حلم الدولة الفلسطينية والهروب من استحقاقاتها
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وإعلان إسرائيل الحرب على غزة من أجل -كما تقول- القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة المسلحة، باعتبار أن غزة هي المدينة الحاضنة لهذه الحركة، جاءت الوفود من زعماء وقيادات بعض الدول الغربية، مؤيدة لما قامت به إسرائيل من هجمات عشوائية، في الوقت الذي لم يبق في مدينة غزة مكان لم يتم استهدافه، بعضها دمر البيوت فوق ساكنيها من خلال قصف الطائرات الحربية، وبسبب الغارات الجوية المكثفة استشهد الآلاف من المدنيين من الشيوخ والأطفال والنساء وربما ضعفهم من الجرحى والمفقودين، واعتبر هؤلاء الزعماء والقيادات أن هذه الهجمات الإسرائيلية هي للدفاع عن النفس، متجاهلة أن من حق الشعوب النضال من أجل استعادة أراضيها المحتلة، ولذلك ما قامت به كتائب القسام في العملية الشهيرة، هي جزء من المقاومة ضد الاحتلال، وهذا حق طبيعي لكل شعب من الشعوب، ومن حقهم في استعادة أراضيهم، مثلما كان للفيتناميين، والجزائريين، والأفغان وغيرهم من الشعوب، التي ناضلت من أجل تحرير أرضها من الاستعمار، لكن ما فعلته إسرائيل في احتلالها وتجاوزاتها للقانون الدولي، فاق كل شيء من المخالفات القانونية ولا يزال، وكأن هذا حق مباح لها، حتى في تدمير بيوت المدنيين وقتلهم من دون إنذار مسبق، وهذه تعتبر إبادة جماعية للأبرياء.
وهذا الدعم الذي جاء من بعض دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، سواء الدعم المعنوي، أو الدعم السياسي والعسكري، من خلال إرسال الأساطيل، أو حاملات الطائرات العملاقة، أو إرسال الخبراء والمستشارين، من أجل تعزيز القوة المعنوية والتخطيطية في المقام الأول، وكان الكل يتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بنغمة واحدة، وكأن هذا الرأي معد ومرتب وجاهز! وكأن حقوق المهجّرين والمطرودين من أرضهم بعد الاستيلاء عليها من قبل العصابات الصهيونية حق من حقوقها، خاصة بعد حرب 1948، وهم بالملايين، فقد هربوا إلى الدول المجاورة بالطرد والقهر والقتل، وأعداد كبيرة من هؤلاء المهجّرين من أراضي 48، سكنوا في غزة بالأخص، باعتبارها أرضا فلسطينية، والبعض الآخر اتّجه إلى الضفة الغربية، وممن هُجّروا قسرا أيضا ذهبوا إلى المملكة الأردنية الهاشمية، والبعض الآخر إلى لبنان، والبعض منهم إلى سوريا، فهل يعامل هذا الشعب المظلوم والمطرود من حقه في العيش الكريم أو قيام دولة له مثل بقية الشعوب؟ وفي ظل دولة مستقلة بعد إنهاء هذا الاحتلال؟ وكأن ما يجري في هذه الأرض هو فتح المجال لشريعة الغاب أن تسود في هذا العالم في غياب الحقوق الإنسانية. وفي الأسابيع الأخيرة من الحرب قام وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» بجولة وأدلى في تصريحاته عما أسماه بـ«التزام الولايات المتحدة بالعمل على تحقيق تطلعات الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولة فلسطينية».
والحقيقة أن هذا القول يبعث على الضحك أكثر مما يدعو للبكاء؛ ذلك أن هذا القول بالالتزام سمعناه مباشرة بعد مؤتمر مدريد بإسبانيا وبعد اتفاقية أوسلو، لكن لم يتحقق شيء منه بالرغم من التطمينات الأمريكية للفلسطينيين بحل الدولتين، والتي سنعرف تفاصيلها تاليا، ولم يتم إلزام إسرائيل بتطبيق القانون الدولي عليها، مع أن مؤتمر مدريد خُصص -كما قيل- للسلام في الشرق الأوسط عموما ومنها حل القضية الفلسطينية، بموجب القرارات الدولية، وهذا المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش» الأب في 30 أكتوبر عام 1991، وانبثق من الولايات المتحدة ومن رؤيتها للسلام غير الواضح في ما كُتب عنه، ولم يكن من الأمم المتحدة التي تمت دعوتها كمراقب في مؤتمر مدريد، وليس هي المعبرة عن قضايا الحلول السياسية والسلام، ووفق القرارين الدوليين رقم (242) و(338)، التي رفضت إسرائيل هذا المبدأ، وفق هذه القرارات، وادّعت أن القرار رقم 242 يتحدث عن انسحاب إسرائيل من «أراض عربية محتلة»، وليس «من الأراضي العربية المحتلة»، إنما تريد رؤية الأرض مقابل السلام! وهي تريد الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية مع بعض الأراضي العربية، ولذلك راوغت بعد هذا المؤتمر، من خلال المفاوضات واللقاءات الجانبية، لكنها انسحبت من سيناء فقط بعد اتفاقية السلام التي تم الاتفاق عليها في عهد الرئيس أنور السادات. لكن أساس الصراع الأهم، هو قضية فلسطين، وبقيت كما هي، وقبلت السلطة الفلسطينية بعد مؤتمر أوسلو في سبتمبر 1993، وتم إيجاد حل تسكيني مؤقت، غير محدد ما سيتم بعده، والذي اعتبره البعض بمثابة النكبة الثانية بعد حرب 1948، ووقّع رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «إسحاق رابين» بحضور الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون»، وذلك في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، حيث تم في هذا الاتفاق تأسيس «سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي»، واعتبر تمهيدا لمرحلة جديدة من تاريخ القضية الفلسطينية، لكن الذي تم لم يخرج عن تلك السلطة الذاتية كما هي الآن.
وبقيت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس وفي غلاف غزة كما كانت، ولم تتحرك القضية العادلة للشعب الفلسطيني، ولا حتى الصيغة التي تم وضعها بفقرة: (الأرض مقابل السلام) تم تطبيقها بعد ذلك كحلول للقضية الفلسطينية، كما أن المستوطنات لم تبق كما كانت منذ 1993، بل توسعت وبطريقة التفافية على كل الطرق المهمة في الضفة الغربية، مع أن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تنتقد توسيعها -مجرد نقد فقط-، وتدعو إلى تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، لكنها لم تتخذ موقفا قويا تجاه هذه الأراضي التي هي من أراضي 1967، والقرار الأممي الذي صدر بعد هذه الحرب، التي أعتبرها أرضا محتلة، مع أن الموقف المعلن يعارض الاستيطان، ويعتبر هذه المستعمرات عقبة في طريق الحل السلمي، وخاصة «أن الأرض مقابل السلام»، لكن هذا الكلام غير الجدي لتحقيق خطوات جادة للسلام العادل بقي بعيدا عن الإلزام. صحيح أن السلطة الفلسطينية كان موقفها ثابتا في القضايا الجوهرية والأساسية للحق الفلسطيني الثابت، وأصرت على الحل النهائي في كل المفاوضات التي جرت، إما من خلال وسطاء دوليين، أو من خلال وسطاء من الدول التي عملت اتفاقيات سلام مع إسرائيل كالأردن ومصر، ولم تتراجع عن هذه الثوابت، في كل المفاوضات الماضية، لكن سلطة الحكم الذاتي كانت خطأ، لذلك إسرائيل تهربت من تنفيذ القرارات الدولية والحقوق العادلة، ولذلك لم تعط لها الأرضية المناسبة للتفاوض والحصول على المطالب العادلة، والتي تم تحديدها في النقاط الست المعروفة وهي: القدس، الحدود، قضية اللاجئين، الاستيطان، المياه، الأمن.
فكل هذه المطالب العادلة هي أرض فلسطينية، وإسرائيل لا تريد الحديث عنها بجدية، وهي قضايا أساسية وجوهرية للسلام العادل والشامل كما جاء في مؤتمر مدريد، ثم في اتفاقية إسرائيل، لكن هل إسرائيل جادة في الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية؟ وهنا مربط الفرس؟ والواقع الذي نشاهده، أن إسرائيل لا تريد حلا كاملا وتراهن على الظروف الدولية، وعلى الخلافات الداخلية الفلسطينية، لعلها تجد فرصة لعقود قادمة، دون حدوث الحل العادل الذي يسعى إليه الشعب الفلسطيني، والواقع أن القيادة الفلسطينية، ربما صدّقت في البداية تلك الوعود بقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وقد كتبت عن ذلك قبل أكثر من عقد، عن هذه الوعود، وقلت إن الكلام عن قيامها، الذي توقعه البعض، بعد الحديث عن التطمينات الأمريكية للفلسطينيين، فمن خلال هذا الزيارات واللقاءات الثنائية مع الإسرائيليين، توقعت القيادة الفلسطينية أن هناك بارقة أمل بأن يحصلوا على المطالب الفلسطينية العادلة، من خلال ما سُمِّي بالعملية السلمية، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود إلى الآن، لا يزال موضوع الدولة خافتا وجامدا وربما مستبعدا بحسب الظاهر، وكأن تلك التطمينات الأمريكية، مجرد أحلام ولا تعبّر عن الواقع الذي ينشده الفلسطينيون، مع أن أحاديث وتصريحات المسؤولين الأمريكيين، منذ مؤتمر مدريد، لم تتوقف عن الحديث عن هذه الدولة المقبلة التي تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وكررها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن منذ عدة أيام، وسمعت السلطة الفلسطينية هذه الوعود، في كل فترة من الفترات الماضية، حتى أنها تخاصمت مع حركة حماس وبعض الفصائل حولها، وهذه الخلافات أضرت بالقضية الفلسطينية، وجعلتها تتراجع عن الاهتمام الدولي، فالوعود بحل الدولتين تؤكد عليها الولايات المتحدة عند التوترات والمشكلات، وقد وعدت بتحقيقها عام 2005، وانتهى الوعد الذي انتهى بخروج جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، فهل نصدق هذا الوعد مرة أخرى بأهمية حل الدولتين من بلينكن؟ أراها مجرد وعود عما سبقها من وعود مرت وانتهت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة الولایات المتحدة مؤتمر مدرید التی تم من خلال أن هذا من أجل
إقرأ أيضاً:
«الخارجية الفلسطينية»: قرار إسرائيل إلغاء اعتقال المستوطنين يشجع على المزيد من الجرائم
قالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، إن قرار دولة الاحتلال الإسرائيلي إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين، يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.
وأضافت الوزارة- في بيان، اليوم، الجمعة، أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)- أنها تنظر بخطورة بالغة لقرار وزير جيش الاحتلال إلغاء الاعتقال الإداري بحق المستوطنين الذين يرتكبون جرائم وانتهاكات ضد المواطنين الفلسطينيين، علما أن عدد الذين تم اعتقالهم منهم قليل جدا وعلى مبدأ اعتقالات شكلية بنمط الباب الدوار.
ورأت الوزارة، أن هذا القرار يشجع المستوطنين المتطرفين على ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، ويعطيهم شعورا إضافيا بالحصانة والحماية.
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بتحرك دولي فاعل للجم إرهاب ميليشيات المستوطنين، ووضع حد لإفلاتهم المستمر من العقاب، وحماية الشعب الفلسطيني من تغول الاحتلال.
وكان وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد أعلن، اليوم، أنه سيوقف إصدار أوامر اعتقال إداري ضد مستوطنين إرهابيين ينفذون اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.