جريدة الوطن:
2025-02-07@13:54:13 GMT

الانتقام لا يصنع سلاما

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

بعد أكثر من شهر من القصف والتدمير والمجازر بحقِّ الفلسطينيِّين، الَّتي أوْدَت بحياة الآلاف أغلبهم من الأطفال والنِّساء، وأصابت أضعاف ذلك العدد وشرَّدت مئات الآلاف، لَمْ يشفِ الاحتلال في فلسطين بانتقامه الوحشي من المَدنيِّين غليل الإذلال العسكري يوم 7 أكتوبر على يَدِ نفَرٍ قليل من مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينيَّة على حدود قِطاع غزَّة.

صحيح أنَّ جيش الاحتلال لَمْ يتوقفْ عن قتل الفلسطينيِّين في غزَّة والضفَّة وسائر الأماكن في فلسطين، ولا توقَّف المستوطنون المُسلَّحون عن قتل الفلسطينيِّين بحماية الجيش، ولا توقَّف هدْمُ المنازل وطَرْدُ الفلسطينيِّين من بيوتهم وأراضيهم ومصادراتها وحرق زرعهم من قَبل 7 أكتوبر، لكن ما يجري في الشهر الأخير من مجازر وتدمير في غزَّة غير مسبوق. ولا يُتوقع أن ينتهيَ الانتقام الغاشم في وقتٍ قريب، رغم كُلِّ الحديث عن هدنة أو ممرَّات إنسانيَّة أو غير ذلك. هذا الانتقام البربري من المَدنيِّين الفلسطينيِّين ما هو إلَّا تعبير أوضح عن عنصريَّة الاحتلال وداعميه.
المثير حقًّا أن نسمعَ في التصريحات العلنيَّة لبعض السِّياسيِّين، من أميركا والغرب، إشارات إلى العمل على «تسوية» ما بعد الحرب أو وضع قِطاع غزَّة بعد تدميره. ذلك في الوقت الَّذي لا يناقش فيه الأميركيون مع مَنْ يتحدَّثون إلَيْهم من العرب سوى اقتراحات نقْلِ الفلسطينيِّين إلى دوَلهم لإخلاء غزَّة، وتخفيف حدَّة الانتقام واستعادة بعض ماء الوَجْه للاحتلال، فضلًا عن أنَّ الفلسطينيِّين الَّذين لَمْ يتركوا أرضهم منذ عقود لَنْ يتركوها أحياء، فإنَّ أحدًا من دوَل الجوار ولا حتَّى الدوَل العربيَّة الأخرى على استعداد لنقْلِ فلسطينيِّين إليه. فهذا التهجير القسري، وعمليَّة التطهير العِرقي المتكاملة ستظلُّ سبَّة في جبَيْنَ البَشَريَّة لا أظنُّ أنَّ أحدًا من العرب يريد أن يلتصقَ اسمُه بها. أمَّا الولايات المُتَّحدة، الَّتي تقوم بِدَوْر «عسكري المراسلة» للاحتلال، فهي في الواقع شريك أساسي في عمليَّة الانتقام الحاليَّة. ليس فقط بالضغط للتهجير القسري والتطهير العِرقي وإنَّما بتعويضها المستمر لجيش الاحتلال عن الأسلحة والذَّخائر الَّتي يستهلكها في قتلِ النِّساء والأطفال والعجَزَة الفلسطينيِّين.
قَدْيمًا كُنَّا نقول إنَّ الدَّعم الأميركي غير المحدود للاحتلال لا يجعلها «وسيطًا» أمينًا في أيِّ مفاوضات سلام بَيْنَ العرب و»إسرائيل». الآن، أميركا شريك مباشر وأصيل في القتل والتدمير وتشجيع الانتقام البربري تحت دعوى «الدِّفاع عن النَّفْس». إنَّها تلك الدَّعوى المزيَّفة الَّتي اتَّخذتها أميركا وبريطانيا ذريعة لتدمير العراق وغزوه واحتلاله وتحويله «إلى ما قَبل العصر الحجري» كما قالوا وفعلوا. وهي الدَّعوى الَّتي تستخدمها أميركا في كُلِّ اعتداءاتها في أيِّ مكان في العالَم، وأكثرها في منطقتنا. لَمْ يَعُدِ الأمْرُ مسألة وسيط غير محايد، بل شريك في الانتقام يتحدث عن تسوية وسلام! أيُّ سلام يُنتظر مع مَنْ تدفَعُه شهوة الانتقام لِيخرجَ كُلَّ ما فيه من عنصريَّة وبربريَّة هي مُكوِّن أساسي فيه. هل هناك من يُمكِن أن يأمنَ أيَّ ضمان أميركي حتَّى مع التَّغاضي عن أنَّ الاحتلال وقادَتَه لا يوثَقُ بهم أصلًا؟ كيف يُمكِن أن يصدقَ أحَد أنَّ أميركا تريد وقف قتلِ الفلسطينيِّين وهي الَّتي قرَّرت مليارات الدوَلارات بشكلٍ عاجل دعمًا للاحتلال، وفتحت مخازن السِّلاح والذَّخيرة من أجل استمرار قتلِ الأطفال والنِّساء في غزَّة. أمَّا دعوى مساعدة الاحتلال في القضاء على حماس، والَّتي تستهوي ـ للأسف ـ بعض العرب، فما هي إلَّا زَيْف آخر مِثل ادِّعاء «الدِّفاع عن النَّفْس» المستخدم ذريعة للعدوان والغزو والاحتلال والقتل والتدمير.
لا فائدة تكرار ما يُقال منذ عقود، وما يبدو كأنَّنا نتحدث إلى أنْفُسنا به بلا جدوى، فليس متوقعًا من الاحتلال وداعميه، وفي مقَدِّمتهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها ـ سوى ذلك الانتقام الوحشي تعبيرًا عن القوَّة وفرض الإرادة. المُهمُّ هو ماذا نحن فاعلون في مواجهة ذلك.. بالنسبة للفلسطينيِّين في بلادهم وأرضهم فالأمْرُ محسوم: ليس أمامهم سوى التصدِّي للعدوان بما يملكون من أدوات بسيطة ومبتكرة. وما عادوا يأملون في الكثير من عالَم منافق يشجِّع العنصريَّة والإرهاب. ولَمْ ولَنْ يفوضوا أحَدًا للحديث باسمهم، ولا المتاجرة بدمائهم وأرواحهم. أمَّا دوَل الجوار لفلسطين فهي في وضع غاية في الحرج وبالتَّعبير الشَّعبي البلدي «مزنوقة». فلا هي قادرة على وقف الانتقام البربري الإسرائيلي/الأميركي ولا هي مستعدَّة لقَبول الضَّغط الأميركي كَيْ تساندَ العدوان الإسرائيلي بقَبول تهجير الفلسطينيِّين إلَيْها ولا هي قادرة على تحدِّي القوَّة الغاشمة وتقديم يَدِ العون للمَدنيِّين الأبرياء الَّذي يموتون بجراحهم وجوعهم إذا لَمْ تنسفهم النيران الأميركيَّة الَّتي يطلقها الاحتلال.
بقيَّة دوَل المنطقة، غير دوَل الطَّوق كما يُقال، ربَّما ترَى أنَّ ما يَسعى إليه الاحتلال العنصري وداعمُه الأوُّل في واشنطن من «حلٍّ نهائي» قَدْ يوفِّر سلامًا دائمًا بعد ذلك. وتقَدْيري أنَّ هذا تصوُّر واهِمٌ ِمثل كثير من الاختيارات الخاطئة الَّتي كلَّفتنا جميعًا الكثير من تمويل تشكيل تنظيم القاعدة في الثمانينيَّات إلى بروز تنظيم «داعش» الأشدِّ إرهابا. فلا يُنتظر سلام من انتقام، ولا من دَولة دينيَّة بالقانون (أصبحت إسرائيل كذلك منذ عام 2018). بل إنَّ المهادنة مع ما يجري الآن كفيل ببروز جيل من الفدائيِّين الفلسطينيِّين سيكونون أشدَّ شراسة ممَّا شهدناه في السبعينيَّات والثمانينيَّات. ولَنْ يستطيعَ أن يلومهم أحَد والعالَم كُلُّه يتفرَّج على المَحرقة الَّتي تُودِي بذويهم الآن.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

الأسير الفلسطيني: الاحتلال اعتقل واحتجز 174 مواطنًا من جنين وطوباس منذ بدء العدوان الأخير

أكد نادي الأسير الفلسطيني في بيان، اليوم الخميس الموافق 6 فبراير 2025، أن قوات الاحتلال الإسرائيلية اعتقلت واحتجزت نحو 174 مواطن من محافظتي «جنين، وطوباس» منذ بدء العدوان الأخير على المحافظتين.

وأفاد نادي الأسير في بيان منشور على صفحتها الرسمية «فيسبوك»: بأن «أعداد المعتقلين ومن تعرضوا للاحتجاز في جنين ومخيمها على مدار 17 يومًا من العدوان لا يقل عن 120، أما في محافظة طوباس فقد بلغت حالات الاعتقال 54 أغلبيتها في بلدة طمون».

وتابع: أن «العشرات من المواطنين في مدينتي (جنين، وطوباس) خضعوا للتحقيق الميداني، علماً أن أغلبية المعتقلين تعرضوا للضرب المبرح وعمليات التنكيل الممنهجة».

وكشف نادي الأسير الفلسطيني، عن مواصلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي في عدة محافظات: «طولكرم، وجنين، وطوباس» منذ أكثر من أسبوعين، وبناءً عليه ارتقى 29 شهيدًا وإصابة العشرات والاعتقالات، بجانب نسف المنازل، والنزوح القسري، وسط تدمير واسع للممتلكات والبنية التحتية.

وأوضح نادي الأسير: أن «قوات الاحتلال الإسرائيلية تعمدت منذ بدء العدوان إلى فرض إجراءات تعسفية عند حواجزه العسكرية قرب معظم مداخل المحافظات ومخارجها في الضفة الغربية، وإغلاق معظم بوابات القرى والبلدات، في محاولة لتفجير الأوضاع».

واختتم البيان: أن «هذا التعمد تمهيداً لخلق حالة من الفوضى العنيفة، لتسهيل ضم الضفة، وهو ما تجلى في الهجمات الوحشية التي ترتكبها عصابات المستعمرين الإرهابية ضد المواطنين، وبلداتهم، وممتلكاتهم، ومنازلهم، وأراضيهم، ومقدساتهم».

اقرأ أيضاًالشوبكي.. نادي الأسير يكشف عن أبرز أسير فلسطيني محرر في الدفعة الثالثة

بالدفعة الثانية.. نادي الأسير يعلن تحرير «خليل براقعة» من بيت لحم

بعد اعتقال 22 فلسطينيا بالضفة.. نادي الأسير الفلسطيني: حملة الاعتقالات «عملية انتقامية»

مقالات مشابهة

  • جنوب إفريقيا: متضامنون مع الشعب الفلسطيني
  • جنوب إفريقيا: الشعب الفلسطيني يعاني جراء عقود من الاحتلال غير الشرعي
  • زلزال ترامب يصل طهران ويوقظ سلاماً إيرانياً تجاه المنطقة وإسرائيل
  • الشعب الفلسطيني يدحر العدوان الإسرائيلي برفض مخططات الاستيطان على أرضه
  • "الخارجية الفلسطينية" تُحذِّر من تنفيذ مشاريع تهجير الشعب الفلسطيني
  • الأسير الفلسطيني: الاحتلال اعتقل واحتجز 174 مواطنًا من جنين وطوباس منذ بدء العدوان الأخير
  • الكويت: موقفنا ثابت في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة
  • أستاذ علوم سياسية: الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني
  • محمد دراغمة المقاوم الفلسطيني منفذ عملية حاجز تياسير
  • من غزة إلى جنين.. صورة واحدة للصمود الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي