8 نصائح احترافية.. كيف تتعلّم أصعب العلوم والمناهج ذاتيا؟
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
ما الذي وددت طوال عمرك أن تتعلمه ولم تفعل بعد؟ جميعنا يمتلك أحلام طفولة مخبأة هنا أو هناك في الذاكرة، نتذكرها كلما رأينا هذا العالِم أو ذاك الفيلسوف على التلفاز أو في يوتيوب، البعض أحب الفلسفة، والبعض الآخر ارتبط بالفيزياء، وفريق ثالث عشق تحديدا علم النفس، وددنا أن نصبح رواد فضاء ومهندسي مركبات تسبر أغوار الكون، لكن مع العمر تخفت تلك الأحلام شيئا فشيئا، حتى يأتي يوم وتبدو مجرد خيالات طفولية ساذجة.
لكن مع الطفرة التي حدثت خلال العقد الماضي في التعليم عبر الإنترنت، عادت هذه الأحلام للظهور مرة أخرى كلما رأيت كتابا أو مساقا يغازلها، أصبح التعلم الذاتي بعد أن كان حالة شاذة عن الطبيعي منافسا قويا للتعلم النظامي، لكن في أثناء ذلك كله اتسم الأمر بالبلبلة الشديدة، فرغم أن الملايين يشاركون في مساقات جديدة سنويا، فإن الآلاف فقط مَن يتخرجون فيها، والسبب هو أنه لا أحد يستكمل طريقه في التعلم الذاتي، في هذه المادة نقدم لك ثماني نصائح احترافية تساعدك كي تكون من تلك الفئة القليلة التي أتمت مساقاتها، وتتعلم ما أحببت يوما أن تكون عارفا به.
مهمة واحدة في الوقت نفسه قد تبدأ في أكثر من مساق أو كتاب أو مادة علمية في الوقت نفسه، هذا التشتت لا شك سيُنهي المعركة قريبا بفشل في كل المحاولات. (شترستوك)تبدأ المشكلة الأولى من الميزة الأهم للعصر الرقمي، فإتاحة عدد هائل من المساقات والكتب يُشتتك بطريقتين أساسيتين، الأولى هي أنك تأخذ الكثير من الوقت لتبدأ، تسأل نفسك "ما أفضل مساق؟" لأشهر طويلة، وتتجول بين مجموعات الفيسبوك وحسابات تويتر بحثا عن أفضل شيء، والثانية هي أنك قد تبدأ في أكثر من مساق أو كتاب أو مادة علمية في الوقت نفسه، هذا التشتت لا شك سيُنهي المعركة قريبا بفشل في كل المحاولات، إلا إذا كنت عبقريا، وحتّى ريتشارد فاينمان، أحد هؤلاء العباقرة والحاصل على نوبل في الفيزياء في الستينيات، كان قد قال ذات مرة إنه أدرك أن له قدرا محددا من الذكاء، فقرر أن يصبه في بوتقة واحدة.
أول شيء، كل ما هو مطلوب أن تحدد أنسب المساقات لا أفضلها، فكلها جيدة، صممها متخصصو تعليم ومعظمهم يعتمد على آلية عمل واحدة، الاختلافات تظهر في المساقات المتقدمة لا الابتدائية، لذلك إذا كنت مثلا تود أن تدرس الفلسفة بمستوى طلبة السنة الأولى الجامعية، فاحصل على مساق لطلبة السنة الأولى الجامعية، وانتهى الأمر.
الأمر الآخر متعلق بالتركيز، تخيل معي أن العمل في مهام متعددة يشبه أن تصنع أهرامات صغيرة بحجم لعبة الأطفال، تلك التي تُباع في محال الهدايا، هنا سيُشبه العمل في مهمة واحدة لفترة طويلة من الزمن هرما واحدا لكنه بحجم هرم خوفو في محافظة الجيزة المصرية، الميزة الرئيسية للتركيز هو أنه يرفع قدر استيعابك بصورة متزايدة، بعد 6 أشهر فقط من البدء في مادة ما والتركيز عليها، لتكن مثلا علم الفلك، فإن سرعة استيعابك للجديد بها تتضاعف، وتتمكن من الخوض في مستويات أعمق متعلقة بالرياضيات الجامعية مثلا.
لهذا السبب تحديدا فإن البعض قد يرون شخصا يمتلك فقط خبرة قدرها سنتان في إحدى المعارف، ويظنون أنه يدرس هذا النطاق منذ سنوات طويلة، ذلك لأنهم يقارنون قدراتهم الاستيعابية بصفتهم مبتدئين من الصفر بقدرات استيعابية لشخص قطع شوطا في الأمر، التي تكون عادة عدة أضعاف، فيُنهي في ثلاثة أيام كتابا ينهونه في شهر أو أكثر.
ابدأ من أبسط المصادر تأكد دائما أنك لو لم تفهم الشيء في المرة الأولى فذلك لا يعني أنك "لن تفهمه أبدا"، من الممكن أن تكون المشكلة في المصدر نفسه، قد يكون أكثر تعقيدا من مستواك وتحتاج إلى التراجع قليلا لمستوى أقل. (شترستوك)إذا بدأت في الفيزياء للمرة الأولى بكتاب جامعي مثل "University Physics" أو "Physics for Scientists and Engineers"، فهناك احتمال كبير جدا أن تُحبط سريعا وتفقد اهتمامك وتبحث عن مادة أخرى، الأمر نفسه سيحدث إذا كنت لا تعرف شيئا عن الفلسفة مثلا وبدأت بكتاب يُعَدُّ متوسطا في هذا النطاق لكنه مقدم لطلبة الجامعات، وهو تاريخ الفلسفة الحديثة لوليام كيلي رايت، وهكذا يمتد الأمر لكل النطاقات.
لا حرج أبدأ أن تبدأ من أبسط المستويات الممكنة لأغراض التعلم الذاتي، في الرياضيات على سبيل المثال يُصدم البعض فورا من أول لقاء مع كتب جامعية مثل كتاب "Thomas" في التفاضل والتكامل، لكن هل جربت من قبل أن تنظر إلى كتب المرحلة الثانوية أو حتى الإعدادية في التعليم؟ إنها بسيطة، مقدمة لمستوى مبتدئ، ويمكن بسهولة أن تجد شروحات كثيرة لتلك المناهج عبر يوتيوب أو حتى عبر مدرسين فعليين، في الواقع فإن أفضل بداية ممكنة في الرياضيات تحديدا تبدأ من المرحلة الإعدادية والثانوية.
أضف إلى ذلك أن هناك مستويات متوسطة من الشرح بين الجامعي والثانوي مثل مناهج التعليم المتقدم (Advanced Placement) التي تطرحها مساقات مثل "crash courses" أو سلاسل كتب مثل كتب "at a glance"، و"for dummies"، و"demystified"، وmade ridiculously" simple"، وغيرها.
لهذا السبب تأكد دائما أنك لو لم تفهم الشيء في المرة الأولى فذلك لا يعني أنك "لن تفهمه أبدا"، من الممكن أن تكون المشكلة في المصدر نفسه، قد يكون أكثر تعقيدا من مستواك وتحتاج إلى التراجع قليلا لمستوى أقل، من الممكن أن يكون المصدر من النوعية التي تقدم المعلومة بطريقة مختلفة، كل مرجع له وجهة نظر في الشرح، قد تكون من مُفضلي التجريد والمصدر يعرض المعلومة بطريقة قصصية، من الممكن أن يكون المنهج وصفيا بينما تريد أنت أن تتعلم بالمعادلات الرياضية، بعض المراجع تكون تعليمية والبعض ليس كذلك، في هذه الحالة يفضل أن تسأل مَن سبقوك بخطوة.
استخدم أدواتكلا أحد يتعلم وهو نائم على السرير، يجب أن تندمج وتتفاعل مع المادة التي تتعلمها قدر الإمكان، استخدام أشياء مثل الورقة والقلم أو السبّورة ضروري في هذا السياق، كذلك يجب باستمرار أن تقوم بحل تمارين فيما تريد أن تتعلمه، المساقات تقدم هذه الخدمة، كذلك يمكن لك أن تبحث عن بنوك أسئلة في المواد التي ترغب أن تتعلمها، هذه الأشياء ليست رفاهية كما تظن، الاستغناء عنها قد يرفع من الفترة التي تحتاج خلالها إلى تعلّم شيء ما إلى عدة أضعاف، وفي مستويات متقدمة فلا حل إلا بوجودها.
المساقات أفضل من الكتب المساقات أفضل من الكتب، وإن كانت لا تغني عنها بشكل كامل. (شترستوك)حينما يود أحدهم أن يتعلم عن علم الاجتماع أو علوم التعقّد مثلا فإن أول ما يجول بباله هو أن يحصل على كتاب للمبتدئين، لكن الواقع أن المساقات أفضل من الكتب، وإن كانت لا تغني عنها بشكل كامل، المساقات أعدَّها متخصصون في التعليم، لذلك فهي مرتّبة بمنهجية متدرجة من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا، كما أنها تهتم بالقواعد المنهجية التي يجب أن تتعلمها لتنتقل إلى مستويات أعلى.
على جانب آخر هناك ميزة أهم للمساق وهي الواجبات المنزلية، دعنا مثلا نتأمل مساقا من جامعة ييل وهو "أساسات للنظرية الاجتماعية المعاصرة" للدكتور إيفان سيليني، في نهاية كل محاضرة يعطي الدكتور قراءات للطلبة، صفحات محددة من كتب لنيتشه أو دوركايم أو فرويد، هذه التوصيات هي خلاصة خبرات مؤسس المساق التي تعطيك المادة المعرفية بدون قراءة هذه الكتب كاملة.
لا تقع في فخ البدايات إذا كنت تريد التقدم فقيّم نفسك باستمرار، هل أصبح ما تتعلمه أعمق أو أكثر تعقيدا مما سبق قبل ستة أشهر مثلا؟ (شترستوك)أسوأ شيء هو أن تتجول طوال الوقت في كتب المبتدئين، فتنتقل من "الكون في قشرة جوز" إلى "الكون الأنيق" إلى "تاريخ موجز للزمن" إلى "الواقع ليس كما يبدو"، بالطبع هذا مفيد، لكنه قد يوهمك أنك تُحقق تقدما ما بينما أنت لا تفعل، كل ما يحدث هو أنك تتنقل بين درجات سلم لكنها في المستوى نفسه، إذا كنت تريد التقدم فقيّم نفسك باستمرار، هل أصبح ما تتعلمه أعمق أو أكثر تعقيدا مما تعلمته قبل ستة أشهر مثلا؟
سؤال آخر مهم يجب أن تطرحه على نفسك: هل دخلت إلى مستوى جديد بعد؟ كأن تكون قراءاتك في مستوى كتاب "الكون في قشرة جوز" ثم تنتقل إلى مستوى تبدأ فيه تعلم بعض الفيزياء الفلكية التي تتضمن رياضيات ولو بسيطة، كأن تبدأ بقراءة في تاريخ الفلسفة وتتعرف إلى حكايات الفلاسفة، لكنك الآن أصبحت تمتلك عددا أكبر من الاصطلاحات "التقنية" في جعبتك، كلما ازداد تقدمك في العلوم، أيًّا كانت، ارتفعت حصيلة ما تعرفه من اصطلاحات جديدة.
لكن في تلك النقطة يجب أن نوضح أن الأمر يتعلق دائما بقدر الجهد الذي تبذله، قد تظن أن دراسة علم الاجتماع أو البيولوجيا أو فيزياء الجوامد هي أمر ممتع لأنك شغوف بهذه الأشياء، لكن ذلك ليس صحيحا، ولا تصدق أبدا مشاهد الأفلام التي يتعلم فيها البطل بينما تلعب موسيقى ساحرة في الخلفية، كل التعلّم صعب ومعقد ويحتاج ليس فقط إلى بذل جهد، ولكن إلى تحمّل الإحباط من صعوبة المادة العلمية، لكن المكافأة تكون في لحظة تحقيق أفضل فهم ممكن لتلك المادة المعرفية.
ضع خطة وافشل فيها الأهم في وضع الخطة هو الموعد النهائي للانتهاء مما نود أن نتعلمه. (شترستوك)كلنا نضع خططا ونفشل فيها، وذلك محبط، يحدث ذلك لأن الواحد منّا يخطئ في توقعاته عن نفسه، فيتصور أنه أفضل وأقوى ذاكرة وأكثر ذكاء مما هو عليه، إضافة إلى ذلك فنحن نحسب الزمن بشكل مجرد، فنقول إنه ما زالت لدينا ست ساعات كاملة لأداء هذه المهمة، لكننا ننسى أننا خلال تلك الفترة سوف نقوم بأداء وظائف أخرى صغيرة وسيتشتت انتباهنا أكثر من مرة. بسبب ذلك، نميل إلى التفاؤل في توقعاتنا ونكدس مهام كثيرة في نطاقات زمنية قصيرة ظنا منّا أنه يمكن تحقيقها بسهولة في تلك الفترة.
لكن الأهم في وضع الخطة هو الموعد النهائي للانتهاء مما نود أن نتعلمه، ليكن في الشهر القادم حول يوم 15، ما يحدث هو أننا غالبا ما نتخطّى ذلك الموعد، لكن تلك ليست مشكلة، الفكرة فقط أن تلك الخطط ومواعيدها النهائية تعمل كمنبه داخلّي يذكّرنا دائما أنه يجب أن نتم مهامنا بأسرع وقت ممكن، لذلك "ضع خطة وافشل فيها"، لا مشكلة، اكتب خطتك على ورقة وعلّقها على الجدار أمامك، ذلك الجزء المتعلق بكتابة الخطة على ورقة مهم، لكن هدفه ليس فقط أن تلتزم بالخطة، نحن لا نلتزم بكل الخطط للأسف، ولكن الهدف هو وضوح الرؤية، وخط السير الذي سوف نتّبعه.
الآن نصل إلى نقطة أخرى مهمة، من حين إلى آخر يمكن أن تلتقي بمحاضرات تنمية بشرية أو مساق أو فيديو على يوتيوب يقول: "استذكر دروسك بفاعلية في وقت أقل"، وقد يتطور الأمر لقول جمل مثل: "بلا جهد" و"عدد الساعات لا يهم"، إلخ، كل هذا -في الواقع- أقرب ما يكون إلى الهراء، الفكرة واضحة وبسيطة: كل ثانية مهمة. كلما استذكرت دروسك لعدد ساعات أطول، كان التحصيل أفضل، لكن المشكلة دائما تكون في آلية التحصيل.
انضم إلى مجتمع (شترستوك)انضم إلى مجتمع يحب ما تحب، ليكن مثلا مجموعة فيسبوك لمحبي الطيور أو البرمجة أو علوم البيانات الضخمة، هناك ستجد عددا كبيرا من الذين يتشاركون معك الشغف نفسه، هذا لا يساعد فقط في أن تجد إجابات عن أسئلتك أو شروحات للنقاط التي لا تفهمها، وهذا محتمل جدا، ولا يعطيك فقط فرصة للدخول في نقاشات ثقيلة لها علاقة بتطبيقات ما تتعلمه على أرض الواقع، لكنه أيضا سيُشعرك بالانتماء إلى هذا المجتمع، وقد يساعد في زيادة حماسك للاستمرار، تعلمنا صغارا أن نستذكر دروسنا منفردين، لكن هذا خطأ تماما، التعلم التواصلي هو أهم شيء في بعض الأحيان.
شيء أفضل من لا شيءفي النهاية، يبقى أكثر ما قد يدفع للإحباط والتوقف هو أن تكون "كماليا"، تعمل بطريقة "كل شيء أو لا شيء"، وبالتالي حينما تتطلع لتعلم مادة ما، لتكن مثلا الأنثروبولوجيا، فإنك فورا تتخيل نفسك في مكان عالم كبير، وتتصور أنه يجب أن تنهي الكثير جدا من المساقات والكتب والدراسات لتصل إلى ما تريد، ويجب أن تحصل على "كل" هذا وإلا فلن تبدأ من الأساس.
هذا خاطئ، لأن التقدم خطوتين أفضل من خطوة واحدة، وثلاث خطوات أفضل من خطوتين، كل خطوة في تعلم الأنثروبولوجيا أو علم النفس مثلا ستكون مفيدة حتى لو توقفت بعدها، من جانب آخر فإنك تقيّم تقدمك المتوقع بعقلية المبتدئ التي توجد فيها الآن، وهي تختلف تماما عن عقلية شخص وضع من وقته ستة أشهر في نطاق معرفي ما، لذلك فإنك عادة ما تستسلم للإحباط وتتوقف تماما عن التقدم.
خذ ما شئت من الوقت، أنت تتعلم هذه الأشياء لأنك تحبها، لا أحد يركض وراءك، لا تود الحصول على نوبل، أنت فقط تود أن تستمتع بالتعلم.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هل تكون جزيرة غرينلاند شرارة حروب ترامب؟
أثارت مكالمة -الأسبوع الماضي وصفت بالنارية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة وزراء الدانمارك ميتي فريدريكسن- الرعب في الأوساط الدانماركية، ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مصادر أوروبية رفيعة أن ترامب عندما ردت عليه فريدريكسن برفض التنازل عن غرينلاند أطلق وابلا من الشتائم والتهديدات.
فهل ينفذ ترامب تهديده بالسيطرة على الجزيرة ولو بالقوة؟ وهل تكون غرينلاند الشرارة الأولى لحروب ترامب؟
وقبل تناول ما حصلنا عليه من معلومات ودراسات تستجلي جوانب هذه القضية وتستشرف مآلاتها، سنعرج قليلا على تاريخ أميركا في التعامل مع جزر القطب الشمالي وكيف استولت من قبل على جزر مماثلة عبر صفقات مع دول بما فيها الدانمارك نفسها، مع معطيات مختصرة عن جزيرة غرينلاند.
أميركا والاستحواذ على الجزر الدانماركيةيؤكد أستاذ القانون في جامعة هارفارد جاك لاندمان غولد سميث -في دراسة نشرها المعهد الأميركي لدراسات القطب الشمالي منتصف يناير/كانون الثاني الجاري- أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى الاستحواذ على جزيرة من الدانمارك لما تسميه "أغراض الأمن القومي".
ويضيف سميث أن أحد الأسباب التي تجعل ترامب يريد غرينلاند هو منع الدول الأخرى من الهيمنة عليها، فقد صرح متحدثا عن الجزيرة "إنك تنظر منها إلى الخارج -ولا تحتاج حتى إلى منظارـ وترى السفن الصينية في كل مكان، والسفن الروسية في كل مكان، ولن نسمح باستمرار ذلك".
إعلانوكان قلق مماثل قد دفع الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن للسعي للاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية، حيث اعتبر أنها عُرضة لخطط الاستحواذ عليها من دول أوروبية خصوصا بريطانيا العظمى والنمسا، لكن اغتيال لينكولن 1865 أخر عملية الاستحواذ قبل أن يتجدد الاهتمام الأميركي بالجزر فجر الحرب العالمية الأولى مع افتتاح قناة بنما عام 1914 وخشية استيلاء ألمانيا عليها.
وزير خارجية الولايات المتحدة لانسينغ (الثاني من اليمين) يسلّم الوزير الدانماركي برون مسودة بقيمة 25 مليون دولار لشراء جزر الهند الغربية الدانماركية عام 1917 (غيتي)وهكذا وبحلول يناير/كانون الثاني 1917 تنازلت الدانمارك عن جزر الهند الغربية المعروفة اليوم بسانت توماس وسانت جون وسانت كروا للولايات المتحدة مقابل 25 مليون دولار.
ويخلص الأستاذ سميث إلى إن أوجه التشابه بين "معركة" الاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية ومقامرة ترامب للحصول على غرينلاند ملحوظة، فلدى ترامب مخاوف إستراتيجية بشأن نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، ويسعى لإبراز القوة العسكرية والاقتصادية لأميركا تطبيقا لشعاره "أميركا أولا".
وتعد جزيرة غرينلاند التي ينصب عليها اهتمام ترامب حاليا أكبر جزيرة في العالم مع موقع إستراتيجي وثروة غير مستغلة من المعادن والنفط، وهي تابعة للدانمارك لكنها تتمتع بحكم ذاتي وتغطي الثلوج نحو 80% من مساحتها، بينما يسكن المساحة المتبقية 57 ألف نسمة.
رسم يوضح ميناء وأحواض بناء السفن في كريستيانستيد في سانت كروا في جزر الهند الغربية عام 2002 (غيتي) ذعر في الدانماركاعتبرت رئيسة الوزراء الدانماركية ميتي فريدريكسن في رسالة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تزامنا مع أداء الرئيس الأميركي الجديد اليمين الدستورية أنه: "من المرجح أن نواجه فترة طويلة وصعبة.. وأتوقع أننا نحن الأوروبيين سوف نضطر إلى التعامل مع واقع جديد".
إعلانويؤكد تقرير لمراسلة راديو كندا في كوبنهاغن الصحفية تمارا ألتيريسكو أن رسالة فريدريكسن هذه تكشف صدمتها من محادثة أجراها معها الأسبوع الماضي دونالد ترامب، وكرر خلالها تهديداته بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند، كما رفض ترامب خلال المحادثة سحب تصريحه الذي أدلى به في 7 يناير/كانون الثاني بعدم استبعاده إمكانية استخدام القوة لضم الجزيرة.
ونقل مراسلو فايننشال تايمز عن مسؤولين أوروبيين كبار قولهم إن المكالمة لم تسر على ما يرام، وإن ترامب كان عدوانيًا تجاه نظيرته الدانماركية، حيث قال أحد المسؤولين "لقد كان الأمر مروعًا"، وقال آخر: "لقد كان حازمًا للغاية.. فقبل المكالمة كان من الصعب أخذ الأمر على محمل الجد، لكنني أعتقد الآن أنه أمر خطير للغاية".
وقال المسؤولون الذين تم إطلاعهم على فحوى المكالمة "إن رئيسة الحكومة الدانماركية عرضت المزيد من التعاون بشأن القواعد العسكرية واستغلال المعادن، لكن ترامب كان مصرًا على أنه يريد الاستحواذ على الإقليم، لقد كانت نيته واضحة للغاية".
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة نيوزويك الأميركية تقريرا لمراسلها السياسي دان غودينغ تحت عنوان "حليف الناتو مذعور تمامًا بعد مكالمة دونالد ترامب"، مؤكدا أن ما دار خلال المكالمة التي جرت قبل 5 أيام من تنصيب ترامب وضع الدانمارك في أزمة.
وأضاف تقرير نيوزويك أن هذه الأزمة تأتي رغم أن الدانمارك حليف مهم لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأرسلت قوات للقتال إلى جانب الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان.
فريدريكسن تلقت تهديدات من ترامب بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند (الأوروبية) عملية ابتزازيؤكد تقرير ألتيريسكو وجود حالة استنفار سياسي في العاصمة الدانماركية، فالاجتماعات الطارئة تتزايد هذه الأيام بين الطبقة السياسية ورجال الأعمال، والسؤال الذي يطارد الجميع ويبقى دون إجابة حاسمة: إلى أي مدى سيذهب ترامب في تهديداته للاستيلاء على غرينلاند؟
إعلانورغم أن ترامب لم يذكر غرينلاند في خطاب التنصيب لكن بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي في المساء، أكد للصحفيين اهتمامه بالمنطقة الشمالية، كما كرر من قبل، وقال: "غرينلاند مكان رائع ونحن بحاجة إليه لأسباب أمنية، وأنا مقتنع أن الدانمارك سوف تقبل (التنازل) في نهاية المطاف".
وينقل تقرير إذاعة كندا عن وزير الخارجية الدانماركية اعترافه أن "حكومة بلاده تستعد الآن لأي احتمال، فعملية الابتزاز بدأت للتو"، محذرا من أنه لا يمكن أن يسمح النظام العالمي لدولة ـ بمجرد أن تكون قويةـ أن تتصرف كما تشاء.
ويورد التقرير أيضا أن النائب الجمهوري المقرب من ترامب آندي أوجلز أعلن نيته تقديم مشروع قانون يطلب من الكونغرس دعم المفاوضات بين ترامب والدانمارك بشأن الاستحواذ الفوري على غرينلاند.
من جانبه، أصدر عضو البرلمان الأوروبي الدانماركي أندرس فيستيسن تحذيرا أكثر وضوحا في البرلمان الأوروبي، مما أدى إلى مطالبته بالانضباط والالتزام بالنظام، حيث قال "عزيزي الرئيس ترامب، استمع بعناية شديدة: لقد كانت غرينلاند جزءًا من المملكة الدانماركية لمدة 800 عام فهي جزء لا يتجزأ من بلدنا وليست للبيع، دعني أقولها لك بكلمات يمكنك فهمها: السيد ترامب، اذهب إلى الجحيم!".
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
سيناريوهات محتملةانطلاقا من رصدنا للتقارير والدراسات التي تناولت الموضوع، نستطيع توقع 4 سيناريوهات يمكن أن تتطور إليها هذه الأزمة الناجمة عن الرغبة الجامحة لترامب في الاستيلاء على غرينلاند:
أولا: اجتياح عسكري أميركيفي تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأميركية في 10 يناير/كانون الثاني الجاري بعنوان "غزو ترامب لغرينلاند سيكون أقصر حرب في العالم"، اعتبرت الصحيفة أن الرئيس الأميركي الجديد أحدث صدمة في أوروبا عندما رفض استبعاد استخدام القوة العسكرية لضم جزيرة غرينلاند.
إعلانوتعتبر الصحيفة أن المعطيات لا تترك الشك في تحديد من سيفوز في هذه المعركة، إذا نفذ ترامب تهديده بضم غرينلاند بالقوة، فإن هذه ستكون أقصر حرب في العالم نظرا لفارق القوة العسكرية بين الطرفين، فلا توجد قدرة دفاعية لدى الدانمارك لصد أي هجوم أميركي، وإن كانت بعض سفن خفر السواحل الدانماركية تتردد على جنوب شرق غرينلاند، لكن الصحافة الدانماركية ذكرت أنه حتى البرنامج اللازم لإطلاق النار على الأهداف لم يتم أصلا شراؤه لتثبيته على تلك السفن.
وتضيف الصحيفة أنه بموجب اتفاقية عام 1951 بين الدانمارك والولايات المتحدة تكفلت الأخيرة بالدفاع ضد أي هجوم على جزيرة غرينلاند، نظرا لعدم قدرة الدانمارك على ذلك، وبالتالي، فإذا حاول ترامب الاستيلاء على المنطقة بالقوة، "فالسؤال هو: من سيقاتل الأميركيين، فليس هناك بالفعل إلا الجيش الأميركي؟!!"
وتوضح بوليتيكو أن الولايات المتحدة قلصت بشكل كبير وجودها العسكري على الجزيرة بعد انتهاء الحرب الباردة، ولكن محطة رادار الإنذار المبكر ما تزال قائمة في قاعدة بيتوفيك الفضائية في شمال غرب غرينلاند، وهي من أهم محطات رصد المركبات الفضائية والصواريخ الباليستية، بما في ذلك الرؤوس الحربية النووية المحتملة التي تطلقها موسكو.
ورأت الصحيفة أن الدانمارك قد تطلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي، وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بحدوث الاستيلاء على الأراضي التابعة له، ولكن من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرا بالفعل على تقديم المساعدة العسكرية للدانمارك في هذه القضية.
وحسب بوليتيكو فإن الدانمارك تستطيع أيضا الاستعانة بالناتو بناء على المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تكفل الدفاع المتبادل بين أعضائه، وإن كان الأمر معقدا هذه المرة حيث إن مصدر التهديد عضو أيضا في الحلف، وهو ما وصفته المكلفة بالسياسات العامة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أجاثي ديماريس "بالأمر المحير والمجهول التبعات، وعندما تفكر فيه تجد أن لا معنى له على الإطلاق".
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قال ردا على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد تهديده بالسيطرة على جزيرة غرينلاند، إن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى بمهاجمة حدوده
للمزيد: https://t.co/76txX1n44X pic.twitter.com/mm98slWe4l
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) January 8, 2025
ثانيا: حرب تجارية وضغوط اقتصادية إعلانحسب تقرير مشترك لصحفييْ البي بي سي لورا جوزي من كوبنهاغن وروبرت غرينال فإن الحرب التجارية والضغط الاقتصادي يمثلان التهديد الأكبر المحتمل للدانمارك، حيث سيقوم ترامب بزيادة التعريفات الجمركية بشكل كبير على البضائع الدانماركية والأوروبية، مما قد يجبر الدانمارك على التنازل عن غرينلاند.
وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية، مما قد يؤدي إلى تعطيل النمو الأوروبي بشكل كبير.
وحسب تقرير البي بي سي فإن من بين الصناعات الدانماركية الرئيسية التي من المرجح أن تتأثر بهذا الإجراء صناعة الأدوية، حيث تحصل الولايات المتحدة من الدانمارك على منتجات مثل أجهزة السمع ومعظم الأنسولين الذي تحتاجه، فضلا عن دواء السكري أوزيمبيك، الذي تنتجه شركة نوفو نورديسك الدانماركية.
ثالثا: أن يصرف ترامب اهتمامه عن الموضوعينقل أستاذ هارفارد غولد سميث في دراسته عن السفير الأميركي السابق في بولندا دانييل فريد أن "تهديدات ترامب ضد غرينلاند قد تكون مجرد استفزاز.. فترامب يستمتع بقول أشياء تجعل الناس يهرعون ويثرثرون ويعبرون عن الغضب".
وحسب تقرير البي بي سي فإن البعض يرى أن الخطوة التي اتخذها ترامب قد تكون مجرد استعراض وتهدف إلى دفع الدانمارك إلى تعزيز أمن غرينلاند في مواجهة التهديدات من روسيا والصين اللتين تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في المنطقة.
والشهر الماضي، أعلنت الدانمارك بالفعل عن برنامج عسكري جديد بقيمة 1.5 مليار دولار لمنطقة القطب الشمالي.
وتقول إليزابيث سفين، المراسل السياسي الرئيسي لصحيفة بوليتيكن: "ما كان مهمًا في كلمات ترامب هو أن الدانمارك يجب أن تفي بالتزاماتها في القطب الشمالي أو تترك الولايات المتحدة تفعل ذلك".
رابعا: استقلال غرينلاند وعلاقات أوثق مع أميركايؤكد تقرير البي بي سي أن الإجماع منعقد لدى شعب غرينلاند بأن الاستقلال سوف يحدث في نهاية المطاف، وإذا صوت الشعب لصالح الاستقلال فإن الدانمارك سوف تقبله.
إعلانونقلت صحيفة "ذا هيل" الأميركية عن الباحث الرئيسي في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية أولريك جاد أن رئيس وزراء غرينلاند قد يكون غاضبا من الدانمارك ومتحمسا لإجراء استفتاء لاستقلال الجزيرة لكن عليه أن يبحث عن طريقة لإنقاذ اقتصاد غرينلاند الذي كانت تموله الدانمارك، مضيفا أن إقامة شراكة وتعاون مع الولايات المتحدة قد تكون الحل الأمثل.
ويعتبر الباحث جاد أنه حتى لو تمكنت غرينلاند من التخلص من الدانمارك، فلن تستطيع التخلص من الولايات المتحدة، فمنذ سيطرتهم عليها خلال الحرب العالمية الثانية، لم يغادر الأميركيون الجزيرة قط ويعتبرونها حيوية لأمن الولايات المتحدة الأميركية.