الجزيرة:
2025-03-10@08:25:17 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

تاريخ النشر: 3rd, July 2023 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

يقتحم عدد كبير من رجال الشرطة بملابس مدنية وعسكرية غرف نوم رشيد أثناء نومه بجوار نجله في منزله في مدينة حلوان المصرية فيفزع الأب وابنه. تسحب القوات الأمنية رشيد بعنف وهو في حالة ذهول ويقيدون معصمه من الخلف قبل أن يقتادوه إلى مخفر الشرطة. لم يتمكن رشيد من حضور حفل زفافه الذي كان مقررا يوم القبض عليه، ويجد نفسه متهما في جريمة قتل رئيسه في العمل ويحكم عليه بالسجن 16 عاما، بينما يُوضع نجله من زواج سابق في ملجأ للأيتام في مسلسل "رشيد" للمخرجة المصرية مي ممدوح وإنتاج 2023.

قصة المسلسل مأخوذة من الرواية الشهيرة الكونت دي مونت كريستو Le Comte de Monte-Cristo للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما الأب عام 1844، التي تدور حول شاب يتعرض للسجن بتهم ملفقة ويهرب من السجن ليعلم بخيانة أصدقائه ويعد خطة للانتقام. لم يفقد هذا العمل الأدبي بريقه منذ اختراع السينما والتلفزيون، ولا يزال مقتبسا في قصص الأفلام والمسلسلات منذ عصر السينما الصامتة عام 1912 في الولايات المتحدة وحتى يومنا هذا.

وهو نموذج من أعمال روائية عديدة عرفت طريقها نحو السينما والدراما التلفزيونية في طريق ذي اتجاه واحد من النص الروائي إلى النص الدرامي، بحيث يصبح هذا الأخير محاكاة أو ظلا للعمل الأصلي. ومهما بلغت حرفية القائمين على العمل الفني فإنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منتجا يضاهي أو ينافس العمل الأدبي الأصلي، وحينئذ يدور النقاش حول قدرة الصورة على التعبير عن جماليات الأدب من عدمه، وليس هذا صلب النقاش في هذا المقال الذي يتعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل.

في حديث إذاعي بين الممثل المصري الراحل عبد الوارث عسر والكاتب الراحل نجيب محفوظ، يسأل عسر إن كان على الكاتب أن يدرس شيئا من السيناريو ليتولى بنفسه كتابة سيناريو أعماله الأدبية أو على الأقل يشرف عليها، لتعبر بصدق ووضوح عن نصه الأدبي. أجاب محفوظ بأن السيناريو موهبة مستقلة بذاتها تختلف عن موهبة القصة والرواية والمسرحية، وأنه من أنصار التخصص، لأن لكل منه ذوقه وثقافته وطرقه المختلفة في التعبير. وأضاف نقطة مهمة تتعلق بالتخصص، إذ أشار إلى أن كل فن من هذه الفنون يستوعب حياة كاملة من الدراسة والاستيعاب والعمل.

يجيب هذا الحديث عن الأزمة التي تؤرق كل العاملين في الحقل الفني في العالم العربي من المحيط إلى الخليج التي يعبرون عنها بمشكلة الورق، أي النص الدرامي أو السيناريو الجيد الصالح للتجسيد فنيا على الشاشة. وعند الرغبة في الحصول على نص درامي جيد فإن الأنظار تتجه مباشرة للرواية في محاولة لاستنساخ نجاح النص الأدبي في العمل الفني، وهي محاولات إن لم تفشل فشلا ذريعا فإنها لم تنجح النجاح المرجو لها.

الأدب المقروء والأدب المنظور

نجاح الدراما التلفزيونية يعتمد على التعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل بذاته، وهو وإن كان جزءا من عملية إنتاجية أوسع يشارك فيها المخرج والممثل ومدير التصوير بنصيب كبير، إلا أنه يحافظ على مكانته بين هذه العناصر. فالدور القيادي الفني للمخرج مثلا لا ينفي أهمية وإبداع مدير التصوير ومدير الإضاءة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نجاح العمل الفني أو فشله.

إن مركزية دور المؤلف في العمل الروائي ومركزية دور المخرج في العمل الدرامي والسينمائي حجبت الرؤية عن تقييم جوهر الأعمال نفسها وتقييم بقية الأدوار الإبداعية للفريق. فنظرية المؤلف في السينما التي ظهرت في أربعينيات القرن الماضي كانت تريد أن يقوم المخرج بدور المؤلف الروائي وليس أن يقتبس منه، ولهذا عبر الناقد الفرنسي ألكسندر أستروك عن هذه الوظيفة بقوله "الكاميرا قلم". وقد نجحت السينما إلى حد بعيد في أن تستخدم الكاميرا كقلم فعلا بينما دار المخرج الدرامي التلفزيوني في العالم العربي في فلك الاقتباسات الأدبية مع استثناءات قليلة.

يحسب للتجربة الدرامية العربية أنها قدمت محاولات عديدة في هذه المجال للتغلب على أزمة السيناريو، منها مثلا مسلسل ذاكرة الجسد المقتبس من رواية تحمل الاسم ذاته للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي للمخرج السوري نجدت أنزور وإنتاج عام 2010. وعلى خلاف معظم المسلسلات المقتبسة، حافظ المسلسل على اللغة العربية الفصحى في الحوار، بل وحافظ على رواية البطل كما هي. والمسلسل قدم محاولة جادة لكنها غير ناجحة، لأنه لم يستطع أن يطوع اللغة الفصحى لتخدم التعبير الصادق عن مشاعر الأبطال بشكل يقنع المشاهد بالأحداث، كما مر إيقاع المسلسل بطيئا جدا من دون توظيف جيد للحبكات الدرامية.

هناك محاولة أخرى نادرة لتحويل قصيدة شعرية لمسلسل درامي، وهي قصيدة أنشودة المطر للشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب التي تحولت إلى مسلسل يحمل الاسم ذاته للمخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب من إنتاج عام 2003.

ولأن القصيدة رغم دراميتها وشاعريتها لم تحمل أحداثا أو شخصيات واضحة، فقد استلهم النص الدرامي أجواء القصيدة المناخية من غيوم وأمطار ليطبع به المشاهد العامة للمسلسل، بالإضافة لطابع التراجيديا والحزن الذي يخيم على القصيدة وأحداث المسلسل. وبالتالي يمكن القول إن الاقتباس في هذه الحالة كان محدودا جدا لكنه محمود، والمسلسل أيضا لم يبلغ الشهرة التي حظيت بها القصيدة وبقي محاولة جادة تنهل من بعض نجاح العمل الشعري.

يقدم قاموس جامعة أوكسفورد البريطانية تعريفا واسعا للأدب يشمل التراكيب الشفوية والدرامية والمذاعة، ليفسح المجال لأجناس أدبية أخرى تنضوي تحت تعريف الأدب. وبذلك يمكن أن يدخل من ضمنها النصوص الدرامية التلفزيونية، وهي مواكبة جيدة لمتغيرات العصر، لأن فن الرواية نفسه من الفنون الأدبية المستحدثة التي انتقلت للغة العربية، وكان بعض الكتاب الكبار مثل عباس محمود العقاد يرونها في مرتبة أدنى من الشعر ومن البيان المنثور.

واليوم، وبعد أن تبوأت الرواية المكانة التي نراها في الأدب العربي، آن للنص الدرامي أن يحجز مكانه في عالم الأدب وأن يتم تحديث معايير تعليم وتقييم النصوص الدرامية التلفزيونية في هذا الإطار.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

البعض يُفسد على نفسه الشهر الفضيل باللهو ومتابعة المواد التلفزيونية الهابطة

 

تعد البرامج المختلفة احد النماذج التي تهدم النفوس وتضيع الأوقات في شتى المجالات وتختلف البرامج والأجهزة الإلكترونية التي تمسخ الناس عن ذكر الله وتضيع بسببها الأوقات في رمضان وهنا نقول الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك.. ففي كل عام تقدم القنوات كماً كبيراً من المسلسلات والمسابقات اغلبها هابطة بينما ينبغي على المرء أن يستغل أوقات الشهر الفضيل لذكر الله والاستغفار وتلاوة القرآن.

استطلاع/ رجاء محمد الخلقي

– تفكير شيطاني-
البرامج التي تبث في أوقات رمضان تعد برامج شيطانية تمنع الناس من الصلاة وذكر الله كثيرا هذا ما قالته أم محمد احمد ربة بيت من مديرية شعوب
وأضافت: القنوات جميعها تعلن عن قدوم حلقة كذا وبرنامج كذا ومسابقه كذا فأين موقع ذكر الله في هذه الحالة.. لقد اُنزل القرآن في رمضان وليلة القدر في رمضان وهي أعظم ليلة للناس وخير من الف شهر، فأماني اليهود والنصارى هو الإفساد وان يكفروا الناس ويلهوهم عن ذكر الله وهذا بعدهم..
– أم مثالية –
إما أم احمد غيلان فقد استاءت من هذه الأجيال والتي تقضي أوقاتها في مشاهدة البرامج الرمضانية والتي لا تنتهي حتى النوم وبعدها سحور ونوم واليوم التالي نفس الخطوات، فتقول:- بالنسبة للبرامج منعت أولادي من مشاهدة المسلسلات لأنها تلهيهم وتخرجهم لعالم أخر فرمضان شهر خير ومبارك وفيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار حتى صلاتهم لا أحسها بخشوع وإنما بسرعة فائقة وشاردين في هذه المسلسلات الماسخة والتي لا نخلص منها حتى نهاية رمضان.. وهنا أوجه لكل أم أن تمنع أولادها من هذا المسخ، فالمشاهدة لا تفوتهم ابدا وسيعاد كل ما يشاهدونه أما رمضان فلن يعود إلا بعد عام، لابد من استغلال الشهر بكل ما نمتلك من قوة وتفكير ووقت فأولادنا أمانة في أعناقنا..
– رحمة الله بعبده-
الأستاذة حنان سمير – أخصائية اجتماعية تقول: في هذا الشهر الكريم تعمل قنوات ومسلسلات على إغواء الناس عن طاعة الله وذكره وقراءة قرآنه.. وأضافت بالقول:- الكثير من الناس ينتظرون هذه المسلسلات بشغف وينسوا ذكر الله.
وتضيف: في هذا الشهر أنزل القرآن وهو خير من الف شهر وأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار…
وتتابع: شهر رمضان المبارك ، يفتح الله فيه أبواب الخير، ويغلق فيه أبواب الشر، ويصفد فيه المردة والشياطين، ويقال فيه لباغي الخير أقبل، ولباغي الشر أقصر، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتستجاب فيه الدعوات، وتمحى فيه السيئات، ويتجاوز الله فيه عن العظائم، ولله في كل يوم منه عتقاء من النار.
أما الأستاذة سمية غالب “مدرسة إسلامية” تُؤكد بأن التلفزيون والإلكترونيات بشكل عام مسخ للبشر ولابد من الابتعاد منها خاصة خلال شهر رمضان.
وتضيف بقولها:- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مستفيض بين عامة المسلمين وخاصتهم.
فعلى المؤمن الذي يرجو الله والدار الآخرة أن يستغل أوقات هذا الشهر المبارك في طاعة الله تعالى، وأن يتفرغ لذلك قدر استطاعته، فالكيّس الحاذق يتحين الفرص، ويتربص الموسم حتى لا يخسر في مواطن الربح.
وإن أفضل الوسائل لاستغلال الوقت فيما يعود على المرء بالنفع في دنياه وأخراه في هذا الموسم العظيم:
1 – الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- وحده، وصدق التوجه إليه، وتجديد التوبة النصوح إليه -سبحانه وتعالى-.
2 – إمعان النظر في حديث الله تعالى في كتابه العزيز عن هذا الشهر المبارك، وعن العبادة التي شرعها فيه، وما خصه الله تعالى به من الفضائل، مما يدل دلالة جلية على عظم قدره عنده سبحانه وتعالى وعلو شأنه، فقد اختاره طرفاً لإنزال القرآن، وحصول الأحداث العظام التي غيرت وجه التاريخ، كواقعة بدر الكبرى، والفتح الأكبر فتح مكة…
3 – إمعان النظر فيما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من الفضائل لهذا الشهر المبارك، وكثرة ما رغب في الأعمال الصالحات فيه.
4 – إمعان النظر في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، وهدى صحابته والسلف الصالح بعدهم -رضوان الله على الجميع-، ففي ذلك شحذ للهمم، واستنهاض للعزائم، واستثارة لكوامن الخير في المسلم.
5 – إعداد العدة له قبل دخوله، والتفرغ له مما لا بد منه من شؤون الحياة الضرورية.
6- تنظيم الوقت وتقسيمه تقسيماً دقيقاً محكماً بحيث يجعل جزءاً منه لتدبير شؤون معاشه التي لا بد له منها، وجزءاً آخر لأوراده اليومية وأذكاره الصباحية والمسائية، فإن ذلك مما يحفظ على المرء وقته بإذن الله تعالى, وجزءاً منه لنوافل عبادته الأخرى من صلاة وذكر ودعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجزءاً أكبر من وقته لتلاوة كتاب الله تعالى وتدبر معانيه، فإن بين هذا الشهر وبين القرآن علاقة وارتباطاً قوياً ففي هذا الشهر أنزل القرآن، كما يلحظ ذلك في حديث القرآن عن شهر رمضان المبارك.

مقالات مشابهة

  • البعض يُفسد على نفسه الشهر الفضيل باللهو ومتابعة المواد التلفزيونية الهابطة
  • مجلس النواب يناقش تعديلات نائبة التنسيقية على مواد مشروع قانون العمل الجديد
  • نواب التنسيقية ينتصرون لحقوق العمال في مناقشات مشروع قانون العمل الجديد
  • يوم المرأة العالمي: إعادة التفكير في الحرية التي لم تكتمل
  • ميار الببلاوي: ندمت على هذا العمل الفني .. وهذا موقفي من منى زكي
  • خفة النص التي احتملها الغذامي ولم يطقها البازعي!
  • الدستورية العليا: عدم تمكين المنتهية خدمته للانقطاع غير المتصل عن العمل من تقديم عذر مخالف للدستور
  • رفض الموظف المنتهية خدمته للانقطاع غير المتصل عن العمل من تقديم عذر يخالف الدستور
  • "عبدالعزيز النُص" يخطف الأنظار في رمضان
  • بن مبارك: إعادة الاعتبار لعدن يتطلب عمل تشاركي على المستويين الرسمي والشعبي