الصحفية نيلي المصري.. حكاية نزوح متكرر هربا من المجازر الإسرائيلية بغزة
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
غزة– لآخر لحظة، ظلت نيلي المصري متمسكة هي وأسرتها بالبقاء في منزلها في شارع الجلاء الرئيسي بمدينة غزة، وعدم الامتثال لتهديدات وإنذارات إسرائيلية لسكان المدينة وشمال قطاع غزة، بالنزوح للمدن والمخيمات في النصف الجنوبي من القطاع الساحلي الصغير.
بيد أن حياة هذه الفتاة وعائلتها انقلبت إلى نزوح متكرر، تقول نيلي -للجزيرة نت- "شعرت لوهلة وكأنني أنا هدف هذه الحرب، وكلما نزحت وأسرتي إلى مكان يتعرض للقصف أو للتهديد وإنذارات بالإخلاء الفوري".
ومن المساحات الخضراء التي كانت تحتل هامشا كبيرا في حياة نيلي، وهي مصورة وصحفية رياضية تقضي جل وقتها تتنقل بين الملاعب، باتت الدنيا من حولها داكنة، وقد توشحت غزة بالسواد حزنا على آلاف الشهداء، بينهم رياضيون، يلفها الدمار من كل جانب، وأطنان أنقاض المنازل والمنشآت المدمرة منتشرة في كل شارع وحي وحارة.
يوم راسخ بالذاكرة
وفي صباح 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت حكاية نيلي مع "رحلة النزوح الاضطراري" برفقة والدها المقعد على كرسي متحرك، ووالدتها السبعينية، وشقيقتها التي كانت نازحة لديهم بأسرتها المكونة من 7 أفراد من منزلها بحي تل الهوى، وقد لجأ عشرتهم إلى شقة أختها الأخرى في مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة.
وفي هذه الشقة الصغيرة التي تضم غرفتين فقط، تجمع أصحابها مع 16 شخصا آخرين نازحين إليها، وعاشوا أسبوعا لم يخل من الرعب، حيث الغارات الجوية الإسرائيلية تدك أهدافا في محيط المكان.
وفي صباح سابع أيام النزوح، دكت مقاتلات حربية برجين سكنيين من 7 طوابق على مقربة منهم، وتؤكد نيلي "سيبقى ذلك اليوم راسخا في ذاكرتي".
وكان جيش الاحتلال قد أنذر، مساء، شقيقة نيلي وجيرانها في الأبراج المجاورة بإخلائها. وعن تلك اللحظات المرعبة ليلا تقول الصحفية، إن الارتباك كان سيد الموقف، والسرعة مطلوبة بالإخلاء خشية من غارة غادرة، واستدركت، كيف لنا أن نخلي بهذه السرعة رجلا على كرسي متحرك، ونساء وأطفالا؟".
الصحفية الرياضية نيلي المصري تخلت عن كاميراتها وحاسوبها لتستطيع الهرب والنجاة بسرعة (مواقع التواصل) ليلة مرعبةتركت الصحفية الرياضية خلفها ما تعتبرها قطعة من جسدها من كاميرات وحاسوب، وآثرت أن تكون خفيفة الحركة حتى تتمكن من إخلاء والديها والأطفال، ومع آلاف آخرين قضوا طوال الليل منبطحين أرضا دون حراك، بتعليمات عسكرية لجيش الاحتلال، الذي شنت مقاتلاته غارات عنيفة ومتتالية دمرت عددا غير معلوم بعد من الأبراج السكنية.
كانت "ليلة مرعبة" بحسب وصف نيلي، ومع انقشاع الليل، بكل ما يمثله لسكان غزة على مدار أسابيع الحرب من رعب وإرهاب، جازفت الفتاة وأسرتها بالتحرك نحو مخيم النصيرات للاجئين، وسط القطاع، وهو إحدى مناطق جنوب وادي غزة، التي زعم الاحتلال أنها آمنة.
وأقاموا في هذا المخيم في شقة سكنية نزح إليها أحد أبناء عمها، ولم يلبثوا فيها كثيرا حتى اضطروا إلى النزوح للمرة الثالثة إلى مخيم البريج للاجئين، بفعل شدة الغارات في محيط البناية السكنية المكونة من خمسة طوابق.
ولم يكن الحال في هذا المخيم أحسن من سابقه، حيث طلب جيش الاحتلال إخلاء البناية السكنية، فلم يكن أمام نيلي وعائلتها وأسرتي شقيقتيها وابن عمها وأسرته التي تضم 23 شخصا، سوى مخبز معطل بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود، في مقابل البناية، استضافهم صاحبه في الطابق السفلي.
الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المساكن المدنية والمدنيين لتهجيرهم قسريا (الأناضول) تجربة مريرةتضيف الصحفية نفسها أن التجربة كانت مريرة، قضت هي ومن معها ليلتين في بهو تحت المخبز، يلفهم الظلام والبرد الشديد، دون أغطية وطعام سوى بعض مسليات الأطفال، وقليل من مياه الشرب.
وتتابع نيلي "كان لابد من التشتت، وأن يتفرق كل منا في وجهة ما، كي يقل العدد، ونتمكن من الحصول على أماكن نقيم فيها". مكثت نيلي مع والدها وأسرة شقيقتها، المكونة من 11 فردا والتي دُمرت شقتها في أبراج مدينة الزهراء، لبضع ساعات في الشارع بلا مأوى، قبل أن تستضيفهم صديقتها في منزلها بمدينة دير البلح وسط القطاع.
ما تعايشه نيلي وأكثر من مليوني فلسطيني في غزة تحت القصف على مدار اللحظة، والموت الذي تلقيه الطائرات حمما من السماء، جعل العودة لحياتها الاعتيادية ما قبل الحرب "أسمى أمانيها"، تتساءل نيلي "متى ينتهي هذا الكابوس، ويتوقف مسلسل الدم الذي خطف منا الأحبة والأصدقاء".
وتشير أرقام تقديرية صادرة عن مؤسسات محلية ودولية إلى أن الحرب شردت مليونا و600 ألف فلسطيني من منازلهم، نحو منازل أقارب وأصدقاء، ومراكز إيواء تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، داخل المدينة الواحدة، أو من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.
مأساة رياضية
ولم يضمن النزوح لهؤلاء الأمن المفقود على امتداد المساحة الجغرافية الصغيرة للقطاع، ولاحقهم الموت والدمار، بغارات جوية إسرائيلية تنتزع الحصانة من البشر والحجر والشجر، وتستهدف كل شيء، من منازل سكنية ومساجد وكنائس ومستشفيات ومراكز إيواء، وملاعب ونوادي رياضية.
وفقدت نيلي كثيرا من أصدقائها من أفراد الأسرة الرياضية، لاعبين ومدربين وإداريين، وتتابع بحزن شديد الدمار الذي لحق ملاعب ومنشآت رياضية كانت مبعث الحركة والنشاط والأمل لأجيال من الفتية والشباب، الذين يجد كثير منهم في ممارسة الرياضة "متنفسا وحيدا" لهم من هموم الحياة الناجمة عن الاحتلال والحصار.
ولخطورة الواقع الميداني، وتردي خدمات الاتصالات والإنترنت، تتوقع نيلي أن تكون "الفاجعة أكبر" عندما تتكشف المأساة بعد توقف الحرب، وأن تكون هناك، من بين شهداء العدوان، أعداد كبيرة من الرياضيين ارتقوا برفقة أسرهم، مثلما يحدث في كل الحروب الإسرائيلية على غزة، التي كانت فيها خسارة الرياضة الفلسطينية فادحة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الموت والخوف يصاحبان الفلسطينيين في رحلة نزوح جديدة من بيت لاهيا
واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، عملية التهجير القسري للفلسطينيين من بلدة بيت لاهيا بمحافظة شمال قطاع غزة التي تتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي منذ أكثر من شهر.
ومع ساعات الصباح الباكر، ألقى جيش الاحتلال عبر طائراته منشورات ورقية على مناطق وأحياء سكنية في بيت لاهيا تنذر سكانها بالإخلاء الفوري.
تزامن إلقاء تلك المنشورات مع قصف إسرائيلي وإطلاق للنيران استهدف هذه المناطق بشكل عشوائي، وفق حديث شهود عيان.
وخشية من الاستهداف والقتل المتعمد، اضطر مئات الفلسطينيين إلى حمل أمتعتهم القليلة والنزوح إلى خارج محافظة الشمال عبر طريق حدده جيش الاحتلال يمر بأحد حواجزه.
وسار الأطفال الذين كان بعضهم حفاة الأقدام جنبا إلى جنب مع أفراد عائلاتهم تاركين وراءهم منازلهم وأماكن نزوحهم ومتوجهين إلى المجهول بمدينة غزة.
شهداء على الحاجزتقول الفلسطينية انتصار أبو دراغمة وقد بدت على وجهها ملامح التعب والحزن "في ساعات الصباح، ألقى علينا الجيش منشورات للإخلاء واستجبنا لذلك ونزحنا".
وبعدما وصلت إلى مدينة غزة عقب رحلة نزوح صعبة، تصف ما حدث فتقول "بعد دقائق خرج بعض الشبان في الحارة فاستهدفهم جيش الاحتلال بما أسفر عن استشهاد 10 بينهم أطفال، كانوا عبارة عن أشلاء".
وأوضحت أن زوجها المريض استشهد على الحاجز الذي نصبه جيش الاحتلال على الطريق الذي حدده، وذلك لغرض التفتيش، ويحتجز فيه الرجال ويجري معهم تحقيقات.
وأشارت إلى أن جيش الاحتلال منع أبناءه من اصطحابه إلى المستشفى بمدينة غزة في حين واصلوا تفتيشهم بينما والدهم كان قد فارق الحياة عند الحاجز.
بدوره، يقول أحد الفلسطينيين (لم يذكر اسمه) الذين رافقوا زوجها إنه توفي بسبب رحلة النزوح الصعبة وانعدام توفر المياه والطعام.
وتابع "لقد طلب شرب الماء، فلم نجد فتوفي على الفور. وجيش الاحتلال لم يقدم لنا المساعدة".
وفي وقت سابق، أفاد شهود عيان باستشهاد مسنّين فلسطينيين مريضين أثناء انتظارهما على حاجز إسرائيلي شرقي جباليا بشمال قطاع غزة، إثر احتجازهما مع فلسطينيين آخرين لساعات طويلة منذ صباح الثلاثاء.
وبحسب الشهود، فقد انتظر النازحون، ومن بينهم المسنّان المقعدان، ساعات طويلة تحت أشعة الشمس وفي ظروف قاسية من التنكيل على حاجز التفتيش الإسرائيلي، للسماح لهم بالمرور بعد إنذارات إسرائيلية لسكان المنطقة بالإخلاء.
نزوح وسط الخوفقال أحد النازحين (لم يفصح عن اسمه) إنهم "خرجوا من منازلهم خائفين من الموت والقصف".
وتابع "وقفنا على الحاجز وكان هناك تفتيش بالكامل وطرح بعض الأسئلة منها الاسم بالكامل".
ويعتقد هذا الفلسطيني أن سياسة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من شمال غزة تهدف إلى "إفراغه من سكانه وإعادة احتلاله".
كما قال شهود عيان، خرجوا لتوهم من بلدة بيت لاهيا ووصلوا إلى مدينة غزة، إنهم أمضوا شهرا بلا طعام ولا شراب.
وبدأ جيش الاحتلال في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قصفا غير مسبوق على مناطق شمال القطاع، قبل أن يجتاحها بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها"، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجيرهم.
وفرض جيش الاحتلال بالتزامن مع هذه العملية حصارا مشددا على المحافظة مانعا الدخول إليها والخروج منها أو من أي منطقة أخرى لمخيم جباليا، إلا عبر حواجز نصبها حيث يتم تفتيش المواطنين النازحين إلى غزة والجنوب، أو الوفود الطبية القليلة الوافدة إلى الداخل من منظمة الصحة العالمية أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء مصابين.
كذلك تسببت هذه الإجراءات المشددة بإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة، وتوقف خدمات الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول حربا على غزة خلفت نحو 146 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.