(عدن الغد)خاص.

هل هذه التهديدات روتينية ومعتادة لامتصاص الغضب الشعبي؟

ألا يملك المجلس الانتقالي نصف الحكومة الشرعية.. فهل يتهم نفسه بالعجز؟

على الجانب الآخر.. هل من الصعب إصلاح حكومة معين؟

كيف يدفع المواطن ثمن هذا الصراع المستمر بين الانتقالي والشرعية؟

صراع جدلي ولا مبرر وغير المفهوم.. إلى متى سيستمر.. ولماذا لا يبادر كل طرف بمعالجة الوضع؟

قراءة في التهديدات الأخيرة التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي تجاه الشرعية ورئيس الحكومة.

.

 (عدن الغد) القسم السياسي:

سنوات من الصراعات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية اليمنية، بدأ في خضم الحرب على مليشيات الحوثي الانقلابية، وتحولت بسبب هذا الصراع بوصلة الأزمة في اليمن، حين ترك خصوم الحوثي مسألة استعادة الدولة والجمهورية وانشغلوا في خلافاتهم البينية التي زادت ضعفا إلى ضعفهم، ومنحت الانقلابيين مزيدا من القوة والتعنت.

ورغم الكوارث التي تسبب بها هذا الصراع العبثي بين الانتقالي والشرعية، والذي انطلق حتى قبل تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو/ آيار 2017، إلا أنه استمر منذ تلك الفترة وخلال السنوات الست الماضية بوتيرة تصاعدية ومتأرجحة في نفس الوقت.

التصاعد والتأرجح في مستوى الصراع بين الانتقالي والشرعية تجسد في أحداث أغسطس/ آب عام 2019، التي شكلت ذروة وأوج الصراع بين الجانبين، غير أن تشكيل حكومة المناصفة في الأيام الأخيرة من عام 2020 أوحى بأن هذا الصراع بين الطرفين بات في الحضيض، وأن الطرفين صارا في جسد واحد وداخل حكومة واحدة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.

فالصراع متواصل بين الجانبين، والتهديدات والاتهامات بين قادة وممثلي كل طرف ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة بشكل خطير للغاية، وذكرت الشارع في المحافظات الجنوبية بدعوات النفير والتعبئة التي شهدتها سنوات الصراع بينهما خلال السنوات الماضية.

واللافت في صراع الانتقالي والشرعية أن لا شيء يتحسن مما يكون سببا وذريعة لهذا الصراع من السلبيات والمآخذ التي يأخذها الانتقالي مثلا على الشرعية أو العكس، ويستمر كل طرف بين الفينة والأخرى يكيل التهم للآخر، دون أن يكون هناك حل لأغلب الملفات الخدمية والتنموية والأمنية والعسكرية المتدهورة، والتي هي محور هذا الصراع الذي ما يلبث أن يهدأ حتى يعود مجددا.

هل أصبحت عادة؟

يتحدث كثير من المراقبين والمتابعين بصراع الانتقالي والشرعية اليمنية أن وتيرة هذا النزاع أصبحت رتيبة واعتيادية إلى حد كبير، وتحولت الاتهامات التي يلوكها كل طرف للآخر معروفة ومتوقعة من الشارع في المحافظات المحررة، حتى إن تبعات التهديدات والاتهامات صارت هي الأخرى معروفة المآل والمصير.

فلا شيء يتحسن على الأقل، ولا شيء يتغير حتى ذلك الصراع الذي أصبح روتينيا، خاصة من جهة المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي قادته هذه الاتهامات والتهديدات المتكررة دون أن يحدث أي تغيير من أي نوع كان، إلى اتهام الانتقالي نفسه بأنه لا يسعى إلى التغيير وتحسين الوضع بقدر ما يهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي تجاه تردي الخدمات، ربما للحصول على مكاسب سياسية جديدة عبر الضغط على الحكومة الشرعية.

بينما هذه الأخيرة تغط في سبات عميق، حتى في ذروة الاحتجاجات الشعبية أو في أوج التصعيد من قبل الانتقالي، وكأن الحكومة الشرعية أدركت أن ما يقوم به الانتقالي لا يعدو عن كونه ابتزازا سياسيا أو محاولة لكسب تأييد محلي، فيما الطرفان لا يكترث كل منها بإحداث أي تغيير خدمي أو تنموي، بل إن البعض اتهمهما بتبادل الأدوار لإسكات النقمة الشعبية، عبر واجهة التهديدات والصراعات.

وهذا ما يجعل من التصعيد الانتقالي في كل مرة ضد الحكومة الشرعية مجرد (عادة لا بد منها)، يجب أن تتكرر في محاضر الاجتماعات الرسمية للمجلس وفي تصريحات قادته وممثليه، غير أن أحدا منهم لم يسعَ إلى تقديم رؤاه ومقترحاته لحل الاشكاليات موضع الخلاف بين الجانبين، وللأسف فإن هذا الشعور وصل بالفعل إلى المواطنين، وبات أغلبهم لا يعول إطلاقا على تهديدات الانتقالي أو صراعاته مع الحكومة الشرعية.

الانتقالي جزء من الحكومة

ما يقود إلى هذه الحقيقة التي وصل إليها أغلب الشعب والشارع في المحافظات المحررة، الجنوبية منها على وجه الخصوص، انطلاقا من عديد عوامل ودوافع واقعية يلمسها المواطن بنفسه، ولا تحتاج إلى أي تحليل أو محللين.

ولعل على رأس هذه العوامل والدوافع، هو أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات جزءا من الحكومة الشرعية اليمنية، وفق الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين في العاصمة السعودية الرياض، والتي رحب بها المجتمعان الإقليمي والدولي والمبعوثان الأممي والأمريكي، وذلك بدءا من أواخر عام 2020 وحتى اليوم.

فأي انتقاد يصدر من الانتقالي خلال هذه الفترة فإنه أشبه بمن ينتقد نفسه، ويتهمها بالعجز، عطفا على وجود وزراء في الكومة الشرعية اليمنية موالون ومنتسبون إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، وبينهم قيادات شغلت حقائب حكومية خدمية ذات ارتباط وثيق بمعيشية المواطنين وخدماتهم العامة.

وهذا ما يجعل أي اتهام من الانتقالي يكون هو مساءلاً به بالدرجة الأولى جنبا إلى جنب مع الحكومة اليمنية الشرعية، فالطرفان يتحملان مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع الخدمية والتنموية وحتى العسكرية والأمنية من التردي؛ ولهذا فهما مطالبان بناء على هذه المسئولية بعمل معالجات حقيقية للوضع، والكف عن الصراع الذي بلغ ذروته ولم يؤدي إلى أي نتيجة.

الأمر الذي يؤكد لدى الشعب أن تهديدات الانتقالي لم تزد عن كونها تسجيل موقف سياسي فقط، وكسب الشعبية التي يظهر من خلالها وكأنه الحريص على انتشال المواطنين مما هم فيه من أوضاع، بينما كان يقدر على التخلي عن مكاسب تواجده في الحكومة وتقديم وزراءه استقالاتهم وتعرية الشرعية وفضحها، بدلا من حرب التهديدات والتصريحات.

ومن المؤكد ولا شك فيه، أن وزراء الانتقالي إذا قدموا استقالاتهم احتجاجا على تردي الخدمات والأوضاع المعيشية في المحافظات المحررة، لكانوا سجلوا موقفا أكثر شرفا وقوة وعزة، بدلا من كيل الاتهامات التي تفضحه هو أولا قبل الشرعية ودون أن يقدم البدائل والحلول، لكن يبدو أن الانتقالي استمرأ لعب هذا الدور واقتنع به.

شرعية الفساد

لا جدال في أن الحكومة الشرعية الراهنة نالت لقب أسوأ الحكومات في تاريخ اليمن على الإطلاق، عطفا على ما تقدمه من أداء فاشل وعجز كامل عن توفير الخدمات ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، أو حتى ردع الأخطار العسكرية المحدقة بالمحافظات المحررة.

فلا هي قامت بدورها الخدمي والتنموي، ولا هي أزاحت الخطر الحوثي عن المحافظات المحررة، وهو ما يجعل الانتقالي أكثر حرصا على تقديم استقالة وزرائه من الحكومة، بدلا من أن ينال نصيبا من اتهامات العجز والفشل والفساد، وهو ليس بمنأى منها، خاصة أن الانتقالي لا يبدو أنه يسعى للتخلص من هذه الحكومة، إن لم يكن العكس من ذلك.

وبالحديث عن إصلاح الحكومة أو تغييرها أو الإبقاء عليها، ثمة علامة تعجب كبيرة تتعلق بأسباب استمرار حكومة معين عبدالملك، بعد كل هذه السنوات من العجز الذي طغى عليها في توفير أبسط مقومات الحياة للمواطنين، بل إن هذه الحكومة وبدلا من التعجيل في نهايتها نسعى لتثبيت تواجدها بشكل معيب.

ويبرر مراقبون هذا الوضع، بعلاقات الحكومة القوية -رئيسها تحديدا- مع التحالف العربي الذي يضغط للإبقاء على الحكومة الشرعية دون تغيير طيلة نحو أربع سنوات متواصلة، وللعلم فإن كل هذه المدة كفيلة بتحقيق برنامج انتخابي متكامل في أي دولة من دول العالم تحترم شعبها وتسعى لتوفير الخدمات حتى يستقر وينعم بخيراته.

وهذه النقطة المحورية، المتعلقة بارتباطات رئيس الحكومة اليمنية الدكتور معين عبدالملك وعلاقاته مع التحالف، هي التي منحت هذه الحكومة -الأسوأ على الإطلاق- كل هذا الوقت من الاستمرار، وهذا ما يفسر التراخي الحاصل من طرف المجلس الانتقالي الجنوبي تجاه تغيير الحكومة أو تقديم وزراءه استقالاتهم، وبالتالي فإن أية تهديدات أو تصريحات من الانتقالي ضد الشرعية باتت معروفة أنها مجرد صراخ لا يغني ولا يسمن من جوع.

من يدفع الثمن؟

في الأخير، ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، سواء من مؤيدي الانتقالي أو معارضيه، أو حتى أنصار الشرعية وخصومها، وهذا الحقيقة تتجسد ماثلة للعيان ومفادها أن صراعات الانتقالي والشرعية لم ينتج عنها سوى مزيد من التردي الخدمي والمعيشي، وبات المواطن هو الوحيد الذي يدفع ثمن كل هذه الصراعات، تحت مسمى الدفاع عن حقوقه وتلبية مطالبه.

وهو ما يؤكد أن هذا الصراع يمثل صراعا جدليا ولا يوجد له أية مبررات ما دامت الأوضاع كما هي لم تتحسن، وما دام كل طرف يلقي باللوم على الطرف الآخر، دون أن يكون له دور أو مبادرة في حلحلة الأوضاع وتفريج كربات المواطنين الذي ضاقوا ذرعا بكل هذه السنوات من الخلافات بين الانتقالي والشرعية.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: المجلس الانتقالی الجنوبی المحافظات المحررة الشرعیة الیمنیة الحکومة الشرعیة فی المحافظات الصراع بین هذا الصراع دون أن کل طرف کل هذه

إقرأ أيضاً:

المحاور والعوائق في التفاوض السوداني

ناصر السيد النور
بما تسارعت الأحداث على الساحة السودانية في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بأكثر مما يتوقع الطرفان، الجيش وقوات الدعم السريع، في حربهما الضروس، ما أوصل الأزمة المستمرة إلى نقطة تصعب معها العودة إلى ما قبل الحرب، فيما فرضه واقع العمليات العسكرية من سقوط المدن وحصارها والمواقع العسكرية، وارتفاع موجات النزوح، وكل ما يصيب المدنيين ضحايا الصراع -عادة- بما يتجاوز إحصائيات تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في رصدها لنتائج الصراع.
هذا الموقف بتداعياته الكارثية أصبح لا يحتمل على ما أحدثه من أزمات على المستوى الإنساني، فقد دفع التصاعد في المواجهات بين الطرفين مؤخراً إلى ضرورة إيجاد وسيلة فاعلة لوقف نزيف الحرب، واستئناف جولات التفاوض المعلقة على الصعيد الدولي، بما فيها منظمة الأمم المتحدة الدولية.
فإذا كانت جولات التفاوض قد بدأت مع بداية الحرب، فقد تعددت محاورها وسقف بنودها، واختلاف منابرها من دولية برعاية ثنائية (مفاوضات جدة برعاية أمريكية – سعودية)، وما تلاها من مبادرات، إقليمية كدول منظمة الهيئة الحكومية للتنمية «الإيغاد»، ومحلية مبادرات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، لم تفلح جميعها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين في الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق، لأن مسار التفاوض ظل خاضعاً لطبيعة الواقع العملياتي على الأرض، والمواقف المترددة للطرفين، ما يشير إلى تعدد مواقع القرار ودرجة استقلاله.
والحاجة للتفاوض تفرضها ضرورات ترتبط بمسار الحرب، أكثر من تكتيكات الطرفين السياسية من حيث المسافة التي تفصل بين العودة إلى التفاوض، واستمرار العمليات العسكرية على الأرض، في حل عسكري حاسم ينهي الحاجة أو الرغبة في التفاوض. ومع هذا التصور الذي لا يبدو واقعياً إلا في حدود ما يتوفر لدى كل طرف من وسائل للدفع إلى التفاوض أو الحسم بالقوة. وللقوة موازينها التي تؤثر على مجريات التفاوض ومدى قوة الموقف، وهذا ما يغيب على الأقل في الوقت الحاضر عن أجندة الطرفين، ما يجعل من التفاوض خياراً وحيدا، حتى لو أن كلا من الطرفين يتصور أن مضيه في التفاوض من دون نتائج حاسمة على الأرض، انتقاص واعتراف بضعف عسكري لا يليق! وهذا ما عبر عنه موقف الجيش السوداني، الموقف الحكومي الذي صرّح أكثر من مرة عن عدم ذهابه إلى التفاوض، يضاف إليه التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع بسيطرتها على مدن ومواقع عسكرية وسط البلاد.
إزاء هذا الموقف المعقد والملتبس، كيف ستتم صناعة اتفاق يقرّب وجهات نظر الطرفين، إن لم يكن تهيئة الأجواء، بالمفهوم الاصطلاحي، لإدارة عملية التفاوض، قبل أن يحدد كل طرف شروطه، فالتصريحات الإعلامية الصادرة من الأطراف الدولية بشأن الأزمة السودانية في الأسابيع الماضية شددت في ما بدا، على دفع الطرفين للعودة إلى مائدة التفاوض في منبر جدة، فقد سلمت الأمم المتحدة دعوتها للطرفين لاستئناف التفاوض في العاشر من يوليو/تموز الجاري كما ترافق الحديث عن لقاءات يجري الترتيب لها بين قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بواسطة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني لم تصدر عنه تأكيدات بعد. ولكن تظل هذه المبادرات الدولية إلى الآن لا تمثل ضغطاً كافياً تتطلبه أزمة إنسانية مروعة، لا يستجيب فيها طرفا الحرب لدعوات التوصل للسلام أو المساعدة في تجنب المزيد من نتائجها. وإذا ظل الموقف من التفاوض على ما هو عليه من تناقض وتبدل في المواقف، فسيذهب الطرفان بما يفرضه الواقع المنهار بغير شروط، طالما اعتبرت التفاوض أحد وسائل المناورة السياسية أكثر منها وسيلة للحوار المدني لإيقاف الحرب. ولكن كيف ينظر المجتمع الدولي إلى مسار التفاوض، وعلى ماذا يعتمد من وسائل لتنفيذ ما هو مطلوب منه لتفعيل التفاوض؟ فلأن الموقف الدولي تجاه الأزمة السودانية تتقاسمه وجهتان: الدول المؤثرة في الصراع الدائر من النطاق الافريقي والعربي، والوجهة الثانية المنظمات الدولية والإقليمية، والأخيرة تقيدها البيروقراطية في القرار، وعليه تبدو الدول، أو بالأحرى ذات الأجندة في الصراع تأثيرها أكبر في رسم الحرب أو التفاوض، ويأتي هذا في سياق غياب الدور الوطني المستقل. وبهذا يكون التفاوض السوداني السوداني غائبا، إلا في حدود تبادل الاتهامات بين مكوناتها السياسية ومنها تلك التي أشعلت الحرب، أو تلك التي تسعي لتشكيل وفاق وطني يجمع على وقف الحرب. وما يعيق التفاوض السوداني أيضا الإقصاء الممارس ضد المكونات السياسية المدنية من قبل اندلاع الحرب، تلك التي قادت التغيير وشاركت المجلس العسكري الحكم، أثناء الفترة الانتقالية قصيرة الأجل. ويشير هذا الغياب المدني إلى تفاوض عسكري لا يستصحب العملية السياسية، التي تبدأ بها وتنتهي الحروب. وإذا كانت الأمور ستجري على نحو ما هي عليه، فإن فرض التهديد أو الضغط على الطرفين غير وارد، فكأنما أراد العالم أن يترك المتقاتلين يقررون الذهاب للتفاوض، وفق ارادتهم المحضة، أو نتيجة لإنهاك لم تعد من إمكانيات تسمح بتحمله إلى ما لا نهاية.
ولا يستثني الموقف الدولي الدور الأمريكي في التفاوض كأحدى الدول الراعية للمفاوضات (منبر جدة) ومن المؤكد أن لها دورا لا يمكن تجاهله في الضغط سلبا وإيجابا على مجريات سياسة المنطقة وحروبها. ولكن الإدارة الأمريكية الحالية لم تول الشأن السوداني اهتماما كافياً ضمن أولوياتها، وكذا الشأن بالنسبة لمؤسساتها التشريعية والتنفيذية كالكونغرس ولجانه وجماعات الضغط (اللوبيات)، وتأثيرها على قرارات مجلس الأمن الدولي. فلم يكن تدخلها في الأزمة السودانية ذا تأثير، رغم تعيينها توم بيرييلو المبعوث الخاص للسلام الدبلوماسي. ومما يرصده المراقبون أن تلكؤ إدارة بايدن بشأن الصراع السوداني يأتي من أهمية الصراع ومدى تهديده للمصالح الأمريكية، وهي رؤية ظلت تستند إليها السياسة الخارجية الأمريكية لعقود. وركزت الإدارة الأمريكية مؤخراً على ضرورة فتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وهو أمر على ضرورته، لا يعفيها من دور أكبر ينتظر منها في شأن الصراع. إذا فشلت مساعي التفاوض أو تأجلت كما هو الحال، فإن التدخل لفرض سلام تحت غطاء التدخل الدولي يكون ملزما وضروريا لإيقاف الاقتتال. والراجح أن ترفض الحكومة السودانية ذلك، على أساس انتقاص السيادة والتدخل في الشأن الداخلي، وهي ذريعة لا تؤيدها وقائع الأحوال بشأن تدخل الدول بالوساطة والرعاية في تاريخ البلاد واتفاقياتها التاريخية منذ أمد بعيد. لذا فالاعتماد على الدور الدولي (الخارجي) لمعالجة الأزمة السودانية، كما تبدو عليه، سيكون الدور الأوحد وربما الأخير. وما بين جولات التفاوض والاقتراحات بالتدخل الدولي، تتقلص فرص الأزمة السودانية في الحل العاجل، وفي حال أصبحت المفاوضات وسيلة من وسائل الحرب في المناورة، بدلا من أن تكون مدخلاً لحل المشكل، فمن المتوقع أن تستمر الحرب بعيداً عن المنحنيات السياسية التي تمثل عوائق دائمة نحو الاعتراف بالحقائق، التي يفرضها الواقع، وتستدعيها الحاجة الملحة للسلام. ومها يكن من استراتيجيات الطرفين في تصورهما لمواصلة عملياتهما العسكرية، والمضي مهما بلغت الخسائر الإنسانية، فلا يكون ذلك بشكل مطلق.
والأمر الثاني أو الخيار الأخير الذي من المرجح أن يلجأ إليه في إطار الحل الدولي للأزمة، هو التدخل بالقوة، وكما أشرنا سابقا، أن الأطراف المتقاتلة بكل فصائلها وميلشياتها المدنية والقبلية المسلحة، لا تمتلك تصوراً لطبيعة هذا التدخل، كما لا تدرك حجم الكارثة التي تسببت فيها، ومدى المسؤولية الجنائية والقانونية والأخلاقية والتاريخية، التي تتحملها الأطراف، وإن لم تكن في صراعها المحموم على السلطة، أو ما ترفع من شعارات، تقدر حساباتها التي لا يسندها منطق بمقاييس السياسة أو القانون. ومع ذلك تصر على حسم الصراع عسكرياً، مهما أدى ذلك من أهوال لم يعد السودانيون قادرين على احتمالها، ما يجعل من التدخل الدولي المباشر لإنهاء الحرب أمراً عاجلاً، يحتمل كل ذرائع التدخل. فتعدد المحاور وظروفها المحيطة بها غير المواتية إقليميا ودوليا في المفاوضات السودانية قد تجعل منها أحد معيقات الحل.
كاتب سوداني
نشر بحصيفة القدس العربي اللندنية: الخميس 04/07/2024م

nassyid@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • ”الحوثي أثبت قدرته على فرض إرادته باستخدام صواريخه”..مقرب من الانتقالي يكشف عن تقديم تنازلات من الحكومة للحوثيين
  • سليمان وهدان: يجب تفعيل خدمة الشباك الواحد لخدمة وتشجيع المستثمرين
  • وزير المجالس النيابية: لدي تكليف من رئيس الحكومة بالتواصل المستمر مع «لجنة العفو»
  • وزير المجالس النيابية: لدي تكليف واضح من رئيس الحكومة بالتواصل المستمر والفعال مع لجنة العفو الرئاسي
  • حفل زفاف إبنة كلينت إيستوود ينتهي بصدمة أصابت الجميع بذهول
  •  أردوغان: أنقاض غزة تمثل ركام النظام الدولي
  • سام: محاولة اختطاف فتاة على يد مقربين من قيادي في الانتقالي جريمة تستوجب المساءلة
  • الكشف عن الثمن الذي قبضه الوفد الحوثي في مفاوضات مسقط للإفراج عن طائرات اليمنية المحتجزة والشرعية توافق
  • مجموعات الدفاع عن المرضى في كوريا الجنوبية تدعو الأطباء لإنهاء الإضراب
  • المحاور والعوائق في التفاوض السوداني