جنين- لم تنتصف الساعة الثامنة صباح اليوم الاثنين حتى دكت طائرات الاحتلال المسيّرة بالقذائف الصاروخية مسرح الحرية في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، ليكون هدفا من أهداف إسرائيل خلال اقتحام المخيم للقضاء على المقاومة وفقا لما يقوله الاحتلال.

وخلال ثوانٍ حوّل الاحتلال مدخل المسرح وأسواره وصرح الشهيد هناك إلى أنقاض، ثم ما لبث أن اقتحمه عشرات الجنود وحولوه والمنازل الملاصقة إلى ثكنة عسكرية يستهدفون من خلالها كل ما يتحرك على الأرض.

وإضافة إلى ذلك جرفت الآليات العسكرية شارع المسرح وأغلقت بالسواتر الترابية مدخله، ودمرت خدمات البنية التحتية من الماء والكهرباء ووسائل الاتصال المختلفة، قبل أن تحرق بنيران قذائفها مركبات المواطنين.

وقال المسؤول الإداري في مسرح الحرية مصطفى شتى إن مخيم جنين بأسره يواجه عقابا جماعيا إسرائيليا، وإن مسرح الحرية جزء منه، وإن استهدافه بهذا الشكل المباشر "يعيد الصورة لاجتياح المخيم عام 2002 وهدم المسرح".

ومنذ ذلك الحين -يضيف شتى- يواجه مسرح الحرية صلف الاحتلال وإرهابه، سواء بملاحقة أعماله أو باقتحاماته المتواصلة، ولا سيما خلال العامين الأخيرين.

لوحة فنية داخل إحدى غرف مسرح الحرية (الجزيرة نت) أبطال حقيقيون

وتشرّب مسرح الحرية فكره المقاوم خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1989، وذلك على يد آرنا مير خميس، وهي ناشطة يهودية متزوجة من المناضل الفلسطيني صليبا خميس حينما أرادت بطريقتها وعبر ما عرف وقتها بـ"بيت الطفولة" تخفيف معاناة أطفال المخيم.

ثم ما لبث أن حوّلته إلى "مسرح الحجر" (نسبة لانتفاضة الحجارة)، واتخذت من غرفة على سطح منزل الأسير المقاوم زكريا الزبيدي مقرا لمسرحها، وفيه أعدت أعمالها المختلفة، وكان أبرزها "القنديل الصغير" عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، والذي فاز بجائزة عالمية استغلتها آرنا في توسيع المسرح وتطوير أعماله.

وبعد وفاة آرنا (1994) واصل نجلها جوليانو خميس (قتل عام 2011 أمام مسرح الحرية برصاص مجهولين) ما بدأته أمه، فأطلق فيلمه الوثائقي "أولاد آرنا" الذي تميز بأن أبطاله هم قادة المقاومة، مثل الأسير زكريا الزبيدي وبعض شهداء اجتياح عام 2002، وصولا إلى تشييده مسرح الحرية عام 2006.

وهكذا شكّل مسرح الحرية مناخا مهما للمقاومة، بل كان جزءا منها، وواصل أعماله في الداخل والخارج، فقدم على سبيل المثال مسرحية "الحصار" عام 2017 التي تناولت حصار الاحتلال للمقاومين داخل كنيسة المهد عام 2002، وحظيت بانتشار عالمي واسع حشدت ضده وحاربته "الجماعات الصهيونية" في الخارج.

وقبل أشهر كان آخر أعماله "مترو غزة" (عن حلم التواصل والهوية الفلسطينية بين الضفة والقدس وغزة)، كما واصل نشاطاته التثقيفية مستهدفا شرائح مختلفة من المجتمع -ولا سيما النساء والأطفال- عبر برامج مختلفة كان آخرها المخيم الصيفي "أكاديمية المسرح" قبل أيام.

وعلى طريقته يقاوم مسرح الحرية -كما يقول شتى- دون أن ينكر على أحد مقاومته، بل يرى أن المقاومة في مخيم جنين بكل أشكالها تسير جنبا إلى جنب ضد الاحتلال، مضيفا أن "مسرح الحرية قطعة فسيفساء في لوحة مقاومة المخيم".

صورة الأسير المقاوم زكريا الزبيدي برفقة أطفال في مخيم جنين نصبت عند مدخل مسرح الحرية (الجزيرة نت) حرب غير تقليدية

بدوره، يقول المدير الفني للمسرح أحمد طوباسي إن أفراد المسرح اعتقلوا واحتجزوا لدى الاحتلال مرات عدة، وتم التضييق عليهم وحوصروا فنيا وثقافيا وكذلك ماليا بوقف المانحين المصاريف التشغيلية للمسرح استجابة لسياسة "محاربة الإرهاب العالمية"، واشتراطهم عودتها بضرورة إنكار "العمل المقاوم" ضد الاحتلال، وهو ما رفضوه جملة وتفصيلا.

ويضيف طوباسي للجزيرة نت أن الاحتلال يريد أن يردع حالة المقاومة بالضفة الغربية وكسر شوكتها، فهو يدرك حجم تأثير المسرح خاصة، والعمل الفني والثقافي عموما.

كما أن الحرب -يقول الطوباسي- لم تعد تقليدية، وإن تبنيهم كمسرح للمقاومة الثقافية هو تصد للدعاية الإسرائيلية التي نقلت صورة مغلوطة إلى العالم عن الفلسطينيين، وتأكيد على حق الفلسطيني في استخدام كل أشكال المقاومة ما دام الاحتلال موجودا.

وأضاف "نحن نؤمن كمسرح أن الانتفاضة الثالثة لا بد أن تكون ثقافية، فالفن والثقافة أقوى الأسلحة واللغات للتواصل مع العالم، ولا نسقط بالمقابل طرق المقاومة الأخرى".

مسرح الحرية شكّل حالة مقاومة فريدة منذ تأسيسه عام 1989 وقدم عروضا فنية وفعاليات منوعة (الجزيرة نت) المسرح يقاوم بطريقته

من جهته، يقول الناقد الفني الفلسطيني سعيد أبو معلا إن مسرح الحرية يقود مشروع المقاومة الثقافية في المخيم وفلسطين عموما، ويتبنى أجندة وطنية وفنية وثقافية، وهو من أبرز المؤسسات التي تعمل على ذلك.

وأضاف أبو معلا أن المسرح لا يحمل السلاح ولا يدرب عليه، وإنما يعمل على رفع صوت الفلسطيني محليا وعالميا، وهذه مهمة أصيلة يجب أن تستمر.

وأوضح أن كل أعمال المسرح تسير في خدمة مشروع المقاومة الثقافية، ففيه ممثلون محترفون وأعمال فنية ذات جودة عالية وقيمة فنية مهمة، وغالبا ما تُعرض محليا وعربيا وعالميا، وهو ما يجعل الوجع الفلسطيني حاضرا ومرئيا، وهو ما لا تريده إسرائيل بصفتها دولة احتلال.

وأكد الناقد الفني أن الثقافة والمقاومة تكملان بعضهما، ولا يمكن الانتصار ميدانيا دون انتصار ثقافي، واعتبر أن مسرح الحرية جزء أصيل من مخيم جنين وحكاية معاناته، ووجوده إستراتيجي ودليل وعي فني وثقافي، وأنه يسير في نفس طريق العمل المقاوم.

وفي الوقت الذي يُقصف فيه مسرح الحرية ويحاصر بالترسانة العسكرية يستعد القائمون عليه للعمل الجديد "الشهداء يعودون إلى رام الله" للكاتب الفلسطيني الأسير وليد دقة، ليؤكدوا أن المقاومة مستمرة بكل أشكالها.

قبل أشهر كان آخر أعمال مسرح الحرية "مترو غزة" عن حلم التواصل بين الضفة والقدس وغزة (الجزيرة نت)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مخیم جنین

إقرأ أيضاً:

الهندي: معنيون بوضع حد للصدام المفتعل في جنين والحفاظ على الدم الفلسطيني

الثورة نت/
أكد نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين د. محمد الهندي، أن حركته معنية بوضع حد لما يحدث في جنين والحفاظ على الدم الفلسطيني.
وقال الدكتور الهندي خلال لقاء مع الجزيرة الليلة الماضية: “تطورات جنين تأتي في ظل حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا، وما يجري غير معقول ونرفض استهداف المقاومة”.. مؤكداً أنهم “معنيون بوضع حد للصدام المفتعل في جنين”.

وأضاف:” الحديث عن وجود خارجين عن القانون مسألة لا تقنع أحدا ومستعدون لحل هذه المسألة وجميع أبناء الشعب الفلسطيني ولسنا ضد وجود السلطة في المخيم ولكن في ظل وجود تفاهم”.
وتابع: “المفروض أن ينسحب من جاء من خارج المخيم ثم يبدأ التفاهم وندعو لتدخل العقلاء لوقف ما يحدث”.. مؤكدا رفضه أي صدام مفتعل ومعنيين بوضع حد له.

وأردف نائب الأمين العام للجهاد بالقول: “ليس هناك أي مبرر للاعتداء على أبناء مخيم جنين الذين يدافعون عن مخيمهم ضد العدو الصهيوني وليس هناك مبرر للاعتداء على أبناء مخيم جنين”.
وفيما يخص مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة، قال الهندي: “عقدنا لقاء مطولا مع الوفد المصري الذي يعالج موضوع الصفقة مع “إسرائيل” والمقاومة أبدت مرونة في السابق وتبدي مرونة في كل المسائل المعلقة اليوم”.

وأضاف: إن “أهدافنا العامة للاتفاق هي وقف العدوان وانسحاب قوات العدو والمرونة في المسائل التفصيلية.. نريد الدخول لآليات تؤدي إلى وقف العدوان”.
وتابع الدكتور الهندي: “لا يهمنا ما يقال في الإعلام عن تفاؤل بشأن صفقة إنما يهمنا وجود موقف من الحكومة الصهيونية”.

مقالات مشابهة

  • تباين بشأن الاشتباكات المتواصلة بين السلطة والمقاومة في جنين
  • تحركات دبلوماسية وفتح سفارات.. ماذا يريد الغرب من سوريا الجديدة؟
  • وزير الداخلية الفلسطيني: عملياتنا في جنين تستهدف من لا يريد الالتزام ببرنامجنا في ظل التغيرات الراهنة
  • حماس تدعو لحماية المقاومة في جنين والحشد في فعاليات “يوم الغضب”
  • الهندي: معنيون بوضع حد للصدام المفتعل في جنين والحفاظ على الدم الفلسطيني
  • حماس: الحملة الأمنية في جنين تعزز المقاومة ولا تقضي عليها
  • لماذا تصعّد السلطة ضد المقاومة في جنين؟
  • حماس : الحملة الأمنية في جنين لن تنهي المقاومة
  • جنين وبوصلة المقاومة
  • “جنين رمز المقاومة وصراع السيادة”