الجزيرة:
2024-12-27@03:43:02 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

تاريخ النشر: 3rd, July 2023 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

يقتحم عدد كبير من رجال الشرطة بملابس مدنية وعسكرية غرف نوم رشيد أثناء نومه بجوار نجله في منزله في مدينة حلوان المصرية فيفزع الأب وابنه. تسحب القوات الأمنية رشيد بعنف وهو في حالة ذهول ويقيدون معصمه من الخلف قبل أن يقتادوه إلى مخفر الشرطة. لم يتمكن رشيد من حضور حفل زفافه الذي كان مقررا يوم القبض عليه، ويجد نفسه متهما في جريمة قتل رئيسه في العمل ويحكم عليه بالسجن 16 عاما، بينما يُوضع نجله من زواج سابق في ملجأ للأيتام في مسلسل "رشيد" للمخرجة المصرية مي ممدوح وإنتاج 2023.

قصة المسلسل مأخوذة من الرواية الشهيرة الكونت دي مونت كريستو Le Comte de Monte-Cristo للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما الأب عام 1844، التي تدور حول شاب يتعرض للسجن بتهم ملفقة ويهرب من السجن ليعلم بخيانة أصدقائه ويعد خطة للانتقام. لم يفقد هذا العمل الأدبي بريقه منذ اختراع السينما والتلفزيون، ولا يزال مقتبسا في قصص الأفلام والمسلسلات منذ عصر السينما الصامتة عام 1912 في الولايات المتحدة وحتى يومنا هذا.

وهو نموذج من أعمال روائية عديدة عرفت طريقها نحو السينما والدراما التلفزيونية في طريق ذي اتجاه واحد من النص الروائي إلى النص الدرامي، بحيث يصبح هذا الأخير محاكاة أو ظلا للعمل الأصلي. ومهما بلغت حرفية القائمين على العمل الفني فإنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منتجا يضاهي أو ينافس العمل الأدبي الأصلي، وحينئذ يدور النقاش حول قدرة الصورة على التعبير عن جماليات الأدب من عدمه، وليس هذا صلب النقاش في هذا المقال الذي يتعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل.

في حديث إذاعي بين الممثل المصري الراحل عبد الوارث عسر والكاتب الراحل نجيب محفوظ، يسأل عسر إن كان على الكاتب أن يدرس شيئا من السيناريو ليتولى بنفسه كتابة سيناريو أعماله الأدبية أو على الأقل يشرف عليها، لتعبر بصدق ووضوح عن نصه الأدبي. أجاب محفوظ بأن السيناريو موهبة مستقلة بذاتها تختلف عن موهبة القصة والرواية والمسرحية، وأنه من أنصار التخصص، لأن لكل منه ذوقه وثقافته وطرقه المختلفة في التعبير. وأضاف نقطة مهمة تتعلق بالتخصص، إذ أشار إلى أن كل فن من هذه الفنون يستوعب حياة كاملة من الدراسة والاستيعاب والعمل.

يجيب هذا الحديث عن الأزمة التي تؤرق كل العاملين في الحقل الفني في العالم العربي من المحيط إلى الخليج التي يعبرون عنها بمشكلة الورق، أي النص الدرامي أو السيناريو الجيد الصالح للتجسيد فنيا على الشاشة. وعند الرغبة في الحصول على نص درامي جيد فإن الأنظار تتجه مباشرة للرواية في محاولة لاستنساخ نجاح النص الأدبي في العمل الفني، وهي محاولات إن لم تفشل فشلا ذريعا فإنها لم تنجح النجاح المرجو لها.

الأدب المقروء والأدب المنظور

نجاح الدراما التلفزيونية يعتمد على التعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل بذاته، وهو وإن كان جزءا من عملية إنتاجية أوسع يشارك فيها المخرج والممثل ومدير التصوير بنصيب كبير، إلا أنه يحافظ على مكانته بين هذه العناصر. فالدور القيادي الفني للمخرج مثلا لا ينفي أهمية وإبداع مدير التصوير ومدير الإضاءة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نجاح العمل الفني أو فشله.

إن مركزية دور المؤلف في العمل الروائي ومركزية دور المخرج في العمل الدرامي والسينمائي حجبت الرؤية عن تقييم جوهر الأعمال نفسها وتقييم بقية الأدوار الإبداعية للفريق. فنظرية المؤلف في السينما التي ظهرت في أربعينيات القرن الماضي كانت تريد أن يقوم المخرج بدور المؤلف الروائي وليس أن يقتبس منه، ولهذا عبر الناقد الفرنسي ألكسندر أستروك عن هذه الوظيفة بقوله "الكاميرا قلم". وقد نجحت السينما إلى حد بعيد في أن تستخدم الكاميرا كقلم فعلا بينما دار المخرج الدرامي التلفزيوني في العالم العربي في فلك الاقتباسات الأدبية مع استثناءات قليلة.

يحسب للتجربة الدرامية العربية أنها قدمت محاولات عديدة في هذه المجال للتغلب على أزمة السيناريو، منها مثلا مسلسل ذاكرة الجسد المقتبس من رواية تحمل الاسم ذاته للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي للمخرج السوري نجدت أنزور وإنتاج عام 2010. وعلى خلاف معظم المسلسلات المقتبسة، حافظ المسلسل على اللغة العربية الفصحى في الحوار، بل وحافظ على رواية البطل كما هي. والمسلسل قدم محاولة جادة لكنها غير ناجحة، لأنه لم يستطع أن يطوع اللغة الفصحى لتخدم التعبير الصادق عن مشاعر الأبطال بشكل يقنع المشاهد بالأحداث، كما مر إيقاع المسلسل بطيئا جدا من دون توظيف جيد للحبكات الدرامية.

هناك محاولة أخرى نادرة لتحويل قصيدة شعرية لمسلسل درامي، وهي قصيدة أنشودة المطر للشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب التي تحولت إلى مسلسل يحمل الاسم ذاته للمخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب من إنتاج عام 2003.

ولأن القصيدة رغم دراميتها وشاعريتها لم تحمل أحداثا أو شخصيات واضحة، فقد استلهم النص الدرامي أجواء القصيدة المناخية من غيوم وأمطار ليطبع به المشاهد العامة للمسلسل، بالإضافة لطابع التراجيديا والحزن الذي يخيم على القصيدة وأحداث المسلسل. وبالتالي يمكن القول إن الاقتباس في هذه الحالة كان محدودا جدا لكنه محمود، والمسلسل أيضا لم يبلغ الشهرة التي حظيت بها القصيدة وبقي محاولة جادة تنهل من بعض نجاح العمل الشعري.

يقدم قاموس جامعة أوكسفورد البريطانية تعريفا واسعا للأدب يشمل التراكيب الشفوية والدرامية والمذاعة، ليفسح المجال لأجناس أدبية أخرى تنضوي تحت تعريف الأدب. وبذلك يمكن أن يدخل من ضمنها النصوص الدرامية التلفزيونية، وهي مواكبة جيدة لمتغيرات العصر، لأن فن الرواية نفسه من الفنون الأدبية المستحدثة التي انتقلت للغة العربية، وكان بعض الكتاب الكبار مثل عباس محمود العقاد يرونها في مرتبة أدنى من الشعر ومن البيان المنثور.

واليوم، وبعد أن تبوأت الرواية المكانة التي نراها في الأدب العربي، آن للنص الدرامي أن يحجز مكانه في عالم الأدب وأن يتم تحديث معايير تعليم وتقييم النصوص الدرامية التلفزيونية في هذا الإطار.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»

البلاد – الرياض

أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة بشراكة إستراتيجية مع مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة”، النسخة الثانية من البرنامج الإثرائي في مجال الكتابة الإبداعية للطلبة الموهوبين” جيل الأدب”.

وينفذ البرنامج الذي يضم 182 طالبًا وطالبة من مختلف مناطق المملكة حضوريًا في 3 مدن رئيسة، هي الرياض وجدة والخبر على مدى 9 أسابيع، كما ينفذ بنمط التعليم -عن بعد- لإتاحة الفرصة لجميع الطلبة في مناطق المملكة المختلفة؛ لتنمية مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية وتطويرها، وصقلها، وتدريبهم على الممارسة الفعلية للكتابة الأدبية.

ويركز برنامج جيل الأدب على توسيع مدارك طلبة المرحلة المتوسطة في الكتابات الإبداعية المتعلقة بالأجناس الأدبية؛ مثل: قصص الخيال العلمي، والقصص البوليسية، وقصص الأطفال، والقصص القصيرة، والمقالة، إضافة إلى المهارات اللغوية المتعلقة بالاستدلال اللغوي، ومهارة تطويع اللغة، وصناعة المشهد الفني.

ويهدف البرنامج إلى تنمية قدرة الطلبة على التعبير والكتابة الأدبية، وتنمية مهارات الاستقصاء والبحث كالملاحظة والمقارنة والقياس والتواصل والتصنيف والتحليل والتعميم والتقييم، وتنمية مهارات حل المشكلات والتفكير الناقد والإبداعي، ومهارات التفكير العليا.

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم:نحرص على تحقيق طفرة في قطاع التعليم الفني بالتعاون مع مختلف الوزارات
  • تحت شعار رد الاعتبار.. سيراميكا كليوباترا يصطدم بـ البنك الأهلي في الدوري اليوم
  • إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»
  • مؤتمر أدبي لتكريم كبار الأدباء  بمشاركة 50 مبدعا
  • "هل الحب عائق أم حافز للإبداع؟ أحمد مالك يشعل الجدل حول تأثير الارتباط العاطفي على العمل الفني"
  • هيئة الرأي في وزارة التربية تصوت على عدم إعادة العمل بنظام المحاولات
  • النقد في خطر
  • وزير العدل يستعرض أهم مستجدات مدونة الأسرة بعد جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك
  • مؤتمر أدبي لتكريم الشاعر أشرف أبوجليل بالفيوم
  • خالد سليم: أعود للدراما الرمضانية مع ياسمين عبد العزيز