تعتمد ايران على جملة مقاربات سياسية وعسكرية واقتصادية تلخص قرارها المتساوق مع امكاناتها ورؤيتها الاستراتيجية التي تعطي لها الضرورة الحتمية بخوض الحرب من عدمها و " أهل مكة أدرى بشعابها "، لكن تعدد زوايا الرؤيا يحيل الى تعدد القراءات لهذه اللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة وظروف الحرب القائمة في غزة وآفاقها ، كذلك اطرافها المهمة امريكا واسرائيل وايران بكونها الطرف الغاطس الظاهر .
ايران أمضت في مشاريع التصنيع العسكري نحو عشرين سنة أو أكثر ، وكثيرا ما قامت باستعراض صناعاتها الحربية المتفوقة "بحسب ادعائها " كالصواريخ والمدافع واسلحة القتال البحرية أضافة الى تميزها بصناعة المسيرات التي غذت بها روسيا في حربها ضد اوكرانيا ، بمعنى آخر أنها اليوم عبارة عن ترسانة حربية هائلة تمولها وتخولها لخوض حرب طويلة وعلى جبهات متعددة دون حاجتها لسلاح أو عتاد .
ايران تعيش حصار اقتصادي امريكي وقد اشتد عليها في السنوات الأخيرة ، لكن موقعها الجيوسياسي قد أعفاها من الجوع أو الأزمات التي ضربت بالعراق خلال حصار 13 عاما ، بل استطاعت أن تعوض النقص الفادح بايراداتها وتتنفس اقتصاديا من خلال الرئة العراقية .
حرب غزة بعد شهر من انطلاقها كشفت عن ضعف الماكنة الحربية الاسرائيلية في احراز نصر يتناسب مع ضخامة ماكنتها ، كذلك كشفت امريكا عن تآكل الدعم الامريكي لاسرائيل وصارت تضغط على اسرائيل لقبول إيقاف الحرب والتفاوض، بخلاف الاستعدادات التي ابدتها في الأسبوع الأول .
فتح جبهة ثانية مع اسرائيل سوف يعجّل بمشروع قبولها لمنطق التفاوض والسلام ، وإذا تم فتح جبهتين واقصد بهما الجبهة اللبنانية والجبهةالسورية، فأن الوضع سيكون قابلاً حتى لفرض شروط على اسرائيل مقابل إيقاف الحرب .
هل تقف امريكا وبريطانيا وفرنسا واساطيلهم صامتة ساكنة أمام حليفتها وقاعدتها المركزية بالشرق الأوسط (اسرائيل) ؟
الجواب / بالتأكيد كلا ، بل ستقوم بتوجيه صواريخها لضرب مقرات القيادة والاتصالات في سوريا وحزب الله وأخرى ستتجه نحو المواقع الايرانية ، سوف تتسع الحرب ويكون بإمكان القوات البحرية الإيرانية غلق مضيق هرمز ومنع تصدير 40٪ من نفط العالم ، وتوقف حركة التجارة في نصف العالم ، عندها سيقف العالم كله ضد الحرب خصوصا وأن العالم يدخل فصل الشتاء واشتداد الحاجة للوقود !؟
بإمكان ايران وهي تحمل ذاكرة مثقلة بالثأر من اسرائيل وامريكا بعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وسرقة الارشيف النووي واغتيال كبير علماء الملف النووي الايراني اضافة الى قصف مواقعها المتواصل منذ سنوات، بأمكانها أن تحرج امريكا احراجا شديدا في الخليج العربي وتهديدها بضرب قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة ، تشاركها في ذلك عشرات الميليشيات التابعة لها، في حال تعرضها لضربات مؤثرة من قبل القوات الامريكية .
حديث زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله " اتخذنا العدة لمواجهة اساطيلكم " إشارة على استعداد الصواريخ الايرانية والروسية في لبنان وسوريا على لعب دور في إنجاز حرب بأقل خسائر مادية لقاء مكاسب سياسية وإنهاء الإستهتار الصهيوني في الشرق الأوسط، وفرض ماتطلبه الجهات الفلسطينية من تعويضات وتحقيق حل الدولتين الذي وافق عليه زعيم حماس السيد اسماعيل هنية في آخر تصريحاته الواقعية .
القراءة المقاربة تأخذنا الى أهمية أن تفكر ايران بفتح جبهات الحرب مع اسرائيل وامريكا سيما وأنها في تحالف مع روسيا التي لن تتأخر عن دعم ايران في حال اندلاع هذه الحرب ، لكن أوضاع ايران الداخلية وازماتها المتعددة خصوصا الاقتصادية والإجتماعية، واتساع المعارضة للنظام عوامل فاعلة تدفعها للتحفظ وعدم الاندفاع لإتساع الحرب أو الخوض فيها كطرف رئيسي وممول لبقية الجبهات .
أخيرا فأن عدم الاشتراك في الحرب لن يعفي ايران من العقوبات المقبلة وبكلف عالية جدا، لأنها تمثل مواقف وتحركات حزب الله اللبناني، كذلك اتهامها الثابت بتمويل حماس والجهاد والتنسيق معهما ، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة في حال إنتهاء الحرب وتمكنت فيها اسرائيل من تنفيذ مشروعها التدميري لقوات حماس .
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي
إقرأ أيضاً:
غربال الثورة الناعم
غربال الثورة الناعم
حيدر المكاشفي
لفت انتباهي مقال نشر مؤخرا لصديقنا وزميلنا الأصغر وائل محجوب، جاء في مقدمته أنه في مرحلة الثورة وما تلاها من حكم انتقالي، برزت وجوه محددة لعبت دورا متصلا وكبيرا، في إضعاف أي مجال للتقارب أو الحوار بين مختلف قوى الثورة، عبر شيطنة الناس وتبني الشائعات، وتسميم أجواء المجال العام، وتدني لغة الحوار بالسب والشتم لرموز وشعارات القوى المختلفة، وكانت وجهة نظري وقتها أن كثير من هذه الأصوات تؤدي أدوارا معلومة، وسينكشف أمرها يوما ما. وبعد اندلاع الحرب، تمايزت الصفوف وخرج من بين صفوف الثوار من حمل السلاح ضمن صفوف المقاومة الشعبية، وهجر أخرون السلمية وتبنوا الدعوة للحرب والتعبئة لها، بينما مضى أخرون بشكل أكثر وضوحا نحو كتائب البراء ابن مالك، ومعلوم انها كتائب للحركة الاسلامية، وضالعة بحسب أكثر من تصريح لقادتها في مهاجمة الثورة، ويشتبه في كونها من ضمن قوات القناصة التي أردت كثير من الشهداء، وصار كثير من هؤلاء الثوار “السابقين” “يردد أمن يا جن.. ومثلما كشف الله ستر كثيرون ممن عادوا لقواعدهم بعد الحرب، هاهو مؤتمر الميثاق التأسيسي الذي انعقد بنيروبي، يخرج البقية الباقية ممن تدثروا طويلا بشعارات رفض الحرب..
ما ذهب اليه الزميل وائل يعيد الى الذاكرة الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله (أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)، وهذا هو بالضبط حال ثورة ديسمبر المجيدة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الغاشم وحرب أبريل القذرة تعكف على نفي خبثها وغربلة صفوفها، وما خبثها الا اولئك المتملقين والمنافقين والمتذبذبين الذين ما اعلنوا انحيازهم للثورة الا على سبيل الملق والنفاق والمراء، وبدا واضحا انهم لم يؤيدوا الثورة الا لمنصب يصيبونه أو فائدة يجنونها، فما ان اعلن الانقلابيون سيطرتهم على الأوضاع ومن بعده حربهم اللعينة حتى انقلبوا معهم ولذات الاهداف الرخيصة، فصاروا مثل (فسية) تقرأ ذيل الديك التي تميل حيث تهب الهبوب، ولو كان للانقلاب والحرب من حسنة وحيدة ان كانت لهما حسنات، فهي أنهما فرزا الخبيث من الطيب والثوار الحقيقيون من ادعياء الثورة، وهذا ما يمكن الثورة والثوار الآن من نفي خبثهم كما ينفي الكير خبث الحديد وغربلة صفوفهم، ودنس الثورة وخبثها يجسده هيجان بعض من يدعونها من الذين لا يتحلون بأدبها ولا أخلاقها، ويأبى الله إلا أن يفضح مدعيها هؤلاء على رؤوس الأشهاد، وتلك سنة الله في اهل الملق والنفاق ولابسي ثياب الزور.. لقد كانت ثورة ديسمبر ولا تزال وستظل هي أعظم ما فعله السودانيون عبر تاريخهم الحديث، وهي ثورة طاهرة ستنفي خبثها وتنقي صفوفها، ولا يصلح أن يتصدى لحمل لوائها والدفاع عنها والسعي لاستعادتها، إلا من أخلص لها وآمن بمبادئها وضحى في سبيلها، وإذا كان البعض قد خذل الثورة أو خانها، وارتمى في أحضان الانقلابيين وحلفائهم من الكيزان وفلول النظام البائد، وأصبح أداتهم لاجهاضها، فإن هناك الغالبية الكاسحة من المخلصين للثورة ومبادئها والعاضين عليها بالنواجذ، والذين لن يقبلوا ان يعطوا الدنية في ثورتهم ولا في مبادئهم رغم كل ما تعرضوا له وسيتعرضون له من قمع وتنكيل، ولا يزالون يبذلون وسيظلون يبذلون ما في وسعهم دفاعا عنها في وجه هذه الهجمات التي تتعرض لها بلا كلل ولا ملل ولا يأس، فاليأس خيانة للثورة ولشهدائها، وفي تجارب التاريخ العبرة والمثل، فأصحاب كل القضايا العادلة لم ييأسوا في معاركهم طلبا لحقوقهم مهما تطاول عليهم الأمد، قرأنا ذلك في قصص الأنبياء والمرسلين، وقرأناه في تاريخ الشعوب، بل في تاريخنا الوطني ذاته، فالاصرار على استمرار فتنة هذه الحرب اللعينة المهلكة ماهو الا هو دليل خوف وليس دليل قوة، لأن هذه الحرب استهدفت بالأساس ثورة الشعب وليس المليشيا بدلالة كثير من الشواهد والمواقف والتصريحات والتلميحات، وهذا وضع لا يمكن له الاستمرار طويلا لأنه ضد طبيعة الأمور، وستظل بحول الله ثورة ديسمبر صامدة في وجه الثورة المضادة التي أرادت وأدها، وهو صمود مرشح للاستمرار ومن ثم النجاح لأن صبر الشعوب يفوق كثيرا قدرات أنظمة الحكم مهما بلغ جبروتها، وها هم أبناء الثورة، شبابها وكنداكاتها المخلصين يسطرون ملاحم في الصمود والتمسك بمبادئ ثورتهم والدفاع عنها، لا يضرهم من خذلهم أو خانهم، كما أنهم يزدادون وعيا بالمشهد من حولهم، ويحسبون خطواتهم، وهم يراهنون بالأساس على شعبهم، فارادة الشعب دائما هي الأقوى والردة مستحيلة..
الوسومالإنقلابيون الثورة حيدر المكاشفي وائل محجوب