسارع الزّمن لتهدئة الوضع بعدما أحسّ أن ملايين من الأفارقة الذين همشوا على مدى عقود من الزمن مستعدون الآن لإحراق فرنسا بأكملها . رحمك الله وائل ورزق أهلك الصبر والسلوان إنا لله وإنا أليه راجعون.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
بغداد اليوم تحصل على دعاء بخط الشهيد محمد الصدر
بغداد اليوم- بغداد
حصلت "بغداد اليوم"، اليوم الأحد، (15 كانون الأول 2024)، على دعاء مكتوب بخط يد السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر.
أدناه صورة لنص دعاء الشهيد الصدر: