"ليس لدى إسرائيل قوة خاصة بها، لديها فقط دعاية تسعى من ورائها لتبدو قوية، لكن قوتها التي تسمح لها بالبقاء حية اليوم تأتي من مصدرين: الأول هو الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة، والثاني هو اللامبالاة غير المحدودة من الدول العربية".

هكذا استهل ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مقاله الذي نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، قائلا إن هذه الكلمات التي ذكرها المفكر عبد الوهاب المسيري في مقابلة أجريت قبل وفاته مع أحمد منصور على قناة الجزيرة التلفزيونية، تقدم صورة أخرى للإرهاب الإسرائيلي الذي نشهده اليوم، ونقول "صورة أخرى" لأن الواقع لا يمكن أن يُحصر في صورة واحدة، لكن قبل أن ننتقل إلى صور أخرى، دعونا ننظر إلى هذه الصورة قليلاً.

دعم أميركي غير محدود

بسبب الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لها، تقوم إسرائيل اليوم بعرض قوة كبير مثل الثور الذي انقطع حبله، بسبب خروجها عن السيطرة، تتسبب في خسائر كبيرة للغاية بفعل القوة التي تظهرها، ولكن هذه القوة ليست تحت سيطرتها أيضا.

وأشار أقطاي إلى أن الولايات المتحدة التي تقدم لها هذا الدعم غير المحدود، هي في الواقع تستنفد أيضا إمكاناتها كمحور في البحث عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، بالقدر الذي تقدمه من دعم غير متناسب. بالطبع، فإن توقع سلوك مختلف من أميركا اليوم -التي لديها تاريخ في إبادة الهنود الحمر والعنصرية العبودية ضد السود وهيروشيما وفيتنام وأفغانستان والعراق- يعني إسناد أهمية زائدة لقيم أميركا التي تم الترويج لها. إن جوهر أميركا هو السرقة والإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ولم يتم محاسبتها على أي منها أبدا.


وأضاف أن مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والعلمانية، بالنسبة للولايات المتحدة، هي مجرد أدوات للخطاب الاستعماري التي تُستخدم لإدخال "حصان طروادة" إلى الدول الأخرى. ومع ذلك، حينما يكون هناك منافسة داخل النظام العالمي، تكتسب هذه القيم قيمة كأدوات لجذب العملاء، ورغم تعهد القوى الكبرى بتقديم دعم غير محدود، فإنه ليس هناك أي قوة حقا غير محدودة. وتصبح هذه القوة عديمة الفائدة عندما تصل إلى نقطة الضعف.

بالمقابل، عندما التقى وزير الخارجية الأميركي بلينكن بنظيريه المصري والأردني في الأردن، واجه سؤالًا حول جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل أمام أعين العالم، بما في ذلك هجمات المستشفيات والمدارس والوفيات الناجمة عنها للأطفال والنساء والمدنيين. ورغم أنه تلعثم وتعذر عليه الرد، فإنه لم يتردد في تكرار ترديد العبارة "إسرائيل لديها حق الدفاع عن نفسها" دون أي حرج.

لا مبالاة عربية غير محدودة

وعلق أقطاي أنه رغم الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لهذه الوحشية، فإن عدم الاهتمام واللامبالاة التي يظهرها العالم الإسلامي تشكلان إحدى أهم مصادر القوة لإسرائيل. "نحن لا نتحدث عن الشعوب بالطبع، إن قادة العالم الإسلامي، ولا سيما العرب، يرون وجودهم مرهون بالقوى التي أسست إسرائيل أيضًا. ومع ذلك مر عقد من الزمن منذ تأسيس تلك الفترة، والعالم لم يعد كما كان".

وذكر بأن المسجد الأقصى هو مكان مقدس لا يمكن لأي شخص يدعي أنه مسلم أن يظل غير مبالٍ به. والهجمات على المسجد الأقصى، والقدس، وأطفال غزة، ونسائها، والمدنيين، هي إهانة وهجوم مباشر على السعودية، والإمارات، ومصر، وتركيا، وكل العالم الإسلامي. وصمت العالم العربي والإسلامي والتركي يشكل هذه اللامبالاة، أكبر قوة لإسرائيل. وإلا ليس لدى إسرائيل أي قوة في حد ذاتها.

رسالة أساسية للعالم الإسلامي

ورأى أقطاي أن عملية طوفان الأقصى يجب أن تكون رسالتها الأساسية لقادة العالم الإسلامي، أنهم إذا قاموا بتحويل مدافع أسلحتهم التي جمعوها أو طوروها لسنوات والتي كانت دائمًا موجهة ضد شعوبهم إلى إسرائيل مرة واحدة فقط، فسيكون كل شيء مختلفًا تمامًا.

من عملية طوفان الأقصى (وكالة الأناضول)

إن القوة التي يحتاجها العالم الإسلامي للوقوف في وجه إسرائيل والولايات المتحدة التي تعتقد أن قوتها لا حدود لها، موجودة فقط لديهم. ولقد أظهرت ذلك كتائب القسام بعدد قليل من أفرادها وإمكانياتها، وأظهرت أن إسرائيل ومن خلفها ليسوا قوة مخيفة. في الوقت نفسه، أظهر ذلك أيضًا أنهم ليس لديهم حتى القدرة على تقديم الفائدة التي تعهدوا بها لأنفسهم. وأخيرًا، جاء اليوم، واقترب يوم الحساب.

وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لن يتوقف قادة العالم العربي والإسلامي أو يتمكنوا من الوقوف وراء الحماية التي اعتمدوا عليها من الولايات المتحدة أو أوروبا أو إسرائيل، وسيكون عليهم التفكير في مشاكلهم الخاصة وستكون كافية بالنسبة لهم. وفي هذه اللحظة بالذات، سيرون أنهم لن يكونوا أبدًا أصدقاء لإسرائيل والولايات المتحدة، التي كانوا يثقون كثيرًا في صداقتهم، في الواقع، هم يرون ذلك الآن.

واختتم مقاله بأن كلمات المسيري تعد تحذيرًا للعالم العربي الذي يعتمد على إسرائيل بشكل كبير بسبب اعتقادهم الزائد في القوة التي تمتلكها، وتظهر لهم أن لديهم القوة والقدرة على مقاومتها والتعامل معها بدلاً من الاستسلام لها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العالم الإسلامی

إقرأ أيضاً:

خلاف فرنسي - أميركي على تسليح إسرائيل واستمرار الحرب

كتبت رندة تقي الدين في" النهار": تندرج مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة لحضها على وقف حربها في غزة ولبنان، في إطار سعيه منذ أشهر إلى وقف النار. فماكرون الذي لطالما تخوف من التصعيد في لبنان حاول تعبئة الحليف الأميركي من أجل ذلك، لكنه رغم حصوله على بيان مشترك مع نظيره الأميركي جو بايدن حول هدنة ٢١ يوما، لم يستطع تحصيل وقف تصدير الولايات المتحدة الأسلحة إلى إسرائيل.
ينبع رد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما نصح به ماكرون حلفاءه علنا، من غطرسته المعهودة في خطاب علني بعيد كل البعد عن الديبلوماسية. والموقف الفرنسي الذي عبّر عنه ماكرون يعكس سياسة فرنسية ديغولية تقليدية ليست منحازة إلى إسرائيل، وتبحث عن السلام في المنطقة. لكن المشكلة أن الرئيس الفرنسي يواجه وضعا داخليا متراجعا وسط طبقة سياسية معظمها يؤيد إسرائيل في شكل أعمى، كما أن ماكرون يواجه موقفا أميركيا مساندا لإسرائيل. فبايدن ومبعوثه إلى المنطقة آموس هوكشتاين مقتنعان بأن إسرائيل قد أنهت "حزب الله" وأن مسعاها لإغلاق الحدود والمعابر بين لبنان وسوريا أمر يساعد على وقف مرور الأسلحة الى البلد. وباريس مدركة أنه لا يمكن كما تقول إسرائيل والإدارة الاميركية إنشاء لبنان جديد مع أكثر من مليون نازح من الشيعة اللبنانيين المشردين في الشوارع، وسط حرب مستمرة وبلد يعاني فراغا رئاسيا. ولدى سؤال الأوساط الفرنسية المسؤولة الإسرائيليين عن نياتهم، يزعمون أن الحرب مسألة أيام قليلة.
سيعقد ماكرون مؤتمرا خلال هذا الشهر لدعم النازحين والجيش...صحيح أن الإدارة الأميركية وافقت على المشاركة في هذا المؤتمر، لكن تأييدها استمرار إسرائيل في الحرب على لبنان يناقض نيتها. ورغم أن لا ماكرون ولا الطبقة السياسية الفرنسية يؤيدان "حزب الله" وإيران، فعندما اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كان موقف باريس متحفظا جدا.
والواقع أن علاقة فرنسا بإيران متوترة بسبب الرهائن الفرنسيين في طهران وما تقوم به في لبنان والمنطقة، علما أن لقاء ماكرون الرئيس الإيراني في نيويورك كان إيجابيا. وفرنسا لا ترغب في الحرب في المنطقة وقد تشارك في الدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم إيراني، لكن باريس تبذل كل الجهود من أجل وقف الحرب على لبنان، أولا لأن لفرنسا ٧٠٠ جندي فرنسي في "اليونيفيل"، ثم إن للبلد علاقة تاريخية بلبنان ومصالح فرنسا فيه سياسية وجيواستراتيجية.
فماكرون على اقتناع بأنه ينبغي للبنانيين أن يتّحدوا لانتخاب رئيس بسرعة، ورسالته للبنانيين هي انتخاب رئيس وتشكيل حكومة فورا، ولا يجوز المزيد من الانتظار لتلقي المساعدات، وإلا فكيف يوزع الدعم؟ وباريس مدركة عبر اتصالاتها برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن ليس هناك اسم توافقي حتى الآن. لكنها ترى أن على اللبنانيين ألا ينتظروا دول الخليج أو الغرب لإيجاد الرئيس التوافقي، لأن لا مصلحة للخليج في التدخل في اختيار الرئيس التوافقي، وفي مثل هذه الأوقات العصيبة يجب أن يتّحد اللبنانيون لاختيار الرئيس الذي قد يحصل على ثقة المجتمع الدولي.
 رأي فرنسا أن الأهم هو الاتفاق على رئيس بسرعة ووقف المماطلة في ذلك. والإدارة الاميركية تشارك باريس في جهدها على هذا الصعيد، حتى إن بايدن قال علنا إن الإدارة الأميركية تعمل مع فرنسا في لبنان. 
لكن الاختلاف بين الإدارة الاميركية وفرنسا سببه استمرار مد إسرائيل بالسلاح في كل من غزة ولبنان. والسؤال الآخر بعد رد نتنياهو على ماكرون بهذا الشكل: هل يعلن أخيرا الرئيس الفرنسي اعترافه بفلسطين؟ فهو كان يتردد في ذلك إذ يرى أنه ليس مفيدا في هذه الأثناء أن يعترف بفلسطين لأنه لن يغير الأمور، وما زال يريد بذل الجهود لإنشاء الدولتين، وكان يحتاج إلى البقاء على تواصل مع نتنياهو ديبلوماسيا. لكن تعنت الأخير والوضع الفرنسي الضعيف في ميزان القوى العالمي في وجه إدارة إميركية منحازة إلى إسرائيل، يعرقلان مسعى ماكرون لوقف الحرب، علما أنه الوحيد في العالم يتحرك من أجل لبنان.
 

مقالات مشابهة

  • خبير سياسي: العار سيلاحق إسرائيل والسيسي كان يقرأ من كتاب مفتوح (فيديو)
  • أستاذ علوم سياسية: العار سيلاحق إسرائيل.. والسيسي كان يقرأ من كتاب مفتوح
  • مؤرخ أميركي: واشنطن أهدرت الفرصة التي خلفتها أحداث 7 أكتوبر
  • خبراء دوليون يحذرون من حرب شاملة في الأفق إذا لم يوقف العالم إسرائيل
  • إسرائيل واحدة من أخطر الأماكن في العالم على اليهود
  • خلاف فرنسي - أميركي على تسليح إسرائيل واستمرار الحرب
  • الأمين العالم لحركة الجهاد الإسلامي في ذكرى طوفان الأقصى: الجميع مقابل الجميع
  • أول دولة عربية وإسلامية تفاجئ العالم وتعلن يوم الـ 7 من أكتوبر إجازة رسمية
  • جمعية الصداقة الإيطالية العربية تبحث تطوير التعاون المشترك مع رابطة العالم الإسلامي
  • أيرلندا تستنكر تهديد إسرائيل لـ "اليونيفيل" في لبنان