القدس عربية بدماء الشهداء الزكية
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
حمد الحضرمي **
تُعدُّ القدسُ أو بيت المقدس- وهو الاسم القديم لمدينة القدس- من أقدم مدن العالم التي شيدها الإنسان، ولها أهمية جغرافية كبيرة من الناحية الاستراتيجية والموقع الفلكي، وتحتل موقعًا جغرافيًا مُهمًا بين المدن والجبال الفلسطينية، وكانت مدينة القدس مدينة السلام والحب والوئام، لأنها مدينة معظمة ولها قدسيتها لدى أتباع الديانات (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وتعد بلاد الشام ومنها فلسطين مهبط الوحي ومصلى الأنبياء ومهد الرسالات السماوية، ومن أشهر وأهم المقدسات الإسلامية الموجودة في القدس هي: المسجد الأقصى، والمسجد العُمري، ومسجد قبة الصخرة، وحائط البراق.
وفلسطين هي أرض كنعان وذلك نسبة إلى أول من سكنها كان من الأقوام الكنعانية، كما هاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته ساره وابن أخيه لوط صوب أرض فلسطين، واستقر فيها شرقي بيت المقدس، ومارس الدعوة فيها، حتى أطلق على المدينة التي سكنها اسم مدينة الخليل، وهي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، بدليل قول الله تعالى "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 71).
ولأن بيت المقدس من أرض فلسطين أرض مباركة، فقد فكّر المسلمون في فتحها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في فتحها ولكنه توفى قبل أن يحقق غايته، وكذلك سعى خليفة رسول الله ابو بكر الصديق لفتح الشام، وجهز جيشًا وعين عمرو بن العاص قائدًا للجيش لفتح فلسطين، ولكن أثناء الحروب توفي الصديق رضي الله عنه، وتولى الخلافة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستمرت الفتوحات الإسلامية، وأشار الفاروق على أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيش الزحف نحو القدس، وحاصرها من جميع الجهات لمدة أربعة أشهر، حتى وافق الروم على دفع الجزية، وسلموا مفاتيح بيت المقدس لسيدنا عمر بن الخطاب دون قتال.
وبعدها نزلت القبائل العربية في القدس واستقرت فيها، وحل الأمن والأمان في ظل حكمهم على مدار العصور، وبقيت تنعم بالخيرات، إلى أن احتُلت عام 492 هجرية على أيدي الصليبيين، وارتكبوا فيها أبشع المجازر في حق المسلمين، وقتلوا لمدة أسبوع كل مسلم وجدوه، ثم تحصن المسلمون داخل أسوار المسجد الأقصى، وحاصرهم الأعداء هناك، وبدأوا يقتلون بالمسلمين حتى فاض المسجد الأقصى بدمائهم، حتى قيل إن عدد القتلى بلغ في صفوف المسلمين أكثر من سبعين ألف شهيد، واستمر سيطرة الصليبيين على القدس حتى عصر القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي فتح بيت المقدس وتسلم مفاتيحها في عام 583 هجرية، بعدما قاتل الصليبيين قتالًا شديدًا إلى أن طلبوا من القائد صلاح الدين الأيوبي الصلح والأمان.
إن أرض فلسطين وما حولها قد باركها الله تعالى، فهي بلاد مقدسة، وقد ذكر الله تعالى قدسيتها في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أشارت الآيات القرآنية الكثيرة إلى فضلها وقدسيتها وبركتها، وللمسجد الأقصى مكانة كبيرة في نفوس المسلمين منذ أن كان قبلتهم الأولى، وهناك ترابط ديني مازال حيًا بين مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى، ألا وهو مسجد القبلتين بالمدينة المنورة، وستبقى هوية المسجد الأقصى إسلامية، وما الادعاءات الصهيونية بملكية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، إلا مجرد افتراءات وأكاذيب باطلة لا أصل ولا صحة لها.
ومنذ قرن من الزمان وأكثر وفلسطين محتلة من الإنجليز الذين سلموها في عام 1948م إلى الصهاينة، وأصبح المسجد الأقصى أسير في أيديهم القذرة، وهدم الصهاينة البيوت على ساكنيها من الفلسطينيين، وشردوا أهلها، وقتلوا شعبها، وهجروا عوائلها، ورغم مجازر الصهاينة المستمرة من أكثر من شهر في قطاع غزة، وفعلوا في أهلها ما فعله من قبلهم الصليبيين من القتل بالمسلمين بلا رحمة، والصهاينة أفعالهم ليست أفعال بشر، فهم حاقدين حاسدين على الإسلام والمسلمين، وستظل محاولاتهم بائسة ومخططاتهم الصهيونية فاشلة، ولن يتمكنوا من طمس آثار وهوية وقدسية بيت المقدس وفلسطين، وستبقى القدس عربية بدماء الشهداء الزكية.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المسجد الأقصى بیت المقدس
إقرأ أيضاً:
قداسة البابا يلتقي أبناء الكنائس الأرثوذكسية والموارنة برومانيا | صور
نظمت إيبارشية وسط أوروبا اليوم، لقاءً لقداسة البابا تواضروس مع أبناء الكنائس القبطية والأرمن الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والموارنة الكاثوليك، بكنيسة الشهيد مار مينا ببوخارست عاصمة رومانيا، بحضور الآباء أساقفة ومطارنة وكهنة تلك الكنائس، وذلك في إطار زيارته الحالية لرومانيا ضمن جولة رعوية بإيبارشية وسط أوروبا بدأها يوم الجمعة الماضي بزيارة بولندا.
استهل قداسة البابا اللقاء بالترحيب بالحضور وقال: "أرحب بكم جميعًا، أبناء الكنيسة القبطية، والأرمنية، والروم الأرثوذكس، من مصر، والعراق، وسوريا، ورومانيا، وأرمينيا، ولبنان، وفلسطين. لتكن بركات القيامة المجيدة معكم جميعًا".
البركات الثلاثثم تحدث قداسته في كلمة روحية، مركزًا على معنى البركات الثلاث التي نتلوها في ختام كل صلاة: "محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وشركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم" (٢كورنثوس ١٣: ١٤).
أولاً: محبة الله الآب
أوضح قداسته أن الله يحب كل إنسان، حتى الخاطئ، قائلًا: "محبة الله لا حدود لها. المسيح هو محب البشر، ومحبة الله تشمل الجميع. كل يوم يشرق فيه نور الشمس علينا هو عطية محبة، إذ يمنحنا الحياة، والصحة، والكنيسة، والصداقة، وكل العطايا هي من بركات محبته لنا".
وأكد أن أعظم عطية إلهية تجلت في قيامة المسيح، مستشهدًا بقول الكتاب المقدس: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". (يو ٣: ١٦).
وأضاف قداسته: "الله أحبنا حتى جاء وسكن بيننا، وتجسد ليصير واحدًا منا. وإن كنا لا ندرك أحيانًا الخير في بعض الأحداث، إلا أن الله صانع الخيرات، ويدبر كل الأمور لخلاصنا".
ثانيًا: نعمة الابن الوحيد:
"المسيح منحنا نعمًا كثيرة. صنع المعجزات، وقدم التعاليم، وقابل رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا. التقى بزكا العشار، وبالمرأة السامرية، وفي أحد السعف احتضن الأطفال. لكنه قدم لنا أعظم نعمة: نعمة الصليب والفداء، إذ مات عن خطايانا وقام من بين الأموات ليمنحنا الحياة الأبدية".
ثالثًا: شركة وموهبة الروح القدس
أوضح قداسة البابا أن عمل الروح القدس في حياة المؤمن أساسي ومقدس، قائلاً: "الروح القدس يعمل فينا، ويمنحنا النعمة من خلال تناول جسد المسيح ودمه الكريمين، ويهبنا نعمة المعمودية، ويباركنا بأسرار الكنيسة، مثل سر الزيجة. وكل مرة نصوم، نصلي، نقرأ الكتاب المقدس، ونتوب، نزداد شركة مع الروح القدس".
وأشار قداسته إلى التسبحة القبطية الجميلة التي تقول: "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات، لكي ينعم لنا بخلاص نفوسنا"، مؤكدًا أن كل مؤمن يصبح ابنًا للنور بعمل نعمة الروح القدس، داعيًا الجميع إلى الشكر الدائم لله على جميع عطاياه.