لم يفاجئني أو يصدمني تصريحُ وزير التراث الإسرائيليّ "عميحاي إلياهو" الذي طالبَ فيه بضرب قطاع غزّة بقنبلة نوويّة والتخلّص من الفلسطينيين كافةً. بل إن تصريحه هو التطوُّر الطبيعيّ للمقتلة التي تجري في قطاع غزّة، ونتابعها على الهواء مباشرة صوتًا وصورة، دون أن يتحرّك أحد بجدّية لإيقافها. تصريحُ عميحاي يأتي في سياق أوسع من الشراكة الغربية، وليس فقط التواطؤ، قولًا وفعلًا فيما يجري بقطاع غزة، وهو- قطعًا- ليس نشازًا أو غريبًا عنه.
فإذا كان مقتل ما يزيد على عشرة آلاف شخص- أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، وإصابة الآلاف، وهدم ما يقرب من نصف المنازل والبيوت في قطاع غزة على رؤوس أصحابها- لم يحرّك ساكنًا سواء لدى العرب أو الغرب، فماذا نتوقّع من مسؤول صهيونيّ متطرف؟!
حقيقة الأمر، فإن مقتلة غزة عرّت وكشف سوءات الجميع شرقًا وغربًا، ولم ينجُ من ذلك سوى ضحاياها الذين سقطوا ودفعوا أرواحهم ثمنًا للحرية ضد محتل متطرف ومجنون. فشل العرب جميعًا في توفير الحماية لشعب غزّة الأعزل، ولم يجرؤُوا على اتخاذ موقف قوي يمكنه ردع إسرائيل ووقف جرائمها. وظلت مطالبهم بوقف إطلاق النار مجرد كلمات تتكسّر على صخرة التواطؤ و"الفيتو" الأميركيّ.
عرّت مقتلة "غزة" الكثير من ادعاءات الغرب وإعلامه ونخبته حول احترام حقوق الإنسان. وقد سقطت وسائل الإعلام الغربية سقوطًا مروّعًا في فخّ الانحياز الأعمى للرواية الإسرائيلية الكاذبة
خمس دول عربية تطبّع علاقاتها مع الكيان ولم تجرؤ إحداها على استدعاء سفير الكيان لديها؛ لإبلاغه احتجاجها على ما يجري في قطاع غزة، ناهيك عن سحب سفيرها من تل أبيب أو التهديد بقطع العلاقات. سحبت الأردن سفيرها بعد مرور شهر على المقتلة وبعد سقوط الآلاف من الضحايا ما بين شهداء ومصابين، ولكن إسرائيل لم تكترث أو تهتمّ واستمرت في مسلسل القصف والقتل.
جاء وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة، ليس لوقف الحرب وإنقاذ بعضٍ مما تبقى من ماء وجه بلاده، ولكن لتقديم الغطاء وشراء الوقت لإسرائيل من أجل ارتكاب المزيد من المذابح والمجازر. جاء وفي جَعبته اقتراح خجول، ومفهوم جديد أدخله في قاموس النزاعات والحروب، اسمه "هدنة إنسانية مؤقتة" Humanitarian Pause.
لم يجرؤ الرجل على اقتراح "هدنة طويلة المدى"، وكيف ذلك وهو يشاطر إسرائيل هدفها الأحمق والمجنون بمحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية، ورغم ذلك قرّعه بنيامين نتنياهو ورفض مقترحه بالهدنة الإنسانية، وردّ على مقترحه عمليًا بقصف ثلاثة مستشفيات وعدة مدارس تؤوي نازحين فلسطينيين، وبإسقاط المزيد من القنابل الفسفورية على أطفال ونساء قطاع غزة.
ثم ذهب إلى عمّان كي يكرّر نفس كلامه الممجوج حول حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وهو يعلم جيدًا أن ما تفعله تل أبيب ليس دفاعًا عن النفس، بل هو هجوم جنوني على شعب أعزل ومحاصر منذ أكثر من عقد ونصف. جاء ليكرر أكاذيبه حول استخدام المقاومة أهالي غزة كدروع بشرية، وذلك في تبرير فج لجرائم إسرائيل ضد المدنيين من الأطفال والنساء. وكان تحدث- بوجه بارد قبل زيارته في الكونجرس الأميركي- حول ضرورة دعم إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، فقاطعه نشطاء أميركيون واتهموه بالتواطؤ مع ما يجري في غزة، مطالبين بوقف إطلاق النار وإنهاء المقتلة فورًا.
يحاول بلينكن، ومن خلفه رئيسه جو بايدن، شراء أكبر قدر ممكن من الوقت لصالح إسرائيل من أجل إتمام عمليتها البرية في قطاع غزة وتهجير سكانها. بايدن- الذي يفخر بكونه صهيونيًا رغم أنه ليس يهوديًا- يتوسل الآن لنتنياهو كي يوافق على مقترح "وقف تكتيكي" للقتال من أجل ضمان السماح للمدنيين بالهروب من جحيم القصف الإسرائيلي.
أما الأكثر دهشة واستغرابًا، فقد جاء قبل يومين حين طلبت إدارة بايدن من الكونجرس الأميركي نقل قنابل دقيقة التوجيه لإسرائيل بقيمة 320 مليون دولار، وذلك بدلًا من القنابل الكبيرة التي تلقيها إسرائيل على الفلسطينيين. أي أن بايدن يقول لنتنياهو: بدلًا من أن تقتل 200 فلسطيني أو أكثر، يمكن أن تكتفي فقط بقتل خمسين فلسطينيًا أو مائة. فيا لعطف بايدن وإنسانيته!!
أيضًا، عرّت مقتلة "غزة" الكثير من ادعاءات الغرب وإعلامه ونخبته حول احترام حقوق الإنسان. وقد سقطت وسائل الإعلام الغربية سقوطًا مروّعًا في فخّ الانحياز الأعمى للرواية الإسرائيلية الكاذبة حول ما يجري في قطاع غزة. وشاهدنا تعليقات المذيعين والمراسلين لكبريات الشبكات الإخبارية مثل (سي إن إن) و(بي بي سي) وغيرهما، وجميعها ينضح بالتحيز الأعمى لإسرائيل، ويتغافل عمدًا عن أصل المشكلة في فلسطين وهو الاحتلال الإسرائيلي. وقرأنا مانشيتات وعناوين لصحف أميركيّة كانت تحظى بقدر من المصداقية مثل واشنطن بوست ونيويوك تايمز وول ستريت جورنال، وهي تدافع عن وحشية وهمجية إسرائيل في قتل الأطفال والنساء والمدنيين.
في حين تابعنا، ولا نزال، حملات التخويف والترويع والاستهداف التي تقوم بها الشبكات الداعمة لإسرائيل داخل الجامعات الغربية، خاصة في أميركا وألمانيا وفرنسا ضد كل من ينتقد جرائم إسرائيل تجاه سكّان قطاع غزّة. بل وقرأنا مقالات في هذه الجرائد تدافع عن الاحتلال الاستيطاني في فلسطين وتهاجم كل من يتحدث عنه أو يناقشه ولو من منظور بحثي وأكاديمي.
ستظل مقتلة غزة شاهدةً على أكبر عملية تواطؤ ضد شعب أعزل، وستظل صور أطفال غزة- الذين قتلتهم إسرائيل بوحشية- كابوسًا يطارد كلَّ مَن كان بإمكانه وقف هذه المقتلة، أو على الأقلّ رفضها وانتقادها، ولم يفعل!
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی قطاع غزة ما یجری
إقرأ أيضاً:
آخر قلاع الصمود..إسرائيل تحرق مستشفى كمال عدوان شمال غزة
أحرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي،اليوم الجمعة، مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذي كان يقدم خدماته لأكثر من 400,000 نازح، كآخر مشفى عامل في شمال القطاع، ممثلاً آخر قلاع الصمود.
وأفادت وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، بأن جيش الاحتلال أجبر المرضى والمصابين والكوادر الطبية والطواقم الصحفية على إخلاء المستشفى بالقوة، مضيفة أن "كمال عدوان" هو الوحيد الذي يعمل في شمال قطاع غزة، ويقدم الخدمة الطبية للمواطنين.
وبين مدير الصحة في قطاع غزة، الدكتور منير البرش أن الاحتلال اقتحم مستشفى كمال عدوان وأخرج 350 شخصا هم كل من كانوا فيه من مرضى وكوادر، فيما انقطع الاتصال بالمستشفى وسيارات الإسعاف التي ذهبت للمستشفى.
وقال مدير الصحة بغزة، الدكتور منير البرش:"نحن لا نعرف مصير الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان ولا مصير الكوادر المرافقة".
وأضاف:"الاحتلال أحرق مستشفى كمال عدوان واستخدم أمس روبوتات متفجرة ضخمة لتدميره".
وأردف:"مستشفى كمال عدوان سيظل شاهدا على الفشل الأخلاقي والإنساني للمنظمات الدولية".
وأشار البرش إلى أن الاحتلال قتل أمس 5 من الكوادر الطبية في المستشفى بصاروخ مباشر.
وقال مدير الإعلام الحكومي بغزة للجزيرة: "عار على العالم الذي فشل في منع الاحتلال النازي من إحراق مستشفى كمال عدوان"، مضيفا: "نحن نعيش 450 يوما من الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحقنا".
بدورها قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في تصريح صحفي، إن "اقتحام جيش الاحتلال المجرم مستشفى كمال عدوان والمجازر الوحشية في محيطه؛ جرائم حرب صهيونية تتم وسط تخاذل دولي، وتواطؤ كامل من الإدارة الأمريكية الشريكة في حملة الإبادة في قطاع غزة".
وأضافت الحركة:" اقتحام جيش الاحتلال الصهيوني المجرم لمستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، وإجبار من فيه من أطقم طبية ومرضى وجرحى ونازحين على مغادرته تحت تهديد السلاح، بعد تكثيف القصف الهمجي على محيط المستشفى ليلة أمس ما أدى لارتقاء أكثر من خمسين شهيداً، بينهم خمسة من الكادر الطبي في المستشفى؛ هو جريمة حرب تضاف للسلسلة الطويلة من الجرائم التي يرتكبها العدو المجرم بحق شعبنا، وسط تخاذلٍ عالميٍ وأمميٍ متواصل عن القيام بدورهم في حماية المدنيين والمرافق المدنية".
وتابعت:"نحمّل الاحتلال الصهيوني المجرم، ومن خلفه الإدارة الأمريكية المتواطئة مع حرب الإبادة الوحشية في قطاع غزة؛ المسؤولية الكاملة عن حياة المرضى والجرحى والأطقم الطبية العاملة في المستشفى، بعد عزلهم الكامل عن وسائل الاتصال والتواصل، وما يتسرب من أنباء عن تعرّضهم للتنكيل، واعتقال أعداد منهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة".
وطالبت "حماس" المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكافة الدول والأطراف الفاعلة بـ"التحرك الفوري وكسر حلقة الصمت والعجز أمام هذه الإبادة، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن توقف العدوان الصهيوني والإبادة المستمرة بحق شعبنا، والعمل على محاسبة هذا الكيان المارق وقادته الإرهابيين على جرائمهم ضد الإنسانية".
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)
محرر البوابةيتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترند آخر قلاع الصمود.."إسرائيل" تحرق مستشفى كمال عدوان شمال غزة مقتل مستوطنة بعملية طعن قرب"تل أبيب" مجاهد قسّامي يفجر نفسه بقوة إسرائيلية ورفاقه يستهدفون قوة النجدة سوريا..قوات الأمن تداهم أوكار فلول نظام الأسد في حماة(صور) مدير "الصحة العالمية" ينجو بإعجوبة من قصف مطار صنعاء Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter