شركات النفط الكبرى والاستثمار في احتجاز الكربون
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
مؤخرا وافقت «أوكسيدنتال» وهي شركة نفط أمريكية كبرى على شراء الشركة الكندية المختصة باحتجاز الكربون «كاربون إنجنيرنج» مقابل 1.6 بليون دولار. تؤكد الصفقة على تزايد اهتمام شركات النفط الكبرى بتقنيات احتجاز الكربون التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. السؤال: ماذا يعني ذلك للمناخ؟
لنفترض أن شاحنة أفرغت شحنة من الروث على عشب الحديقة الأمامية لبيتك ثم طلبت منك رسما مقابل نقله، شركات النفط الكبرى تنتج الوقود الذي يطهو كوكبنا؛ لذلك فكرة أنها ربما تربح من تنظيفه تصدم العديدين.
يقول نقاد هذا التوجه إن شركات النفط الكبرى توظف إزالة الكربون لحماية نشاطها الأساسي. فإزالة الكربون كما تراه فيكي هولوب الرئيس التنفيذي لشركة أوكسيدنتال يعني «نحن لسنا بحاجة إلى وقف استخدام النفط». ويقول المدافعون عنه يمكن لشركات النفط الكبرى المساعدة في تحقيق المطالب الاجتماعية بالتخلص من الكربون وفي الوقت ذاته جلب الخبرة الفنية لأسواق خفض الكربون الجديدة (الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وأنظمة تسعير وتداول الكربون الخ....)
هل هذا غسيل أخضر أم تحويل السيوف إلى محاريث؟ (بمعنى هل عمل شركات النفط الكبرى في مجال احتجاز الكربون تظاهر خادع منها بحماية المناخ أم تحول حقيقي لخدمة قضية المناخ - المترجم).
أعتقد بناء على خبرتي كأكاديمي مشغول بقضايا المناخ وكمؤسس لشركة كاربون إنجنيرنج التي لا أزال عضوا في مجلس إدارتها أن شركات النفط الكبرى لن تنجح فيهما كليهما، فالتظاهر بخدمة المناخ لن يحميها، كما لن تتحول بسلاسة من إمدادات النفط إلى إزالة الكربون.
مع ذلك قد تحقق لعبة احتجاز الكربون التي تلعبها شركات النفط بعض الفوائد المهمة جزئيا لأنه من المستبعد أن تمضي على النحو الذي تأمل فيه، ستثير شركات النفط الكبرى ضجيجا حول إنجازاتها المناخية سواء الحقيقية أو المتخيلة، وهذا سيقلل من استياء الرأي العام ويساعد على توظيف المواهب لكن من الصعب تصور الكيفية التي تقلل بها مثل هذه الإنجازات من حجم التهديد الذي يواجه نشاطها الأساسي (إنتاج النفط) وهو التهديد الذي تحركه السياسات المناخية المتسارعة والتكلفة المتقلصة للسيارات الكهربائية.
إزالة الكربون على نطاق واسع تعني أن أسعار الكربون ستكون مرتفعة بما يكفي وسياسات التخلص من الكربون متشددة بما يكفي لخفض الطلب على النفط بشكل حاد، فمن المرجح أن تكلف الإزالة الدائمة للكربون أكثر من 150 دولارا للطن على الأقل لفترة عقد أو عقدين، وهذا يماثل فرض غرامة تصل إلى ما يقرب من 70 دولارا لبرميل النفط.
وعلى الرغم من أن نشاط شركة النفط في مجال إزالة الكربون يضفي عليها «هالة خضراء» إلا أنه مهما كان ناجحا لن يحمي نشاطها التقليدي في مجال النفط من ارتفاع أسعار الكربون والتشدد في سياساته.
ترتكز جدوى «تحويل السيوف إلى محاريث» على فرضية نقل الخبرة من قطاع النفط والغاز إلى إزالة الكربون أو حتى لأبعد من ذلك إلى الطاقة الشمسية والتقنيات النظيفة الأخرى.
لكن على الرغم من أن المهارات الهندسية يمكن نقلها إلى مجال آخر إلا أن إمكانية الانتقال إلى مجال عمل آخر أقل احتمالا. وثقافة الإدارة التي يُستهدَف بها النجاح في الرهانات الخطرة كالاستثمار الكبير في الهيدروكربونات (في حقول النفط البحرية الفائقة العمق مثلا) مختلفة عن ثقافة الإدارة المطلوبة للنجاح في الطاقة النظيفة أو إزالة الكربون.
عندما تنشئ شركات النفط وحدات ناجحة لإزالة الكربون ستتناقض مصالح هذه الوحدات مع النشاط التقليدي لهذه الشركات نفسها في مجال النفط، فمن مصلحة قطاعها التقليدي انخفاض أسعار الكربون وارتفاع أسعار النفط، أما وحدات احتجاز الكربون فسترغب في العكس.
ويفضل كبار المستثمرين كصناديق التقاعد الاستثمار في الشركات التي تركز على مجال واحد؛ لذلك ستضغط لفصل نشاط إزالة الكربون عن إنتاج النفط، وتاريخيا نادرا ما تصمد الشركات القائمة عندما يحدث تحول جذري في نشاطها. لقد كانت شركة «آي ب ام» استثناء في ذلك لكنها الآن «تقزَّمت» أمام شركتي آبل ومايكروسوفت.،وفوائد الجمع بين نشاطين أساسيين تقليدي وجديد عادة ما تفوقها صعوبات وتكاليف الحفاظ على النشاط التقليدي.
لذلك حتى عندما تنجح شركات النفط الكبرى في مجال إزالة الكربون فإن النتيجة الأكثر احتمالا هي قيام شركات تقنية نظيفة مستقلة إلى جانب شركات النفط التقليدية وليس نشوء مجموعات شركات متكاملة وناجحة.
وهكذا يمكن لأنصار حماية البيئة الترحيب بتحول شركات النفط الكبرى إلى إزالة الكربون بسبب المهارات التي تأتي بها مع التفاؤل الحذر بأن تحويل «السيوف إلى محاريث» لن يفعل الكثير لحماية نشاطها النفطي التقليدي من التحديات التي تواجهه.
كل المهارات مطلوبة بشدة، فتشييد مصانع لإنتاج البطاريات وإقامة بنية أساسية للهيدروجين أو منشآت لالتقاط الكربون من الهواء ببلايين الدولارات يتطلب مهارات هندسية وإدارية تتركز في مجالات مثل صناعات النفط والسلع الكيماوية.
شركة أوكسيدنتال على سبيل المثال تخطط لتشييد مصانع يمكنها إزالة وتخزين ما يصل إلى 30 مليون طن من الكربون في العام في كنج رانش بولاية تكساس الأمريكية، وهذه الكمية تماثل احتجاز ما بين 30 مليونا إلى 60 مليون طن من الكربون الذي تطلقه الطائرات العابرة للمحيط الأطلسي سنويا.
على الرغم من أن أوكسيدنتال لم تشيّد أبدا منشأة لاحتجاز الكربون المباشر من الهواء إلا أن تقنية شركة كاربون إنجنيرنج توحِّد بين العمليات الصناعية الحالية لتحقيق الهدف الجديد لإزالة الكربون. كما لدى أوكسيدنتال خبرة بكل المكونات (تقريبا) اللازمة لالتقاط الكربون مباشرة من الهواء وتخزينه بما في ذلك هيدروكسيد البوتاسيوم وهو مركب كيماوي يُستخدم في هذه العملية، ولا يمكن لشركة ناشئة بناء مصانع بقدرات إنتاجية تصل إلى عشرات بلايين الأطنان دون مهارات لشركة سبق لها أن شيدت منشآت صناعية ضخمة.
يجب الاحتفاء بتحول شركات النفط الكبرى إلى تنظيف الهواء واعتباره مؤشر قوة وليس علامة ضعف لدعوة حماية البيئة. ففي الواقع، هذه الاستثمارات لم تتحقق ببساطة لأن شركات النفط استيقظت فجأة وشعرت بالحاجة إلى حماية المناخ. لقد كانت السياسات المناخية هي القوة التي تقف وراءها واليوم أهم محرك لها هو حوافز الطاقة النظيفة التي استحدثها جو بايدن. لكن هذه الحوافز لم تظهر فقط لأن الرئيس الأمريكي شعر فجأة بأهمية الطاقة الخضراء، إنها ثمرة عقود من الدعوة إلى حماية المناخ.
«الغسيل الأخضر» خطِر ولأنصار حماية البيئة الحق في الشعور بالقلق منه، فشركات النفط الكبرى ستحاول استخدام إزالة الكربون من الهواء للدفاع عن الوضع الحالي لكن هنالك جانب سياسي إيجابي؛ لذلك فاقتصار نشاط شركات النفط الكبرى على إنتاج النفط والغاز في عالم يتجه إلى تنقية الهواء من الكربون يعني أنها بلا مستقبل، وستحارب التقدم وظهرها إلى الحائط لكن إذا عملت أيضا في مجال احتجاز الكربون ستتضارب مصالحها فيما بينها (ومصالح المجتمعات التي تعتمد عليها). فوحداتها التي تعمل في صناعة خفض الكربون ستؤيد بشدة تبني سياسة مناخية متشددة. لكن وحداتها النفطية التقليدية ستعارض هذه السياسات. أملي أن ييسِّر هذا الالتباس في المصالح المساوماتِ السياسية المطلوبة لتسريع التقدم في حماية المناخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: احتجاز الکربون إزالة الکربون حمایة المناخ من الکربون من الهواء
إقرأ أيضاً:
مسحوق يمتص الكربون لاستخدامه صناعيا.. هل ينجح في إنقاذ البيئة؟
قال أحمد غديرة، خبير التغيرات المناخية، إنّ ابتكار مسحوق يمتص الكربون ويعيده للاستخدام الصناعي، يجب أن يخضع لإجراء العديد من الدراسات من أجل رصد تأثيراته البيئية خلال مراحل التصنيع، موضحا أن هناك معايير عالمية لتصنيع أي منتج كيميائي.
دراسات على أي منتج كيميائي جديدوأضاف «غديرة»، خلال حواره عبر فضائية «القاهرة الإخبارية»، أن أي منتج جديد يمر بـ9 مراحل، بداية من الفكرة إلى أول دراسة مرورا لتصنيع أول عينة منه، ثم إجراء التجارب في كل مراحله بهدف الوصول إلى التصنيع وبعده الإنتاج التجاري، لكي تكون كل المعايير مضبوطة.
ابتكار منتج كيميائي يمتص الكربونوأوضح أنه يحدث إجراء دراسات بيئية دقيقة لكل مراحل التصنيع وكذلك الفضلات الناتجة عنهم، متسائلا: «ابتكار منتج كيميائي يمتص ثاني أكسيد الكربون أمر جيد، ولكن هل نتحدث عن فضلات كيميائية خطيرة ستكون عبء جديد على العالم والبيئة والتغيرات المناخية بصفة عامة أم تكون فضلات يمكن إعادة تدويرها للاستفادة منها وبالتالي تثمين قيمتها؟».