إعادة النظر في نظرية انتصار أوكرانيا
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
كتب الصحفي والتر ليبمان في عام 1943: «لقد أظهرت تجربتنا منذ تأسيس الجمهورية أن الانقسام الداخلي حول علاقات أمريكا الخارجية هو أثر واضح لسياسة خارجية مفلسة وليس سببا لها».
وكان ليبمان يقصد بكلمة سياسة «مفلسة»، السياسة الخارجية ذات الأهداف الاستراتيجية التي تتجاوز وسائلها العسكرية والدبلوماسية. ويتردد صدى كلامه اليوم في الوقت الذي يعارض فيه الجمهوريون في مجلس النواب طلبا من البيت الأبيض بتقديم حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا.
ففي الأسبوع الماضي، أعلن (فاليري زالوزني)، أعلى جنرال في أوكرانيا، في مقابلة مع مجلة الإيكونوميست، أن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، والذي استثمر فيه الغرب آمالا كبيرة ومليارات الدولارات من السلاح، من غير المرجح أن يحقق نصرا حاسما، «تماما كما حدث في الحرب العالمية الأولى، حين وصلنا إلى مستوى من التكنولوجيا يضعنا في طريق مسدود».
كان هذا متوقعا، فقبل عام، عندما اكتسبت أوكرانيا الزخم بعد أن هزمت الروس في خاركيف وخيرسون، اقترح الجنرال (مارك ميلي)، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، التوصل إلى تسوية للحرب عن طريق التفاوض، ومثله كمثل (زالوزني)، أجرى مقارنة واضحة بالحرب العالمية الأولى، مشيرًا إلى أنه في وقت مبكر من تلك الحرب أصبح من الواضح أنها «لم يعد من الممكن الفوز بها عسكريا».
من المحتمل أن المفاوضات لم تكن مجدية في تلك المرحلة، وأن الروس كانوا سيرفضون أية محادثات، وأنه لم يكن من الممكن ثني الأوكرانيين عن اتخاذ قرار حاسم باستعادة المزيد من أراضيهم المحتلة. لكن على الأقل علنًا، لم تبذل إدارة بايدن أي جهد للمحاولة. وبعد أن تم رفض تصريحات (ميلي) بشكل قاطع، التزم البيت الأبيض بدعم الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا مهما استغرق الأمر.
وكما أشار (زالوزني)، فإن الإدارة الأمريكية لم تتصرف دائما بشكل حاسم، وقال لمجلة الإيكونوميست: إن الصواريخ والدبابات بعيدة المدى «كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة لنا في العام الماضي، لكنها وصلت هذا العام فقط»، مما سهّل على الروس تقليص جنودهم.
وسواء كان ذلك بسبب البيروقراطية، أو سياسة الرئيس بايدن في إدارة مخاطر التصعيد، فإن النتيجة هي نفسها، وهي أن أوكرانيا تجد نفسها اليوم في وضع أسوأ مما كانت عليه في نوفمبر الماضي، فقد أصبحت قواتها منهكة ومستنزفة، ومخزونها من الأسلحة بدأ في التناقص، وأصبح الرأي العام الغربي أكثر اختلافا عما مضى بشأن تقديم المزيد من الدعم.
الأعضاء الجمهوريون في الكونجرس الذين صوتوا برفض مشاريع قوانين المساعدات لأوكرانيا، والذين انضم إلى عددهم الذي تزايد يوميا رئيس مجلس النواب (مايك جونسون)، وهو جمهوري عن ولاية (لوس أنجلوس)، هؤلاء الأعضاء يتعرضون للانتقاد على نطاق واسع بين نخبة السياسة الخارجية في واشنطن. وفي أسوأ الأحوال، يتم تصويرهم على أنهم مستبدون يريدون فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وفي أحسن الأحوال، فهم انعزاليون لا يفهمون الدور التاريخي الذي تؤديه الولايات المتحدة في العالم.
ومن المؤكد أن بعض الجمهوريين المتشككين في المساعدات لأوكرانيا يندرجون ضمن هذه الفئات، إلا أنّ هناك آخرين لديهم مخاوف مبررة بشأن جدوى الاستراتيجية الأمريكية. إن التصويت على المساعدات هو إحدى النقاط القليلة التي يملكها الكونجرس للتأثير على مسارات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية. وتصر رسالة حديثة موجهة إلى إدارة بايدن من مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب على أنه قبل موافقة الكونجرس على المزيد من التمويل، «يجب علينا أن نفهم هدف الدولة النهائي من الحرب ومعايير الخروج منها»، وهو طلب لا شك أنه مشروع.
كان من المفترض أن يؤدي الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا إلى تثبيت الدعم السياسي لكييف من خلال إثبات قدرتها على استعادة الأراضي المفقودة. والآن قد يحتاج أنصار أوكرانيا إلى تقديم حجة معاكسة، فأوكرانيا حاليا لا تستعيد مناطق كبيرة احتلتها موسكو، والحجة الجديدة لتقديم مساعدات إلى أجل غير مسمى هي منع هزيمة مدمرة لأوكرانيا.
من المؤكد أن فرصة التوصل إلى تسوية تفاوضية لصالح أوكرانيا، إن كانت هناك تسوية، قد ضاعت، فروسيا ترى ساحة المعركة متجمدة من الناحية التكنولوجية، وهذا يعني تفوقها في القوة البشرية. وتحتاج أوكرانيا الآن إلى الصمود أكثر أمام الروس؛ فبوتين ليس خالدا، وقد تكون عملية انتقال السلطة الاستبدادية مليئة بالتخبط.
لا ينبغي للولايات المتحدة أن تعترف أبدًا بفتوحات بوتين غير المشروعة. لكن قد تحتاج إلى التحول من الحلم بالنصر إلى الاستعداد للعيش في حالة من الجمود؛ فالجمود في الحرب العالمية الأولى قد كسر بدخول الولايات المتحدة مقاتلا مباشرا ضد ألمانيا. لكن عمليا ليس هناك أي رغبة لدى الولايات المتحدة لخوض حرب مباشرة مع روسيا. إن النصر الروسي في أوكرانيا سيكون بمثابة ضربة فظيعة لمصالح الولايات المتحدة، لكنه ليس فظيعا بما يكفي للمخاطرة بحرب نووية.
إن طموحات مؤسسة السياسة الخارجية المتمثلة في هزيمة روسيا، والتي تتناقض مع جهد الاستنزاف على الأرض الذي تطور بدلا من ذلك، تعكس الإفلاس الاستراتيجي التقليدي. وإذا ما حددت الإدارة نهاية قابلة للتحقيق، ووضعت خطة لذلك، فإن مقاومة الكونجرس للمساعدات الأوكرانية قد تنتهي.
ينظر معظم أعضاء الكونجرس إلى روسيا باعتبارها خصمًا للولايات المتحدة ويفهمون أهمية استقلال أوكرانيا، ولذلك لا بد من حشد الأغلبية في الكونجرس حول هذه الرؤية المشتركة. ولكن مع اقتراب الهجوم المضاد من نهايته، سوف يحتاج أنصار أوكرانيا إلى إعادة النظر في نهجهم السياسي، فلن يكون من المجدي بعد الآن مجرد السخرية من المتشككين أو احتقارهم، لأن المشكلة لا تكمن في هؤلاء المشككين، بل في الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة.
وربما يساعد الشد والجذب في الكونجرس في صياغة اتفاق أكثر استدامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة السیاسة الخارجیة الهجوم المضاد
إقرأ أيضاً:
صحيفة أمريكية: أوكرانيا تُعزز سيطرتها على كورسك كورقة مساومة
رأت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في عددها الصادر، اليوم الإثنين، أن أوكرانيا تحاول تعزيز سيطرتها وتحقيق التقدم في مدينة كورسك الروسية لاستخدامها كورقة مساومة محتملة إذا دفع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب باتجاه محادثات السلام.
أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي لـ 732 ألفا و350 جنديًا منذ بدء العملية العسكرية تاس:أوكرانيا تتكبد نحو 65 ألف قتيل وجريح منذ مايو 2024وأوضحت الصحيفة - في تقرير إخباري - أنه في منطقة كورسك الروسية الواقعة إلى الشمال مباشرة من منطقة سومي الأوكرانية، كانت الهجمات الروسية المضادة شديدة لدرجة أن جنود المشاة الروس كانوا يخطون أحيانا على جثث رفاقهم الذين سقطوا بينما أطلقت أوكرانيا موجة من الصواريخ الغربية في الاتجاه المعاكس.
وذكرت الصحيفة أن معركة السيطرة على منطقة كورسك الروسية قد بلغت شدة لم نشهدها إلا نادرا خلال عامين ونصف العام من الحرب، حيث يحاول كل جانب تعزيز موقفه قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب - الذي يريد من الجانبين التفاوض - منصبه في يناير المقبل.
وتابعت الصحيفة أن موسكو نشرت حوالي 45 ألف جندي في المنطقة، وفقا لمسؤولين أوكرانيين، بما في ذلك بعض أفضل قواتها التي تهاجم في موجات متواصلة.. وعلى الرغم من الخسائر المرعبة، يبدو أن الإستراتيجية ناجحة .. ففي الأسابيع الأخيرة، استعادت روسيا ما يقرب من نصف الأراضي التي استولت عليها أوكرانيا خلال توغلها في أغسطس الماضي فيما يقول المحللون إن روسيا ربما تخطط لشن هجوم أكبر هناك.
لكن أوكرانيا أرسلت أيضا العديد من أفضل ألويتها إلى كورسك.. بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي بالسماح لكييف بإطلاق صواريخ أمريكية بعيدة المدى على روسيا أعطى القوات الأوكرانية دفعة ضرورية للغاية وقدرة يمكن أن تعطل خطوط الإمداد والقيادة لموسكو، وفقا للصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن النائب مايكل والتز (جمهوري من فلوريدا) - الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي - قوله إنه التقى بنظيره في إدارة بايدن، وأعرب أمس عن بعض الدعم للقرار الأخير بتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، فضلاً عن الألغام الأرضية.
وقال والتز "بالنسبة لخصومنا الذين يعتقدون أن هذا هو وقت الفرصة، وأنهم يستطيعون استغلال إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون، نحن متماسكون، نحن فريق واحد في هذا الانتقال".
ومع ذلك، يشعر البعض في كييف بالقلق من أن رغبة ترامب في المفاوضات ستلعب لصالح الروس .. وقال المسئولون الأوكرانيون إنهم يعتقدون أن روسيا تحاول استعادة كورسك قبل تنصيب ترامب.. وإذا تمكنت كييف من الاحتفاظ ببعض الأراضي في كورسك، فقد يمنح ذلك أوكرانيا ورقة مساومة قيمة في أي محادثات سلام.
ونقلت الصحيفة عن جيني - وهو قائد الكتيبة في اللواء 47 الأوكراني - قوله "أفضل القوات الأوكرانية تقاتل ضد أفضل القوات الروسية في كورسك، وبهذا المعدل، لا أرى أي سبب يدعونا إلى الانسحاب".
وقال جيني إنه عندما وصلت قواته إلى منطقة كورسك قبل شهرين، كان الروس يدافعون عن المنطقة بجنود مجندين فقط .. ثم قبل حوالي ستة أسابيع، بدأ الهجوم المضاد الروسي.. وتقدموا في صفوف من المركبات المدرعة، وأجبروا الأوكرانيين على التراجع من قرية صغيرة في المنطقة.
وأضاف جيني أنه بعد خسارة اثنتي عشرة مركبة مدرعة، تخلى الروس عن هذه الاستراتيجية وبدأوا في إرسال الرجال سيرًا على الأقدام في مجموعات صغيرة.
وعلى النقيض من الجبهة الشرقية -ـ حيث اشتكت القوات الأوكرانية لشهور من نقص الذخيرة، وخاصة الرجال ــ فإن الألوية التي تقاتل في كورسك مجهزة تجهيزاً جيداً في الغالب.. وقال جيني إن وحدته تمكنت من تنفيذ عمليات تناوب منتظمة للقوات في الخنادق باستخدام مركبات برادلي القتالية الأمريكية الصنع، وهو الأمر الذي جعله التهديد المستمر بالطائرات بدون طيار مستحيلاً تقريباً بالنسبة للوحدات التي لا تمتلك معدات عالية المستوى.
وأشار إلى أن مركبات برادلي مثل هذه في منطقة سومي الحدودية الأوكرانية تحظى بشعبية كبيرة بين القوات بسبب الحماية التي توفرها، مضيفا أن الصواريخ الغربية بعيدة المدى غيرت الحسابات في المنطقة، ففي الأسبوع الماضي، ضربت أوكرانيا مركز قيادة بصواريخ ستورم شادو بريطانية الصنع.
وقال جيني إن الروس لديهم مزايا أخرى في كورسك: ففي المنطقة التي يقاتل فيها اللواء 47، تمتلك موسكو ثلاثة أضعاف عدد الرجال مقارنة بالأوكرانيين وستة أضعاف عدد الطائرات بدون طيار المتفجرة الصغيرة المستخدمة لمهاجمة المركبات والمشاة.
وكانت خسائر موسكو في هجوم كورسك هائلة - وفقًا للقوات الأوكرانية التي تقاتل في أجزاء مختلفة من المنطقة - ويقدر المسئولون الأمريكيون أن روسيا تخسر حوالي 1200 رجل قتيل وجريح يوميًا، عبر خط المواجهة بالكامل.. ومنذ بدء التدخل العسكري الكامل لأوكرانيا، تكبدت موسكو 700 ألف ضحية، وفقًا لمسؤولين بريطانيين.
ونقلت الصحيفة عن فرانز ستيفان جادي، المحلل العسكري المقيم في فيينا والذي زار مؤخراً الوحدات العسكرية الأوكرانية قوله إن أوكرانيا تكافح من أجل استبدال الضحايا بقوات جديدة، الأمر الذي ترك العديد من الوحدات في حالة من الفوضى.
وأضاف أن الروس يبدو أنهم يحاولون استنزاف الأوكرانيين قبل حملة أكبر لاستعادة منطقة كورسك، وأنه لا يعتقد أن بوتين مستعد حاليًا للتفاوض لأنه يرى أنه سيفوز بالحرب، لكن هذا قد يتغير إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لزيادة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا لجلب موسكو إلى طاولة المفاوضات.
وتابع : "أن الاستراتيجية الأوكرانية هناك هي التمسك بها كورقة مساومة والحصول على نسبة استنزاف مواتية في مواجهة الروس، وأعتقد أنه سيكون من الصعب على أوكرانيا الاحتفاظ بكورسك"، لكنه أضاف: "أعتقد أن الروس سيخوضون معركة صعبة".
وقال الجنود الأوكرانيون الذين يقاتلون في كورسك إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت العملية تستحق العناء.. وأعرب البعض عن غضبهم إزاء الأراضي المفقودة في الشرق، حيث تعرضت الوحدات التي تعاني من نقص في القوات للاجتياح. وقال آخرون إنه إذا تمكنوا من الصمود في كورسك حتى حلول فصل الشتاء، فسيكون من الصعب إخراجهم قبل الربيع.