لماذا سمي سيدنا جبريل بالروح القدس؟.. 4 أسرار عن رئيس الملائكة
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
لماذا سمي سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس؟ وذلك كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النحل: 102].
لماذا سمي سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس؟جاء في سبب تسمية سيدنا جبريل بـ روح القدس أنه خُلِق بتكوين الله له روحًا من عنده من غير ولادة والد؛ كما سُمي سيدنا عيسى ابن مريم روحًا للسبب ذاته، وفي ذلك تشريف وتكريم له من الله تعالى، وبيانًا لعلو مرتبته، وأيضًا لأنه ممَّا يحيى الله تعالى به الدين، كما يحيي الجسد بالروح.
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 322): [وإنما سمى الله تعالى جبريل "روحًا" وأضافه إلى "القدس"؛ لأنه كان بتكوين الله له روحًا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك "روحًا"، وأضافه إلى "القدس" -و"القدس" هو الطهر- كما سمى عيسى ابن مريم "روحًا" لله من أجل تكوينه له روحًا من عنده من غير ولادة والد ولده] اهـ.
وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (3/ 596، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإنما سمي بذلك لوجوه:
الأول: أن المراد من روح القدس: الروح المقدسة؛ كما يقال: حاتم الجود، ورجل صدق؛ فوصف جبريل بذلك تشريفًا له وبيانًا لعلو مرتبته عند الله تعالى.
الثاني: سُمِّي جبريل عليه السلام بذلك لأنه يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح؛ فإنه هو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء، والمكلفون في ذلك يحيون في دينهم.
الثالث: أن الغالب عليه الروحانية، وكذلك سائر الملائكة، غير أن روحانيته أتم وأكمل.
الرابع: سُمِّي جبريل عليه السلام روحًا؛ لأنه ما ضمته أصلاب الفحول وأرحام الأمهات] اهـ.
وقال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (3/ 130): [وإنّما سُمِّي جبريل رُوحًا؛ لأنه بمنزلة الأرواح للأبدان تحيا بما يأتي من البيان عن الله عزَّ وجلَّ من يُهدَى به، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتًا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ﴾، أي: كان كافرًا فهديناه] اهـ.
ورد لفظ "روح القدس" في القرآن الكريم في أربعة مواضع؛ ثلاثة منها جاءت بمعنى أن الله تعالى قد أيَّدَ به سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهي:
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [البقرة: 87]، وقوله تعالى: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٍ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [البقرة: 253]، وقوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [المائدة: 110].
وفي موضع أن الله تعالى قد ثبَّت به النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين معه، فقال تعالى: ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النحل: 102].
المراد بـ روح القدس عند المفسرينالمفسرون في بيان المراد بـ "الروح القدس"، واختلفوا في ذلك على أقوالٍ، ومنها:
القول الأول: أن المراد به؛ مَلَك الوحي سيدنا جبريل عليه السلام، حيث أيَّدَ الله به سيدنا عيسى عليه السلام، وثبَّت الله به فؤاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وممَّن قال ذلك: قتادة والسدي والضحاك والربيع وآخرون في تفسير قوله: ﴿وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾.
وعن ابن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي، عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفرًا من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: أخبرنا عن الروح، قال: «أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟» قالوا: نعم. يُنظر: "جامع البيان" للطبري (2/ 320، ط. مؤسسة الرسالة).
قال العلامة الزَّجَّاجُ في "معاني القرآن وإعرابه" (1/ 168، ط. عالم الكتب): [وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾: روح القدس جبريل عليه السلام] اهـ.
وقال الإمام الماتُرِيدِي في "تأويلات أهل السنة" (3/ 647، ط. دار الكتب العلمية): [وقال أهل التأويل: الروح: هو جبريل عليه السلام، والقدس هو اللَّه سبحانه وتعالى؛ كقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ﴾ أي: جبريل عليه السلام] اهـ.
وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (3/ 596، ط. دار إحياء التراث العربي): [اختلفوا في الروح على وجوه، أحدها: أنه جبريل عليه السلام] اهـ.
وقال العلامة الواحدي النيسابوري في "التفسير البسيط" (3/ 130، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود): [قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ﴾ [النحل: 102]، يعني: جبريل عليه السلام] اهـ.
القول الثاني: أن المراد بـ "روح القدس" الذي أيَّدَ الله تعالى به سيدنا عيسى عليه السلام: الإنجيل، والذي نزله الله تعالى على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: القرآن، وقد نص على ذلك كثير من العلماء:
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 321): [قال آخرون: الروح الذي أيَّدَ الله به عيسى: هو الإنجيل. ذكر مَن قال ذلك: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾، قال: أيَّدَ الله عيسى بالإنجيل روحًا، كما جعل القرآن روحًا، كلاهما روح الله، كما قال الله: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَا﴾] اهـ.
وقال العلامة الكرماني في "غرائب التفسير وعجائب التأويل" (1/ 156، ط. دار القبلة): [وقيل: روح القدس: الإنجيل؛ وسُمي روحًا كما سمي القرآن روحًا في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحًا مِّنۡ أَمۡرِنَا﴾] اهـ.
وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (3/ 596) في ذكر ثاني المعاني: [المراد بروح القدس: الإنجيل، كما قال في القرآن: ﴿رُوحًا مِّنۡ أَمۡرِنَا﴾، وسمي به لأن الدين يحيا به ومصالح الدنيا تنتظم لأجله] اهـ.
القول الثالث: أن المراد بالروح القدس في حقِّ سيدنا محمد وعيسى عليهما صلوات الله تعالى وسلامه: اسم الله الأعظم، أو الدعاء المبارك الذي كان يحيي به سيدنا عيسى الموتى ويستجيب الله تعالى به لسيدنا محمد صلى الله عليهما وسلم، وممن قال بذلك عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهم.
قال الإمام ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 169، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ﴿بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾، قَالَ: «هُوَ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ] اهـ.
وقال الإمام الماتُرِيدِي في "تأويلات أهل السُّنَّة" (3/ 647): [وقيل: إن روح القدس هو الدعاء المبارك الذي به كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص بدعائه] اهـ.
وقال العلامة الكَرْمَانِي في "غرائب التفسير وعجائب التأويل" (1/ 156): [وقيل: (روح القدس): اسم الله الأعظم، الذي كان به يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص وغيرها] اهـ.
وذكر الإمام الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (3/ 596) في بيان ثالث المعاني: [أنه الاسم الذي كان يحيي به عليه السلام الموتى، عن ابن عباس وسعيد بن جبير] اهـ.
والحاصل أن إطلاق اسم الروح على جبريل وعلى الإنجيل وعلى الاسم الأعظم مجاز؛ ذلك لأن الروح في الحقيقة هي الريح المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه، ومعلوم أن هذه الثلاثة ما كانت كذلك إلا أنه سمي كل واحد من هذه الثلاثة بالروح على سبيل التشبيه من حيث إن الروح كما أنه سبب لحياة الرجل؛ فكذلك جبريل عليه السلام سبب لحياة القلوب بالعلوم، والإنجيل سبب لظهور الشرائع وحياتها، والاسم الأعظم سبب لأن يتوسل به إلى تحصيل الأغراض. يُنظر: "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (3/ 596).
وقد نص العلماء على أن القول الراجح في تفسير الروح القدس هو القول الأول، وأن المقصود به سيدنا جبريل عليه السلام، وذلك لعدة أمور:
أوَّلها: أن الله تعالى قد أخبر في محكم تنزيله وفي آية واحدة بتأييد سيدنا عيسى عليه السلام بروح القدس وتعليمه الإنجيل، فلو كان المقصود به الإنجيل للزم من ذلك تكرار قول لا معنى له، وهو محال في حقِّ كلام الله تعالى.
وثانيها: أن المشابهة بين مسمى الروح وبين جبريل أتم؛ لكون جبريل عليه السلام مخلوقًا من هواء نوراني لطيف كما هو الحال في الروح.
وثالثها: أن إسناد التأييد والإعانة إلى جبريل عليه السلام حقيقة، وإلى الإنجيل أو اسم الله الأعظم مجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى مَن حمله على المجاز.
ورابعها: أن اختصاص جبريل عليه السلام بالتأييد لسيدنا عيسى أظهر من غيره؛ حيث إنه هو الذي نفخ الروح في والدته السيدة مريم عليها السلام فحملت به، وهو الذي بشرها بولادته، وهو الذي صعد به إلى السماء.
وخامسها: أن تفسير "الروح القدس" بأنه جبريل عليه السلام يؤول إلى تأييد أوسع وأشمل من تفسيره بالإنجيل الذي هو تأييد جزئي، وتكثير المعنى المراد أفضل من تقليله.
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 321): [وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال: "الروح" في هذا الموضع جبريل؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلًاۖ... الآية﴾ فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل؛ لكان قوله: ﴿إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾، و﴿وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ﴾، تكرير قول لا معنى له] اهـ.
وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (3/ 596): [إلا أن المشابهة بين مسمى الروح وبين جبريل أتم لوجوه: أحدها: لأن جبريل عليه السلام مخلوق من هواء نوراني لطيف فكانت المشابهة أتم، فكان إطلاق اسم الروح على جبريل أولى، وثانيها: أن هذه التسمية فيه أظهر منها فيما عداه، وثالثها: أن قوله تعالى: ﴿وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ يعني قويناه، والمراد من هذه التقوية الإعانة، وإسناد الإعانة إلى جبريل عليه السلام حقيقة، وإسنادها إلى الإنجيل والاسم الأعظم مجاز، فكان ذلك أولى، ورابعها: وهو أن اختصاص عيسى بجبريل عليهما السلام من آكد وجوه الاختصاص بحيث لم يكن لأحد من الأنبياء عليهم السلام مثل ذلك؛ لأنه هو الذي بشر مريم بولادتها، وإنما ولد عيسى عليه السلام من نفخة جبريل عليه السلام، وهو الذي رباه في جميع الأحوال، وكان يسير معه حيث سار، وكان معه حين صعد إلى السماء] اهـ.
وقال العلامة أبو زهرة في "زهرة التفاسير" (2/ 922، ط. دار الفكر العربي): [فتفسير "روح القدس" بالإنجيل تفسير يؤدي إلى تأييد جزئي، أما تفسيره بجبريل الأمين فهو تفسير يؤدي إلى تأييد أوسع شمولًا] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: روح القدس الأنبياء صلى الله علیه وآله وسلم القرآن الکریم الروح القدس قوله تعالى الله تعالى سیدنا محمد الروح على وهو الذی أن الله ٱل ق د س فی قوله هو الذی فی ذلک من غیر
إقرأ أيضاً:
الزكاة.. حق لا يقبل التأخير
حثّ الله تعالى على المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة في أداء الطاعات والعبادات، لننال أعلى الدرجات، ونحصل على أعظم الأجور والهبات، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، ومن تلك الأعمال والواجبات إخراج الزكاة، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين).
والزكاة مِن العبادات التي متى ما توفرت شروطها وانتفت موانعها، وجب على المكلَّف بها المبادرة بإخراجها، وعدم تأخيرها، لأنها حق يجب صرفه لمستحقيه فوراً، فإن أخّرها بغير عذر، ولغير حاجة أَثِمَ، لقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) وَالْأَمْر عَلَى الْفَوْرِ.
فالمبادرة في إخراج الزكاة في وقتها، ومن دون تأخير أسلمُ للمكلَّف، لأن التأخير يجرّ عليه آفات وتبعات من جراء تراكم الواجبات، فيستثقل إخراجها، ويعجز عن النهوض بها، والله يقول: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، وقد يعاجله أجلُه قبل إخراجها في وقتها، فيكون قد قصّر في أداء ركن من أركان الدين، ويعتبر من الكانزين الذين قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
ولا يعتبر تأخيرها لإدراك فضيلة الوقت مسوغاً شرعياً، كأن يحين وقت إخراجها فيؤخرها لشهر رمضان أو لغيره من الأيام الفاضلة، فإنّ أفضل وقت تدركه فيه الزكاة هو وقت وجوبها، فلا يجوز تأخيرها عنه.
فبادر يا من وجبت في ماله الزكاة بإخراجها فوراً، من غير تسويف أو تأخير، لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ».
ولا بأس أن يخرج المرء زكاته بنفسه، أو عن طريق من يوكّله، من الجهات المختصة في الدولة التي تعمل في خدمة فريضة الزكاة، وصرفها على مصارفها، لتعزيز السعادة والتلاحم المجتمعي.. إذ إنَّ المسارعة في العبادات دليل على رجاحة العقل وسلامة الدين، ومن تلك العبادات فريضة الزكاة التي لا يجوز تأخيرها عن وقتها. والزكاة بركة ونماء للمال، ينمو بها المال ويكثر ولا ينقص، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ...»، وهي حصن منيع تحفظ المال من التلف والضياع، فقد ثبت في الحديث أن الملائكة تدعو كل يوم للمتصدقين والمنفقين بالنماء والبركة، وللممسكين بالتلف والضياع، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
أثر كبير
للزكاة أثر كبير على الفرد والمجتمع، فعلى مستوى الفرد نجد أثرها في تزكية نفسه وتطهيرها من البخل ومن الطمع وغيرها من الأمراض، قال جلّ في علاه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وعلى مستوى المجتمع نجد أثرها في تحقيق الموازنة في المجتمع، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وهي سبب لنزول الرحمة على المجتمع ككل، قال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).