جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-28@22:08:26 GMT

لماذا يصم العرب آذانهم؟

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

لماذا يصم العرب آذانهم؟

علي بن حمد بن عبدالله المسلمي

aha.1970@hotmail.com

يتساءل المرء بعد أن أضحت القضية الفلسطينية قضية عالمية لا لبس فيها ولاجدال ولا مراء، يعرفها القاصي قبل الداني والصغير قبل الكبير بفضل الشبكة العنكبوتية ووسائطها ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التي جعلت من العالم قرية صغيرة بعد أن انكشف الغطاء عن بني صهيون ومن شايعهم في غزة رمز العزة والكرامة العربية.

إن ما يحدث في مدينة غزة من قتل وتدمير وإلقاء قنابل وزنها آلاف أرطال وقنابل فسفورية محرمة دوليا، وهدم المباني على رؤوس ساكنيها، وقتل الصحفيين واعتداء على المستشفيات وسيارات الإسعاف وتدمير الطرق وقطع الماء والكهرباء عن المدنيين يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وجرائم حرب تدين مرتكبيها في المحاكم الدولية المختصة في هذا الشأن.

إن الناظر للمشهد العربي ومؤسساته تجاه ما يفعله الصهاينة ومن شايعهم في غزة يندى له الجبين وتشمئز له النفوس لم يصل إلى ردة فعل حازمة وقوية بل توقف على الشجب والندب والإدانة والخطب الرنانة والمؤتمرات واللقاءات الخاوية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

ومن خلال المقارنة بيننا نحن العرب وبين الجهات الداعمة لبني صهيون يجد البون شاسعا، فهم منذ اليوم الأول تحرك قادتهم وبوارجهم وأساطيلهم وقدموا الغالي والرخيص؛ من أجل ربيبتهم إسرائيل؛ بل اشتركوا بأقوالهم وأفعالهم في تدمير غزة وتشريد أهلها وقتل نسائها وأطفالها وشيوخها.

أما بنو جلدتنا فمنهم من شايعهم في تشديد الحصار اللاإنساني على أهل غزة ومنهم من تواطأ بتشديد القبضة الأمنية على المرابطين في الضفة الغربية والقدس والمدن الفلسطينية الأخرى لصالح دولة إسرائيل ومنهم من يتخابر مع دولة الاحتلال ضد بني جنسه ومنهم من سارع إلى خطب ودها بالتطبيع معها وباع قضية فلسطين ومنهم من يريد محو ما يسمى بالإسلام السياسي واستبداله بالدول المعتدلة المطبلة والمزمرة والمطبطبة للكيان الغاصب ومنهم من يطبق المثل العماني القائل إذا سلمت "ناقتي ما عليّ من رفاقتي".

إن من يمعن النظر في الوضع العربي الراهن ومؤسساته كالجامعة العربية والبرلمانات العربية ومجلس التعاون الخليجي والرأي العام العربي والمثقفين والعلماء يصاب بالدهشة والحيرة والقشعريرة حيث أصابها الوهن ولم تتحرك قيد أنملة ما عدا نعيق هنا وهناك. وامعتصماه وواصلتاه هل عجزت نساء العرب أن تلد أمثال أبي سليمان والفاروق وصلاح الدين والظاهر بيبرس.

إن نجدة أهل غزة أضحت فريضة بعد أن تكالبت عليها قوى الشر ولم يعد يجدي الفرجة والانتظار لأننا سنسأل أمام الله بسبب خذلاننا لهم وعدم نصرتنا لهم .

سيكتب التاريخ وتروي الأجيال ما فعله أخوانهم العرب تجاههم وتجاهلهم لهم خلال هذه الفترة من التاريخ والرضوخ المشين للصهاينة رغم الفعل المستهجن والقبيح الذي تجرد من الإنسانية وهم يمتلكون أدوات الفعل والعمل فأينك في هذه اللحظة يا فيصل بن عبد العزيز لتقطع دابر الشر بكلمة واحدة توقف مصادر الطاقة عنهم حتى تتلبد حياتهم وتظهر سوءاتهم ويعيدوا النظر فيما هم سائرون إليه.

إن أهل غزة أباة حماة أبطالهم صناديد لا يخافون في الله لومة لائم هل نتركهم للذئاب تنهشهم وحيدين وهم يصدون عنَّا كيد المجرمين إن قادتنا يمتلكون أدوات الضغط على الصهاينة ومن شايعهم ففي الاتحاد قوة والضعف خور فهؤلاء لا يتورعون من الفعل فهذا أحد وزرائهم كشف عن أنيابه ويريد إلقاء قنبلة على غزة لإبادتها وهو يعبر عن صهيونيته الحاقدة دون مراعاة أو اكتراث وإنما لإشباع نزواته ورغباته.

فيا أمة العرب استفيقي وأفيقي فالدائرة تدور فهؤلاء خططهم ظاهرة للعيان يريدون أمجادا ليست لهم ويحلمون بدولة من النهر إلى البحر عقيدتهم دموية لا يراعون إلًّا ولا ذمّة. فالبدار البدار قبل فوات الأوان.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: ومنهم من

إقرأ أيضاً:

فديتك زائرًا في كل عام.. الرمضانيات في الشعر العربي

هل سمعت من قبل بالرمضانيات في الأدب العربي؟ لم يكن الأدباء والشعراء على مدى العصور في التاريخ العربي لِيفوّتوا مناسبة عظيمة مثل شهر رمضان المبارك دون أن يتحدثوا عنها، ويبينوا جمالياتها، ويصفوا طقوسها واتفاق الناس واختلافهم في تأديتها، لا سيما أن لشهر رمضان خصوصية مجتمعية تفرض وجودها على أطياف المجتمع كلها، سواء أكانوا من المسلمين أم لا.

تعرَف القصائد التي تتحدث عن شهر رمضان وتدور في فلكه في الشعر العربي بالرمضانيات، ويعدها بعض النقاد لونا شعريا مستقلا، إذ تدور حول مجموعة من الأفكار الثابتة التي تتعلق بشعيرة الصيام لدى المسلمين، ولها خصائص فنية وأسلوبية تميزها من غيرها.

كما تعد هذه القصائد مرآة تعكس الروح الإيمانية لدى الشعراء الذين عُنوا بها وبكتابتها وتحبيرها، إذ يعبرون فيها عن مكنونات النفس المؤمنة وانعكاساتها على الروح في عالم مُواز بعيد عن الواقع المعيش الذي تطوقه المعاني المادية من كل جانب.

فرمضان فرصة الروح للانعتاق من أسر المادة وهيمنة النفس ورغباتها، وذلك بتأطير سلوك المرء وشهواته بالعمل على تربية النفس وتهذيبها وتطويقها بحدود وقواعد لا يمكن للصائم أن يتجاوزها أو يخرج عنها.

تندرج الرمضانيات بطبيعة الحال تحت غرض الشعر الديني، إذ تصور حال المجتمع المسلم وتفاعلاته مع أجواء الشهر الفضيل، وهي قصائد دينية وصفية -إذا جاز التعبير- لأنها تصف حال المسلم أثناء تأدية شعيرة الصيام وأثرها في نفسه.

إعلان

كما تصف معراج الروح في الليالي الرمضانية وانعتاقها من قيد الشهوات الدنيوية، وتتحدث عن أهمية شهر رمضان بوصفه أشبه بدورة إعادة تأهيل نفسي وبدني للانطلاق مجددا في مواكب الأرض سعيا وراء تحقيق الهدف الأمثل من الوجود، ومحاكاة حقيقة الخلق.

ومن جانب آخر، تسهم في تحقيق التوازن النفسي، ما يمنح المرء قدرة على التعاطي مع مجريات الحياة في ظل الصخب الذي يزداد في حياتنا يوما بعد يوم، بسبب طغيان المادة والمنفعة على الإنسان في أيامه ومعاملاته عامة.

ولا تخلو الرمضانيات من الوعظ والحكمة، كما تتكئ على أسلوب السرد القصصي التعليمي أحيانا، ما يجعلها أقرب إلى غرض الزهد من غيره.

أضف إلى ما سبق أن قصائد الرمضانيات تُعنى بدرجة عالية بالحديث عن فضائل الشهر المبارك وما خصّه الله به من مضاعفة أجر العبادات التي تؤدى فيه.

كما تصف استقبال الناس له واستبشارهم بطلوع هلاله عليهم، وحزنهم لفراقه بعد ما وجدوه في أنفسهم من عبق إيماني ينتشر شذاه في فراغات النفس حبا وقربا وإيمانا وطمأنينة، وبعدما عاينوه من توازن نفسي أعاد ترتيب أولوياتهم في هذه الحياة، لاسيما بعد ما لاقوه من بركة وخير عميم في أيامه ولياليه.

هلال رمضان في الشعر العربي

لشهر رمضان حضور واسع في وجدان الأمة الإسلامية، وحضور بهي في تراثنا الأدبي وأشعارنا، وهلال رمضان بشرى خير تطل على العالم الإسلامي في كل عام.

ويبدأ الاحتفاء به وترقب ظهوره من أواخر شهر شعبان استبشارا بما تحمله أيامه ولياليه من فضائل وخيرات ومسرات وجدانية، فها هو الشاعر البحتري يرحب بقدوم شهر رمضان بين يدي الخليفة العباسي المعتصم بالله قائلا:

قم نبادر بها الصيام فقد .. أقمر ذاك الهلال من شعبان

ويرتبط هلال رمضان ببداية شهر الخير، فالترحيب به ترحيب بما يؤذن به من تجليات إيمانية، فلننظر معا إلى ما قاله الشاعر الأندلسي ابن حمديس الصقلي مُرحّبا محتفيا بمجيء شهر الصيام:

قلت والناس يرقبون هلالا

يشبه الصب من نحافة جسمه

من يكن صائما فذا رمضان

خط بالنور للورى أول اسمه

تعد أيام رمضان ولياليه فرصة عظيمة للتجارة الإيمانية الرابحة بكل تأكيد، لذلك نجد مِن الشعراء  مَنْ يحض على اغتنام هذه الأيام والليالي في سبيل تحقيق المغفرة وانجلاء الهموم وتسكين النفس وتعظيم أملها بما ينتظرها في حياتها الآخرة، وفي ذلك  يقول الشاعر أبو عبدالله الأندلسي:

هذا هلالُ الصومِ من رمضان

بالأفق بان فلا تكن بالواني

وافاك ضيفًا فالتزمْ تعظيمه

واجعلْ قِراه قراءة القرآنِ

صمْه وصنْه واغتنم أيامَه

واجبرْ ضعافَ الناس بالإحسانِ

واغسلْ به خط الخطايا جاهدا

بهُمول وابِل دمعك الهتّانِ

وفي قصيدة (هلال رمضان) التي تنسب للشاعر أحمد شوقي، استقبل الشاعر فيها شهر رمضان بمعان بديعة جدا، إذ قال فيها:

يا هلال الصيام مثلك في السامين

للعز من طوى الأفلاكا

مرحبا للثواب منك وأهلا

بليالٍ جمالها لقياكا

كل عال أو كابر أو نبيل

أو وجيه من النجوم فِداكا

أنت مهد الشهور والحسن والإشراق

مهد الوجود منذ صباكا

فوق هام الظلام ضوء جبين الكون

تاجٌ للكائنات ضِياكا

ومن بديع ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي عن هلال رمضان مبتهجا بقدومه وواصفا إياه:

فديتك زائرا في كل عام

تحيي بالسلامة والسلام

وتقبل كالغمام يفيض حينا

ويبقى بعده أثر الغمام

يقول الشاعر الشيخ أحمد سحنون في قصيدة واصفا جمال أثر الصيام في وجوه الصائمين "وعلى الوجوه نضارة الإيمان … يا للجمال يشع في "رمضان"" (رويترز) فضائل الشهر الكريم في الشعر العربي

وفي فضل رمضان وأهميته وتأثيراته العظيمة في نفس المسلم يقول الشاعر الشيخ أحمد سحنون واصفا شهر الصيام بالطبيب المعالج، وبالغيث الذي يهمي على صحراء الروح العطشى لسكينة الإيمان بعد جدب أصابها جراء الانهماك في الحياة الدنيا:

رمضان ما رمضان عهد حضارة … بعطائها زخرت كبحر زاخر

رمضان عنوان الكمال لأمة … صُنعت على عين الحكيم القادر

أكرمْ به شهرًا كأكرم زائر … أعطى وأجزلَ مثل غيث غامر

رمضان يوفده الإله معالجا … لسَقامنا مثل الطبيب الماهر

رمضان ينسينا الهموم بعطره … بين الشهور كمثل روض زاهر

فإليك يا رمضان خير تحية … من حافظٍ عهدَ الصديق وشاكر

ويقول في قصيدة أخرى واصفا جمال أثر الصيام في وجوه الصائمين القائمين العابدين، متحدثا عن انعتاق الروح من شهواتها وتحررها من أسر الحياة الدنيا ومشاغلها:

وعلى الوجوه نضارة الإيمان … يا للجمال يشع في "رمضان"

"رمضان" شهر البر والإحسان … "رمضان" شهر الصوم والقرآن

"رمضان" أغنية بكل لسان … "رمضان" إنك غرة الأزمان

"رمضان " فيك تيقظ الوجدان … "رمضان" فيك تحرر الإنسان

أنا فيك مبتهل إلى الرحمن …  فعسى تعود هناءة الأوطان

في رمضان قامت وتحققت أعظم فتوحات المسلمين وانتصاراتهم، أشهرها وأعظمها غزوة بدر التي وقعت يوم 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة.

إعلان

وكذلك فتح مكة في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، ومعركة القادسية التي جرت أحداثها في رمضان في السنة الخامسة عشرة للهجرة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص، وغير ذلك مما لا يمكن للشعراء تفويت الحديث عنه والتغني به.

فها هو الشاعر الشيخ أحمد سحنون يتحدث عن عظيم الفتوحات في شهر رمضان فيقول:

أي شهر قد ساد كل الشهور … فتجلى في حلة من نور!!

وتوالت فيه الفتوحات وانجابت … عن الكون حلكة الديجور

ويتابع قصيدته متحدثا عن فضائل شهر رمضان وخصائصه مُعدِّدا إياها، ففي رمضان تُصفّد الشياطين ويبقى الإنسان في مواجهة حقيقية بينه وبين نفسه الأمارة بالسوء، ولا يغفل الشاعر عن ذكر أهم ما يميز شهر رمضان عن غيره، إذ خصه الله بجعله الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم:

والشياطين صفدت فهي لا تغوي … وتغري بكل إفك وزور

كل خير فيه يسير وفعل الشر … فيه تلفيه غير يسير

أي شهر غير الذي أنزل … القرآن فيه فكان خير الشهور

رمضان الذي به ولد الإسلام … دين الإنشاء والتعمير

رمضان شهر الهداية … والتوبة شهر التحرير والتطهير

شهر تزكيه النفوس وتهذيب … العقول بالعلم والتنوير!

ولشدة جمال أجواء الشهر الكريم وما يضفيه على النفس من حبور واطمئنان تمنى الشاعر تميم الفاطمي لو كان شهر رمضان حولا كاملا؛ فقال:

يا شهر مفترض الصوم الذي خلصت

فيه الضمائر بالإخلاص في العمل

صومٌ وبرٌ ونسكٌ  فيك  متصل

بصالحٍ  وخشوع  غير  منفصل

يا ليت شهرك حولٌ غير منقطع

وليت  ظلك عنّا غير  منتقل

وفي وصف حال الصائمين المنتظرين لأذان المغرب، التواقين لنداء الإفطار بعد صيام طويل، يقول الشاعر راصدا حركات الصائمين وانفعالاتهم النفسية وترقبهم للأذان:

جعلت الناس في وقت المغيب

عبيد ندائك العاتي الرهيب

كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا

يعذبهم، تلفَّت للطبيب

وأتلِعت الرقاب بهم فلاحوا

كركبان على بلد غريب

لليلة القدر نصيب كبير من الرمضانيات فيقول الشاعر أحمد مخيمر "أنت في الدهر غرة وعلى الأرض سلام وفي السماء دعاء" (رويترز) المزج بين الرمضانيات والأغراض الشعرية الأخرى

مزج بعض الشعراء بين الرمضانيات وأغراض شعرية أخرى، ولعل أولها وأهمها في هذا السياق كان غرض المديح، فإذا أراد الشاعر مدح خليفة أو صاحب مقام عال لا سيما في العصور الإسلامية عمد إلى الحديث عن ورع الممدوح وتقواه وزهده وعباداته.

إعلان

وشهر رمضان خير وسيلة لهذا الحديث، ومن ذلك قول الشاعر العباسي ابن أبي حصينة:

صِيامكَ للمهيمن ذي الجلال … وفطرك للمكارم والمعالي

فيومٌ لِلتُقى وَلِنَيلِ أَجرٍ … وَيَومٌ لِلمَواهب والنِزالِ

فأنت من المَناسِكِ غَيرُ عارٍ … وَأَنت من المحامد غيرُ خالِ

فِدىً لِلعامِرِيِّ أَبِي وَأُمّي … وَما ثَمَّرتُ مِن نَشَبٍ وَمالِ

استعمل الشعراء فكرة الصيام وتأدية العبادات في شهر رمضان بوصفها أيقونة تدل على ورع الممدوح والتزامه الديني والأخلاقي.

ومن مبالغة بعض الشعراء أن عمدوا إلى تشبيه فضل الممدوح بفضل شهر رمضان وفضل ليلة القدر على غيرها من الليالي.

ومن ذلك ما قاله الشاعر الصنوبري في سياق المديح:

نلت في ذا الصيام ما ترتجيه .. ووقاك  الإله ما تتقيه

أنت في الناس مثل ذا الشهر في الأشهر

وتنبه الشعراء إلى الاستفادة من شهر رمضان الكريم في نظم قصائد التهنئة لِأُولي الملك والسلطان، كقصيدة البحتري التي هنأ فيها الخليفة العباسي المعتصم بشهر رمضان فقال:

بالبر صمت وأنت أفضل صائم    وبسنة الله الرضية تفطر

ولو أن مشتاقاً تكلف فوق ما    في وسعه لسعى إليك المنبر

ماذا عن ليلة القدر في الشعر العربي؟

لليلة القدر نصيب كبير من الرمضانيات، وحضورها في الشعر العربي واسع، إذ يترقبها المسلمون ترقب الظمآن بعد قحط وعطش شديد، علّ دعاء فيها يغير الأقدار ويقلب الموازين ويسعد القلوب ويبهج النفوس، وها هو الشاعر أحمد مخيمر يتحدث عن شهر رمضان مبينا فضائله واصفا إياه بروضة المؤمن التقي، وذاكرا فضائل ليلة القدر:

أنت في الدهر غرة وعلى الأر

ض سلام وفي السماء دعاء

يتلقاك عند لقياك أهل الـ

ـبر والمؤمنون والأصفياء

فلهم في النهار نجوى وتسبيـ

ـح وفي الليل أدمع ونداء

ليلة القدر عندهم فرحة العمـ

ـر تدانت على سناها السماء

في انتظار لنورها كل ليل

يتمنى الهدى ويدعو الرجاء

وتعيش الأرواح في فلق الأشوا

ق حتى يباح فيها اللقاء

فإذا الكون فرحة تغمر الخلـ

ـق إليه تبتل الأتقياء

وإذا الأرض في سلام وأمن

وإذا الفجر نشوة وصفاء

وكأني أرى الملائكة الأبـ

ـرار فيها وحولها الأنبياء

نزلوا فوقها من الملأ الأعلـ

ـى فأين الشقاء والأشقياء؟

ومن ذلك أيضا ما جادت به قريحة الشاعر  محمد العيد آل خليفة مخاطبا نفسه قائلاً:

تهجدي في الليالي العشر وارتقبي        في ليلة القدر ما يسخو به القدر

ولا تكوني بطيب الورد قانعة        لا يحمد الورد حتى يحمد الصدر

جاء اسم القوما من قول بعض المسحرين: "نياما قوما .. قوما للسحور" (الأناضول) هل سمعت بفن (القوما) في الشعر من قبل؟

ظهر هذا الفن كما يقال في العصر العباسي في بغداد ثم انتقل إلى القاهرة، ويعتمد بعض دارسي الأدب عند الحديث عن فن القوما مصطلح  أدبيات التسحير.

إعلان

فالقيام للسحور من طقوس شهر رمضان المبارك، ويرتبط التسحير أي إيقاظ الناس للتسحر في ليالي شهر رمضان بالدق على الأبواب وقرع الطبل.

والغرض من إنشاد الأشعار المعروفة بفن القوما من قِبَل المسحر هو إيقاظ الناس للسحور في شهر رمضان المبارك، ومن هنا جاءت تسميته بــ"قوما"، إذ تعبر عن نداءات "المسحراتي" الذي يتجول في الأزقة والشوارع وقت السحر ليوقظ الناس مناديا إياهم (قوما للسحور).

لذلك نجد أنها تعتمد اللهجة الدارجة بين الناس، وتعد من الشعر الشعبي، وقد جاء اسم القوما من قول بعض المسحرين:

نياما قوما .. قوما للسحور

وقد نُظمت أشعار القوما على مجزوء الرجز، ويقال إن لهذا الفن وزنين مختلفين؛ الأول مركب من أربعة أقفال، تكون الثلاثة الأولى متوازية في الوزن والقافية، أما الرابع فيكون أطول منها وزنا، ويكون مهملا بغير قافية.

وتقوم هذه الأشعار على مجموعة من المواعظ والحكم الدينية، وتتكئ على اللغة الوجدانية التي تخاطب عاطفة السامع وتحركها وتحضها على العمل من أجل الحياة الآخرة.

وفي تعريف هذا اللون الشعري قال الشاعر محمد علي عزب "إنه نظم غنائي يُصاغ باللفظ العامي، وله شكل فني خاص به، حيث يتكون البيت من عدة أشطر مُقفّاة بطريقة معينة".

يقول الأبشيهي صاحب كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) إن بداية هذا اللون الشعري تعود إلى أبي بكر محمد بن عبد الغني (629هـ) المعروف بابن نقطة، وذكر بعض القصائد التي تندرج تحت "فن القوما"، وأكد أنها تشتهر بطرافة معانيها وخفة إيقاعها.

وأشار الأبشيهي إلى أن تأثير هذا الفن الشعبي كان واسعا، وذكر بعض قصائد صفي الدين الحلي التي حاكت هذا الفن في النظم والأسلوب والإيقاع.

الشكوى من الصيام في فصل الصيف

لم يمنع إيمان الشعراء وحبهم للشهر الفضيل من تذمرهم وشكواهم من فرط ما يعانونه من تعب وعطش في أيام رمضان، لا سيما في فصل الصيف، ومن ذلك ما قاله الشاعر العباسي ابن الرومي على وجه الفكاهة:

شهر الصيام مباركٌ   ..   ما لم يكن في شهر آبْ

خفت العذاب فصمته  ..  فوقعت في نفس العذابْ

في حين نجد شاعرا آخر يجاهد النفس ويغتنم ما بقي له من أيام في الصيام على الرغم من كبر سنه، وهو الشاعر السوري عمر بهاء الدين الأميري، الذي يصور حوارا لطيفا دار بينه وبين آخرين عن تعب الصيام في شهر رمضان، فيقول:

قالوا : سيتعبك الصيام         وأنت في السبعين مضنى

فأجبت: بل سيشد من        عزمي ويحبو القلب أمنا

ذكرا وصبرا وامتثالا           للــــذي أغنى وأقنى

ويمدني روحا وجسما         بالقُوى معنى ومبنى

رمضان عافية فصمه       تقى، لتحيا مطمئنّا

وإننا في كل عام إذ نستقبل شهر رمضان المبارك نغتنم أيامه ولياليه ونعاين جماله وبركاته، حالنا كحال هؤلاء الشعراء الذين يبتهجون بالشهر الفضيل ولسان حالنا يردد قول الشاعر:

رمضان يا خير الشهور

وخير بشرى في الزمان

ومطالع الإسعاد ترفل

في لياليك الحسان

وفي وداع شهر رمضان المبارك نتمثل قول الشاعر الأندلسي ابن جنان الذي يتحسر على انقضاء شهر الصيام؛ شهر الخير واليمن والبركات فيقول:

مضى رمضان أو كأني به مضى

وغاب سناه بعدما كان أوْمَضا

فيا عهده ما كان أكرم معهدا

ويا عصره أعزِزْ عليّ أن انقضى

ومثله في ذلك الشاعر الشيخ أحمد سحنون الذي يتحدث عن الدقائق الأخيرة المتبقية من رمضان فيقول:

لم يبق من رمضان غير دقائق … ويزول مثل زوال أمس الدابر

يا حسرتا لفراقه ففراقه … ما كان غير فراق عهد زاهر

مقالات مشابهة

  • نجم «رأس الغول»
  • اليمن العربي حُجةٌ على المتخاذلين
  • نجم «ذنب الدلفين»
  • عادات شهر رمضان في التراث العربي والإسلامي
  • لحن الوئام على أرض العرب
  • كيف سيكون الطقس خلال عيد الفطر في العالم العربي؟
  • فديتك زائرًا في كل عام.. الرمضانيات في الشعر العربي
  • العنصرية عند العرب
  • عراق التضحيات.. لماذا يقابل بالجحود العربي؟
  • حكاية مقيم في قطر