لم أعد أتحمّل المشاهد التي أراها... شهادة صحافي من داخل غزة
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
إعداد: فريق تحرير مراقبون 2 دقائق
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، اعتاد الصحافي مدحت حجاج إرسال شهادات ومقاطع فيديو من قطاع غزة إلى فريق تحرير "مراقبون". وفي مقطع مصوّر أرسله لنا يوم الإثنين 6 نوفمبر/تشرين الثاني من داخل مستشفى دار الشفاء، بعد ليلة من القصف غير المسبوق، قال إن الناس "أصبحت تتشاجر على قطرة من الماء".
كانت ليلة الأحد إلى الإثنين 6 نوفمبر/تشرين الثاني أعنف ليالي القصف على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.. هذا ماقاله الصحافي مدحت حجاج من سكان غزة في اتصال مع فريق تحرير "مراقبون". مدحت حجاج اتخذ مستشفى دار الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، مقرا له منذ بدء القصف الإسرائيلي، حيث يتسنى له تصوير المصابين وعمل الطواقم الطبية.
في البداية قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في مؤتمر صحفي إنه سيتم قصف المستشفيات بشكل مباشر [هيئة التحرير: خلال مؤتمر صحفي عُقد في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، بث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تسجيلا صوتيا أُرسل إلى سكان غزة يطلب فيه الجيش من المدنيين إخلاء المستشفيات، موضحا أن "جميع الأشخاص الذين يتواجدون في مكان قريب من الإرهابيين وقواعدهم يعرضون حياتهم للخطر"].
بعد ساعات قليلة تم قطع الاتصال الهاتفي والإنترنت، وبدأت المجازر في حق أهالينا في مدينة غزة وفي كل المناطق. سقطت منازل بشكل كامل على رؤوس ساكنيها. لا أحد يستطيع إنقاذ الجرحى ولا إجلاء الموتى.
حتى الإسعاف لم يتمكن من فعل أي شيء، لأن ليس هناك اتصالات وأي أحد يتحرك يتم استهدافه بشكل مباشر. لا أدري إذا كنت سأتمكن من تسجيل فيديو آخر بعد اليوم.
أما على باقي الأصعدة، الماء والأكل تقريبا من المستحيل توفيرهم. الناس تصطف في طوابير للحصول على الماء في بعض المناطق التي يتوفر فيها ما يتيسر.
كل المخابز مغلقة في مدينة غزة وشمال قطاع غزة، ذلك لسببين: قصف المخابز بشكل مباشر ونفاد الوقود والغاز والكهرباء، ما يحول دون تشغيل هذه المخابز، حتى ولو وُجد الطحين.
الآن الناس لا تأكل ثلاث وجبات، بالكاد يأكلون وجبة في اليوم، أو بعض البسكويت. الناس تتشاجر على قطرة ماء. بعض الناس قررت الصوم بسبب نقص الطعام.
لم أعد أتحمّل المشاهد التي أراها، لم أعد أستطيع إكمال عملي الصحفي، لأنه أنا في الآخر بشر، فلم أعد أستطيع التحمل.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: بيئة خبر كاذب جرائم حرب قطاع غزة إسرائيل صحافة بيئة
إقرأ أيضاً:
التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
في الحروب، لا تُطلق النيران فقط من فوهات البنادق والمدافع، بل تنطلق أيضاً من وراء الشاشات وصفحات التواصل، عبر رسائل مشبوهة وأحاديث مثبطة، في إطار ما يُعرف بالحرب النفسية. ومن بين أبرز أدوات هذه الحرب وأكثرها خبثاً: “التشكيك”. هذا السلاح الناعم تُديره غرف إلكترونية متخصصة تابعة للمليشيات، تهدف إلى زعزعة الثقة، وتفتيت الجبهة الداخلية، وبث الهزيمة النفسية في قلوب الناس، حتى وإن انتصروا في الميدان.
التشكيك في الانتصارات العسكرية، أحد أكثر الأساليب استخداماً هو تصوير الانتصارات المتحققة على الأرض من قِبل القوات المسلحة السودانية على أنها “انسحابات تكتيكية” من قبل المليشيات، أو أنها “اتفاقات غير معلنة”. يُروّج لذلك عبر رسائل تحمل طابعاً تحليلياً هادئاً، يلبسونها لبوس المنطق والرصانة، لكنها في الحقيقة مدفوعة الأجر وتُدار بخبث بالغ. الهدف منها بسيط: أن يفقد الناس ثقتهم في جيشهم، وأن تتآكل روحهم المعنوية.
التشكيك في قدرة الدولة على إعادة الإعمار، لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ رسالة أو منشوراً يسخر من فكرة إعادة الإعمار، خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه وإصلاح البنى التحتية المدمرة. هذه الرسائل تهدف إلى زرع الإحباط وجعل الناس يشعرون أن لا جدوى من الصمود، وأن الدولة عاجزة تماماً. لكن الواقع أثبت أن إرادة الشعوب، حين تتسلح بالإيمان والثقة، أقوى من أي دمار، وقد بدأت بالفعل ملامح إعادة الحياة تظهر في أكثر من مكان، رغم ضيق الموارد وشدة الظروف.
التشكيك في جرائم النهب المنظمة، مؤخراً، لاحظنا حملة تشكيك واسعة، تُحاول التغطية على جرائم النهب والسلب والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات طوال عامين. الحملة لا تنكر تلك الجرائم بشكل مباشر، بل تثير أسئلة مغلّفة بعبارات تبدو عقلانية، لكنها في جوهرها مصممة بعناية لإثارة دخان كثيف ونقل التركيز نحو جهات أخرى.
كيف نُساهم – دون قصد – في نشر التشكيك؟ المؤسف أن الكثير منا يتداول مثل هذه الرسائل بعفوية، وأحياناً بدافع الحزن أو القلق على الوطن، دون أن يتوقف ليتساءل: من كتب هذه الرسالة؟ ولماذا الآن؟ وما الذي تهدف إليه؟ وبهذا نُصبح – دون أن ندري – أدوات في ماكينة التشكيك التي تخدم أجندة المليشيات وتطعن في ظهر الوطن.
كيف نواجه هذه الحرب النفسية؟
الرد لا يكون بصمتنا أو بتكرار الرسائل المشككة، بل بـ:
وقف تداول أي رسالة مجهولة المصدر أو الكاتب.
عدم إعادة نشر أي محتوى يحمل ظنوناً أو يشكك أو يُحبط أو يثير اليأس.
نشر الإيجابيات، وبث الأمل، وتعزيز الثقة بالله أولاً، ثم بمؤسسات الدولة مهما كانت لدينا من ملاحظات أو انتقادات.
في الختام، التشكيك لا يبني وطناً، بل يهدمه حجراً حجراً. فلنكن على وعي، ولنُفشل هذا السلاح الخفي، بمناعة داخلية قائمة على الإيمان، والعقل، والأمل، والثقة بأن الوطن سيعود أقوى، ما دام فينا من يرفض الانكسار ويؤمن بأن النصر لا يبدأ من الجبهة، بل من القلب والعقل.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢١ أبريل ٢٠٢٥م