د. رشا سمير تكتب: أبي بطل حرب أكتوبر.. سلام عليك أينما كنت من أرض الفيروز
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
لم تكن الأرض سوى قصة حزينة كتبتها نكسة ٦٧، فبات كل مصري في فراشه مسكونا بالحزن والهم، أما جنود الجيش المصري فباتوا على عكس الجميع مسكونين بالأمل وإنتظار اليوم الذي سوف يثأرون فيه لكرامة الوطن وإستعادة كل حبة رمل دنستها أقدام العدو.
مائة وثمانين ألف جندي مصري عبروا قناة السويس في يوم العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر رافعين علم مصر فوق أرض سيناء والأغاني الوطنية تنساب هادرة من المذياع الذي التف حوله الأطفال والكبار، الرجال والنساء مهللين فرحين بالنصر.
عشرات الضباط ومئات العساكر كانوا على يقين من أن النصر آت..لكل منهم قصة ولكل قصة ألف عبرة..
كان هو أحد هؤلاء الجنود..وتلك هي بعض ملامح قصته..
كان أبي أحد جنود معركة الكرامة، ضابط مصري في عنفوان الشباب، إلتحق بالكلية الحربية إيمانا منه بقيمة الوطن وقدسية الزي العسكري.
عقب تخرجه إنضم إلى سلاح المدرعات، لتصبح معشوقته هي الدبابة التي بات يعرف خطوطها كما يعرف كف يده، يدافع عنها بحياته وحين يقف فوقها يشعر وكأنه إمتلك العالم!.
تزوج من امرأة مصرية شاركته الحُلم، وأصبحت هي السكن حين يعود والسند حين يرحل..
كانت تعي معنى أنها تزوجت ضابط مصري، وكيف أن مهمتها ثقيلة..سيغيب وعليها أن تتولى زمام الأمور..سينكسر ودورها أن تضمد جراحه..سيحمل سلاحه وعليها أن تحمي ظهره..سيضعف ولكنه سيستقوى بها.
عقب هزيمة ٦٧ لم يكن يشغل باله أي شئ سوى الأخذ بالثأر، رحلة العودة، حرب إسترداد الكرامة، كان يحلم مثله مثل كل الجنود بأنهم سيحاربون، ولكن متى تحين اللحظة؟.
في أحد الأيام أخبرها أنه ذاهب إلى الفيوم، سألته عن السبب، رد:
" مجرد تدريبات"
كان يعلم أنه قد صدرت لهم التعليمات للتدرب كل يوم في بحيرة قارون على عبور قناة السويس، كم كان يتمنى لو أخبرها أن النصر قد بات وشيكا لتشاركه الحُلم من جديد، لكنه الوطن، وسر الوطن الذي يجب أن يبقى في الصدور حتى اللحظة المناسبة.
في أحد الأيام، حزم حقيبة سفره ولملم أشياؤه الصغيرة، وأخبرها أنه يجب أن يتحرك مع كتيبته اليوم، قبل أن يغلق الباب خلفه إلتفت إليها وقال مبتسما: "لو شاء الزمان أن يفرقنا ولم أعد..أعديني بأن تربي أولادنا كما حلمنا لهم، إبنتنا ستصبح طبيبة وإبننا سوف يصبح ضابطا..لا إله إلا الله".
ابتسمت له وقالت: "يقيني أنك ستعود وسنربيهما سويا..محمد رسول الله".
نطلق إلى سيناء وانتصرت مصر وجاءها أول خطاب منه بخط يده، إحتضنت الخطاب بين ضلوعها ودموعها تنساب هادرة، قرأت:
" زوجتي الحبيبة..أكتب إليك من أرض الفيروز"
عاد يروي لها ولنا وللدنيا كيف مرت الساعات وكيف قضى الأيام وكيف عبر جيشنا المصري قناة السويس محطمين أسطورة خط بارليف الزائفة.
كان وقتها برتبة رائد، رئيس أركان الكتيبة المدرعة، ذهب مع قائد الجيش ليشهد تدريبات مشروع عبور قناة السويس في سيناء، عاد في نهاية اليوم مبتسما سعيدا ودخل على جنود كتيبته يبشرهم قائلا:
" سنعبر قناة السويس يا رجالة..بإذن الله سننتصر وسنرقص فوق الدبابات..أعدكم"
هلل جنود الكتيبة، تعانقوا وباتوا ليلتهم فرحين يحلمون بالنصر، وحين تحقق لهم النصر وقفوا فوق الدبابات يهللون ويرقصون ويهتفون: "تحيا مصر"
عاد الجميع ولم يعد، تصور الجميع أنه لقى حتفه، إلا هي..زوجته التي باتت تجوب المستشفيات كل يوم، تبحث عن إسمه في كشوف المصابين تسأل زملائه عنه وتأبى أن تنظر في كشوف الشهداء، لأنه سيعود، وعدها وسيعود..
صدق حدسها..وعاد..عاد بطلا يحمل حقيبة بها ذكرياته وسلاحه ومتعلقات بعض الجنود الشهداء من كتيبته وهدية لها، فقد خلع من فوق أحد دبابات العدو حرفين باللغة الإنجليزية تمثل أول حرف من إسمه وإسمها..هديته لها هذه المرة كانت أغلى من الذهب والماس، إنها رمز الإنتصار..ولازالت حتى هذه اللحظة وبعد مرور خمسون عاما على نصر أكتوبر هديته لها، حرفي الـS الـR من وسط كلمة (إسرائيل) معلقتان خلف باب البيت الذي جمعهما سنوات وسنوات..
في يوم الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، هذا اليوم الذي كان أبي اللواء أح/ سمير حسني رحمة الله عليه ينتظره من العام للعام ليبتسم ويتذكر ويروي لأبنائنا عن تلك الأيام بكل فخر، فيعلمهم أن تحمل الشدائد وأزمات الوطن واجب عليهم كما كانت يوما واجب على الجنود.
أبي العظيم..كنت ولازلت وستظل فخرا لنا ولأبنائنا..
أبي العزيز..رحلت عن دنيانا وتركت لنا إرثا من الفخر والعزة والكرامة..
كل عام ونحن ممتنون لك ولكل جندي مصري ولكل حبة رمل على أرض مصر،
كل عام وأنا أتذكر صوتك الحنون وأنت تشدو لنا بفخر نشيد الجيش:
رسمنا على القلب وجه الوطنْ نخيلًا ونيلًا وشعبًا أصيلا
وصناكِ يا مصرُ طولَ الزمنْ. ليبقى شبَابُك جيلًا فجيل
على كل أرضٍ تركنا علامة قلاعا من النور تحمي الكرامةْ
أبي الغالي..سلام عليك أينما كنت من أرض الفيروز التي كان وسيظل ترابها يحمل إسمك ودماء من رحلوا..
[email protected]
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: قناة السویس
إقرأ أيضاً:
تحرير طابا.. الدبلوماسية المصرية تُحرر آخر شبر من «أرض الفيروز».. تفاصيل المماطلات الإسرائيلية واحترافية لجنة الدفاع في الحصول على حكم تاريخي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
"عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذى حملته ولاء لشعبنا وللأمة"، كلمات رنانة نطق بها الرئيس الراحل محمد أنور السادات في خطاب النصر بعد 11 يومًا من حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وعلى الرغم من رحيل السادات إلا أن مصر تمسكت بما بدأته يوم السادس من أكتوبر من أجل اكتمال النصر واستعادة السيادة المصرية على كل شبر من أرض مصر وقع تحت الاحتلال في 1967، بما في ذلك طابا.
تحرير طابا.. بداية معركة دبلوماسية ناجحة لمصربعد سنوات من النصر الكاسح للقوات المسلحة المصرية، جاء وقت الدبلوماسية لتوقع مصر وإسرائيل معاهدة السلام في 1979، وبدأت مراحل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المصرية في سيناء، إلا أن وصلت إلى طابا وبدأت المماطلات الإسرائيلية.
مماطلات إسرائيلية فاشلةوفي أواخر عام 1981 بدأت المماطلات الإسرائيلية، حيث كان من المقرر تنفيذ المرحلة الأخيرة من الانسحاب الكامل، وهنا بدأت إسرائيل تضع العراقيل في وجه التنفيذ الفعلي للانسحاب، وأولى الأزمات التي افتعلتها إسرائيل كان وضع 14 علامة حدودية أهمها العلامة (91) في طابا، الأمر الذي أدّى لإبرام اتفاق في 25 أبريل 1982 والخاص بالإجراء المؤقت لحل مسائل الحدود، والذي نص على عدم إقامة إسرائيل لأي إنشاءات وحظر ممارسة مظاهر السيادة، وأن الفصل النهائي في مسائل وضع علامات الحدود المختلف عليها يجب أن يتم وفقًا لأحكام المادة السابعة من معاهدة السلام المبرمة بين البلدين.
المادة السابعة.. القول الفصل في أزمة طاباوتنص المادة السابعة من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وأنه إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات بالمفاوضات فتحل عن طريق التوفيق أو تحال إلى التحكيم، وبعد 3 أشهر من هذا الاتفاق افتتحت إسرائيل فندق سونستا وقرية سياحية وأدخلت قوات حرس الحدود.
وفي أول رد مصري على الانتهاكات الإسرائيلية، قامت الحكومة المصرية بالرد عن طريق تشكيل اللجنة القومية للدفاع عن طابا أو اللجنة القومية العليا لطابا، وتشكلت بالخارجية المصرية لجنة لإعداد مشارطة التحكيم، وعقب قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة على التحكيم، تم توقيع اتفاقية المشارطة بمشاركة شمعون بيريز في 11 سبتمبر 1986، والتي قبلتها إسرائيل بضغط من الولايات المتحدة.
وطوال تلك الفترة سعت مصر لتأكيد سيادتها على كامل التراب المصري، وسعت من خلال اتفاقية المشارطة إلى إلزام الجانب الإسرائيلي بتحكيم وفقًا لجدول زمني محدد بدقة، وحصر مهمة هيئة التحكيم في تثبيت مواقع العلامات ال14 المتنازع عليها.
تحرير طابا بقرار دولي منصف لصالح مصروفي 29 سبتمبر 1988 تم الإعلان عن حكم هيئة التحكيم في جنيف بسويسرا في النزاع حول طابا، وجاء الحكم في صالح مصر مؤكدًا أن طابا مصرية، وفي 19 مارس 1989 كان الاحتفال التاريخي برفع علم مصر معلنًا السيادة على طابا وإثبات حق مصر في أرضها.
أبطال معركة الدبلوماسية لاستعادة طاباوقاد المعركة الدبلوماسية لاستعادة التراب المصري وتحرير طابا "لجنة الدفاع عن طابا" والتي تشكلت بقرار من مجلس الوزراء في 13 مايو 1985، حيث نص قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 على تشكيل اللجنة القومية لطابا برئاسة عصمت عبد المجيد وعضوية 24 خبير، منهم 9 من خبراء القانون، و2 من علماء الجغرافيا والتاريخ، و5 من كبار الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، و8 من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية.
وعهدت وزارة الخارجية المصرية بمهمة إعداد المذكرات إلى لجنة مشارطة التحكيم والتي تشكلت برئاسة نبيل العربي، ممثل الحكومة المصرية أمام هيئة التحكيم في جنيف وبعضوية كل من: من وزارة الخارجية (إبراهيم يسري، بدر همام، حسن عيسى، أحمد أبو الخير، محمود عثمان، عز الدين عبد المنعم، وجيه حنفي، أحمد فتح الله، محمد جمعة، حسين مبارك، محمود سامي، فايزة أبو النجا، أحمد ماهر، مهاب مقبل، ماجد عبد الفتاح)، من وزارة الدفاع (عبد الحميد محسن حمدي، فاروق لبيب، خيري الشماع)، من وزارة العدل (أمين المهدي، فتحي نجيب)، من وزارة البترول (أحمد عبد الحليم، صلاح حافظ)، مفيد شهاب، يونان لبيب رزق، أحمد صادق القشيري، يوسف أبو الحجاج، سميح صادق، صلاح عامر، وحيد رأفت، محمد الشناوي، جورج أبو صعب، طلعت الغنيمي، محمد بسيوني، حسين حسونة، محمد عبد الفتاح محسن.
واستعانت لجنة الدفاع المصرية بالدكتور "دريك باوت"، في مقابل استعانة إسرائيل بالدكتور "لوتر باخت" وكلاهما أستاذ في القانون الدولي وذو خبرة دولية في هذا النوع من المنازعات. وضمت هيئة التحكيم الدولية 5 أعضاء تمثلوا في كل من: الدكتور حامد سلطان عن الجانب المصري، وعن إسرائيل روث لابيدوت، والثلاثة الآخرون هم: بيليه رئيس محكمة النقض الفرنسية السابق، وشندلر أستاذ القانون الدولي بسويسرا، ولاجرجرين رئيس محكمة ستوكهولم.
وعقدت الجلسات مع هيئة التحكيم وبدأت بتقديم مذكرة افتتاحية مايو 1987، وكانت أول جلسة في ديسمبر 1986، ثم تلقت المحكمة المذكرات المضادة والردود من الطرفين في أكتوبر 1987، واتفقوا على تقديم مذكرة ختامية في يناير 1988، إضافة إلى جولتين من المرافعات الشفهية في مارس وأبريل من نفس العام، واستمرت المرافعات 3 أسابيع حتى صدور الحكم لصالح مصر في 29 سبتمبر 1988 داخل قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمي لحكومة مقاطعة جنيف، في حضور وكيلي الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين، بأغلبية 4 أصوات والاعتراض الوحيد من الجانب الإسرائيلي، ووقع الحكم في 230 صفحة.