ناجية بغزة تروي للجزيرة نت ساعات عاشتها تحت الأنقاض
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
غزة- بينما كنت عالقة تحت الركام، كان ذهني عالق في الدقيقة السابقة لوجودي هنا حين كنت أمسك بهاتفي لأبارك لصديقتي شهادة والدها الذي ارتقى في استهداف إسرائيلي، أول ما تحسسته بيميني عيناي، هل أصيبت ومغلقة أم أنها مفتوحة وتبصر كل هذا الظلام الدامس؟
تروي المهندسة ريم زاهر (25 عاما) قصتها للجزيرة نت، وتجربتها منذ لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على بيتها إلى حين النجاة، وتقول "طوفان من الأسئلة انهال علي وجرفني لقاع الردم.
"أمي أمي" لماذا لا تجيبيني؟ مع أن المسافة بيننا كانت أقصر جدا من ألا تسمعني في وسط كل هذا الارتياب، شيء ما كان يربت على قلبي "لا تخافي إنا منجوك" مع أنه لم يكن هناك مدعاة للاطمئنان في كل هذه العتمة.
أيعقل أنها بركات سورة البقرة التي أنهيتها مباشرة قبل سقوط القذيفة؟ أم أنها دعوات أبي الذي كان يؤم الناس في المسجد المحاذي للمنزل في الوقت الذي استهدفنا فيه؟ أم أن أحدهم أمن على منشوري الأخير على “الإنستغرام" الذي استودعت فيه نفسي وعائلتي؟ فصرت أكرر "اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكني أطلب منك اللطف فيه".
المهندسة الفلسطينية ريم زاهر، ناجية من تحت الأنقاض (الجزيرة) يا صاحب الجرافة أنا حيةكانت أصوات الناس تخفت شيئا فشيئا كأنني في القبر، وأسمع صوت نعال المودعين المنفضين عنه، حتى تهيأ لي أن الجرافة تدفنني بالأنقاض بدلا من أن تحاول انتشالي منها، تمكنت من التقاط حجر صغير استخدمته للدق على السقف الساقط فوقي، ولسان حالي "يا سائق الجرافة أنا هنا حية أتنفس، أنا هنا سيادة المنقذ، أبي أنا هنا حية لم أمت".
كان النعاس أمنة لي من كل هذا، والنوم مفري من ضجيج التفكير وثورة القلق، كنت أغفو، وأصحو على صوت رنين هاتفي الذي قذفته الغارة من يدي، وكنت حاولت العثور عليه ولم أجده.
وكلما صحوت ناديت أمي، هل استيقظت؟ ومع تكرار نداءاتي لها وتكرارها عدم الرد، بت أوقن أنها ارتقت، وهنا بدأ الخوف يجتاحني من جديد، من ارتقى أيضا؟ لماذا اصطفاهم من دوني؟ هل يا رب لست أهلا لها؟ لماذا أبقيتني؟
ثم غفوت وأنا أبكي إلى أن شق الوهج بصري. كم لبثت؟" سألت المنقذ الذي أعتقني من هذه اللجة، وأجبته سريعا موقنة من صدق توقعي أربعة أيام أليس كذلك؟ قال نعم، نقلوني إلى المستشفى، وحين الحديث مع من حولي عرفت أني مكثت 12 ساعة.
"قطع في أوردة بعض الأطراف وحروق متناثرة" كان المسعفون يحاولون طمأنتي على حالتي الصحية التي لم أكترث لها، بينما كنت أنا أبحث عن وجوه أفراد عائلتي فيمن حولي، بدأت الاطمئنان على إخوتي تباعا. نحن 10 إخوة. رأيت 8 منهم.
بقي أكبرهم بلال لم أره. ثم عرفت أنه ارتقى مع ابنه "محمد" ثم جاءني بعدها خبر انتشال أمي من تحت الأنقاض، مرتقية على الهيئة نفسها التي تركتها عليها، كفوفها على بعضها، جسدها ساخن، دمها ما زال ينزف، وريحها المسك.
لم أستغرب ذلك، فأمي السيدة الفاضلة الحافظة لكتاب الله التي نجحت في دفعنا نحن العشرة لحفظه. لم يؤذ الله قلبها لشأنها عنده، فاصطفى معها "بلال" فلذة كبدها، لأنه يعلم أن أحدهما لا يطيق العيش دون الآخر، حتى ابن أخي بلال، فقد كان ملازما لوالده، حتى إنه كان يصطحبه على منبر خطبة الجمعة كان بلال سيد قلب أمي، وسندنا جميعا وعونا لمن عرف ومن لم يعرف، وعماد البيت الذي ترك فيه زوجته وأطفاله الثلاثة.
وقد كان مسؤولا عن مراكز تحفيظ دار القرآن الكريم والسنة في مدينة خان يونس كلها، ولأن إسرائيل تخوض ضمن حروبها علينا حربا دينية، فاعتبرت وجوده خطرا عليها، سدد بلال قبل ليلة من استشهاده كل ديونه، وجهز مونة بيته، وكان يهم بإخبارنا برؤية رآها في منامه أشغلته، لكن شيئا ما اعترضت التكملة.
نجوت.. لكن تغيرت
لكن ريم قبل الساعة 4:08 عصرا، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي ليست كما بعده نجى جسدي كما يبدو للعيان، لكن القذيفة فتكت بداخلي، وجعلته مهشما، أعجز عن معرفة السبب الذي أبقاني الله له، لكن كلمات أمي الشهيدة أن "أقدار الله كلها خير، وأن أجر البقاء في أرض الرباط عظيم، ويتطلب منا الكثير"، ومقولة أخي التي كان يكررها دوما بأن "تحرير فلسطين مش بالساهل واحنا فداها" جعلني أضع الموازين في نصابها. وسيدفعني للصبر وللالتزام بوصاياهم.
بعد ذلك اليوم غيرت تعريفاتي عن عدة أشياء من حولي. تعريفي للأشياء ونظرتي إلى العديد منها تغيرت. الخذلان الذي يشعل في الغضب على المتفرجين على مقتلنا. طموحي الذي كان يتجاوز حدود الوطن، لنيل الدراسات العليا، تغير.
الألوان الزاهية المكتظة بالشغف التي كنت أختارها لرسم اللوحات، سيتغير إقبالي على الحياة وطمعي في نيل جوائز أخرى، كالتي حزتها كثيرا في الهندسة والفن والتوثيق وتأسيس مشاريع جديدة تغير. نومي في العتمة، وجرأتي على الجلوس فيها تغير. الحرب سبكتني من جديد، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
السنيورة للجزيرة: اقتربنا من ساعة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بلبنان
قال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، فؤاد السنيورة إنه يميل إلى الظن بأن لبنان وإسرائيل "يقتربان من ساعة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار"، وكشف عن تسريبات تفيد بأن الإسرائيليين طلبوا المزيد من الوقت من أجل استنفاد ما تبقى من بنك أهداف لديهم.
وأشار إلى أن المفاوضات بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي تجري تحت "كابوس استمرار إطلاق النار"، وأن الإسرائيليين استعملوا الترسانة العسكرية الأميركية من أسلحة وذخائر، واستهدفوا المدنيين اللبنانيين، ما يسبب لهم معاناة شديدة.
وأوضح السنيورة -خلال حديثه لقناة الجزيرة ضمن وقفة "مسار الأحداث"- أن هناك حاجة للتوصل إلى وقف سريع ودائم لإطلاق النار، و"حاجة لتطبيق القرار 1701، وأن تكون الدولة اللبنانية ضامنة، ولا يصار إلى التفريط بأي شيء يتعلق بالسيادة اللبنانية".
صواريخ حزب الله أشعلت حرائق في المستوطنات الإسرائيلية (رويترز)وعن موقفه من ما هو مطروح حاليا في إطار الحل، قال السنيورة إن لبنان يجب أن يشدد على مسألة وقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت يجب أن يكون لديه "الاستعداد الحقيقي للالتزام بالقرار 1701″، مشيرا إلى أن إسرائيل لم تطبق القرار عندما جرى إقراره في 2006، و"حزب الله لم يطبقه أيضا".
وعن اللجنة التي طرحت لمتابعة تطبيق القرار 1701 برئاسة الولايات المتحدة وعضوية بلدان أخرى، رد السنيورة بالقول: "لو طبقنا القرار 1701 لكنا تجنبنا الوصول إلى هذا الأمر"، مبرزا أن هناك حاجة إلى إنقاذ لبنان، لأن ما يتعرض له "شيء خطير جدا، ولا يمكن أن يستمر الحال على هذا المنوال".
وشدد السنيورة على ضرورة انتخاب رئيس للبنان من خلال تطبيق الدستور، و"عندما ينتخب الرئيس وتأتي حكومة كاملة الصلاحيات تدق على صدرها وتقول أنا المسؤولة وأريد أن أسترجع ثقة اللبنانيين بالدولة اللبنانية.. كفى تفريطا بالسيادة وبالمصالح اللبنانية".
ومن جهة أخرى، وفي تعليقه على التطورات المتلاحقة في لبنان، وخاصة المفاوضات الجارية في ظل إطلاق النار، قال المحلل السياسي علي حيدر لوقفة "مسار الأحداث" إن المقاومة اللبنانية فرضت معادلتها واستطاعت أن تغير المقاربة الإسرائيلية للجبهة اللبنانية، وتجبر الاحتلال على التنازل عن سقفه العالي والقبول بالتوجه نحو تسوية مع الطرف اللبناني.
ومن جهته، أوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي، الدكتور مهند مصطفى أن التوجه الإستراتيجي لإسرائيل يقضي بالذهاب إلى تسوية مع لبنان، مشيرا إلى أن التصعيد الجاري بين حزب الله والاحتلال يؤشر على اقتراب التسوية.
المحتجزون في غزةوتطرقت وقفة "مسار الأحداث" إلى التطورات الحاصلة في ملف قضية المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على ضوء إعلان كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أمس عن مقتل أسيرة إسرائيلية بسبب العدوان الجاري على شمال قطاع غزة.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور مصطفى أن قضية الأسرى عادت مؤخرا بقوة إلى المشهد السياسي والعسكري الإسرائيلي، مقرونة ببداية احتجاج على مقتل جنود إسرائيليين في قطاع غزة، مشيرا إلى أن إسرائيليين باتوا يتساءلون عن سبب ذهاب الجنود إلى غزة ليقتلوا عبثا، من أجل أهداف سياسية وأيديولوجية.
وذكّر بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشن هجوما كبيرا على المؤسسة العسكرية والأمنية بسبب موقفها من الحرب، حيث باتت ترى أن استمرار الحرب على غزة غير مجد، وأن حركة حماس لم تتخلّ عن شروطها السابقة.
ومن جهته، أوضح الباحث بالشؤون السياسية والإستراتيجية، سعيد زياد أن المقاومة الفلسطينية كانت تراهن على ورقة الأسرى في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لم تنجح في ذلك، وقال إن هذه الورقة باقية مع ذلك لأن الأسرى لم يقتلوا جميعا.
كما أن المقاومة تقوم باستنزاف جيش الاحتلال، وتكبده الخسائر، وهو ما لا يتحمله الإسرائيليون.
وعن موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من قضية الأسرى، قال توماس واريك، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط إن ترامب "سيتبنى موقفا متصلبا تجاه حركة حماس".
ورجح أن يرسل بعد توليه السلطة فرقا لاستعادة الأسرى خاصة من يحملون الجنسية الأميركية ومزدوجي الجنسية، مشيرا إلى أن واشنطن اكتفت في السابق بتقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل من أجل العثور على المحتجزين.
وتساءل الباحث زياد عن الأوراق التي يمتلكها ترامب للضغط على حماس، في ظل الدمار الذي لحق بقطاع غزة، مشددا على أن حماس ترفض فكرة إنهاء الحرب وبقاء الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، وهو ما يريده ترامب، بحسب الدكتور مصطفى.