غزة– لآخر لحظة، ظلت نيلي المصري متمسكة هي وأسرتها بالبقاء في منزلها في شارع الجلاء الرئيسي بمدينة غزة، وعدم الامتثال لتهديدات وإنذارات إسرائيلية لسكان المدينة وشمال قطاع غزة، بالنزوح للمدن والمخيمات في النصف الجنوبي من القطاع الساحلي الصغير.

بيد أن حياة هذه الفتاة وعائلتها انقلبت إلى نزوح متكرر، تقول نيلي -للجزيرة نت- "شعرت لوهلة وكأنني أنا هدف هذه الحرب، وكلما نزحت وأسرتي إلى مكان يتعرض للقصف أو للتهديد وإنذارات بالإخلاء الفوري".

ومن المساحات الخضراء التي كانت تحتل هامشا كبيرا في حياة نيلي، وهي مصورة وصحفية رياضية تقضي جل وقتها تتنقل بين الملاعب، باتت الدنيا من حولها داكنة، وقد توشحت غزة بالسواد حزنا على آلاف الشهداء، بينهم رياضيون، يلفها الدمار من كل جانب، وأطنان أنقاض المنازل والمنشآت المدمرة منتشرة في كل شارع وحي وحارة.

 

 

يوم راسخ بالذاكرة

وفي صباح 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت حكاية نيلي مع "رحلة النزوح الاضطراري" برفقة والدها المقعد على كرسي متحرك، ووالدتها السبعينية، وشقيقتها التي كانت نازحة لديهم بأسرتها المكونة من 7 أفراد من منزلها بحي تل الهوى، وقد لجأ عشرتهم إلى شقة أختها الأخرى في مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة.

وفي هذه الشقة الصغيرة التي تضم غرفتين فقط، تجمع أصحابها مع 16 شخصا آخرين نازحين إليها، وعاشوا أسبوعا لم يخل من الرعب، حيث الغارات الجوية الإسرائيلية تدك أهدافا في محيط المكان.

وفي صباح سابع أيام النزوح، دكت مقاتلات حربية برجين سكنيين من 7 طوابق على مقربة منهم، وتؤكد نيلي "سيبقى ذلك اليوم راسخا في ذاكرتي".

وكان جيش الاحتلال قد أنذر، مساء، شقيقة نيلي وجيرانها في الأبراج المجاورة بإخلائها. وعن تلك اللحظات المرعبة ليلا تقول الصحفية، إن الارتباك كان سيد الموقف، والسرعة مطلوبة بالإخلاء خشية من غارة غادرة، واستدركت، كيف لنا أن نخلي بهذه السرعة رجلا على كرسي متحرك، ونساء وأطفالا؟".

الصحفية الرياضية نيلي المصري تخلت عن كاميراتها وحاسوبها لتستطيع الهرب والنجاة بسرعة (مواقع التواصل) ليلة مرعبة

تركت الصحفية الرياضية خلفها ما تعتبرها قطعة من جسدها من كاميرات وحاسوب، وآثرت أن تكون خفيفة الحركة حتى تتمكن من إخلاء والديها والأطفال، ومع آلاف آخرين قضوا طوال الليل منبطحين أرضا دون حراك، بتعليمات عسكرية لجيش الاحتلال، الذي شنت مقاتلاته غارات عنيفة ومتتالية دمرت عددا غير معلوم بعد من الأبراج السكنية.

كانت "ليلة مرعبة" بحسب وصف نيلي، ومع انقشاع الليل، بكل ما يمثله لسكان غزة على مدار أسابيع الحرب من رعب وإرهاب، جازفت الفتاة وأسرتها بالتحرك نحو مخيم النصيرات للاجئين، وسط القطاع، وهو إحدى مناطق جنوب وادي غزة، التي زعم الاحتلال أنها آمنة.

وأقاموا في هذا المخيم في شقة سكنية نزح إليها أحد أبناء عمها، ولم يلبثوا فيها كثيرا حتى اضطروا إلى النزوح للمرة الثالثة إلى مخيم البريج للاجئين، بفعل شدة الغارات في محيط البناية السكنية المكونة من خمسة طوابق.

ولم يكن الحال في هذا المخيم أحسن من سابقه، حيث طلب جيش الاحتلال إخلاء البناية السكنية، فلم يكن أمام نيلي وعائلتها وأسرتي شقيقتيها وابن عمها وأسرته التي تضم 23 شخصا، سوى مخبز معطل بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود، في مقابل البناية، استضافهم صاحبه في الطابق السفلي.

الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المساكن المدنية والمدنيين لتهجيرهم قسريا (الأناضول) تجربة مريرة

تضيف الصحفية نفسها أن التجربة كانت مريرة، قضت هي ومن معها ليلتين في بهو تحت المخبز، يلفهم الظلام والبرد الشديد، دون أغطية وطعام سوى بعض مسليات الأطفال، وقليل من مياه الشرب.

وتتابع نيلي "كان لابد من التشتت، وأن يتفرق كل منا في وجهة ما، كي يقل العدد، ونتمكن من الحصول على أماكن نقيم فيها". مكثت نيلي مع والدها وأسرة شقيقتها، المكونة من 11 فردا والتي دُمرت شقتها في أبراج مدينة الزهراء، لبضع ساعات في الشارع بلا مأوى، قبل أن تستضيفهم صديقتها في منزلها بمدينة دير البلح وسط القطاع.

ما تعايشه نيلي وأكثر من مليوني فلسطيني في غزة تحت القصف على مدار اللحظة، والموت الذي تلقيه الطائرات حمما من السماء، جعل العودة لحياتها الاعتيادية ما قبل الحرب "أسمى أمانيها"، تتساءل نيلي "متى ينتهي هذا الكابوس، ويتوقف مسلسل الدم الذي خطف منا الأحبة والأصدقاء".

وتشير أرقام تقديرية صادرة عن مؤسسات محلية ودولية إلى أن الحرب شردت مليونا و600 ألف فلسطيني من منازلهم، نحو منازل أقارب وأصدقاء، ومراكز إيواء تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، داخل المدينة الواحدة، أو من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.

 

 

مأساة رياضية

ولم يضمن النزوح لهؤلاء الأمن المفقود على امتداد المساحة الجغرافية الصغيرة للقطاع، ولاحقهم الموت والدمار، بغارات جوية إسرائيلية تنتزع الحصانة من البشر والحجر والشجر، وتستهدف كل شيء، من منازل سكنية ومساجد وكنائس ومستشفيات ومراكز إيواء، وملاعب ونوادي رياضية.

وفقدت نيلي كثيرا من أصدقائها من أفراد الأسرة الرياضية، لاعبين ومدربين وإداريين، وتتابع بحزن شديد الدمار الذي لحق ملاعب ومنشآت رياضية كانت مبعث الحركة والنشاط والأمل لأجيال من الفتية والشباب، الذين يجد كثير منهم في ممارسة الرياضة "متنفسا وحيدا" لهم من هموم الحياة الناجمة عن الاحتلال والحصار.

ولخطورة الواقع الميداني، وتردي خدمات الاتصالات والإنترنت، تتوقع نيلي أن تكون "الفاجعة أكبر" عندما تتكشف المأساة بعد توقف الحرب، وأن تكون هناك، من بين شهداء العدوان، أعداد كبيرة من الرياضيين ارتقوا برفقة أسرهم، مثلما يحدث في كل الحروب الإسرائيلية على غزة، التي كانت فيها خسارة الرياضة الفلسطينية فادحة.

 

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

عدوان متواصل على غزة.. 266 يومًا من المجازر والإبادة الجماعية

استشهاد 37,765 فلسطينيًا 86,429 جريحا منذ السابع من أكتوبر الماضي

يستمر الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة لليوم الـ266 على التوالي، مرتكبًا المزيد من المجازر وحرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين، وقاصفًا مناطق عدة في القطاع، مما أدى إلى استشهاد 37,765 فلسطينيًا وإصابة 86,429 آخرين.

واستشهد وأصيب عشرات الفلسطينيين فجر الجمعة، في قصف كثيف للاحتلال استهدف حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، ووسط القطاع، وخيامًا تؤوي نازحين غرب رفح جنوب القطاع.

اقرأ أيضاً : عقب إعلان القسام عن عملية نوعية.. هاليفي يعترف بخسارة الكثير من الجنود

واستهدف الاحتلال بشكل مباشر طواقم جهاز الدفاع المدني أثناء تواجدهم في مقر عملهم بمخيم النصيرات وسط القطاع، الأمر الذي أدى إلى استشهاد ثلاثة من عناصر الدفاع المدني وإصابة آخرين.

معارك ضارية

وتشهد مناطق عدة في قطاع غزة معارك ضارية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، في وقت اعترف فيه رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي بأن جيشه خسر الكثير من الجنود في قطاع غزة منذ بدء معركة طوفان الأقصى.

اقرأ أيضاً : مراسل رؤيا: شهداء وإصابات في استهداف خيام النازحين في مواصي رفح

 

قتلى في صفوف الاحتلال

وارتفع عدد قتلى جيش الاحتلال إلى 668 منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، 314 منذ بدء العملية البرية في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي.

وبحسب جيش الاحتلال، أصيب 3,994 جنود الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة، وصف حالة 591 منهم بالخطرة، و1,004 إصابة متوسطة، و2,349 إصابة طفيفة.

طوفان الأقصى

وأطلقت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ردا على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في المقابل، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية ضد قطاع غزة أسماها "السيوف الحديدية"، وشنت سلسلة غارات عنيفة على مناطق عدة في القطاع، أسفرت عن ارتقاء مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إضافة إلى تدمير أعداد كبيرة من البنايات والأبراج السكنية والمؤسسات والبنى التحتية.

مقالات مشابهة

  • كر مان في مؤتمر دولي تدعو الى دعم محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لإدانة إسرائيل وإصدار مذكرات اعتقال بحق مرتكبي المجازر بغزة
  • تحذير من تداعيات العدوان على ذوي الإعاقة بغزة.. 10 آلاف حالة جراء الحرب
  • عشرات التونسيين يتظاهرون احتجاجا على جرائم "الإبادة" الإسرائيلية بغزة
  • الاحتلال يسعى لإنشاء منطقة ميتة في لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض
  • صحفي إسرائيلي يكشف عدد ما دمرته المقاومة من آليات بغزة.. تفاصيل مثيرة
  • "الشعبية": الاحتلال يكثف حربه ضد المدنيين تعويضا عن فشله أمام المقاومة
  • أطفال غزة المفقودون.. مصائر مختلفة بين الموت والاحتجاز
  • عدوان متواصل على غزة.. 266 يومًا من المجازر والإبادة الجماعية
  • ‏تقارير عن نزوح عشرات آلاف الفلسطينيين من حي الشجاعية بغزة جراء القصف الإسرائيلي
  • اليونيسف: السودان يشهد أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم