د. عبد الحميد فجر سلوم ما زالت مفاعيل حرق القرآن الكريم في السويد، تتفاعلُ في ديار العرب والمسلمين.. وهذا ما استدعى لعقدِ اجتماع طارئ لممثلي منظمة التعاون الإسلامي..والجامعة العربية.. لاشكّا أن أي اعتداء على مقدّسات الآخرين الدينية، أيٍّ كانوا، هو أمرٌ مرفوضٌ ومُستنكرٌ بالمطلق، مهما كانت عقائد أولئك.

. فالمقدسات الدينية غير الرموز الدينية.. فحتى من يعبدون الشيطان، أو يعبدون النار، أو يعبدون البقر، لا يجوزُ السُخرية منهم وإهانتهم.. إنهم أحرارٌ في معتقداتهم، وحسابُ الجميع يوم القيامة عند الله.. ليس من حقِّ أحدٍ أن يُحاسِب أحدا على وجه الأرض على ديانتهِ، فهذا شأن الله، وليس شأن البشر.. فكيف بالاعتداء على كتابٍ مُقدّس لدى أكثر من ملياري مُسلِم حول العالم، ومُعترَف بديانتهم كإحدى الديانات الإبراهيمية التوحيدية الثلاث (اليهودية، والمسيحية، والإسلامية)؟. ** ليست المرّة الأولى التي تتكرّر فيها هذه الحادثة.. وإنما حصلت مرات عديدة سابقا.. وليست المرّة الأولى التي يجتمع فيها مُمثِّلوا منظمة التعاون الإسلامي، ويدينون هذا الفِعل، ويُطالبون بمقاطعة البضائع والمُنتجات السويدية.. وليست المرة الأولى التي تُصدِر فيها بعض الدول العربية والإسلامية، بيانات شجب وإدانة واستنكار، ويسحب بعضهم   سفيرهُ من السويد.. أو يحتجّ لدى سفراء السويد.. كل ذلك لم يردع الُسلطات السويدية من منع أولئك العنصريون الطائفيون من ممارسة أفعالهم تلك، بذريعة حق التعبير، وأنّ هذا لا ينتهك القانون السويدي.. مع أنّ في هذا الفِعل تحريض على الكراهية، ولا أعتقد أن القانون السويدي يسمح بالتحريض على الكراهية.. أن تنتقد سلوكيات وممارسات بعض المسلمين، شيء، وأن تعتدي على مقدساتهم، شيء آخر.. أن تطالب بالعَلمانية شيء، وأن تُهين الأديان شيء آخر.. حينما تحرق نسخة من  القرآن الكريم، وأنت تُدرك أن هذا كتابا مُقدّسا لدى أكثر من ملياري مسلم، فأنت هنا تجاوزت بالمُطلق حرية التعبير، وأصبحتَ تُمارس الإعتداء المُباشَر على كل مسلم في هذا العالم، وهذا ليس من حقك.. ** إذا ما الحل؟ الحل (بتقديري) في الضغط من عدّة جوانب: أولا: تشكيل لجنة وزارية (وزراء خارجية) من أبرز وأهم عشرة دول إسلامية، ترتبط معها السويد بمصالح كبيرة، وإجراء حوار مع السُلطات السويدية، في الحكومة والبرلمان، لإتخاذ قرار، أو سنِّ قانون يحظر أي شكل من أشكال الاعتداء على كتاب المسلمين.. ثانيا: وضعُ هذا الأمر كبندٍ في أي اجتماع  للدول الأوروــ متوسطية، الأطراف في إطار إعلان برشلونة.. الذي تحدثتُ عنه في مقال سابق.. ثالثا: قيام منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، بتفويض من كافة الدول الأعضاء، بالسعي لاستصدار قانون عن البرلمان الأوروبي الذي يُمثل دول الاتحاد الأوروبي، الـ 28، أو جمعية أوروبا، التي تضمُّ 47 دولة أوروبية (وإن كانت قرارات هذه غير مُلزِمة) بِحظرِ أي إساءة  لكتاب المسلمين.. ثم تتّخذ كل دولة أوروبية قوانينا وقرارات داخلية بما يتطابق مع قرار، أو قانون البرلمان الأوروبي.. وحينما تصدر هكذا قوانين فلن يعود أحد يجرؤ على الاعتداء على كتاب المسلمين لأنه حينها ينتهك قوانين بلاده، مِثلَ أنهُ  لا أحدا يجرؤ على انتقاد السامية لأن هذا يمسُّ الصهيونية، والقوانين تمنع.. مع أن الفرق كبير بين الصهيونية واليهودية.. حتى اليوم لم نرى هكذا جهود، لا من الدول العربية والإسلامية، ولا من منظمة التعاون الإسلامي، ولا من دول جنوب المتوسط، الأطراف في إعلان برشلونة.. العرب والمسلمون يمتلكون أوراق ضغط كبيرة وقوية، لدفعِ البرلمان الأوروبي على تبنِّي قانون بهذا الخصوص.. وإن تجاهل البرلمان الأوروبي ذلك، فحينها تتّخذ كل الدول الإسلامية (عربية وغير عربية) قرارا في إطار منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، بِقطعِ علاقات الجميع الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية، مع أي دولة تسمح قوانينها بالاعتداء على كتاب المسلمين.. ويكون هذا القرار مُلزما للجميع.. وحينما يشعر البرلمان الأوروبي بتماسك الموقف العربي والإسلامي، فإنه سوف يتجاوب.. ** نعرف أن مُعاداة اليهود، وكراهيتهم، قديمة في الديانة المسيحية، وتعود بأصولها إلى صلب السيد المسيح، واضطهاد تلاميذه.. مُستندين بذلك على قول اليهود اثناء محاكمة السيد المسيح: “دمُهُ علينا وعلى أولادنا” .. وتمّ اتهام اليهود بِتُهَمٍ عديدة، منها تسميم آبار المسيحيين، والتضحية بالأطفال كقرابين بشرية.. بينما لم توجَد هذه العداوة بين الإسلام واليهودية.. عداوة المسلمين لم تكُن في أي وقتٍ لليهودية كديانة، وإنما للحركة العنصرية الصهيونية الإستعمارية، التي احتلّت أرض فلسطين وشرّدت شعبها.. والعرب المسلمون هُم من حمُوا اليهود في الأندلس، في زمن محاكم التفتيش الإسبانية.. ثمّ جاؤوا مع العرب المسلمين بعد سقوط آخر معاقلهم، غرناطة، عام 1492 .. وهذه الحركة الصهيونية، لعبت أدوارا سيئة جدا في تحريض الغرب على كراهية العرب والمُسلمين.. ** رغم كل الكراهية التاريخية من المسيحية لليهود، إلا أن كافة الدول الغربية، اصدرت قوانينا تُحظِّر أي مظهر من مظاهر العداء للسامية.. وطبعا يقصدون بالسامية، السامية اليهودية فقط.. فنحنُ العرب أيضا ساميون.. وكل أقوام الحضارات القديمة في بلاد الشام والرافدين، هُم ساميون.. ولذلك لا يجرؤ أحدٌ في الغرب على ذكرِ اليهود ولو بكلمة نقدٍ بسيطة، خشية أن يُتّهم بمعاداة السامية ويتعرض للعقوبات القانونية.. حتى من يشجب ويدين جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، يُمكن أن يُتّهم بمعاداة السامية.. وها نحن نشهدُ في هذه الأوقات جرائم إسرائيل في مخيم جنين بالضفة الغربية.. والغرب يتفرّج.. بل البيت الأبيض يعلن وقوفهُ إلى جانب عدوان إسرائيل ويعتبرهُ دفاعا عن النفس.. وحتى العرب والمسلمون يتفرجون، ولا يخرج عنهم سوى التصريحات، دون أي خطوات عملية.. ** كل ردود الفعل العربية والإسلامية اليوم وقبلَهُ إزاء حرق القرآن، ليست سوى ردود فعل آنية انفعالية غير مدروسة، وكثيرٌ منها مُزايدات إعلامية أمام الشعوب المُسلِمة.. أو تصفية حسابات شخصية.. فنعرف أن تركيا لها مشكلة مع السويد بسبب وجود جالية كردية كبيرة، وبينهم متعاطفون مع حزب العمال الكردستاني.. والمغرب لهُ مشكلة مع السويد بسبب اعتراف البرلمان السويدي بجبهة البوليساريو.. المُسلم الصادق والغيورعلى مقدسات المسلمين لا يفرش السجّادة الحمراء والزرقاء لرئيس إسرائيل ويستقبلهُ بحفاوةٍ بالغة، وهي تفعل ما تفعل بمقدسات المسلمين وبالفلسطينيين.. فهذه بشِعة كما حرق القرآن.. اليهودي أندريه أزولاي، هو أكبر مستشار لملك المغرب منذُ توليهِ العرش.. فأيّهما أخطر، هذه أم حرق نسخة من القرآن؟ ويوم الأحد 2 حزيران 2023، منحهُ الرئيس الإسرائيلي حاييم هرتسوغ وسام “الشرف الرئاسي”، تقديرا لمساهمتهِ الفريدة في خدمة إسرائيل والشعب اليهودي.. ** لم تكُن المُشكِلة مع الغرب (المسيحي) في أي وقت مشكلة دينية.. وإنما كانت مُشكلة سياسية.. فالمسيحية هي جزءٌ من عقيدة المُسلمين، وهي جزءٌ أساسيٌ من تاريخنا وثقافتنا العربية، وفي القرآن الكريم سورة كاملة عن السيدة مريم العذراء، ويُنظَر إليها في الإسلام، بِقُدسيةٍ، لا تقلُّ عن ٌقُدسية المسيحية لها.. بدأ هذا الخلاف بعد وصول الإسلام إلى بلاد الشام، والصِدام بين المسلمين والروم (البيزنطيين) ومساعي كل طرف للتمدُّد والتوسُّع.. ولستُ هنا بصدد الحديث عن نشرِ رسالات سماوية، وإنما عن طموحات كل طرف بتوسيع نفوذه.. ولكن يجب أن نُدرِك أن الأوروبيين (البيزنطيين، وقبلهم اليونان أو الإغريق) هُم من طمعوا ببلاد العرب، وجاؤوا إليها غُزاة مستعمرين شرق المتوسط.. فهي لم تكُن بُلدانا خاوية من السكان، وإنما كانت بُلدانا مأهولة بالأقوام التي تعود لأصول عربية.. الأمر الجديد الذي طرأ عليها، أن ازدادت الهجرة من الجزيرة العربية، وحضرَ الإسلام.. ولكن العرب كانوا موجودين، قبل اليونان، وقبل البيزنطيين، وقبلَ الإسلام.. كما حالُ الأمر في أمريكا، فتلك البلاد كانت مأهولة بالسكان، وجاء الغازي، أو المُستعمر الأوروبي، واستعمرها واستوطنها.. ثم  كانت حملات الفِرنجَة (التي عُرِفت بالحملات الصليبية) وهذه كُتِبَ عنها مُجلّدات وموسوعات، فزادت الشروخ بين الطرفين.. وكان لِتوسُّع الإمبراطورية العثمانية إلى شرق، ووسط أوروبا، باسمِ الإسلام (والإسلام لا علاقة لهُ بذلك) وما رافقهُ من عُنف، أحد الأسباب التي عمّقت الخلاف بين الشرق والغرب.. فكانوا حتى الأمس القريب في اليونان، ينظرون لكل مُسلم أنهُ عثماني.. مع أننا كعرب عانينا من العُثماني، أكثر مما عانوا هُم.. وما زُلنا نعاني من أحفادهم.. ولعبت حقبة الإستعمار الغربي، في القرن التاسع عشر، والعشرين، دورا في تعميق هذه الخلافات والصراعات السياسية.. وكان دورُ الغرب في دعمِ إسرائيل وقيامها، على حساب الحق الفلسطيني والعربي، مرحلة سيئة في تعميق هذه الصراعات السياسية.. هذا فضلا عن الكتابات والمؤلفات عبر التاريخ، من كل طرف ضد الطرف الآخر، والتي ساهمت في تعميق ثقافة الكراهية.. وهذا يتحمّل مسؤوليتهُ الطرفان.. في الغرب وفي الشرق.. أُضيفَ لكل ذلك حديثا، بروز التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، التي أساءت للإسلام، أيةُ إساءة، وخلقت ما يُعرفُ بـ (الإسلاموفوبيا) أو الخوف من الإسلام، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من ايلول في نيويورك 2001 .. ** هذا الوضع لا يجوز أن يستمر.. ولا أن يتصاعد.. وهي مسؤولية الجميع في الغرب وفي الشرق.. نحن بحاجة إلى حوار عميق مع الغرب.. على صعيد مثقّفين ومُفكّرين وإعلاميين، ومنظمات ونقابات وأحزاب، ونُخب سياسية، ودول .. الخ.. وتصحيح الصور المُشوّهة.. فلا نحن قادرون أن نستغني عن الغرب، ولا الغرب قادر أن يستغني عنا.. نحن الأقرب جغرافيا لهذا الغرب في العالم.. ولذلك، للأسف، كان هذا الغرب هو دوما الطامع في بُلداننا، والهاجِم علينا.. ** ولا ننسى، وحسب المركز السويدي للمعلومات عن عدد المسلمين في دول أوروبا الغربية، فيوجد 6.5  مليون مسلم في فرنسا.. وحوالي 5 مليون في ألمانيا.. و 3.5 مليون في بريطانيا.. و 2.5 مليون في إسبانيا.. و 2 مليون في إيطاليا.. وأكثر من مليون في هولندا.. وأكثر من 750 ألف في بلجيكا.. وحوالي 400 ألف في الدانمارك.. وحوالي 500 ألف في اليونان.. وحوالي 800 ألف في السويد.. بل في السويد ممنوعة الإحصاءات على أساس ديني، لأن في هذا تمييز عِرقي يخالف قيم المجتمع السويدي والدستور السويدي.. إذاً من خلال هذه الإحصائية نجد عدد المسلمين أكثر من 22 مليون، هؤلاء المُسجّلين.. وتزايدوا كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب زيادة الهجرة.. بينما يوجد عشرات آلاف المساجد، أو دور العبادة للمسلمين.. وفي السويد وحدها حوالي 200 مسجد.. وفي فرنسا 2260 مسجدا.. وفي بريطانيا حوالي 1500 مسجدا.. وفي إيطاليا حوالي 1250 مسجدا ومركزا إسلاميا.. وفي إسبانيا 1569 مسجدا.. وفي ألمانيا حوالي 3230 مسجدا ومُصلّى.. ** بل كم من المسلمين شغلوا مناصب وزراء، أو وزيرات، في دول الاتحاد الأوروبي، وأعضاء برلمانات.. في الولايات المتحدة حوالي 3.5 مليون مسلم.. وفي الكونغرس سيدتين مسلمتين أعضاء بهِ.. مُنتخبَتين بشكل ديمقراطي وحُر من الأمريكان.. في ولاية نيوجيرسي تعيّنت سيدة مسلمة سورية، قاضية في المحكمة في آذار 2023 ، وهي مُحجّبة، وأدت قسَم اليمين على القرآن الكريم.. ** إذا لا يمكن تعميم العنصرية والكراهية للإسلام والمسلمين، على كل مواطن في الغرب، رغم عنصرية البعض، ليس ضد العرب والمسلمين والأفارقة فقط، بل حتى ضد المسيحيين من بُلدانِ العالم الثالث.. إنها عُقدة الرجل الأبيض، أو الإنسان الغربي الذي يعتبر نفسهُ متفوقا على الآخرين عِرقيا وعقليا.. ولا يجوز أن نسمح للعنصريين والمتطرفين، بتصعيد أي مشاعر كراهية بين الطرفين.. سواء كان هذا العنصري والمتطرف يُدينُ بدينِ المسيحية أم بدينِ الإسلام، وإشعال مشاعر الكراهية، بدلا من مشاعر التفاهُم والتقارُب.. فلا نُريدُ في هذا الزمن ثقافة: فُرسان الهيكل.. ولا شعب الله المُختار.. ولا خير أمّة.. من منظورٍ عنصري.. نريدُ ما جاء في رسالةِ الإمام عليّ لعاملهِ على مصر، مالك الأشتر، وهي رسالةٌ طويلة (حوالي 3 آلاف كلمة) ودرسٌ ثمينٌ في القيم والأخلاق، وكل كلمة فيها هي من الدُرَر، وبينها تلك العبارة التي قال لهُ فيها: (الناسُ صِنفان: إما أخٌ لك في الدين.. أو نظيرٌ لك في الخَلق).. الرسالة بالكامل موجودة على غوغل.. وقد اعتمدتها الأمم المتحدة، بالتصويت، كإحدى مصادر التشريع في القانون الدولي، في زمن الأمين العام السابق كوفي أنان.. فهل سيضع العرب والمسلمون استراتيجية مدروسة وفق الخطوط التي تحدّثتُ عنها آنفا، لوقفِ الاعتداء على القرآن الكريم، أم سيبقون على ما هُم: يشجبون ويستنكرون، ويدعون لمقاطعة المنتجات السويدية، ثم بعد حِينٍ تنتهي موجة الغضب والإنفعال ويعود كل شيء على حاله، بانتظار اعتداء جديد؟. كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: القرآن الکریم فی السوید ملیون فی أکثر من فی هذا التی ت ألف فی

إقرأ أيضاً:

حب الدنيا وكراهية الموت.. استمرار العون من الله

 

أنشأ الكيان الصهيوني – الجامعة الإسلامية- في فلسطين المحتلة وهي جامعة خالصة وخاصة لتدريس المتميزين من اليهود أصول الدين الإسلامي، تشرف عليها المخابرات الإسرائيلية- وتمنح الخريجين منها أسماء والقاب مستعارة إسلامية ظاهرا يهودية باطنا، وذلك في إطار خطة استراتيجية لمواجهة الإسلام من خلال نشر الأكاذيب الاشاعات وتشكيك المسلمين في عقيدتهم وإيمانهم حتى يسهل السيطرة عليهم، وليست هذه الخطة جديدة فقد سبقهم في ذلك المستشرقون الذين اعتمد عليهم الاستعمار الحديث، والحملات الصليبية قبل الاستيلاء على فلسطين سابقا وقبل احتلال أقطار الوطن العربي والإسلامي في العصر الحديث، رغم أن بعضهم بدأ بهدف الإساءة لكنه تحول إلى الإسلام، وأثبت هدف الدراسات الاستشراقية وابعادها، من اليهود والنصارى، واليوم تتضافر جهودهم من خلال أقسام الدراسات الإسلامية في جامعات دول الغرب، والجامعة الإسلامية في تل أبيب لتكرار الأمر ذاته.
خلال الأحداث الماضية من الحرب والحصار أطل المتحدث باسم الجيش الصهيوني افيخاي أدرعى يروى أحاديث نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويصف حركة الجهاد وحماس وغيرهما انهم خوارج، وكأن إسرائيل أصبحت تمثل الإسلام، ويتهم أيضا بأنهم يمارسون أساليب وإجرام الجماعات الاستخباراتية التي مولتها دول الغرب لخدمتها ولتحقيق أهدافها.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك مكوناته وضع الغرب الإسلام العدو الذي يجب هزيمته فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا وفي كافة المجالات حتى يتم الاستئثار بكل تلك الخبرات ومنها مصادر الطاقة والثروة والمواصلات، وكان تصفية القضية الفلسطينية أهم هدف لتحقيق الهيمنة الصهيونية وربط الكيانات المطبعة والعميلة وجودا وعدما، لكن الحلول الظالمة المفروضة على المقاومة أوجد نوعا من الإحباط واليأس والعودة إلى خيار الجهاد والمقاومة من جديد.
يدرك ساسة الغرب وصناع القرار السياسي فيها، وأيضا اليهود أهمية التمسك بالدين الإسلامي وما يشكله من عامل قوة وممانعة لانتشار أفكارهم ومبادئهما لذلك فهم يعملون على تشويه الإسلام سواء في أوساط مجتمعاتهم وفي أوساط المجتمعات العربية والإسلامية، وهي توجهات صريحة يؤكدها ساسة الغرب دونما حياء أو خجل أو خوف، من ذلك تصريح رئيس المجموعة الوزارية الأوروبية وزير الخارجية الإيطالي: حينما سئل عن مبررات بقاء حلف الأطلسى- بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أنشأ من أجله الحلف فقال: المواجهة المقاومة مع العالم الإسلامي، وسئل مرة أخرى ما السبب لوقف هذه المواجهة قال: إن يقبل الأخر بالنموذج الغربي، مما يؤكد أن القيم والمثل التي ينادى الغرب إليها ويدعى حمايتها والكفاح من أجلها ليست سوى دعاوى زائفة وأكاذيب يروجها لتحقيق مصالحه وأهدافه، مع أن أبسط المبادئ الديمقراطية تعني حرية الاختيار واحترام ومعتقدات الطرف الآخر، فالغرب لا يحترم سوى مصالحه ولا يهتم بالضحايا الذين سيتم إبادتهم من أجل تحقيقها، والعالم العربي والإسلامي اليوم يمثل البعد القومي لإمبراطوريات الغرب الهالكة والحالية، لذلك يسعى لكل جهوده وإمكانياته للسيطرة التامة على كافة المجالات اقتصاديا وسياسيا- عسكريا وثقافيا ودينيا- فالانتصار العسكري والتنكوجي الذي تحقق له خلال السنوات الماضية اغراه لأن يسعى جاهدا لتحقيق الانتصار والتفوق في بقية المجالات حتى نستديم له السيطرة والاستمرار مع أن الحقائق تؤكد أن تلك الإنجازات هي نتائج الثروات التي استولى عليها بالقوة والإبادة والحروب التي خلقت الملايين من الضحايا لإرضا، شهوات الانتقام، ولاء ثبات البطولات المدعاة أمام تلك الجماهير.
المفكر الأمريكي- برناردلويس- أحد أهم صنائعي- القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية- قدم مقترحاته- لتقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دولة أثنية ومذهبية- لحماية الصالح الأمريكية واليهودية، تجزئة العراق إلى ثلاث دول وإيران إلى أربعه، وسوريا إلى ثلاث، والأردن دولتين ولبنان خمس والسعودية إلى عدة دول، وهذا المقترح قدمه بناء على خبرته الاستشراقية في دراسة التاريخ الإسلامي، ونشره في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية عام 2003م وهو بهذا يضمن هيمنة وتفوق الكيان الصهيوني، واستمرار تدفق الثروات إلى الغرب والشرق وبقاء الفرقة والشتات لدول الوطن العربي أكبر قدر ممكن، حتى أن أطماع أمريكا بثروات العراق عبر عنها جورج بوش الأب 1990م في تصريح أدلى به لإحدى الإذاعات الفرنسية بقوله: (أن مناصب الشغل لدينا، ونمط حياتنا، وحريتنا وأيضا حرية الدول الصديقة لنا عبر العالم ستتأثر سلبيا إذا ما سقط أكبر مخزون للنفط في العالم بين يدي صدام حسين) وهذا الاستعلاء الغربي الذي تقوده أمريكا والصهيونية العالمية قد حذر منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قله نحن يومئذٍ قال (صلى الله عليه وآله وسلم، بل أنتم يؤمئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت” سلسلة الأحاديث الصحيحة.
إن الغرب يعمل جاهدا من خلال وسائله وأدواته التي زرعها في الدول العربية حكاما ومسؤولين خونة وعملاء على زعزعة الثقة بالله والإيمان به واستمداد العون منه، لأن ذلك يضمن له بقاء حالة الانهزام والاستسلام والسيطرة، والتحكم وهي حالات لا تتفق مع الإيمان الصحيح والثقة والتوكل على الله- فالإيمان عزة واستعلاء على الإجرام والطغيان ومواجهة واقتحام، وما أصدق ما قاله الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي- رسول الله يريد لنا أن نكون أعزاء كما كان عزيزا” أما الاستسلام لطغيان أمريكا والصهاينة والخونة والعملاء فذلك هو عين الذل والخسارة والهوان، وصدق المجاهد القسامي أبو عبيدة (تتوعدنا بما ننظريا بن اليهودية أنه لجهاد نصرا واستشهاد ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.

مقالات مشابهة

  • "كيف صنع العالم الغرب؟"
  • الانتخابات الإيرانية والتنظيم المؤسسي والدستوري
  • بدء التسجيل بمدارس القرآن الكريم بولايتي سمائل وبدبد
  • سلوم: لن نقبل بالابتزاز ابدا وما يهمنا هو صحة اطفالنا
  • حب الدنيا وكراهية الموت.. استمرار العون من الله
  • القدس إرثنا الديني والتاريخي
  • مسابقة بورسعيد الدولية تحصد المركز الأول في حفظ القرآن بمسابقة التبيان الدولية الأمريكية
  • نائب أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس وأعضاء جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة صوير
  • تعرف على خطوات التقدم بمركز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم
  • «الإفتاء» تجيب عن سؤال: هل تجب الطهارة لترديد القرآن مع القارئ؟