لجريدة عمان:
2025-04-24@09:55:26 GMT

امتحان خطاب الكونـية

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

لم يكن خطاب الكونية موضع امتحان عسير -منذ ابتداء القول به مع نشأة العولمة- مثلما هو عليه أمره اليوم. كان الخطاب هذا -محمولا على صهوة الليبرالية الجديدة- يسوغ لنفسه ولفكرته «الكونية» بالعولمة؛ فهي المصداق لما يزعمه من ولوج البشرية عهد «ما بعد الأمم» والدول والحدود والسيادات، حيث السبيل مفتوحة إلى «مجتمع كوني» جامع وشامل.

وهل من قرينة على ذلك أكثر من العولمة الذاهبة بتلك الحدود والسدود إلى الزوال، والنازلة بأحكامها الإلحاقية «التوحيدية» على المجتمعات والدول كافة، ثم هل من دليل على تجسد «الكونية» في العالم الإنساني يفـقع به منطق كل المكذبين أفضل من العولمة؟ ما كان موضع استغراب، إذن، أن يقترن تضخم خطاب «الكونية» بفتوحات العولمة وانتصاراتها المتلاحقة، خلال طبعة نيوليبرالية منها سادت بين مطالع العقد الأخير من القرن الماضي وخواتيم العقد الأول من هذا القرن. نعم، ما كان في ذلك ما يبعث على الغرابة وإن كان كثيره يبعث على الاسترابة.

إلى عهد قريب-إذن- درج على كلام ظفراوي انتشائي على كونية آتية لا ريب فيها، تقتلع من طريقها بقايا مقاومات يائسة تطلقها الدول والأمم كمثل حشرجات تتسلق أجساما (= قوميات) مؤذنة بخاتمتها! ثم ما لبث حبل كذبة «الكونية» القصير أن بـدأ يتقطع، منذ عقد ويزيد، حيث شرعت العولمة في إبدال مراكزها والانتقال بدينامياتها من طور إلى طور آخر تتغير فيه معادلاتها بتغير مراكز قواها. كان من آثار ذلك ومن تبعاته، مثلا، أن الدول التي كانت عرضة لتأثيرات العولمة سلبا على اقتصاداتها وسياداتها الوطنية - مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا...- لم تعد هوامش تتعرض لما كانت تتعرض له من ضروب الأذى على اقتصاداتها وسياداتها، ولم تنتقل من تخوم إلى مجرد مراكز جديدة مشاركة في صناعة العولمة وإنتاج حقائقها، فقط، بل باتت هي مراكز العولمة اليوم بعد أن كانت من أطرافها وهوامشها أمس. في المقابل، فقدت المراكز العولمية القديمة (الولايات المتحدة، أوروبا، اليابان) امتياز السيطرة على نظام العولمة شيئا فشيئا، وتراجعت حصتها المادية والابتكارية منها.

وما كان هذا التبدل الهائل في جغرافيا العولمة وقواها ومراكزها وتوازناتها ليمر من غير أن يترك آثاره العميقة على القوى العولمية الغربية الكبرى، وعلى خطاب «الكونية» الذي اخترعته أجهزتها الإيديولوجية. ولعل أظهر تلك الآثار جميعا ما نلحظه -منذ سنوات عدة- من ميل متزايد في السياسات الأمريكية والأوروبية نحو الانسحاب من الأطر العابرة للحدود، التي ولدتها العولمة، والانكفاء التدريجي إلى الداخل القومي في شكل من النكوص والارتداد مثير. وقفنا على وجوه من ذلك الانكماش في تصويت شعوب أوروبية ضد مشروع الدستور الأوروبي الموحد، تعبيرا منها عن رفضها عولمة تقترح عليها إنهاء السيادات القومية والانتظام داخل كيانية سياسية واحدة تصهر الأمم جميعها في بنية واحدة. ووقفنا على مثال ثان له بمناسبة التصويت الشعبي البريطاني لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى السيادة الاقتصادية. ثم وقفنا على أعلى تجلياته في مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية -مع إدارة دونالد ترامب- إلى الانسحاب من عدد هائل من المعاهدات والاتفاقات الدولية والمنظمات من باب رد فعلها على انقلاب نتائج العولمة على مصالحها القومية، المصالح عينها التي اقتضت، فيما مضى، عولمة يتعاظم بها شأنها.

في كل هذه الأمثلة السابقة، ضربت فكرة الكونية في مقـتل وتبينت للقائلين بها حدودها المتواضعة، بل هي بدت مصيدة لا أفقا لمراكز غربية اندفعت نحو نظام العولمة اندفاعات هوجاء وغير محسوبة. لقد اكتشفت هذه المراكز متأخرة -والولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص- أن «الكونية» (العولمة) نفسها موضوع نزاع بين القوى والأقطاب (الدول والقوميات) الكبرى في العالم، وليست مسألة انحسمت قيادتها والسيطرة عليها بمجرد ارتياد مبكر لآفاقها من قبل دول الغرب الكبرى. أما الانسحابات المتوالية لهذه الدول من أطر العولمة فقرينة منها على اعتراف صريح بالعجز عن الاستمرار في منافسة قـوى عولمية جديدة من خارج الغرب أو مجاراتها في مشروعاتها العلمية والتنموية الكبرى. هكذا يدخل خطاب «الكونية» الغربي أزمة مصداقـيته في امتداد تأزم مشروعه العولمي الذي بـدا وكأنه بات عبئا على دوله يدفعها إلى فرملة المسير فيه أو-قـل- إلى الانتقال فيه من ضفاف «الكوني» الممتنع والافتراضي إلى الجغرافيات الكيانية القومية الواقعية.

الأنكى في سيرة الخطابات الإيديولوجية الغربية ما تضمره من إرادة في التلاعبات بالحقائق وبالأشياء والعناصر وحملها على وجوه عدة يقع فيها تظهير هذا وطمس ذاك على منوال شديد الانتقائية. من ذلك أن الخطاب الغربي -المتراجع حثيثا عن فكرة الكونية- يتجاهل أن مراكز جديدة من خارجه، تقودها الصين، تصنع شيئا شبيها بتلك «الكونية» الغربية من خلال ذهابها في العولمة إلى الحدود القصوى. مع ذلك، لا نعثر في ذلك الخطاب الغربي على شبهة اعتراف بذلك، ولا على كلام متجدد على «كونية» مصنوعة في الشرق. والتجاهل هذا أمارة على نزعة من التمركز الذاتي تستبد بالغرب فتمنعه من رؤية غيره في العالم، ومن معاينة الحقائق الجديدة التي تولد خارج حومته، بما يقيم عليه الحجة من نفسه!

خطاب الكونية اليوم في حالة امتحان عسير لاختبار معدل الحجـية، أو معدل التـره والباطل، فيه بعد أن كشفت أزمة العولمة عورته الإيديولوجية، وبعد أن استعادت الدول والقوميات قدرتها على التنزل أطرا مرجعية متجددة لكل الفتوحات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية في العالم. على مثل هذا الخطاب أن يبـرر للعالم مفارقته الغريبة: الكلام الهذياني عن «الكونية» حين تحمل العولمة على حوامل غربية، والصمت المطبق عنها حين تنتقل العولمة شرقا وتستقر في مراكزه!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم ما کان

إقرأ أيضاً:

خطاب النصر ‏واجتماع كان لا بد منه!؟؟

يمانيون ـ الشيخ حسين علي حازب*

‏رغم ثقتنا وتسليمنا ‏لحنكة وحسن تصرف ‏قائد الثورة “يحفظه الله” ‏وقيادتنا السياسية والعسكرية والأمنية ‏في إدارة معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ‏إسناداً لإخوتنا في غزة ودفاعا عن بلدنا ضد العدوان الأمريكي، ‏فإن اجتماع مجلس الدفاع الوطني اليوم برئاسة رئيسه رئيس المجلس السياسي الأعلى ‏المشير مهدي المشاط ‏كان ضرورة لا بد منها ‏وجاء في وقته ليس لأجل الخارج الصديق والعدو ‏ولكن لأجل الشعب اليمني ‏الصامد طرف ‏الثنائي العظيم القائد والشعب ‏كما أسماه ووصفه الرئيس، ‏فرغم ثبات شعبنا في المواجهة وإصرارهم عليها ‏إلا أن ذلك يعني ‏ضرورة وأهمية أن يطلعوا من أعلى الهرم القيادي ‏عن المعركة والمواجهة مع العدو الأمريكي ومن معه وخلفه وبجانبه ‏الذي يستهدف الإنسان اليمني والحياة ‏وامكانات وضرورات الإنسان اليمني.

‏وهذا ما أدركته قيادتنا الثورية والسياسية والعسكرية والأمنية ‏لعقد هذا الاجتماع التاريخي والاستثنائي ‏لتقديم صورة عن الوضع وعن الحالة العسكرية والأمنية وتطمين الشعب الذي تعتبر المعركة معركته، ‏هذه الصورة التي لا ضبابية فيها ‏نقلها إلى الأمة والعالم ‏والعدو والصديق.

‏رئيس المجلس السياسي الأعلى ‏القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن..‏رئيس مجلس الدفاع

‏في كلمته التي ألقاها في الاجتماع ‏والذي كان موفقا ‏كما عهدناه بوضع النقاط على الحروف

‏بداية بتطمين الشعب ‏والأصدقاء بأن الوضع ‏العسكري كما يحبوا ‏وتأكيد هزيمة العدو قبل أن يبدأ ‏وتأكيد موقفنا الأخلاقي مع غزة وأن ما يقدمه شعبنا من تضحيات بشرية ومادية

‏ضريبة مقبولة الدفع إسنادا لشعب يذبح على الهواء مباشرة أمام العالم ‏وفي المقدمة العرب والمسلمين ‏الذي تقوم اليمن ‏نيابة عنهم بعد أن خذلوا غزة وأهلها أن هذا الاجتماع ‏الذي كان الظهور فيه لتلك الوجوه الوطنية والإيمانيّة الشجاعة ‏معركة في حد ذاته، ‏ثم ذلك الخطاب للمشير المشاط ‏وكلام الرائد الذي لا يخذل أهله.. ‏والذي أعتبره وأقول بقناعة وثقة في الله سبحانه وقائدنا وقيادتنا: ‏كان ‏خطاب واجتماع النصر ‏ليس لليمن فحسب ولكن لغزة وكل أحرار العالم !!؟

‏فهزيمة أمريكا هنا ‏تعني أن ترامب اللعين ‏سيضطر لإيقاف ‏قائده النتن ياهو عن عدوانه وجرائمه ‏على غزة مكرهً غير راض.

‏شكرا أيها القائد الحبيب السيد عبدالملك الحوثي ‏وشكرا أيها الرئيس الكفوء، ‏وشكرا أيها الأبطال والمجاهدين أعضاء مجلس الدفاع الوطني ‏على إدراككم لحاجة الناس ‏لهذا الاجتماع ‏وتوقيتكم المناسب لهذا الظهور ‏الشامخ والرجولي ‏الذي سيكون له ما بعده ‏والذي كان بلسما شافيا لحراج ‏الشعب والصديق، ‏وكان صواريخ ومسيرات على العدو ‏والخونة والعملاء وبائعي الوطن، إنه إعلان وخطاب النصر والثبات ‏والهزيمة للعدو ‏وخطاب الادانة التاريخية التي لا تشبهها ادانة ‏للعرب والمسلمين ‏على مواقفهم من الإبادة الجماعية لأهل غزة ‏بل والمشاركة في الجريمة أو تأييدها والسكوت عنها وخذلان أهل غزة ‏والتآمر عليها وعلينا وعلى المقاومة.

‏إنه خطاب واجتماع الثبات على الموقف، إنه خطاب واجتماع التطمين والتأكيد لأهل غزة باننا لن نخذلهم، إانه خطاب واجتماع التحدي للعدو ‏ومن يساند العدو،‏والخطاب العابر للقارات وصولا إلى الشعب الأمريكي، إنه خطاب الرسائل المشفرة وغير المشفرة لمن يريدوا السير في طريق الشيطان، إنه خطاب كشف الحساب للعملية العسكرية، إانه خطاب واجتماع الإيمان كله ضد الكفر كله.

‏إنه خطاب واجتماع والتسليم لقائد الثورة الحبيب عبدالملك الحوثي قائد هذه المنازلة ‏وصاحب القرار الشجاع، إنه الخطاب والاجتماع الذي نؤيده ونباركه ونؤكد وقوفنا إلى جانبه واعتباره

‏خطاب شعب يمن الإيمان إلى العالم كله، ‏ويومئذ يفرح المؤمنون بنصرالله والحمد لله أولا وأخيرا.

‏عاشت قيادتنا والنصر لشعبنا ولكل المؤمنين الذين يواجهون ‏طواغيت الأرض.

‏والله الموفق.!

* ‏عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام

مقالات مشابهة

  • موعد امتحانات أبريل لصفوف النقل 2025 بمحافظة الجيزة
  • الدولـة وتـحـدّي العـولمـة
  • أحمد عبد الوهاب يكتب: اللغة العربية بين العولمة والهوية "تحديات وحلول"
  • تعرف على الدول العربية المتضررة كثيرا من رسوم ترامب الجمركية.. اليمن منها؟
  • مواعيد امتحانات الثانوية العامة لعام 2025 بنظامها الجديد
  • WP: البابا فرنسيس كان عالميا في عصر القوميين المتشددين الجامدين
  • خطاب النصر ‏واجتماع كان لا بد منه!؟؟
  • لصفوف النقل في الجيزة.. جدول امتحانات شهر أبريل 2025
  • جدول امتحانات شهر أبريل 2025 لصفوف النقل في الجيزة
  • رئيس الوزراء يُطلق أول امتحان وطني لتقييم كفاءة الكوادر الطبية في عدن بمشاركة أكثر من 2400 متقدم