القمة العربية.. نكون أو لا نكون
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
الاحتلال الإسرائيلى يعمل وفق خطة منظمة وآليات موضوعة بدقة وأهداف محددة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضى، والتى قد تمتد إلى ما لا يعلمه إلا الله.. وما يصبو إليه الاحتلال هو مسح فلسطين من الخريطة فى أكبر إرهاب دولة يمارس على مرأى ومسمع من العالم على مدار التاريخ وفق عدالة دولية عرجاء وتأييد أعمى، وتصفيق حاد للباطل، لتقرع طبول الحرب وتصل دقاتها إلى عنان السماء.
يأتى ذلك فى ظل ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين بصورة متزايدة تؤكد صدق نوايا الشيطان وجنوده، فى غياب الضغط العربى والإسلامى وانتظار بيانات الشجب والرفض التى تأتى خافتة دائماً بعد فوات الأوان فتذهب بلا صدى لتلحق سابقتها، ولا يبقى أمامنا إلا انتظار المزيد من الكوارث والويلات التى ربما نستحقها دائماً لأن الضعف والهوان لا يجلب إلا الخراب والدمار.
المسألة ليست كما تدعى إسرائيل أنها فى حرب مسلحة مع حركة حماس والمقاومة، فما يحدث على أرض الواقع يكذب أقوالها، فالمحارق والمجازر التى يقيمونها على أرض المعركة فلسطين تحصد كل ما يتحرك على وجهها إنساناً كان أو حيواناً، أو حتى زرعاً أو مبانى خرسانية، إنها إبادة لكل شىء يرتبط بأرض مهبط الأنبياء وأولى القبلتين وثالث الحرمين.
ما يرتكبه الجزارون النازيون من إبادة جماعية ستبقى وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، وفى وجه الأمم المتحدة التى كبلتها الصهيونية الدولية وفرضت عليها الانصياع الأعمى لرغبات النازيين الجدد، وفى المقابل فإن مظاهرات السلام ورفض الحرب والتهجير والإبادة التى تتواصل فى عواصم العالم ويشارك فيها اليهود أنفسهم وكل القوى المحبة للسلام والمدركة لفظاعة ما يحدث من جرائم حرب غير كافية لردع إسرائيل، والسبب ببساطة أن أمريكا والاتحاد الأوروبى يقفان بقوة خلف الاحتلال دعما لأطماعه التوسعية وتلبية لرغباته الدموية.
العرب والمسلمون قرابة المليارين حول العالم لا يستخدمون أوراق الضغط الكافية على الرغم من أنهم يملكون ويقدرون ويستطيعون، لكن أغلبهم متواكلون على طريقة «للبيت رب يحميه»، ويستترون خلف مصالح مؤقتة تربطهم بالثعلب المكار الذى لم يحتفظ بوعد دوماً مع كل ضحاياه.
بالدعاء وحده لن تحسم قضية الصراع العربى الإسرائيلى فدعوات المسلمين على وجه الخليقة منذ وعد بلفور حتى الآن لم تحسم هذه القضية، هذا ليس تشكيكا فى قوة الدعاء كونه الوحيد الذى يغير القدر، ولكنه تشكيك فى إخلاص النوايا المرتبطة بالعمل لدرء المخاطر ونصرة الأخ ظالما أو مظلوما، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
باختصار.. دماء الأطفال والنساء والشيوخ ووأد الحياة على أرض فلسطين ليس مسؤولية المجتمع الدولى فقط، ولكنها أيضا تقع على عاتقنا كعرب ومسلمين، فنحن نتحمل المسؤولية كاملة ولا نعفى أحداً خصوصاً أصحاب المواقف الرمادية والمكاسب المحدودة.. فلولا ضعفنا وهواننا على أنفسنا ما هُنّا على غيرنا.
ما يحدث لنا ويشهده عالمنا العربى من تفكك وتمزق نتيجة حتمية لفرقتنا وتشتتنا وعدم الاتفاق على رأى واحد، فخارت قوانا وتفتت العديد من دولنا العربية تضاربت المصالح وشغلتنا أنفسنا بما أظهر ضعفنا فتكالبت علينا الأمم ووصلنا إلى حال المستجير من الرمضاء بالنار كمن يركب البحر وسط أمواج هائجة فى ليلة ظلماء، فشموع الأمل ومفاتيح القوة مشتتة بين أيادٍ متفرقة، فهل نلبى النداء قبل فوات الأوان.
ربما كانت القمة العربية رقم 47 المرتقبة فى المملكة العربية السعودية خلال ساعات هى الأمل الأخير وطوق النجاة فى الوقت بدل الضائع، فإسرائيل ماضية فى غيها ونتائج القمة إما زادتها جبروتا وعنفوانا وإما وجدت الردع الكافى وأوراق ضغط لا تستطيع ومن يساندها مواجهتها فتجبر للجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بحل الدولتين.
القمة فرصة كبيرة لتعيد للشارع العربى من المحيط إلى الخليج الثقة فى جامعته العربية عبر اتخاذ خطوات تنفيذية جادة تجاه القضية الفلسطينية ككل، مع ضرورة أن تكون مواكبة للحدث على نحو يحفظ للأشقاء أرضهم وأرواحهم وذلك عبر وحدة الصف العربى والكلمة وإدراك أن الخطر الحقيقى ليس فى غزة وحدها بل على الجميع بلا استثناء.
نأمل أن ننتقل من مرحلة الأقوال إلى مرحلة الأفعال، قبل يوم لا ينفع فيه الندم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار الاحتلال الإسرائيلى عملية طوفان الأقصي
إقرأ أيضاً:
عميد كلية بيت لحم: ما يحدث في غزة إبادة.. وصمت العالم خيانة للإنسانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الدكتور القس منذر إسحق عميد كلية بيت لحم للكتاب المقدس، إن أمس الأحد كان ثاني أحد شعانين في ظلّ الإبادة، واستقبل أهلنا في غزة هذا العيد في ظلّ هجوم على المستشفى الأهلي التابع للكنيسة الأسقفية الشقيقة والملاصقة للكنيسة، وأخبار عن تدمير مبنيين فيه وإخلاء كلّ ما في المستشفى، مشاهد تُبكي، كلّ هذا في ظلّ تهديدات خطيرة بالتهجير القصريّ.
وأضاف “اسحق” خلال الكلمة التي ألقاها بالكنيسة في فلسطين، أن الإنسانيّة في أزمة حقيقيّة، هي في أزمة منذ السقوط وأرضنا كان لها النصيب الكبير من الويلات، ولكن ما يحصل اليوم في غزة فعلاً لا يُطاق، عام ونصف من الجحيم الحقيقيّ وغياب الرحمة، ويلوموننا عندما نتكلّم عن صمت العالم أو صمت الكنائس، لا يجب أن نتوقف عن الكلام عن غزة، ففي هذا خيانة لإنسانيّتنا وإنسانيّة أهل غزة، ألا يكفي إنكار الإبادة؟
واستطرد “إسحق” ، أنه في بداية أسبوع الآلام، لا يمكننا إلا أن نوجّه صرخة ألم وعتاب، صرخة غضب وقهر، إلى الله أولاً، ونقول له، ارحم أهل غزة، فقد نالوا من الويلات ما يكفي وأكثر. مع المزمور نقوِل: " لأنه قد شبعت من المصائب نفسي، وحياتي إلى الهاوية دنت. حسبت مثل المنحدرين إلى الجب. صرت كرجل لا قوة له. بين الأموات فراشي مثل القتلى المضطجعين في القبر، الذين لا تذكرهم بعد، وهم من يدك انقطعوا." (مزمور ٨٨).
وتابع" إسحق" : وهي صرخة ألم وغضب إلى العالم العربي، وإلى العالم الغربي الكاذب الذي يتغنّى بالمواثيق والمعاهدات، عالم يفتقد إلى الرحمة، إلى الضمير والإنسانيّة، واليوم نصرخ كما صرخنا قبل ألفي عام: "أوصنا،" أي خلّصنا. خلّصنا من الموت والدمار، من الخوف، من الأنانيّة والطمع، من التطرّف، من الإبادة، من الوحشية وغياب والرحمة، خلّصنا وخلّص عالمنا، خلّص غزة واليمن والسودان وسوريا واوكرانيا و كل مكانٍ فيه موت ودمار.
وأشار "إسحق"، إلي أن الألم والمذابح، الخوف والهلاك، كلّها جزء من خلفيّة قصة الانجيل في بداية أسبوع الآلام. يبدأ اليوم أسبوع الآلام، ونرافق يسوع في الأسبوع الأخير من حياته على هذه الأرض. أسبوع مليء بالتحديات والتناقضات، وطبعًا الآلام. بدأ بالاحتفال والتظاهر وانتهى بقيامة من الموت، لكن ليس قبل أن يمرّ بالآلام.
واضاف “عميد كلية بيت لحم”، أن المُلفت في هذا الأسبوع هو التناقض بين الأحد الأول وما تلا ذلك من مجادلات ومحاكمة وإعدام، وبدأ الأسبوع باحتفال، فيه تنصيب ملوكي، ونكهة الانتصار، وإن كان بنكهة أخرى، لأنه دخل على حمار لا مركبات الحرب. كان هناك تفاؤل حقيقيّ بقرب الانتصار.
وأكد الدكتور منذر، أن المشكلة أننا في يأسنا وخوفنا وقهرًا كثيرًا ما لا نعرف ما نحتاج، نريد أن نواجه العالم بأسلوب العالم، أن نستبدل ممالك العالم بممالك مشابهة، فعلاً التناقض غريب، فكيف اختلفت الأمور وانقلبت في أيامٍ قليلة.
وتابع “إسحق” : في رحلتنا في الأسبوع الأخير من حياة المسيح على الأرض، الاثنين إلى الخميس، سنرى المسيح يتصادم مع أهل القدس وحكامها، ما أسميه المؤسستين الدينيّة والدنيوية، والشعب التائه بين هذا وذاك! فهو أعلن، لا تعطوا لقيصر أكثر مما يستحق، وقدّم طريقًا جديدًا للملك – طريق التضحية وخدمة الآخر. وسنراه ملكًا يغسل أرجل تلاميذه – لا العكس
واستطرد ، وفي هذه الأيام، تصادم أيضًا مع المؤسسة الدينية، معلنًا أن لا شريعة سوى شريعة المحبة، ومشدّدًا أن القلب النقي وفعل الخير ومساعدة القريب هي جوهر الإيمان. وتكلّم أيضًا عن روح الله الذي فينا الذي يرشدنا للحق – لا عن وكالة الدين والشريعة أو عن دور إفتاء تفكّر عن الإنسان وتتحكم بقراراته أو تفرضها، وتسخّر الدين للسيطرة على البشر، ومن أجل المصالح الشخصيّة. كان فكره راديكاليّا ومتحرّرًا للغاية، حتى بمعايير اليوم.
وأشار “إسحق” إلي أن دخول المسيح إلى القدس كان لمواجهة مملكة العالم أو الإمبراطورية، أو فكر قيصر، هي تعبير لفكرة السيطرة والتحكم بالآخر وموارده وتسخيره من أجل مصالحك ونمو امبراطوريتك، تحت مسمّى نشر السلام والحضارة والرقي أو حتى الديموقراطية.
وأضاف “إسحق ” أن المؤسسة الدينية هي فكرة الشريعة الدينية الدنيوية التي تتحكم بالإنسان وحريته وعقله تحت مسمى تحقيق إرادة الله وشرعه على الأرض. هي تفويض الإنسان نفسه وكيلاً لله على الأرض لفرض الشرائع الدينية – افعل، ولا تفعل؛ يجوز ولا يجوز؛ محلل ومحرم؛ طاهر ونجس، بقصد إرضاء الله، وتفويض الإنسان نفسه وكيلاً على الأرض ليقول هذا لي بحقّ إلهي، واليوم، نتذكر أنه دخل القدس ملكًا – ليتحدى أولاً مفهوم الـُملك بفكر الإنسان، وليبدأ بتأسيس مملكة جديدة على هذه الأرض؛ مملكة فيها الملك يركب على حمار، متواضع ووديع، يَخدِمُ لا يُخدم، يُضحّي من أجل شعبه، لا يطلب من شعبه أن يُضحّي من أجله. مملكة الحرية وسلام الإنسان مع الله والناس؛ مملكة الحقّ والعدل والمصالحة. دخل القدس ليعلن نفسه السيّد والربّ (لا قيصر!)، ولينشر شريعة المحبة والتضحية، دخل متحديًّا، فلاقى الموت والآلام.
وتابع : وهكذا حاكمه العالم والدين “الخميس والجمعة”، وقتله، وما زلنا نعيش ضحايا لذات الأمور - الاستعمار تحت مُسمّى الدين - ما زلنا ضحايا منطق الحقّ للقوة، ومنطق تفويض الإنسان لنفسه وكيلاً لله على الأرض من أجل المصلحة الذاتية وإقصاء وحتى إبادة الآخر، وإعطائها مسميات دينية تبدو سامية، في القدس، حتى ابن الله يُصلب، وما زلنا في إيماننا نصرخ له "أوصنا"، لأننا نرفض الخضوع لليأس، ما زال أطفال فلسطين يصرخون "أوصنا"، وإن صمتت غزة، بيت لحم والقدس ورام الله والناصرة تصرخ عنهم وعنّا "أوصنا"، اليوم هكذا نقاوم، بأن نقف شامخين حاملين هذه الشعنينة بوجه الظلم صارخين إلى السماء "أوصنا".
واستطرد ، ليكن لنا إيمان اليوم، لنصرخها بإيمان “أوصنا” وكأتباع ليسوع هنا في ذات المكان وبعد ألفي عام، لنتذكر أن خلاصنا ليس مرتبطًا بإنسان ما، أو مملكة بشريّة ما، أو منظومة فكريّة بشرية، وإلا فسنبقى ننتظر، الخلاص الذي أتى من أجله المسيح هو أولاً خلاص الإنسان من دينونة الخطيئة، ومن سطوة الخطيئة على حياتنامن الأنا، من الكبرياء، من العظمة، أتى ليموت على الصليب، وليرينا طريقًا أفضل، بل وليقوينا لحياة أفضل بقوة روحه. فنعيش بنهج المحبة؛ الخير؛ الصدق؛ العدل هذه قيمنا، هذه مفرداتنا هذا هو خلاص المسيح. دخل المسيح إلى القدس ليصالحنا مع الله، في الصليب، صليب المصالحة مع الله أولاً، ومن ثمّ مع أخينا الإنسان، لهذا نصرخ أوصنا. هنا نهج الخلاص.
واختتم الدكتور القس منذر إسحق عميد كلية بيت لحم للكتاب المقدس، كلمته قائلا، سنبقى نصرخها حتى نرى القيامة، عندما سنراه ملكًا مقامًا منتصرًا، على أشرس أعداء البشرية جمعاء، أي الموت. سنراه بقيامته يدشّن مملكةً تحدت قياصرة العالم؛ مملكة انتشرت وعاشت؛ كانت وما زالت وستكون، مملكة ابن الإنسان؛ "فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ، سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ "، مملكة العدل والبرّ والحقّ، آمين تعال يا ربّ بروحك والمس أراضينا، لكي نرى حقّك وعدلك في أرضنا، وابدأ فينا في ذواتنا في قلوبنا - آمين.