فوز الشاعر الدكتور حسن طلب بجائزة سلطان العويس؛ جاء فى موعده- ربما- ليعيد هيبة القصيدة بعد سنوات من الكساد والخمول الذى أحاط بالشعراء وأبعد الجمهور عنهم.
حسن طلب (١٩٤٤. سوهاج) درس الفلسفة فى كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه وعمل بالسلك الجامعى. وخلال رحلة أدبية طويلة صارت قصائده لها بصمتها الخاصة ورؤية فلسفية مكنته من أن يكون أميز أبناء جيله.
من أهم دواوين طلب: متتالية مصر وسيرة البنفسج ولا نيل إلا النيل بستان السنابل. ومن بين كتبه: أصل الفلسفة اليونان أم مصر القديمة.
من بين قصائده: يا مرسلة غزلانك فى قمحى / فى كرمى.. تاركة خيلك / ما كان أضل خروجك لى / تحت الدوح.. وكان أضلك / كنت مصوبة نبلك / لكأنك كنت حساما / والعشق استلك / بل لكأنك أنت المنذورة لى / منذ زمانين / فأى دليل دلك / هل شجر الليلك / مهلك / عن عينى ردى خيلك / إنى سوف بأكثرك أرد أقلك.
حسن طلب أراد للقصيدة أن تكون فاعلة فى وقت الغياب الشعرى، فكان أمامه خمس طرق لتحقيق ذلك: أولا: أن تجتذب القصيدة القارئ الذى هجر الشعر وحتى إذا اكتفى- هذا القارئ- بكلام الأغانى فإن المتاح أمامه هو هذا الغثاء السائد على ألسنة المطربين الشباب- فيما ندر - كلمات تجتذب قطاعًا كبيرًا منهم وتلتهم اذواقهم؛ حتى لقد صار هذا هو الشعر عندهم .
ثانيًا: حاول طلب أن يلتهم من تراثنا الاسلامى والمسيحى بإخلاص شديد وإن كان هذا يتطلب جهدًا كبيرًا جدًا وقد تحققت طفرة ملحوظة فى دواوينه الثلاثة الأخيرة، بحيث صارت قاموسا أمامنا نتعلم من مفرداته وخفايا سحره المكنون.
ثالثا: أراد حسن طلب- ونجح سريعا - أن يكون البعد الفلسفى هو الشريان التاجى لقصيدته، وقد صار هو المنظم لضربات قلب المحتوى الشعرى و تضاريسه.
رابعًا: كان لا بد للقصيدة فى بدايات أو منتصف سنوات السبعينيات من القرن الماضى أن تخرج من قيود وسجن صلاح عبدالصبور وحجازى وعبدالرحمن الشرقاوى والبيانى وخليل حاوى وادونيس وغيرهم، هؤلاء صبغوا شعرنا العربى ببصمات قوية جدا أضرت الشعراء بعدهم، وقد أرادوا التميز والإفلات من قبضتهم الواعية. حسن طلب ورفاقه نجحوا فى تطوير وتثوير القصيدة شكلا ومضمونا.
خامسًا وأخيرا: كان للأحداث السياسية القاسية التى أطاحت- ولاتزال- بكل القيم والمنطق والمعقول، بل لقد تخطت مرحلة اللا معقول، كل هذا رسم وأجبر الشعراء المجددين على طرح رؤى أو لنقل خرائط بديلة لكل ما كان موجودًا؛ وهذه الجزئية وحدها عرقلت الوقت نحو وصول القصيدة للمتلقى؛ وكان ذكاء حسن طلب ورؤيته المستقبلية حاضرين فى إعداد مشروع القصيدة الجديدة وظهر هذا واضحًا في أعداد مجلة إضاءة ومطبوعاتها .
حسن طلب رحلة نجاح واعية صارت قدوة أمام المجددين. فى كل قصيدة جديدة له كان حاضرًا بهذا القاموس والمنهج.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كاريزما الشاعر الدكتور حسن طلب جائزة سلطان العويس حسن طلب
إقرأ أيضاً:
من العصر القديم إلى الحديث.. رمضان في الشعر العربي.. تجليات روحية وصور أدبية
يحتل شهر رمضان مكانة خاصة في وجدان المسلمين، حيث تتجلى فيه قيم العبادة، والتأمل، والتواصل الروحي، ولم يكن الشعراء بمنأى عن هذا التأثير، فقد تغنوا بجمال الشهر الكريم، ورصدوا أجواءه الروحانية وأثره في النفوس، معبرين عن معاني الصوم والطاعة والصفاء الروحي.
رمضان في الشعر العربي القديمفي العصر العباسي والأندلسي، أبدع الشعراء في وصف رمضان باعتباره شهر العبادة والتقوى. يقول أبو تمام في قصيدة مشهورة: (والصوم مروضة النفوس لفطْرها.. عن لذةِ الإثم الذي هو ملتذ).
ويرى أن الصوم يروض النفس، ويبعدها عن الذنوب والشهوات، ليكون وسيلة للتطهير والتقرب من الله.
أما الشاعر الأندلسي ابن العريف، فقد صور رمضان ببهجة خاصة، واعتبره موسماً للتوبة والمغفرة، حيث يقول: (وشهر الصوم منتصف تجلى
ينادي بالتقى في كل واد).
أما في الشعر الصوفي، فقد تميز رمضان بوصفه فرصة للوصول إلى الصفاء الروحي والانقطاع عن الدنيا للتركيز على الله، وكان جلال الدين الرومي وابن الفارض من أكثر الشعراء الذين مجدوا هذا الشهر بطريقة رمزية، حيث شبهوا الجوع بالصيام عن كل ما يشغل القلب عن الله، يقول ابن الفارض: (إن لم يكن فِي معادي آخِذِي بيدي.. فما صيامي وما صومي وما سنني)، ويعني هنا أن الصوم ليس مجرد الامتناع عن الطعام، بل هو تقرب روحي إلى الله، وتطهير للقلب والنفس.
رمضان في الشعر الحديثفي العصر الحديث، استمر الشعراء في الاحتفاء برمضان، ولكن بأساليب أكثر بساطة وأقرب إلى الحياة اليومية، فقد صور أحمد شوقي رمضان بكونه شهر الخير والرحمة، حيث يقول: (رمضان ولى هاتها يا ساقي.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق)، ورغم أن البيت يتحدث عن انقضاء رمضان، إلا أنه يعكس اشتياق الناس لهذا الشهر بكل تفاصيله.
أما محمود حسن إسماعيل، فقد صوّر مشاهد رمضان في الريف المصري، حيث تحدث عن صوت المسحراتي، وعن تجمع الأسر حول موائد الإفطار في أجواء مليئة بالدفء.
ويظل رمضان ملهمًا للشعراء في كل العصور، حيث يجسد معاني الطهر والتأمل والتقرب من الله، وبينما ركز القدماء على الجوانب الروحانية والتعبدية، تناول المحدثون أجواءه الاجتماعية وتأثيره في الناس. ورغم اختلاف الأساليب، يبقى رمضان مصدر إلهام متجدد في الشعر العربي.