ميلاد رسول الله «دراسة تربوية بلاغية لبعض آيِ الذكر الحكيم» «7»
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
نواصل الحديثَ عن مولد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وكتابة مقالاتنا هذه للكشف من خلالِ آياتٍ كريماتٍ وردتْ في حقه الشريف، مادحة سيرته، وأخلاقه، وسنته المكرمة، تبدأ بالقسم؛ تمجيدًا، وإجلالًا، وتقديرًا لمقامِ، ومكانةِ، وأوصافِ الرسولِ الكريم (صلى الله عليه وسلم)، في هذه المناسبة الجليلة، والذكرى العطرة، نستلهم ما فيها، ونأخذها آياتٍ تلوَ آياتٍ، وندور حولها ؛ لنستكشفَ جمالَها، وكمالَها، وجلالَها، حيث نتبين منها منزلة، ومكانة حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، يقول الله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الاحزاب ـ 21).
بدأت الآية الكريمة بالقسم؛ وذلك لبيان عظمة المقسَم عليه، والكشف عن مكانته، ومنزلته، وإظهار قدره، وتوضيحِ مناحي فضلِ الله ببعثته، ومولده الشريف، وقد تَضَمَّنَتِ الآية من أركان القسم كلا من حرف القسم، والمقسم عليه:(جملة جواب القسم)، وتركتِ المقسم به؛ لأنه معلوم لكلِّ مسلم: أنه ربه، ومولاه، وإلهه الكريم الممتنُّ بإرسالِ سيد المرسلين، وخاتمِ النبيين، ورحمةِ الله للعالمين، فجاءت اللام الواقعة في جواب القسم أولًا، وتلاه حرف التحقيق (قد) ثانيًا، ثم جملة جواب القسم ثالثًا، ومجيء الفعل:(كان) ماضيًا هو كناية عن أن الله تعالى ارتضاه يومَ خَلَقَهُ؛ ليكون خاتمة الرسل، وأنه نعمة من الله ماضية من قديم الأزل، والفعل:(كان) يدل على سعة رحمة الله، وإحاطته بتلك الأمة التي ارتضاها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس، و(الأسوة) في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي التي شاءها الله، واختارها بعظمته، وكمال ربوبيته، واستعمال حرف الجر اللام:(لكم) لأنها تفيد الملكية، والاكتساب، والنفع والصلاح، والفلاح، والضمير(كم) يعني أن الأسوة فيه هي لنا جميعًا، لا لآحادنا، بل لمجموعنا، فنحن جسدٌ واحدٌ، ونَفْسٌ واحدة، ونفَسٌ واحدٌ، فقوله:(لكم) هو كناية عن صفة هي توحُّدُ الأمة في كلِّ قضاياها، وأنها قلبٌ، وفؤادٌ واحد، يذهب الخيرُ من آخرها إلى أولها، ويعود مِنْ أولها على آخرها، ويحنُّ كلها على بعضها، وينثني فرعُها، ويؤول إلى أصلها، وتقديم شبه الجملة:(لكم أو في رسول الله) وهو الخبر للفعل الناسخ (كان)؛ لبيان سرعة البشرى، وإدخال السعادة على قلب كلِّ مؤمن، وفؤاد كل مسلم، والاهتمام به، وحتى يبشر الله بجلال الأسوة، وكمال القدوة المحمدية كلَّ مؤمن، وفي قوله:(في رسول الله)، تعني في شخصه الشريف، وفي سيرته العطرة، وفي سنته المطهرة كلها وكل ما ورد فيها من أقوال وأفعال وتقارير، فهي كناية عن تعمُّق المؤمن في معرفة السيرة، وتعشُّقه لكلِّ ما فيها، وتداخله في أطوائها، وانتشاره في زواياها حتى لا يراه الرائي بسبب انظرافه في كمالها، وجلالها، وحسن قراءتها، والتمتُّع بكلِّ مراحلها، واستعمال الحرف (في) هو كناية عن محبة كلِّ مسلم لشخصه الشريف، وغيابِه في فهم سيرته، وانغماسه في إدراك سنته، والوقوف كثيرًا أمام قوله، وفعله، وأخلاقه، وكل ما قَدَّمَهُ من خير للدنيا كلها، وللحياة، ومن فيها من الأحياء، وبركة عليهم جميعًا.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم رسول الله
إقرأ أيضاً:
5 أنوار فى القرآن الكريم .. علي جمعة يوضحها
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل طلق النور في كتابه على عدة أشياء، أطلقه سبحانه على نفسه، وأطلقه على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأطلقه على القرآن، وأطلقه على الهداية، وأطلقه على نور الهداية والإيمان.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن النور في القرآن على خمسة أنحاء : نور الرحمن، ونور القرآن، ونور النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، ونور الإيمان، ونور الأكوان، ولو أن أحد الباحثين كتب رسالة يتتبع فيها النور في كتاب الله وسنة رسوله، وأثر ذلك عند المسلمين لخرج كتابا حافلا لم يؤلف مثله في الإسلام.
ونحن في هذا العصر الذي اشتدت فيه الظلمات : ظلمات الكفر والإلحاد، ظلمات الظلم والاغتصاب، ظلمات العدوان وانتهاك المقدسات لفي أحوج الحاجة إلى معرفة النور الذي تكلم عنه الله ورسوله حتى نعلم الشيء ونقيضه، وحتى نعلم ما هذا النور وكيف نتبعه ما البرنامج الذي نسير عليه ؟ نفر فيه من الظلمات إلى النور حتى يرضى ربنا عنا، وحتى نتمتع بهذه الخاصية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
إن دين الإسلام دين النور، وقد أطلق الله النور على نفسه في سورة حملت اسم «سورة النور» قال الله تعالى فيها : ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور :35].
وقد اهتدى مكتشف المصباح الكهربائي إلى اكتشافه بعد تجارب عديدة بسبب هذا التشبيه البليغ، حيث لفت التشبيه القرآني لأهمية وجود الزجاج حول المصدر المشع لنشر الضوء.
وفي هذا النور الرحماني يقول الإمام ابن عطاء الله السكندري في كتابه الشهير «الحكم العطائية» : « الكون كله ظلمة و إنما أناره ظهور الحق فيه» وهو يقصد أن الكون من حيث كونيته وظهور حسه كله ظلمة؛ لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود ربه، ولأنه سحاب يغطى شمس المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأوانى.
وإليه أشار الششترى بقوله : "لا تنظر إلى الأوانى و خض بحر المعانى، لعلك تراني". فصار الكون بهذا الاعتبار كله ظلمة؛ وإنما أناره تجلى الحق به و ظهوره فيه، فمن نظر إلى ظاهر حسه رآه جسما ظلمانيا ، ومن نفذ إلى باطنه رآه نورا ملكوتيا.
فقول الشيخ الكون كله ظلمة إنما هو في حق أهل الحجاب، لانطباع ظاهر الأكوان في مرآة قلوبهم و أما أهل العرفان, فقد نفذت بصيرتهم إلى شهود الحق، فرأوا الكون نورا فائضا في بحر الجبروت فسار الكون عندهم كله نورا. وهو ما يشير لقول الشاعر : و إذا لم تر الهلال فسلم ** لأناس رأوه بالأبصار.
أما نورانية كتاب الله الكريم القرآن المجيد فقد أثبتها ربنا له في أكثر من آية.