لي يبي.. سيرة ذاتية عن التحولات في ألبانيا
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
علي حمدان الرئيسي
كتاب "حرية البلوغ في نهاية التاريخ"، (FREE Coming of Age at End of History)، الذي ألّفته ليا يبي (Lea YPI) يمثل مناقشة مُهمة وممتعة وذكية لمفهوم الحرية وأهميتها في العصر الحديث؛ إذ تستكشف يبي- الفيلسوفة والمحاضرة في مدرسة لندن للاقتصاد- عالم السياسة والمجتمع وقدرة الفرد، مقدمة نظرة جديدة على التحديات والإمكانيات المتاحة أمامنا.
يبدأ الكتاب باستشراف مفهوم الحرية نفسه، ويستند إلى مختلف النظريات الفلسفية والسياسية لرسم صورة شاملة. تنتقل يبي ببراعة من خلال تفسيرات مختلفة للحرية، بما في ذلك الحرية السلبية والحرية الإيجابية، موضحة إيجابيتها وسلبيتها في فهم السياق الحديث، من خلال أمثلة تاريخية وقضايا معاصرة. توضح يبي بفعالية كيف تطورت الحرية وتستمر في تشكيل فهمنا للصراعات السياسية والاجتماعية.
تَبرُز قوة الكتاب في قدرته على ربط النظريات بالتطبيق العملي، تربط ببراعة المفاهيم المجردة بسيناريوهات حقيقية. وتناقش مواضيع مثل الهجرة والقومية والتنوع الثقافي والشعبوية في إطار الحرية. يسمح هذا النهج ليس فقط للوصول إلى القراء بشكل واسع، ولكنه يقدم أمثلة ملموسة لفهم أفضل لتعقيدات الحرية في زمننا الحالي.
أسلوب يبي واضح وجذاب وسهل ويتجنب التعقيدات الأكاديمية التي لا داعي لها. مما يسهل قراءة "حرة" من الأكاديميين والقراء العاديين الذين يهتمون بالفلسفة السياسية والقضايا الاجتماعية. تقدم الكاتبة استنتاجات مدعومة جيدًا باستخدام أبحاث واسعة، وفي نفس الوقت تتجنب إغراق القراء بلغة أكاديمية زائدة. يتيح هذا التوازن بين الصرامة والسهولة، مما يجعله مصدرا قيما لأولئك الذين يسعون لفهم أعمق لدور الحرية في المجتمع وخاصة في ضوء تجربتها في ألبانيا وتحول بلدها الأم من مجتمع مغلق إلى ما اصطلح بتسميته بالبلدان المتحوِّلة إلى نظام السوق.
لا تُقدِّم يبي تنظيرًا سياسيًا مُجردًا، وإنما تكتب سيرة ذاتية لها ولعائلتها في ألبانيا، وبالذات حين كانت تحكم من قبل النظام الستاليني (نسبةً إلى الزعيم الماركسي جوزيف ستالين). لقد نشأت في طفولتها معتقدة أنها تحت حماية من عمَّيها: العم الأول كان ستالين، أما العم الآخر فهو أنور خوجة الذي كان الزعيم الأوحد لألبانيا. ومع انهيار النظام اكتشفت يبي أن عائلتها كانت تكذب عليها لتحميها من الواقع المرير، فكانوا حينما يزعمون أن فلان تخرج من الجامعة يقصدون أنه خرج من السجن، وعندما كان يقولون إن فلانًا تخصص في العلاقات الدولية معناه أنه سُجِنَ بتهمة الخيانة.
بعد عام من انهيار جدار برلين، انهار أيضا النظام الألباني القديم، ويبي كان عمرها آنذاك 11 عامًا تحوَّل بعدها وشاحها الأحمر الذي كانت تلبسه يوميًا إلى المدرسة إلى منشفة لنفض الغبار المتراكم على الكتب! ألبانيا ستصبح حرةً الآن، ليس فقط الانتخابات ولكن حتى الأسواق. ممثلو المجتمع الدولي (في صورة مستشارين من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) بدأوا في التوافد علي البلد متسلحين بوصفاتهم المتهورة حول التحول إلى الليبرالية والخصخصة، إنها استراتيجية عرفت بالعلاج بالصدمة (Shock Therapy) والتي جُرِّبَت في معظم البلدان الاشتراكية السابقة.
كانوا يرددون أنها قاسية؛ حيث سيجري التخلص من أساسيات الاقتصاد المركزي السابق، لكنها ضرورية حسبما كان يزعم هؤلاء المستشارين، وعلى ألبانيا أن تسلك طريقًا وحيدًا فقط نحو الرأسمالية والديمقراطية والحرية.
حينما تم السماح للأحزاب بتنافس في الانتخابات في بداية التسعينات، فأبواها كانا من زعماء المعارضة، ملتزمين بأن ألبانيا يجب أن تكون مثل بقية الدول الأوروبية دولة مفتوحة للتجارة الحرة وخالية من الفساد.
تقول يبي إنَّ والدها كان رجلًا مثقفًا، فقامت الحكومة بتوظيفه كمسؤول عن أكبر ميناء بالبلد، لكنه اضطر أن يقوم- بناءً على توصيات البنك الدولي تحت ما يسمى "بالإصلاح الهيكلي"- بطرد آلاف العُمّال والذين كان يصادفهم في الشارع وفي الحي وهم يعيشون البؤس والحسرة. لكن بحلول عام 1997، اتسعت الفجوة بين أحلامهم النيوليبرالية والواقع الكليبتوقراطي (حكم الفاسدين) بعد انهيار المخططات الهرمية الاحتيالية التي استثمر فيها غالبية السكان مدخراتهم وغرقت البلد بعدها في حرب أهلية.
رغم جدية الكتاب إلّا أنه لا يخلو من فقرات كوميدية وخاصة عندما تذكر يبي كيف أن عائلتها تخاصمت مع جيرانهم عندما فقدوا علبة الكوكا كولا الفارغة التي كانت موضوعة على التلفزيون كزينة، أو عندما أقام أهل الحي حفلة لمستشار البنك الدولي الهولندي الذي أقام في حيهم!
لقد حلم أهل يبي بأن تُحررهم الليبرالية من اشتراكية ألبانيا، غير أن يبي لم يكن لديها ذلك الوهم. في الصفحات الأخيرة من الكتاب تصف الليبرالية بأن "وعهودها كاذبة"، تقوم بتدمير التضامن بين الناس، وتورِّث الامتيازات، وتغُض الطرف عن الظلم؛ فالحرية موجودة فقط كحلمٍ في قلوب الناس.
** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بغداد اليوم تتقصى سيرة الإرهابي ابو يوسف.. ليس قياديًا وقاتل بـ 3 محافظات عراقية
بغداد اليوم - دمشق
كشفت مصادر سورية، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024)، عن سيرة قيادي داعشي قتل مع أحد مرافقيه بضربة جوية في سوريا.
وقالت المصادر لـ"بغداد اليوم"، إن "العمليات الخاصة الامريكية قتلت المدعو ابو يوسف واحد مرافقيه باستهداف مركبتهما غرب البو كمال في سوريا مساء الخميس وهو مسؤول مفارز ميدانية تقع ضمن مناطق جسر الحسرات وليس قياديا متنفذا في التنظيم الارهابي كما أورده بيان البنتاغون".
وأضافت، أن "الارهابي قاتل في ثلاث محافظات عراقية بعد عام 2014 قبل هروبه عقب تحرير قضاء تلعفر باتجاه سوريا ومنها الباغوز ثم اختفى في بادية دير الزور ضمن ما يعرف بالخلايا النائمة"، مشيرة إلى أن "الارهابي ابو يوسف تورط مؤخرا بخطف واعدام 17 جنديا سوريا بعد نصب كمائن لهم في مناطق البادية".
وأشارت الى أن "داعش بات أكثر ظهورا من خلال انتشار كمائنه واستعراضاته في القرى ضمن مناطق البادية في حمص ودير الزور ويمكن أن يكون الطيران الامريكي أكثر فعالية في الرصد والقصف، لكنه لايفعل وهذا ما دفع الخلايا النائمة للنشاط بشكل أكبر".
وكانت القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي، أعلنت أمس الجمعة (20 كانون الأول 2024)، عن مقتل "زعيم داعش" بضربة جوية دقيقة استهدفته في محافظة دير الزور بسوريا.
وقالت القيادة الوسطى الأمريكية، في بيان تابعته "بغداد اليوم": "نفذنا أمس غارة استهدفت زعيم داعش (أبو يوسف) المعروف باسم (محمود) في دير الزور".
وأشارت إلى أن "الغارة بدير الزور جزء من التزامنا بتعطيل جهود الإرهابيين للتخطيط وتنفيذ هجمات ضدنا".
وكانت الولايات المتحدة الامريكية، قد تعهدت مؤخراً بمواصلة استهداف داعش الارهابي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
فيما أكد مجلس الأمن الدولي، في جلسته الخاصة بسوريا الأربعاء الماضي على أهمية منع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى من إعادة تأسيس قدراتها في سوريا.
وحذر وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أمس الخميس، من ان داعش قد "أعاد ترتيب صفوفه وحصل على أسلحة بعد انهيار الجيش السوري ووسع نطاق سيطرته".