لجريدة عمان:
2024-09-17@12:38:01 GMT

أنا أوكرانية وأرفض التنافس على جذب انتباهكم

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

في اليوم الذي هاجمت فيه حماس إسرائيل، التقيت على غير انتظار بأعز أصدقائي في كييف.

منذ الحرب الروسية في فبراير من العام الماضي، لم تتقاطع مساراتي إلا لماما فأنا بوصفي محاضرة وباحثة ومتطوعة، كنت أتنقل بين أوكرانيا وبريطانيا، في حين أن صديقي كان يسافر في أرجاء أوكرانيا بوصفه منتجا محليا يعمل مع الصحفيين الذين يقومون بتغطية الحرب وكان ذلك عملا مهما.

لكن في السابع من أكتوبر، ألغيت رحلة إعلامية كان صديقي ينظمها، بعد أن غادر الفريق إلى الشرق الأوسط.

قال لي صديقي حينما التقينا في مكاننا المعهود في كييف «إنهم يغادرون أوكرانيا لأن الحركة بطيئة على الجبهة، لكن سيرجع الصحفيون فورا إذا ما حررنا أي قطعة ذات شأن من الأرض».

قلت لنفسي، تحرير قطعة أخرى ذات شأن من الأرض واكتشاف مقبرة جماعية أخرى. من شأن ذلك أن ينعش، لأيام قليلة، ذاكرة العالم تجاه ما تواجهه أوكرانيا، وقلت إن دزينة من الدبابات الإضافية قد تعقب ذلك، بجانب تجدُّد الحديث شيئا ما عن الالتزام. لكن على أن تكون الأسلحة كافية لمواصلة القتال دون أن تكون كافية لتحقيق النصر، وتبقى أوكرانيا في طريق مسدود مثلما قال الجنرال فاليري زالوجني أخيرا، ويبقى لزاما على من ليسوا في الخنادق منا أن يبيعوا المقاومة الأوكرانية للعالم، فيحكون قصصنا على أمل تلقِّي الدعم.

على مدار عشرين شهرا وأنا أدبج المقالات في الأسباب التي تدعو العالم إلى تركيز اهتمامه على أوكرانيا، فكتبت من ملجأ في لفيف للاختبار من القنابل، وفي قطار يغص باللاجئين في بولندا، وفي مرحاض خلال غارة جوية في كييف، وفي المقعد الخلفي بسيارة راجعة من بلدات قريبة من الجبهة، والآن وأنا مستريحة في مكتبة بلندن أحاول مرة أخرى أن أقنع القراء بألا يشيحوا بأنظارهم بعيدا عن نضال بلدي من أجل النجاة والبقاء، حتى حينما يندلع عنف غير مسبوق في مكان آخر من العالم.

ولكن الكلمات لا تطاوعني، أرفض التنافس على الاهتمام.

من أجل جذب الانتباه الدولي، وهو متقلب لكنه منقذ للحياة، يصور الأوكرانيون مقاطع فيديو في تيك توك، يصورونها في الخنادق، ويصورون أفلاما وثائقية تفوز بجوائز في المواقع التي تشهد جرائم حرب في لحظة يظهرون بسالة تنحبس لها الأنفاس، وفي التالية يظهرون جراحهم. وسواء في قمم الناتو أم في فعاليات تيد، يستعمل الأوكرانيون كل المنصات المتاحة لحكي حكاية المستضعفين بأصوات لا حصر لها ليبقى العالم مشغولا بمعركتنا الوجودية.

ومع ذلك، فإن رواية هذه الحكايات الخطيرة تظهر الأوكرانيين بمظهر الأطفال، بل تحيلنا أطفالا ينافسون على لفت أنظار الكبار. وحلفاؤنا يلعبون دور من يسهل تشتتهم، دور المتفرجين دائمي التبرم الذين لا يمكن أن يواجهوا حقيقة الغزو غير المزينة. غير أن الحقيقة ماثلة ملء العين في مركز الصورة مثول الجمجمة الشائهة في لوحة هانز هولباين العظيمة المرسومة سنة 1533 وعنوانها «السفيران».

مستغلة إقامتي المؤقتة في لندن، ذهبت أخيرا إلى الجاليري الوطني لأشاهد صورة الرجلين المثقفين وهما يرتديان أبهى حللهما الفرائية المخملية. في ما بينهما، ولسبب غير معلوم، ثمة شكل غريب مرتفع عن الأرض، يشبه الرخويات إلى حد ما، عند النظر إليه من الزاوية اليمنى، يتكشف الشكل الرمادي الشائه عن جمجمة. هي إشارة إلى تفاهة شأن الفراء والمخمل، والزخارف اللغوية، والرقص على حافة الهاوية. يمزق هولبين صورة الثراء والسعي الدنيوي بحقيقة نهائية هي الموت.

بعد عشرين شهرا من كتابة نعي أصدقائنا ومشاهدة بلداتنا تتحول إلى ركام تحت نيران العدو، بات الأوكرانيون يألفون كثيرا مفهوم العنف والموت المفاجئ، صرنا نتبادل قوائم موسيقية لجنائزنا ونشكو من اضطرارنا إلى ارتداء ملابس أنيقة للنوم خشية أن نغتال في نومنا خلال زيارة ليلية أخرى تقوم بها الطائرات المسيرة الإيرانية أو الصواريخ الروسية.

لكن خطر الإبادة لم يزدنا استعدادا للاستسلام، فوفقا لاستطلاع رأي حديث، لا يزال 80% من الأوكرانيين يعارضون التنازل عن أرض لروسيا، حتى لو أن هذا يعني نهاية الحرب. ومثلما تقولها غرف التعذيب والمقابر الجماعية في المناطق المحررة من كييف وخاركيف وخيرسون صارخة، فإن الاحتلال الروسي لا يخيرنا نحن الأوكرانيين بين الحياة والحرية، وإنما تأخذ روسيا كلتيهما، ثم تأخذ ما هو أكثر.

برغم كل حكينا للحكايات، يبدو أن ما أخفقنا في تعريف حلفائنا به هو أن الإبادة الموعودة لنا من قبل روسيا ليست مدخرة للأوكرانيين وحدهم. فبزرع الألغام في حقول أوكرانية وبقصف للبنية الأساسية الزراعية، تعد روسيا بتجويع أجزاء من آسيا وأفريقيا تعتمد على صادرات الغذاء الأوكرانية، وباستعمال الطاقة سلاحا، تغذي روسيا رد الفعل اليميني في أوروبا، إذ يستغل الساسة الشعبويون السخط الاجتماعي. وباحتلال محطة زابوريجيا للطاقة النووية، والانسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية، والتلويح بسيفها النووي، تعمل روسيا على أن تجعل الابتزاز النووي من طبائع الأمور.

وذلك ببساطة لن يوقف أوكرانيا. كل بضعة أيام، يقوم الدعائيون في التلفزيون الروسي الرسمي بتخيل غزو بولندا أو دول البلطيق أو فنلندا، ولقد كان العجز عن معاقبة روسيا عقابا مقنعا بسبب غزوها الأولي لأوكرانيا قبل قرابة العقد هو الذي أدى إلى تصعيد عام 2022 وألهم آخرين بعدم احترام القانون الدولي، ومنهم النشطون حاليا في الشرق الأوسط. وبديل المعاقبة هو عالم ما بعد الديمقراطية المتشظي الذي بات متزايد الاحتمال، العالم الذي يترك المناضلين من أجل الحرية وحدهم.

إن الأوكرانيين يقاتلون وهم على معرفة كاملة بأنه ما لتسوية مع الشر أن تقضي على الشر. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يتأملها حلفاؤنا ويستوعبوها ويتصرفوا بناء عليها، دونما اضطرار إلى تذكيرهم بها المرة تلو المرة وإلى الأبد.

ساشا دوفجيك أمينة المشاريع الخاصة في المعهد الأوكراني في لندن. عملها في أوكرانيا مدعوم من معهد العلوم الإنسانية في فيينا.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

روسيا تلوح بسلاحي «النووي» و«الفتاك» لتدمير كييف

عواصم «وكالات»: هدد مسؤولون روس الغرب اليوم بتصعيد بلا قيود للحرب يتم خلاله تدمير العاصمة الأوكرانية كييف تماما، وذلك بالتزامن مع بحث زعماء غربيين ما إذا كانوا سيسمحون لأوكرانيا باستخدام أسلحتهم لشن ضربات في عمق الأراضي الروسية. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ساعة متأخرة من مساء الجمعة إن خطته لتحقيق النصر تعتمد على قرار واشنطن، في إشارة واضحة إلى التفويض بشن الضربات طويلة المدى الذي تسعى كييف منذ فترة طويلة للحصول عليه من دول حلف شمال الأطلسي.

وقال أندريه يرماك مدير مكتب زيلينسكي عبر تطبيق تيليجرام اليوم «هناك حاجة إلى قرارات قوية. يمكن وقف الإرهاب من خلال تدمير المرافق العسكرية التي ينشأ فيها».

وتقول كييف إن الضربات بعيدة المدى لازمة من أجل دعم جهودها الرامية للحد من قدرة موسكو على مهاجمة أوكرانيا، لكن أعضاء في حلف شمال الأطلسي ما زالوا مترددين في السماح بتلك الضربات ويشيرون إلى مخاوف من أن موسكو ستتعامل معها على أنها تصعيد كما يشككون في جدواها.

وبينما لم يتم بعد إعلان أي قرار رسمي بشأن هذه المسألة، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف إن القرار تم اتخاذه بالفعل وإبلاغ كييف به وإن موسكو سيتعين عليها الرد بإجراءات خاصة بها.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن ريابكوف قوله «تم اتخاذ القرار ومنح التفويض المطلق.. (لكييف)، لذلك نحن مستعدون لكل شيء». وأضاف «سنرد بطريقة لن تكون جميلة».

وقال دميتري ميدفيديف الرئيس السابق للبلاد ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي حاليا إن الغرب يختبر صبر روسيا وله حدود.

وأضاف أن التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، والذي وصفه زيلينسكي بأنه عملية ناجحة أبطأت التقدم الروسي، أعطى موسكو بالفعل أسبابا رسمية لاستخدام ترسانتها النووية.

وقال إن موسكو يمكنها إما أن تلجأ إلى الأسلحة النووية في النهاية أو تستخدم بعض أسلحتها الجديدة الفتاكة غير النووية لشن هجوم واسع النطاق. وأضاف عبر تيليجرام «سيكون هذا هو الحال. بقعة عملاقة رمادية منصهرة وليس «أم المدن الروسية»، في إشارة إلى كييف.

وقال يرماك «التهديدات الصاخبة التي يصدرها نظام بوتين دليل على خوفه (بوتين) من أن الإرهاب قد ينتهي».

وأرجأ الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اتخاذ قرار بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى تلقتها من الغرب ضد روسيا، وهي خطة دفعت موسكو إلى التهديد بأن ذلك قد يدفعها إلى مواجهة مع دول حلف شمال الاطلسي.

وقال ستارمر للصحفيين في البيت الأبيض إنه أجرى «نقاشا واسعا بشأن الاستراتيجية» مع بايدن، موضحا أن هذا اللقاء «لم يكن اجتماعا يتعلق بقدرات معينة».

وقبل الاجتماع، قال مسؤولون إن ستارمر سيضغط على بايدن لدعم خطته لإرسال صواريخ ستورم شادو البريطانية إلى أوكرانيا لضرب العمق الروسي مع تزايد قلق الحلفاء بشأن الوضع في ساحة المعركة.

لكن زعيم حزب العمال أشار إلى أنه وبايدن سيناقشان الخطة الآن خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الأسبوع ما بعد التالي «مع مجموعة أوسع».

وبينما اجتمعا مع فريقيهما في البيت الابيض، قلل بايدن من أهمية تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن السماح لأوكرانيا بإطلاق الأسلحة يعني أن الغرب «في حالة حرب» مع روسيا.

وقال بايدن في معرض تعليقه على التهديدات الأخيرة التي أطلقها بوتين بشأن خطر اندلاع حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «لا أفكر كثيرا في بوتين». وأعلن الجيش الروسي اليوم سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا حيث تواصل قواته التقدم أمام قوات كييف.

وقالت وزارة الدفاع الروسية «حُررت بلدة جيلانوي بيرفوي (جيلاني بيرشي بالأوكرانية) بفضل العمليات النشطة والحاسمة لوحدات تجمع الجنوب». وتقع هذه البلدة الصغيرة في منطقة بوكروفسك ذات الأهمية اللوجستية للجيش الأوكراني. وسجل الجيش الروسي تقدما سريعا في منطقة دونيتسك في الأسابيع الأخيرة وهو يعلن بانتظام سيطرته على بلدات صغيرة. وأكد الثلاثاء سيطرته أيضا على مدينة كراسنوغوريفسكا في المنطقة نفسها.

وكان الرئيس الروسي قد حذّر الخميس من أن سماح الغربيين لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بواسطة صواريخ بعيدة المدى، سيعني «انخراط دول حلف شمال الأطلسي في حرب مع روسيا».

ورغم تأكيد بايدن أنه «من الواضح أن بوتين لن ينتصر في هذه الحرب»، إلا أن الرئيس الأمريكي متردد حيال السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأمريكية لضرب أراض روسية.

ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن الفارق الذي ستحدثه الصواريخ سيكون محدودا في ما يتّصل بالعمليات العسكرية لأوكرانيا، إضافة إلى أن واشنطن تريد ضمان عدم نضوب مخزوناتها من هذه الصواريخ.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي «لا أتوقع أن تفضي المناقشات إلى أي إعلان بارز، بالتأكيد ليس من جانبنا».

لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حض الحلفاء الغربيين لكييف على بذل مزيد من الجهود لدعم بلاده.واتّهم زيلينسكي من كييف الغرب بـ «الخوف» حتى من مساعدة أوكرانيا في إسقاط الصواريخ التي تنهال عليها، خلافا لما يفعله مع إسرائيل. وقال إنه سيجتمع مع بايدن «هذا الشهر» لعرض «خطة للنصر» بشأن كيفية إسدال الستار على عامين ونصف العام من الحرب مع روسيا. وأبدت روسيا غضبها إزاء احتمال إمداد الغرب أوكرانيا أسلحة بعيدة المدى.

وفي مؤشر إضافي يدل على تزايد التوترات، سحبت روسيا أوراق اعتماد 6 دبلوماسيين بريطانيين اتهمتهم بالتجسس، في خطوة وصفتها لندن بأنها مزاعم «لا أساس لها».

وحذّر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في مداخلة منفصلة من أن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى سيغرق حلف شمال الأطلسي في «حرب مباشرة مع... قوة نووية».

في الأثناء، تنتظر أوكرانيا وحلفاء الولايات المتحدة بفارغ الصبر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تشهد حملتها تنافسا محتدما والتي ستجرى في نوفمبر وقد تقلب نتائجها سياسة واشنطن تجاه أوكرانيا رأسا على عقب.

مقالات مشابهة

  • روسيا تدمر 16 مُسيرة أوكرانية وتخلي قرى قرب كورسك
  • روسيا.. إسقاط مقاتلة ميج 29 أوكرانية و13 طائرة مسيرة
  • روسيا تعلن عن تدمير معاقل قوات كييف في كورسك
  • أوكرانيا تحبط هجمات روسية في سماء كييف
  • نيويورك تايمز: المسلح الذي حاول اغتيال ترامب دعم نظام كييف
  • بوريل: تقييد كييف بعدم ضرب عمق روسيا يزعزع الثقة في الاتحاد الأوروبي
  • قتيل في قصف على مدينة في شرق أوكرانيا
  • روسيا: تدمير 29 طائرة مسيرة أوكرانية
  • روسيا تلوح بسلاحي «النووي» و«الفتاك» لتدمير كييف
  • «القاهرة الإخبارية»: كييف تسلم واشنطن قائمة بأهداف محتمل ضربها في روسيا