٦16 شهرا مرت على الحرب الروسية الأوكرانية، تحولت خلالها إلى مواجهة بين الغرب وروسيا تستهدف كسرها عسكريا في ميدان المعركة، واقتصاديا بالعقوبات والاستنزاف المالي، وسياسيا بالنبذ الدولي. وفي ضوء غياب مؤشرات على نهاية قريبة للحرب، يصبح السؤال عن مدى تأثر الاقتصاد الروسي بها أكثر إلحاحا.
وعلى غير ما يتوقع كثيرون، لا يبدو أن الخزانة الروسية تعاني وضعا مأساويا، بل على النقيض تماما، تواكبت الحرب مع انتعاش اقتصادي تضافرت في صناعته عوامل عديدة، ولم تنجح في الحد منه العقوبات الغربية، وهو ما قد يعني أننا لن نرى نهاية قريبة لهذه الحرب.
ويحاول هذا المقال رصد العثرات التي تعرض لها هذا الاقتصاد، والأسباب التي مكنت روسيا من تجاوزها.
يشير تقرير صندوق النقد الدولي -الصادر في أبريل/نيسان 2023- إلى بعض الآثار على الاقتصاد الروسي، ومن بينها أن النمو الذي كان يشهده عام 2021 بنسبة 5.6% تحول إلى انكماش بنسبة 2.1% عام 2022، ويتوقع لهذا الانكماش أن يتواصل هذا العام مع زيادة طفيفة لا تتجاوز 7 بالألف، ليتقلص العام المقبل إلى 1.3%.
كذلك انتقلت الموازنة الروسية من فائض في 2021 إلى عجز بنسبة 2.2% العام الماضي بسبب نفقات الدعم الذي تقدمه الدولة لتخفيف أعباء التضخم عن المواطنين، ويتوقع ارتفاع العجز هذا العام إلى 6.2%، وأن يتواصل عجز الموازنة حتى عام 2027، لتعود لتحقيق فائض في 2028.
الاحتياطات النقدية والتصنيف الائتمانيأشارت البيانات الروسية كذلك إلى انخفاض قيمة احتياطات النقد الأجنبي مع نشوب الحرب لتصل في سبتمبر/أيلول 2022 إلى 451 مليار دولار بعد أن كانت 630 مليارا قبل شهر واحد من اندلاع الحرب في فبراير/شباط من العام نفسه، لكن هذا النزيف في الاحتياطات أخذ في التراجع بعد ذلك لتبلغ الأرصدة 596 مليارا في أبريل/نيسان 2023، وبذلك فإن مجمل ما خسرته روسيا من أرصدتها الاحتياطية لم يزد على 34 مليار دولار أي 5.5%.
أما أسعار الفائدة، فارتفعت إلى 20% في الشهر الذي بدأت فيه الحرب بعد أن كانت 9.5% قبل نشوبها، لكنها ظلت تتراجع تدريجيا حتى بلغت 7.5% منذ سبتمبر/أيلول 2022 وحتى الآن، ولم يزد معدل البطالة على 2.5% مايو/أيار الماضي.
استفادت روسيا من خبراتها السابقة في مواجهة العقوبات بعد ضم القرم عام 2014، فنجحت في توفير البدائل وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأجيج المشاعر الوطنية، وكذلك في عرقلة خروج المستثمرين الأجانب
سعر صرف العملة الروسية انخفض في اليوم التالي لاندلاع الحرب إلى 87 روبلا للدولار، مقابل 77 روبلا للدولار في بداية الشهر الذي شنت فيه الحرب، وواصل الانخفاض حتى بلغ 120 روبلا للدولار يوم 11 مارس/آذار 2023، ثم أخذ في التحسن، حتى اقترب من 50 روبلا نهاية يونيو/حزيران 2022، ثم عاد ليصل حاليا إلى 84 روبلا للدولار.
وكالات التصنيف الدولية "ستاندرد آند بور" و"فيتش" و"موديز" خفضت جميعها تصنيف روسيا إلى درجة "سي" (C) التي تشير إلى ارتفاع درجة المخاطر، لا سيما بعد العقوبات الغربية المتتالية على البنوك والشركات وعدد من المسؤولين الروس، ومنع حركة الطيران إلى روسيا ومنع التصدير إليها (المنتجات التكنولوجية على وجه الخصوص)، ومنع استفادتها من شبكة "سويفت" (SWIFT) للتحويلات المالية، ووقف أنشطة معظم الشركات الأجنبية داخل روسيا، ووقف استيراد الوقود منها، ومحاولة وضع سقف لتسعير النفط الروسي، سعيا نحو تقليل الموارد الروسية.
خبرة مواجهة العقوباتولكن روسيا استفادت من خبراتها السابقة في مواجهة العقوبات التي طالتها عقب استيلائها على شبه جزيرة القرم عام 2014، واتبعت سياسة البحث عن البدائل والاكتفاء الذاتي وتأجيج المشاعر الوطنية، كما فرضت قيودا على تحركات رأس المال الأجنبي، مما صعب بيع المستثمرين الأجانب لأصولهم الصناعية أو المالية، كما اتبعت سياسة التعامل الخارجي بالعملة الوطنية، وهو الاتجاه الذي تبنته دول "البريكس"، كما أن دولا مثل الصين وإيران لم تلتزما بالعقوبات الدولية وواصلتا تقديم الدعم لروسيا حتى لا تنفرد الولايات المتحدة بالمسرح الدولي.
والمفاجأة أن الصادرات السلعية الروسية -حسب البيانات الروسية- زادت خلال عام الحرب عن العام الذي سبقه، مسجلة ارتفاعا من 494 مليار دولار إلى 588 مليار دولار. وحتى حسب بيانات منظمة التجارة العالمية، فقد ارتفعت تلك الصادرات من 494 مليارا عام 2021 إلى 532 مليار دولار في 2022 (عام الحرب).
وبذلك تكون الصادرات الروسية قد حققت رقما غير مسبوق تاريخيا، حسب منظمة التجارة الدولية، متخطيا الرقم الذي سجلته عام 2012 حين بلغت قيمتها 529 مليار دولار بسبب ارتفاع سعر برميل نفط برنت إلى 112 دولارا للبرميل، وسعر الغاز الطبيعي إلى 11.5 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وفي تصورنا، تُعد زيادة قيمة الصادرات أمرا طبيعيا في ظل طبيعة الصادرات الروسية التي يشكل النفط والغاز الطبيعي والفحم المكون الرئيسي لها، جنبا إلى جنب المعادن والحبوب، فأسعار تلك السلع على وجه التحديد شهدت ارتفاعا بسبب اضطراب سلاسل الإمداد مع اشتعال الحرب، فقد ارتفع سعر برميل نفط برنت من 70 دولارا إلى 94 دولارا، وارتفع سعر المليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز من 16 دولارا إلى 40 دولارا، وحدث الأمر نفسه مع الفحم والقمح وبعض المعادن والأسمدة، وانعكس ذلك كله في شكل عوائد أكبر.
ورغم الحظر الغربي، فإن روسيا تمكنت من تسويق مواردها من الطاقة، أحيانا باللجوء إلى نقل حمولات ناقلاتها النفطية في البحر المتوسط إلى سفن غير روسية تتولى تسويق النفط، أو عبر بيعه إلى دول مثل الهند التي تعيد تصديره إلى أوربا، وغيرها من الوسائل غير المعلنة.
وهكذا حققت التجارة السلعية فائضا بلغ 308 مليارات دولار حسب البيانات الروسية، أو 292 مليار دولار حسب منظمة التجارة العالمية، لتحتل روسيا بذلك الفائض الكبير المركز الثاني بعد الصين التي تتصدر الفوائض التجارية بين دول العالم منذ سنوات، وأسهم ذلك الفائض التجاري في امتصاص العجز المزمن في ميزان تجارتها الخدمية، ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار الحساب الجاري الروسي في تحقيق فوائض حتى عام 2028 مع الثبات المتوقع للأسعار المرتفعة لمنتجات الطاقة في الأعوام المقبلة، وهو ما يعني موارد إضافية تساعد روسيا على مواصلة الحرب.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
تفاصيل المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ضخمة لكييف، بلغت قيمتها 65.9 مليار دولار، شملت أنظمة دفاع جوي وصواريخ متطورة ودبابات ومعدات قتالية متنوعة.
غير أن هذا الدعم دخل مرحلة جديدة، بعدما أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين، قرارًا بوقفه مؤقتًا، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المساعدات الأمريكية وتأثيراتها على موازين القوى في الحرب.
من بايدن إلى ترامب.. تحول في نهج واشنطن
خلال فترة حكمه، تبنّى الرئيس السابق جو بايدن موقفًا ثابتًا في دعم أوكرانيا، مؤكدًا "الالتزام الأمريكي بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها"، لكن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت واشنطن إعادة النظر في سياساتها، حيث اتجه الرئيس الجديد إلى نهج أكثر براجماتية، قائم على ربط استمرار الدعم العسكري بالتزام كييف بخطوات سياسية نحو السلام.
تفاصيل الدعم العسكري الأمريكي قبل قرار التجميد
1- أنظمة الدفاع الجوي
لمواجهة الهجمات الجوية الروسية، زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بثلاث بطاريات من صواريخ "باتريوت" المتطورة، إلى جانب 12 صاروخًا من طراز "ناسام"، وأنظمة "هوك" المضادة للطائرات، وأكثر من 3,000 صاروخ "ستينغر" المحمول على الكتف. كما قدمت واشنطن 21 رادارًا متطورًا لتعزيز قدرات كييف الدفاعية.
2- الصواريخ والمدفعية الثقيلة
أكثر من 200 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم و3 ملايين طلقة مدفعية.
72 مدفع هاوتزر عيار 105 ملم ومليون طلقة ذخيرة.
40 راجمة صواريخ "هيمارس" و10,000 صاروخ "جافلين" المضاد للدبابات.
120,000 سلاح مضاد للمركبات و10,000 صاروخ مضاد للدبابات "تاو".
3- الدبابات والمركبات المدرعة
31 دبابة "أبرامز" المتطورة، و45 دبابة "T-72B" سوفياتية التصميم.
300 مركبة قتالية من طراز "برادلي" و1,300 ناقلة جنود مدرعة.
أكثر من 5,000 مركبة عسكرية من نوع "همفي" و300 سيارة إسعاف مدرعة.
4- الطائرات والمروحيات
رغم رفض واشنطن إرسال طائرات مقاتلة مباشرة، فإنها زودت كييف بـ 20 مروحية عسكرية "Mi-17"، بالإضافة إلى عدة نماذج من الطائرات المسيرة لدعم العمليات الهجومية والاستطلاعية.
5- المعدات الإضافية
أكثر من 500 مليون طلقة للأسلحة الخفيفة.
أنظمة دفاع ساحلية، وألغام "كلايمور"، ونظارات للرؤية الليلية.
أكثر من 100 ألف سترة واقية من الرصاص، وأنظمة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.
ما بعد 20 يناير.. تسليم محدود ودعم مشروط
مع تولي ترامب منصبه في 20 يناير، استمرت واشنطن في إرسال بعض الإمدادات العسكرية، لكنها اقتصرت على الذخائر والأسلحة التي أُقرت سابقًا في عهد بايدن، مثل القذائف المدفعية والأسلحة المضادة للدبابات. لكن القرار الجديد بتعليق المساعدات يُعد نقطة تحول رئيسية، حيث يضع كييف أمام معضلة سياسية وعسكرية.
انعكاسات القرار الأمريكي على الحرب
ضغط على أوكرانيا: قد يدفع القرار الأوكرانيين إلى مراجعة استراتيجيتهم العسكرية والدبلوماسية، خاصة أن الدعم الأوروبي وحده قد لا يكون كافيًا لتعويض المساعدات الأمريكية.
فرصة لموسكو: قد تستغل روسيا هذا التطور لتعزيز مكاسبها الميدانية، مستغلة أي تراجع في القدرات الدفاعية الأوكرانية.
انقسام في الغرب: بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، قد تضطر إلى تكثيف دعمها العسكري لأوكرانيا، بينما قد تتبنى دول أخرى موقفًا مشابهًا لواشنطن، داعية إلى حلول دبلوماسية.
هل هو تعليق مؤقت أم بداية لتغيير استراتيجي؟
بينما تؤكد إدارة ترامب أن القرار ليس إلغاءً دائمًا للدعم، بل تعليقًا مؤقتًا، يبقى السؤال المطروح: هل ستستخدم واشنطن هذا التعليق كورقة ضغط لإجبار كييف على قبول تسوية سياسية، أم أنها بداية لتوجه جديد قد يُفضي إلى إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية في الصراع؟ الأيام المقبلة ستكشف إلى أي مدى سيكون لهذا القرار تأثير على مستقبل الحرب في أوكرانيا.