يخشى آلاف الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من خسارة وظائفهم تحت مسمى «التغييرات الجذرية» التي أعلن عنها زعيم الجماعة منذ ستة أسابيع، بعدما باتت الوظيفة العامة حكراً على أنصارها، حيث السعي الحثيث للاستيلاء على المناصب الإدارية كافة في المؤسسات.

يؤكد موظفون عموميون في صنعاء، أن إجراءات متصاعدة يمارسها قادة القادة الحوثيون تهدف إلى إزاحتهم من وظائفهم وإحلال أتباع الجماعة في تلك الوظائف، وبدأت تلك الإجراءات منذ عام بإجبارهم على التعهد بالالتزام بكل ما ورد في نصوص ما عرف بـ«مدونة السلوك الوظيفي»، ووصل الأمر إلى تهديدهم بالطرد تحت مبرر «التغييرات الجذرية».

وأعلن عبد الملك الحوثي في احتفال جماعته بالذكرى التاسعة لانقلابها على السلطة والتوافق السياسي في البلاد عن إجراء تغييرات وصفها بالجذرية تستهدف الفساد الذي بات أحد أهم المظاهر التي تميز هيمنة الجماعة على الحياة العامة وإدارتها مؤسسات الدولة، وهو الإعلان الذي جاء عقب تصاعد الاحتجاجات الشعبية لمناهضة تلك الممارسات والمطالبة بالرواتب.

ويواجه عدد من كوادر شركة الاتصالات العمومية (يمن موبايل) خطر الاستغناء عنهم بحكم عدم مزاولة أي مهام أو أنشطة، بعد أن تم إزاحتهم من مواقعهم في الشركة، وإنشاء إدارات هامشية ليس لها أي مهام أو أنشطة.

يفيد أحد الكوادر الفنية في شركة «يمن موبايل»، بأنه بات يعيش قلقاً على مستقبله وعائلته المعيشي بعد أن أفصح القيادي الحوثي عصام الحملي، المُعيّن من قِبل الجماعة رئيساً لمجلس إدارة الشركة، عن نوايا لإغلاق تلك الإدارات ضمن سياسات الإصلاحات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة، وإزاحة العاملين فيها.

وينوّه إلى أنه كان يستشعر إمكانية طرده وزملائه منذ إنشاء تلك الإدارات بقرارات ارتجالية متسرعة وغير مدروسة، حيث بدا واضحاً أن الغرض منها إخلاء المواقع والإدارات المهمة في الشركة لأتباع الجماعة الحوثية، وتهميش كادر الشركة الفني والإداري.

موظفون بلا مهام أو رواتب

يُقدّر عدد من جرى تعيينهم من أتباع الجماعة في مواقع ومناصب قيادية في الشركة (يمن موبايل) بـ70 حوثياً لا يملكون المؤهلات والخبرات اللازمة، حلّوا في مواقع كان يشغلها موظفون من أصحاب الخبرات الطويلة والكفاءات العالية، وتم تجميعهم في الإدارات الهامشية، وتحويلهم مستشارين لا يُعتَدّ بآرائهم في الغالب.

وتحدث موظف في أحد فروع المؤسسة العامة للكهرباء عن اكتشافه وعددٍ من زملائه خلال الأسابيع الماضية، أن جميع من تم تعيينهم في المؤسسة من أتباع الجماعة يتقاضون رواتبهم مضافاً إليها الحوافز والمكافآت بشكل منتظم وسري، وإلى جانب ذلك يتحصلون على سلال غذائية كاملة من المساعدات الدولية الموجهة إلى الموظفين العموميين.

يضيف الموظف لـ«الشرق الأوسط»، أنه وزملاءه فكّروا في تنظيم احتجاج ورفع عرائض ضد هذه الممارسات التمييزية؛ إلا أن أحد المنتمين إلى الجماعة والذي جرى تعيينه مديراً عليهم، هدّدهم بالطرد والإقصاء بحجة التشكيك في نزاهة الإجراءات المتبعة لتحقيق الإصلاحات الجذرية، ومخالفة مدونة السلوك الوظيفي.

ويقول باحث اقتصادي يمني: إن غالبية الموظفين العموميين وقعوا بين خيارات صعبة ومعقدة، فهم لا يتقاضون من رواتبهم إلا أجر نصف شهر كل ستة أشهر، لكنهم ملزمون بالاستمرار في الدوام والحضور؛ كي لا يتم إزاحتهم من وظائفهم واستبدالهم بأتباع الجماعة، ولا يجبرهم على تحمل هذه الأوضاع سوى الأمل بحدوث تسوية سياسية تعيد لهم حقوقهم.

ويتابع الباحث الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته لإقامته في العاصمة صنعاء، أن الحيرة التي يعيشها الموظفون العموميون في انتظار أن تعود لهم مستحقاتهم، تسببت في حدوث نوع جديد من البطالة، وضياع مليارات الساعات من أوقات الإنتاج المفترضة، فهم غالباً لا يؤدون مهام حقيقية؛ نظراً لتعطيل غالبية مؤسسات الدولة، لكنهم ملتزمون بالدوام ولا يتقاضون رواتبهم.

وساهم هذا الوضع، بحسب رأيه، في تفاقم المأساة الإنسانية وتزايد أعداد المتضررين منها بسبب عدم مقدرتهم على الإنتاج، خصوصاً وأن قطاع المال والأعمال تعرّض بدوره لضربات كثيرة حدّت من قدرته على التطور، وتسببت في هجرة الكثير من رؤوس الأموال.

معالجة هشاشة الجماعة

بقدر ما سعت الجماعة الحوثية إلى السيطرة التامة على القطاعات الإيرادية، مثل الضرائب والجمارك والاتصالات والنفط والغاز من خلال زرع عناصرها فيها، عملت على إنشاء كيانات موازية للكثير من مؤسسات الدولة، وتعيين كامل أطقمها الوظيفية من أتباعها؛ ما جعل تلك المؤسسات غير منتجة، وتم تجريدها من مهامها في تقديم الخدمات العامة.

ويرجّح مركز دراسات يمني، أن يكون الغرض من التغييرات الجذرية التي تتبناها الجماعة الحوثية، معالجة الهشاشة والضعف اللذين تعاني منهما، نتيجة تحديات عدة، منها تآكل الجماعة التي يرى أنصارها أن القادة أصبحوا في ثراء فاحش بينما يجري استخدامهم كوقود للمعارك وتركهم للعوز والفقر.

ويوضح مركز اليمن والخليج والدراسات في ورقة له، أن هناك مستويين من التصدعات داخل الجماعة، يتمثل الأول في رغبة أنصارها في الحصول على الامتيازات نفسها التي يحصل عليها القادة، ويبرز الآخر في الجشع على السلطة والثروة والتنافس والنزاع الحاد حول الصلاحيات بين قادة الصف الأول والثاني.

ويرى عدنان هاشم، مُعدّ الورقة، أن إقالة الحكومة عبر ما يسمى «مجلس الدفاع الوطني»، وليس بقرار مما يسمى «المجلس السياسي الأعلى»، انحياز إلى صف القيادي أحمد حامد، وإقصاء لمنافسه محمد علي الحوثي، إلى جانب الاستجابة لغضب القادة الميدانيين العائدين من جبهات القتال، الذين أتاحت لهم الهدنة فرصة التذمر والاحتجاج.

ووفقاً لهاشم، وهو باحث متخصص في الشأن الخليجي والسياسات الإيرانية؛ فإن هناك مخاوف لدى زعيم الحوثيين من منافسة محتملة على مكانته، مع حاجته إلى تأكيد مشروعية سلطته بصفته القائد والإمام، بخاصة مع زيادة شعبية محمد عبد العظيم الحوثي، حيث وردت معلومات عن اعتقاله قبل أيام من إعلان التغييرات، وتزايد قوة تيار محمد علي الحوثي.

ولا يمكن للتغييرات الجذرية، بحسب الباحث، أن تؤدي إلى معالجة الاختلالات الناجمة عن فشل الحوكمة والفساد والهيمنة على الاقتصاد، بل تسعى إلى تعزيزها، وبمثل ذلك، فإنها لا تهدف إلى التخفيف عما لحق بالجماعة من أضرار نتيجة افتقارها للحلفاء بعد إزاحتها لهم وتنكيلها بهم.

وعلى العكس من ذلك، يبدو أن «التغييرات الجذرية» تتضمن رسالة بالغة القسوة للأطراف المناوئة للجماعة الحوثية بأن أي اتفاق شراكة في الحكم يكون الحوثيون فيه هم النظام والحكومة. وفق ما ذكره الباحث.

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: التغییرات الجذریة الجماعة الحوثیة

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان تدعو لوقف القتال في المنطقة ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دعا وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي إلى الوقف الفوري للقتال وإطلاق النار في قطاع غزة وفي لبنان، ومعالجة أسباب الصراع بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين.


وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، أكد البوسعيدي، في كلمة سلطنة عُمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن السلطنة قيادة وحكومة وشعبا، تؤمن باستخدام الوسائل المشروعة والسلمية لحل القضايا والصراعات، كما أكد ضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ووضع حد لسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ورفع المعاناة الإنسانية المفروضة عليه.
وقال بدر البوسعيدي: "إننا نؤمن بأهمية تكثيف العمل على احتواء التصعيد والتوتر وحقن الدماء عبر الاحتكام للحوار العاقل وقواعد القانون الدولي ومـيثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول ووحدتها ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بما يكفل لسائر الأقطار والشعوب حق العيش في أمان وفي سلام وكرامة".
وأوضح وزير الخارجية العماني أن بلاده ماضية ببرامجها في مجال الحماية الاجتماعية، وتسعى بشكل متواصل لتطوير هذه البرامج بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية؛ ما يشير إلى مدى التقدم الذي حققته سلطنة عمان في مجال التنمية المستدامة.
وأكد دعم بلاده المتواصل للشباب، حيث تعدهم عماد المستقبل ومحور التنمية المستدامة، وقال: "نؤمن بأن الشباب هم القوة الدافعة للابتكار والبناء والتطور وخلق الفرص التي تمكنهم من توظيف مهاراتهم والمساهمة الفاعلة في بناء المستقبل".
وسلط البوسعيدي الضوء على أهمية تعزيز الاحترام والتعايش السلمي بين الشعوب، ودعا إلى مكافحة جميع أشكال التمييز والعنصرية والكراهية والعنف، وقال "إن بلاده تبذل جهودا كبيرة في مجال التعامل مع تحديات التغير المناخي والحد من الانبعاثات وتحفيز الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، انطلاقا من إيمانها بأهمية حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية".
ورحب وزير خارجية عُمان، باعتماد ميثاق المستقبل، وقال "إنه ثمن الجهود الدولية المشتركة التي أدت إلى تحقيق هذا الإنجاز الذي يضع خارطة الطريق للعالم نحو تعزيز التعاون الدولي ومواجهة التحديات العالمية بفعالية وتعاون"، ودعا جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بتنفيذ الميثاق والعمل على تحقيق رؤيته وأهدافه من خلال التعاون المثمر وتبادل المعرفة واتخاذه مسارا من مسارات بلوغ مستقبل أفضل وأكثر أمانا وازدهارا للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • سلطنة عمان تدعو لوقف القتال في المنطقة ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع
  • التعليم العالي في العراق: هل تكفي التغييرات الجديدة لتلبية احتياجات الطلبة؟
  • ماذا ينتظر قيادات الحوثي بعد اغتيال نصر الله؟
  • سبع دول ترحب بقرار الأمم المتحدة تعليق انشطتها في مناطق الحوثي .. تفاصيل
  • مبالغ أممية اعتمدت لفقراء اليمن تسعى المليشيات الى نهبها.. 120 مليار ريال يتم إيقاف صرفها في مناطق سيطرة الحوثيين
  • “قرار مفاجئ من الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين”
  • الحوثي يهاجم السعودية ويتوعد: قريبا سنسقط طائرات إف16
  • تهديد حوثي بعد صاروخ استهدف تل أبيب.. «القادم أعظم حتى زوال إسرائيل»
  • الاقنعة تسقط: قيادي حوثي بارز يفضح جرائم الجماعة ويدعو للإفراج عن الأطفال المعتقلين
  • عاجل | عبد الملك الحوثي: بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر مناطق محظورة على العدو الأميركي والإسرائيلي