المرهقون.. جائزتان من فالنسيا تنضمان لنجاحات الفيلم اليمني
تاريخ النشر: 3rd, July 2023 GMT
حصل الفيلم اليمني "المرهقون" على جائزتين من مهرجان فالنسيا الدولي في دورته الـ38، حيث فاز بجائزة أفضل مخرج لعمرو جمال وأفضل سيناريو لعمرو جمال ومازن رفعت.
وتنضم الجائزتان إلى مجموعة التكريمات التي حصل عليها الفيلم، وذلك بعد فوزه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان تاييبي السينمائي في تايوان قبل أيام.
وشارك الفيلم في عدد من مهرجانات السينما العالمية، إذ جاء العرض الأول في مهرجان برلين السينمائي في فبراير/شباط الماضي، وبذلك يصبح أول فيلم يمني يشارك في مهرجان برلين، كما حقق الفيلم جائزة "أمنستي" (Amnesty International Film Award) التي تُمنح للفيلم الأكثر تأثيرا في الجانب الإنساني من بين جميع أقسام المهرجان، وحصل أيضا على ثاني أعلى نسبة تصويت في جائزة الجمهور، بعد تصويت أكثر من 22 ألف شخص لهذه الجائزة.
كما جاب الفيلم العالم بمشاركته في العديد من المهرجانات مثل سيدني، تايوان، شنغهاي، بكين، أرمينيا، سلوفاكيا، ومؤخرا مهرجان تاييبي في تايوان وفالنسيا. ومن المقرر مشاركته أيضا في المسابقة الرسمية لمهرجان "دربن" السينمائي الدولي بدورته الـ44 والمقرر إقامته في جنوب أفريقيا في الفترة بين 20 و30 يوليو/تموز الحالي.
وكان مشروع الفيلم أيضا قد حظي باهتمام من العديد من المهرجانات التي ساهمت في دعمه وتطويره، منها فوزه في سوق مهرجان "كارلوفي فاري" للأفلام قيد الإنتاج والمقام في دولة التشيك، وبجائزتين لاستكمال مراحل ما بعد الإنتاج من مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد.
قصة حقيقيةويقدم المخرج عمرو جمال في فيلم "المرهقون" قصة حقيقية وقعت أحداثها في مدينة عدن عام 2019 عن أسرة من الطبقة المتوسطة مكونة من أب وأم و3 أطفال، وتعاني الأسرة بعد الحرب التي وقعت في 2015، ويفقد الأبوان وظيفتهما ويعيشان تحت خط الفقر، وتفاجأ الأم بأنها حامل وتنتظر مولودا جديدا قبل أن تقرر رفقة زوجها التخلص من الجنين.
وفي تصريحات لصحيفة محلية يمنية قال المخرج عمرو جمال إن الإجهاض المقصود في الفيلم يرمز للمستقبل والأحلام وهو حال البلد الذي لا يزال يعيش تحت ظروف اقتصادية وسياسية مؤلمة أجهضت الأحلام والطموحات والمستقبل وأجبرت الأشخاص على تقديم تضحيات صعبة.
وقال إن فيلميه "10 أيام قبل الزفة" و"المرهقون" نجحا في وضع السينما اليمنية على خارطة السينما العربية والعالمية، وهو يأمل أن يكون ذلك حافزا للمخرجين والمنتجين وللسينمائيين من مختلف المحافظات لإعادة الوهج الفني والمسرحي للبلاد بعد سنوات من الأفول والانكماش.
وكان جمال قد بدأ تصوير فيلمه "المرهقون" في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في حي "القطيع" وهو أحد أعرق الأحياء الشعبية في مدينة عدن القديمة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
روح السينما ...
سيظل اختراع السينما أعظم النتاجات البشرية.
إنّ قدرة السينما فـي تحويل أفكار الموسيقى والكتابة والدراما والشخصيات والفضاءات إلى صور متحركة ناطقة هي من أجمل الهدايا فـي الحياة التي تجعل لحظات المرء فارقة، وبالغة الروعة. لا أتذكر على وجه الدقة متى ذهبت برفقة عائلتي (أبي وأمي وأخوايّ وأختي) إلى أول دار عرض للسينما فـي صلالة. لكني ما زلت أحتفظ بذكريات جميلة حول الثياب التي ارتديناها كأننا نستعد لالتقاط صورة. وبعد السؤال والبحث عن أول دار عرض للسينما فـي ظفار عثرت على مقالة مهمة تؤشر إلى الزمن والمكان معًا.
يذكر الكاتب (خالد بن سعد الشنفري) فـي مقالة نشرها فـي جريدة الرؤية بعنوان (سينما الأحقاف أولى نوافذنا الثقافـية) إنّ «سينما الأحقاف التي أنشأتها شركة الشنفري فـي أوائل السبعينيات، تعدُّ أولى دور السينما الصيفـية من دون أسقف فـي ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك [...] وتعرض فـيها أفلام هندية... وقبل بدء عرض الفـيلم بفترة طويلة تضج جنبات السينما بأغاني أم كلثوم الشهيرة... وكنا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفـيلم بساعة، وكل منّا يحمل معه من المطعم الباكستاني فـي كيس من الورق المقوى السمبوسة، والباكورا، مع زجاجة الكولا...إلخ».
تتأتى أهمية هذه الفقرة كوّنها تشير إلى اسم السينما ومنشئها، وزمكانها، بحيث تشكّل مفتاحا لولوج بوابة تأسيس ثقافة التعامل مع هذا الفن والتعرّف عليه فـي المجتمع المحلي. فهذا الباب الذي دخل منه فنانون كبار شاهدناهم فـي السينما الهندية آنذاك، وتأثرنا بهم وأسقطنا عليهم ألقابا وصفات، تطور بنا الحال، وتعرفنا على غيرهم من شخصيات السينما العالمية، فأعجبتنا أدوارهم المتباينة العجيبة وبطولاتهم الخارقة. من هذا المنطلق يظل تخصيص يوم فـي السنة هو الثامن والعشرون من ديسمبر للاحتفال بالسينما لفتة رائعة.
استطاعت السينما وخطابها البصري إحداث قولبة فـي حياتنا الثقافـية وكونت حساسية عابرة مع أشكال التلقي التي ألفناها. إننا اليوم نشاهد أفلاما عربية وأمريكية وآسيوية، تستطيع إثارة الجدل سواء قبل عرضها، أو بعد العرض. تحتل عناوين أفلام السينما حيزا كبيرا فـي مخزوننا المعرفـي ومساحة مستقرة، فأنا على سبيل المثال لا أنسى أحداث الفـيلم العربي (المجهول) المقتبس عن مسرحية ألبير كامي (سوء تفاهم) الذي أدى أدواره الفنانون سناء جميل، وعادل أدهم، ونجلاء فتحي، وعزت العلايلي، لدرجة أنني حرصت على اقتناء صورة بالأبيض والأسود لنجلاء وإلصاقها فـي ألبوم خاص أحتفظ به إلى اليوم. ومن الأفلام التي ما زلت أشعر فـيها بروح السينما فـيلم (العطر: قصة قاتل) المقتبس من رواية ألفها (باتريك زوسكيند) بالعنوان نفسه.
(2)
مجلة (الفن السابع) كانت أول مجلة اشتريتها فـي صلالة مخصصة للسينما. كانت المجلة شهرية مستقلة. صدر عددها الأول فـي القاهرة عام 1997م. لا أعرف كيف وصلت أعدادها إلى مكتبة العائلة، ولم تكن الأعداد أيضا تصل منتظمة أسوة بمجلة الناقد التي كانت تصدر فـي لندن. وجدت فـي خزانتي عددا فقط، يحمل الرقم (44- يوليو 2001م) وافتتاحية المجلة مقالة عنوانها «حول مفهوم المتعة والاستمتاع) كتبها رئيس مجلس الإدارة الفنان (محمود حميدة). توقفت المجلة عن الصدور فـي عام 2001م لظروف قلة التمويل والدعم.
(3)
تمر صناعة الأفلام الروائية الطويلة فـي منطقتنا العربية بتحديات كبيرة. تبدأ مع العنوان والمضمون الديني والاجتماعي والسياسي والجرأة فـي التمثيل، أتذكر مثلا الأفلام (الرسالة - 1976م)، و (عمارة يعقوبيان- 2006م)، و(بيروت الغربية - 1998م)، و(مولانا - 2016م) ومؤخرا لاقى الفـيلم (ريش - 2021م) رواجا، للمخرج المصري الشاب عمر الزهيري، إنتاج مشترك مصري - فرنسي، مثّل فـيه ممثلون غير معروفـين، ولم يسبق لأحدهم التمثيل، مما يرفع من قيمة السينما المستقلة الجديدة فـي عالمنا العربي، وهي سينما فـي الظاهر تبدو من النوع القليلة الدسم التي تستند فـي الدرجة الأولى إلى جدية فـي الفكرة والمعالجة الدرامية والحرية الإبداعية مبتعدة عن الاستعانة بالنجوم الكبار، وغالبا ما يجري إنتاجها فـي خارج الأستوديوهات الكبرى التي تأخذ مبالغ عالية التكلفة للتصوير. لاقى فـيلم (ريش) النجاح الدولي، وأشاد به النقاد، حاصدا جائزة أسبوع النقاد الدولي بمهرجان كان السينمائي. يحكي الفـيلم قصة «عائلة فقيرة تعيش ظروفا صعبة فـي إحدى المناطق العشوائية، وتنقلب حياتهم رأسا على عقب عندما يتحول الأب إلى دجاجة بعد خطأ فـي عرض سحري، فتضطر الأم لتحمّل مسؤولية الأسرة ومحاولة التكيّف مع الوضع الغريب». يتميز الفـيلم بقدرته المُدهشة للتعبير عن فحوى عنوان هذه المقالة؛ روح السينما. فأنا لا أخفـي إعجابي الآسر بمفهوم الواقعية السحرية، وقدرتها على خلق التداخل ما بين الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافـي، مع واقع فني يجعلنا نشعر بأننا أمام لقطة فـي الفـيلم مكتنزة بالدلالات والتأويلات. لا شيء منطقي، وكل شيء ينجو بقوة الخيال والطاقة الخفـية التي تمتلكها عناصر الكون، وغالبا ما يكتنف الواقعية السحرية الشعور بالعالم الماورائي والانتقالات الغامضة فـي الزاوية نفسها، إنه عالم الأساطير غير القابلة للتصديق أو التحقق، لكنها بفعل الكاميرا واللقطات ومفاجآتها يستطيع المتلقي الاستمتاع بتفاصيل اللقطات جميعها.
ومن التحديات التي تضعف صناعة السينما، عدّها شكلا من أشكال الثقافة الاجتماعية النخبوية بحيث يقتصر تقديمها للهواة والأكاديميين، دون أن تتغلغل بنيويا فـي المجتمع، وهذا ما يجعلها ومصطلح المسرح فـي الشارع فـي كفة واحدة فـي بلدان الخليج بوجه خاص. فهذه الصناعة الثقيلة كما نعلم تحتاج إلى دعم مادي ولوجستي ومجتمعات تقتطع من معاشها التقاعدي وراتبها الوظيفـي ثمن التذكرة. يمكن أن يضاف إلى التحديات السابقة الدور الرقابي، وغياب حرية التعبير الفنية، إلى جانب الاعتقاد بأن ثلاثة أرباع الفـيلم هي دعاية وإعلان عن السياحة، والربع المتبقي هو الدراما.
فـي ظل الذكاء الاصطناعي، لا يضطرب السؤال أو النقاش حول الاستفادة من هذا الاختراع المذهل واستفادة السينما منه، كما هو الحال مع المسرح مثلا. فالفـيلم يستفـيد من تطبيق الذكاء الاصطناعي (AI) ضمن مستويات تتعلق بتحسين جودة التصوير «والمؤثرات البصرية وكتابة النصوص، والتفاعل مع الجمهور». ففـيلم (Gemini Man- 2019م) يؤدي فـيه الممثل (ويل سميث) دورًا مزدوجًا بتقنية الذكاء الاصطناعي. سيضاف إلى التحديات السابقة، المادية واللوجستية والأخلاقية التي تواجه صناعة الفـيلم الطويل فـي عالمنا، تحديا جديدا يتدخل فـي توجيه مسارات الكون، وينتصب أمامنا شاهدا على تحول معرفـيّ ضاغط، نحو حداثة لا نملك فـيها إلى التوسل بالأدعية.
(4)
وقياسًا على هذا تنتصب اليوم المنصات الفضائية للقيام بمهمة موازية فـي عرضها الأعمال الأدبية العالمية الخالدة؛ كرواية (مئة عام من العزلة) لمؤلفها غابرييل ماركيز، حيث يجري عرضها فـي سلسلة فصول. بالطبع، لا تستطيع منصة إزاحة فعل السينما وتأثيرها الناعم، لأن للسينما تقاليد موروثة ترفع من قيمتها، وتعزز من مكانتها عبر العصور. فالدخول إلى السينما أشبه بفعل السحر والخيال معًا. لكن الميزة التي لا احتجاج عليها أجدها تتمثل فـي تجلي روح السينما فـي (مئة عام من العزلة - 1967م)؛ هذه الرواية التي حصل بفضلها مؤلفها على جائزة نوبل عام 1982م، استطاعت بسردها المُحكم، وتعدد شخصياتها وتعددية الأصوات أن تجعل كل من يقرأها يرغب فـي وجود قرية (ماكوندو)، يهرب إليها، وهي تقدم خلاصة بشرية مأساوية تؤكد أن التاريخ يكرر نفسه، وأننا كبشر سنعيد الوقوع فـي أخطاء الماضي التي جاهدنا زمنا طويلا لمحاربتها، وأننا بالرغم من ذلك كله، سنحتاج إلى الفن والخيال لنواجه أشكال الانتقالات جميعها. ستظل رواية (مئة عام من العزلة)، أقرب تجسيدًا إلى فـيلم (ريش)، أكثر قربا من (المجهول)، ولكنها روح السينما فـي عيدها أجمل وجود كرائحة (العطر)!