من البندقية الى معارك الردع.. هذا صُنع المقاومة
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
من بنادقَ متواضعة ومُواجهاتٍ فردية ضمن نطاق جغرافيّ ضيّق، انطلقت ملاحم صدّ الاعتداءات الصهيونية على لبنان. منذ اليوم الأوّل للاحتلال، تلقّى الصهاينة ضرباتٍ مُتلاحقة شكلًا ومضمونًا. خَبِرَ أصحاب الطلقة الأولى شيئًا فشيئًا كيف يوجعون العدوّ. سنواتٌ أربعون وما زاد، ثقلت فيها قدرتهم وقوّتهم حتى أضحى الصهاينة مرضى نفسيين يخشون ما ينتظرهم في الجبهة الشمالية.
معركة البداية
في كلّ مراحل نِزَال المقاومة، عَرَفَ العدو أنواعًا مُتدرّجة من التصدّي دفاعًا عن الأرض والعرض. الكلمة على رأسها، القول لا لكلّ ما يخرج من مخططات تدمرية وفتنوية يراد لها أن تصبح أمرًا واقعًا رغم إرادة الشعب كما كان حال المتظاهرين الجنوبيين الذي هبّوا عام 1982 على طريق الزهراني الساحلي لرفض الاحتلال.
العام نفسه، مواجهة خلدة الى الصدارة، أُمّ المعارك التي أسّست فعليًا للردع القادم من لبنان. رئيس أركان جيش العدو أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان رافائيل ايتان وصفها بأصعب المعارك في حرب لبنان الأولى. مقابل قوات العدو المؤلّفة من ألوية المُشاة والمظلّيين، وغولاني والمدرّعات والطيران، وسلاح البحر مدعومًا بالاستخبارات، خرجت ثلّة من الشباب المؤمن مُلتزمين بتكليف الإمام الخميني (قده) لقتال رتْل القادمين لاحتلال بيروت.
على مدى 3 ساعات متواصلة بلا تعبٍ أو إعياء، أجهز المقاومون على الصهاينة في الشوارع والمباني ومن مسافة صفر الى أن استطاعوا دحرهم بأسلحة بسيطة، والخلاصة كانت: منعهم من التقدّم والمُضيّ في مشروع احتلال العاصمة.
ولادة الكاتيوشا
في التسعينيات، أخذت المواجهة مع العدو طابعًا مُتطوّرًا. الكاتيوشا حينها قضّ مضاجع الاحتلال ومستوطناته. السلاح والعتاد لدى المقاومة يزداد، فيما يستقوي الصهاينة بغارات طائراتهم. 7 أيّام حرب متواصلة خاضها المُجاهدون عام 1993 لصدّ اعتداءات الاحتلال، سمّاها الأخير “تصفية الحساب”، إلّا أن الحساب الحقيقي الذي سُجّل في دفتر الصراع أن المقاومة الإسلامية فرضت منطقها: صواريخنا بوجه آلات قتلكم. لا شيء يحدّ من قدراتنا ومن إرادتنا في ردع الصهاينة. عملياتها لم تخبُ درجةً وظلّت على مسارها التصاعدي.
حرب عصابات ونهاريا وكريات شمونة في واجهة الأهداف
عناقيد الحقد في نيسان 1996. العدو يُشغّل مجدّدًا آلة المجازر. المقاومة في المرصاد.
يتزايد الغضب الصهيوني جرّاء تكثيف ضربات المجاهدين في كلّ المحاور وبوجه العملاء اللحديّين. عشرات الملاحم تُسطّر في المنطقة الجنوبية المحتلّة فاقت الأربعين عملية شهريًا توزّعت على قرى بيت ياحون وكونين وطيرحرفا وخلّة ميفيدون والجرمق وجزين وأرنون والشقيف وحولا ومركبا وصولًا الى عمق الشريط المحتلّ في تلك المرحلة. نشاطٌ عسكريٌّ مُتصاعد دفع قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال آنذاك عميرام ليفين الى التحدّث عن تدريبات يجريها الجنود الصهاينة للمرة الأولى تُحاكي حرب عصابات مع مُجاهدي حزب الله.
مجازر كثيرة ارتكبها الاحتلال في تلك الفترة، قانا والمنصوري أشهرها، لكنّ الخلاصة التي انتهت إليها المواجهة ثبّتت معادلة ردعٍ متقدّمة. لم تضعف وتيرة العمليات، لم يتمكّن الاحتلال من ضرب قيادة المقاومة. مدى صواريخ الكاتيوشا توسّع ليشمل مستوطنات جديدة كنهاريا وكريات شمونة.
غزارة في العمليات.. المقاومة تؤلم العدو وتُحرّر الوطن
في العام 2000 وقُبيل تحرير الجنوب، الصورة أوضح وأقسى بالنسبة للصهاينة. الى أن اكتملت الهزيمة، أخذت المواجهة مع العدو طابعًا مؤلمًا. الضربات تتوالى. التحصينات الصهيونية المتطوّرة في مرمى نيران المقاومة وعبواتهم وكمائنهم وكذلك الرادارات المُخصّصة لرصد تحرّكات المجاهدين. تغيّرت القواعد تباعًا.
اقتحامات المواقع تتلاحق من البياضة الى الحردون الى العزّية وغيرها. الأسر أيضًا كان حاضرًا في أساليب المقاومة.
مواقع جيش الاحتلال وعملائه تتلقّى ضربة تلو ضربة. العبّاد والطهرة وسجد ومشعرون وعرمتى والطيبة شكّلت عبئًا وضغطًا مُتفاقمًا على قيادة المنطقة في جيش الاحتلال.
333 عملية نفذّها المقاومون في أيار وحده، قبل أن تتكامل مع جُهدٍ خارق أدّى الى إجبار العملاء اللحديّين على الفرار من مواقعهم في القرى المحتلّة من بئر كلاب، بركة الدجاج، ثكنة الريحان، تلة هارون، مرج حولا، قيادة فوج السبعين في القبع، العبّاد، الجاموسة، شلعبون، العيشية، حداثا، الزفاتة، بلاط، الشريقي، المحيسبات، ضهور الكسّارة وبرعشيت، الى أن أمْسَت بلدات الطيبة ودير سريان والقنطرة، وعلمان وعدشيت القصير وبلدات ميس الجبل، ورب ثلاثين، ورشاف، وبني حيان، بيت ياحون، محيبيب، وبرعشيت وطلوسة، ومركبا، وحولا، والعديسة، وكونين مُحرّرة بفعل إجهاز المقاومة على الصهاينة وعملائهم، وأصبح كلّ الجنوب اللبناني فارغًا من أيّة قوة صهيونية أو عميلة.
الترسانة الصاروخية تتقدّم
2006 المعادلة تتبدّل. الحقّ ينتزع بالقوة. الأسرى عنوان عمل المقاومة. الوعد الصادق يتحقّق، وأسْر جندييْن صهاينة في عملية مباغتة للعدو في “خلّة وردة”. 33 يومًا خاضها المجاهدون لكسر العدو وتسطير معادلات ردع بالجملة عمادها العتاد العسكري والعامل النفسي. المقاومة تضع صواريخَ جديدة في معاركها. تطوّرٌ نوعيّ أرهب العدو ولم يدع له مجالًا للانتصار. سلاح الجو الصهيوني يُعيد عرض عضلاته بالقصف والغارات والتدمير والقتل، والمقاومة تترك ترسانتها الصاروخية (غير الموجّهة) تصنع المشهد، من غراد (مدى بين 5 و35 كلم) وفجر 3 و5 (مدى بين 45 و75 كلم) وزلزال 1 و2 وخيبر 1 (مدى بين 100 و180 كلم). مستوطنات ومدن عدّة عرفت هذه الصورايخ للمرة الأولى في هذه الحرب: طبريا – حيفا – العفولة – الناصرة- عكا- نهاريا- رامات ديفيد – بيسان – الخضيرة.
الردع ثابت
الردع الذي أسّس له حزب الله في 2006 آتى أُكُله في المرحلة اللاحقة. الاحتلال أطلق في أكثر من مواجهة محدودة مصطلح “معركة بين الحروب”. الصورة تجلّت في مزارع شبعا عام 2014، ثمّ في 2015 عندما انتقمت المقاومة لشهداء القنيطرة الذين اغتالهم العدو، مُستهدفة موكبًا عسكريًا صهيونيا مؤلّفًا من عددٍ من الآليات بالأسلحة الصاروخية.
ظلّت العمليات اللغة السائدة، ففي 2019 استهدفت المقاومة آلية عسكرية صهيونية في مستوطنة أفيفيم. عام 2020، أَعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن معادلة مختلفة. تهديدٌ علنيّ أربك العدو لأسابيع اضطرّته الى إخلاء مواقعه الحدودية مع لبنان والاستعاضة بالدُمى ووضعها في آلياته العسكرية. عقب كلّ هذا، شنّ حزب الله حربًا على المُسيّرات وطائرات التجسّس الصهيونية ، فلم يعد مرورها آمنًا في الأجواء اللبنانية.
نوعٌ جديدٌ من المعارك
يقول السيد نصر الله في خطاب 3/11/2023 “إننا اليوم أمام معركة حقيقية مُختلفة عن كلّ المعارك التي خاضتها المقاومة في لبنان، سواءٌ قبل عام 2000 أو في عام 2006 وما بعدها، معركة مُختلفة من نوع آخر، في ظروفها، في حيثيّاتها، في عناوينها، في أدواتها، في استهدافاتها، في إجراءاتها”.
يرى بعض المُحلّلين أن ما يجري ليس معركة بين الحروب، وليس جولة قتالية محدودة. كلّ شيء اليوم مُعاكس. معركة جديدة أدبيّاتها حيّة ومُتواصلة، نتائجها جارية، تداعياتها مباشِرة ومُتدفّقة في كيان العدو في كلّ دقيقة. كيف ستنتهي؟ قد يكون من المُفيد جدًا قراءة صحافة الاحتلال التي تحسم الجدل: مستقبل بنيامين نتنياهو انتهى وزمن نكبات كيان “اسرائيل” بدأ.
موقع العهد الاخباري/ لطيفة الحسيني
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
جيش العدو يستبيح سوريا.. والخطاب المتصالح لا يردعه!
لا شك أن موقف “الحكم الجديد” في سوريا من العدوان الصهيوني الشامل على أصول الجيش السوري، والتوغل والاحتلال للمنطقة العازلة والسيطرة على مناطق جديدة في العمق السوري، والذي تمثل في توجيه خطاب متصالح مع هذا العدوان والإعلان عن عدم وجود نية للاشتباك مع “إسرائيل”، هو تحديث استراتيجي دراماتيكي على الموقف السوري التاريخي من الصراع، لا يقل دراماتيكية عن التحديث الذي قام به قائد الحكم الجديد على اسم تنظيمه ولقبه الشخصي.
والجولاني (مؤسس جبهة النصرة المصنفة دوليًا منظمة إرهابية) بعد تحديث اسمه بالتخلي عن الكنية التي أدخلته تحت تصنيف الإرهاب، واستبدالها باسمه “أحمد الشرع”، وبعد تحديث تنظيمه بالتخلي عن “جبهة النصرة” لـ”هيئة تحرير الشام”، أثبت أن الشرعية الدولية لحاكم سوريا على صلة وثيقة بالموقف من الصهاينة، وأن الشرعية باتت مفهوماً انتقائياً تماماً كتوصيف الإرهاب الذي أصبح كالقفاز يسهل خلعه أو ارتداؤه وفقاً لاسم التنظيم أو القائد شكلاً، ووفقاً للموقف من الصراع مضموناً.
لقد أكد التوغل الصهيوني في المنطقة العازلة وانتهاك وإنهاء اتفاق فض الاشتباك مع سوريا الموقع منذ العام 1974م، والتوغل لمسافات مضافة باتجاه ريف دمشق وكذلك السيطرة على كامل جبل الشيخ والاقتراب من لبنان والإشراف الكامل على البقاع وقطع طرق الإمدادات للمقاومة، مع الصمت الأمريكي والدولي، صحة ما قاله الإمام السيد الخامنئي من أن الأحداث كانت برعاية غرف أمريكية وصهيونية.
كما أثبت الانتهاك التركي المستمر للشمال السوري والذي يستعد لعملية كبرى مرتقبة كشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الدولة الجارة التركية كانت على صلة وثيقة بغرفة العمليات الصهيو أمريكية، فقد أفادت الصحيفة أن القوات التركية والموالية لها، والتي تشمل قوات كوماندوز تركية ومدفعية بأعداد كبيرة ومقاتلين من فصائل مسلحة، وتتركز قرب عين العرب (كوباني)، تستعد لعملية كبرى وشيكة نقلاً عن أحد المسؤولين الأمريكيين.
وبالتالي نحن أمام تحول استراتيجي خطير يثبت أن الأمر قد يتخطى تقاطع المصالح الصهيونية مع ما حدث أو مجرد توظيف واستغلال لسقوط النظام، بل إن هناك ما هو أكبر وما قد يصل لرعاية كاملة لإيصال هذا النظام تمهيداً للتوغل والاحتلال، ومن ثم استخدام ورقة المنطقة العازلة التي جرى احتلالها لابتزازه بغرض تقديم كامل الضمانات لأمن الكيان.
وهنا تجدر ملاحظة عدة نقاط:
1 – إسباغ أمريكا الشرعية على منظمة سبق أن وصفتها هي وقائدها بالإرهابية يعني أن الغنيمة كبيرة، وتتمثل في نقل سوريا إلى ضفة أخرى مختلفة جذرياً عن تموضعها الاستراتيجي في محور المقاومة وهو ما تؤيده الشواهد من استثمار صهيوني سريع ورد فعل باهت ومتصالح من جانب نظام الحكم الجديد.
2 – هناك تناغم واضح بين التصريحات الصهيونية ومراميها وبين تصريحات الجولاني، وكلاهما يصب في كسب مزيد من الوقت لتكريس أوضاع جديدة تتسق مع مشروع الشرق الأوسط الجديد بجوانبه الحدودية التي ترمي إلى زيادة مساحة “إسرائيل” والتي أشار إليها الرئيس ترامب الذي يرغب في زيادة مساحتها متجاوزاً القرارات الدولية، وكذلك تنظيف الطوق الصهيوني من المقاومات وجعل حدودها آمنة. وهذا الرهان على الوقت أبرزته تصريحات نتنياهو في زيارته لجبل الشيخ عندما قال: “إن القوات الإسرائيلية ستبقى متمركزة داخل سورية في المستقبل المنظور، وأن “إسرائيل” ستظل في المنطقة حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل وفي المستقبل، ستحدد إسرائيل أفضل ترتيب يضمن أمننا”.
وهو ما يتناغم مع حديث الجولاني، إلى “تايمز” ووسائل إعلام دولية أخرى في دمشق، عندما قال إن أولويته هي استقرار البلاد وإعادة بنائها قبل أي انتخابات، والتي وصفها بأنها “بعيدة المنال الآن”، وهذا الاستبعاد للانتخابات وانتقال السلطة يشي بأمرين، أولهما إنه قابض على السلطة لفترة طويلة وهو المشرف على الترتيبات مع الصهاينة في الفترة القادمة، والثاني، هو أن استبعاد الانتخابات يعني استبعاد ما هو أكبر وأهم وهو استعادة الجيش وصياغة الاستراتيجية الدفاعية ومواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” والتوغلات تحت بند عدم وجود فرصة لهذه المواجهة لحين الاستقرار في أجل غير مسمى!.
وقد أرفق الجولاني تصريحاته هذه بتصريحات موجهة للصهاينة تؤكد خلو سوريا الجديدة من المقاومة وأنها ستشكل طوقاً آمناً للكيان عندما أكد عدم نية النظام الجديد في سوريا مهاجمة “إسرائيل”، والتي قال عنها إنها: “فقدت ذرائع التدخل العسكري في سوريا”، داعيًا إياها إلى “إيقاف غاراتها الجوية على سوريا، وسحب قواتها من الأراضي التي سيطرت عليها وأنه لن يسمح باستخدام البلاد نقطة انطلاق لهجمات ضد “إسرائيل”، أو أي دولة أخرى”.
3 – أكدت الأحداث أن كلفة المقاومة أقل كثيراً من كلفة الاستسلام، حيث تردد العدو “الإسرائيلي” طويلاً في استهداف الأصول العسكرية السورية بسبب معادلات الردع والاحتفاظ بخيار المقاومة، بينما استباح جميع الأصول العسكرية بمجرد التقاط الإشارة بعدم نية المواجهة، وهو ما يثبت صحة خيار المقاومة وأن الحياد أو خيار السلام لن يمنع العدو من العدوان، لأن السلام بمفهوم العدو هو الضعف وعدم امتلاك أي قوة أو معادلة ردع والهدف الحقيقي هو تفريغ المنطقة من أي قوة تهدد الكيان مهما كانت وديعة ومسالمة.
من هنا كان خيار المقاومة هو مساندة أي نظام مقاوم في سوريا، لأن المقاومة تعلم أن مجرد رفع راية المقاومة والاحتفاظ بخيارها هو رادع للكيان ومقيد لشراسته، بينما التلويح بالسلام كفيل بالقضاء على الدولة السورية وعلى خطوط إمداد المقاومة وافتراس كل من يحاول حتى الدفاع عن سيادته ومنع الاستباحة الصهيونية.
وهو ما أكدته الطريقة التي تلقف بها الكيان تصريحات الحكم الجديد في سوريا، حيث تلقت “إسرائيل” هذه التطمينات بخبث شديد، فبدأت مساراً مزدوجاً للتمكن من شرعنة احتلالها وتوغلاتها وتدميرها للقوة العسكرية السورية (إلقاء نحو 1800 قنبلة على أكثر من 500 هدف وتدمير بين 70 و80 % من القدرات العسكرية للجيش السوري)، وهذا المسار تمثل في استخدام الحكم الجديد كفزاعة لتبرير الاستباحة (وصفت نائب وزير الخارجية “الإسرائيلي” شارين هسكل «أبا محمد الجولاني» بأنه «ذئب في ثوب حمل»)، وكذلك إبداء الحياد وطمأنة الداخل الصهيوني من خلال مقابلات أجريت، على مدى الأيام السابقة، مع معارضين سوريين، أعربوا صراحة عن أنهم لا يريدون حربًا مع “إسرائيل”؛ لا بل يتمنون أن يروا مراسلًا لقناة “إسرائيلية” يبث رسالته من قلب دمشق.
كما جاء على لسان نتنياهو نفسه كلام لافت عندما قال إنه وجه الجيش بـ«السيطرة على المنطقة العازلة وعلى مواقع السيطرة القريبة منه، وفي موازاة ذلك، نعمل من أجل جيرة حسنة، كتلك الجيرة الحسنة التي نفذناها وننفذها هنا عندما أقمنا مستشفى ميدانياً للعناية بآلاف السوريين الذين أصيبوا في الحرب الأهلية، وقد وُلد مئات الأطفال السوريين هنا في إسرائيل».
وهو خيط التقطته وسائل الإعلام العبرية بلقاءات مع الخبراء الصهاينة المتابعين للملف السوري منذ بداية الأحداث في 2011م، حيث تناول المتحدثون التاريخ الطويل للعلاقات “الإسرائيلية” مع طرفي الصراع في سوريا، النظام من جهة والمعارضة من جهة ثانية، وكيف طلبت عناصر في المعارضة الدعم وحتى السلاح من “إسرائيل” في سنة 2011 – 2013م، مقابل الوعد باتفاق سلام يتم بموجبه تأجير الجولان المحتل لـ”إسرائيل” 15 سنة. وتبين لاحقاً أن بين من عالجتهم “إسرائيل” جرحى “جبهة النصرة”، الأمر الذي أثار الدروز في “إسرائيل” الذين كانوا يناصرون الدروز في السويداء، بعدما هاجمتهم “جبهة النصرة”، كما أفادوا بأن «هيئة تحرير الشام» وعدت بإقامة «علاقات سلام عميقة مع إسرائيل»، بينما تعهدت تركيا بألا توجه أسلحة المعارضة لـ”إسرائيل”، بينما سعت أمريكا لإقناع “إسرائيل” بأن قائد «تحرير الشام» أبا محمد الجولاني رجل منفتح، وقد تغيرت مواقفه وبات يؤيد “الإسلام المعتدل”.
هذه التطورات تؤكد صوابية بوصلة المقاومة في لبنان عندما تربط مواقفها وعلاقاتها بالدول بالموقف من الكيان “الإسرائيلي” وعندما تحتفظ بخيار المقاومة مهما كانت التضحيات حيث ثبت بالوقائع أن ترك السلاح هو إيذان بالاستباحة الكاملة وتدمير جميع المقدرات، وتبقى الأوضاع أمام أسئلة مفتوحة عن طبيعة ما حدث في سوريا وعن تطوراته وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة بعد هذا “الثوب السوري الجديد”؟.