أسنان تتساقط وأجساد تتآكل.. هل سمعت بقصة فتيات الراديوم ذوات العظام المشعة؟
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
في زمن الحرب العالمية الأولى، كانت تُعتبر الساعات المضيئة في الظلام صيحة لا تقاوم.. بعقارب مغطاة بطلاء خاص يجعلها تضيء طوال الوقت، وميزة تمكنها من شحن نفسها اعتماداً على أشعة الشمس.. لا شك بأنها بدت وكأنها جزء من عالم تصميم سحري وحصري!
وقد افتتح المصنع الأول المنتج لهذه الساعات في ولاية نيو جيرسي الأمريكية في العام 1916.
وقد كان المصنع يدرب الموظفات على عملية طلاء تفاصيل الساعات الصغيرة ويزودهن بتعليمات تنص على كيفية توجيه الفرش بشفاههن، وذلك لضمان أسلوب طلاء التفاصيل الدقيقة والحساسة جداً في هذه الساعات. ولكن، لم تكن مادة الراديوم آنذاك، والتي كانت المكون الرئيسي للطلاء المضيء والمشع، معروفة للجميع، خاصة وكانت تعتبر مادة جديدة نسبياً في ذلك الوقت، لم يمض على اكتشافها أكثر من عشرين عاماً.
وهكذا، فإن العاملات في مصانع الساعات المضيئة والمشعة الجميلة، كن يتناولن الراديوم يومياً، مع كل مسحة فرشاة، حتى أصبحن يعرفن باسم "فتيات الراديوم."
وكانت قد اُكتشفت مادة الراديوم على يد العالمة الحائزة على جائزة نوبل، ماري كوري، وزوجها بيير في العام 1898. وسرعان ما تقرر استخدام هذه المادة كعلاج لمرض السرطان.
وتقول كيت مور مؤلفة كتاب "فتيات الراديوم" والذي يتناول موضوع هؤلاء العاملات والمادة المشعة، إن نجاح استخدام الراديوم كعلاج للسرطان، جعل منه مادة صحية، مداوية ومحاربة للأمراض، حتى أصبحت تعتبر منشطاً صحياً وقوياً، يتناوله الناس كما نتناول اليوم الفيتامينات، حتى أصبح الأمر أشبه بحالة جنون، منتشرة عبر البلاد.
وأصبح الراديوم يُضاف إلى عدد من المنتجات اليومية، من معجون الأسنان إلى مستحضرات التجميل، وحتى الطعام والمشروبات. حتى أنه كان هناك مشروب اسمه راديثور، مصنوع من الماء وبعض قطرات الراديوم، يباع ويروج له على أنه "الشمس المشرقة،" ويُصلح لعلاج مختلف أنواع الأمراض، من التهابات المفاصل إلى النقرس.
ويقول تيموثي يورغنسن، خبير الإشعاع بجامعة جورج تاون ومؤلف "وهج غريب: قصة الإشعاع،" إن الناس كانت تعرف أن النشاط الإشعاعي يطلق الطاقة، ولكنهم لم يعتقدوا أن إضافة بعض الطاقة إلى أجسامهم قد يكون شيئاً ضاراً.
ولكن ما جهله الناس آنذاك هو أن الراديوم كان يبعد كل البعد عن كونه حلاً سحرياً، بل كان مميتاً حتى، إذ أن أحد مستخدميه، الرياضي الأمريكي إيبين بايرز، كان يشتهر بتناول زجاجة راديثور كل يوم لسنوات عدة، حتى تسببت بموته في العام 1932. ونشرت قصة وفاته في جريدة "وول ستريت جورنال،" تحت عنوان: "أثرت مياه الراديوم عليه بشكل جيد حتى وقع فكه."
ويعتبر الراديوم مؤذياً جداً، لا سيما عند تناوله. كما بتشابه الراديوم كيميائياً، مع الكالسيوم، ما يخدع الجسم ويجعل العظام تمتصه، وبالتالي، يسبب نخر العظام الناجم عن الإشعاع وسرطانات العظام. أما مدى تطور الحالة المرضية، فيعتمد على الجرعة المتناولة، ولكن الجرعات التي كانت تتناولها فتيات الراديوم، كانت كافية لقتلهن في بضع سنوات فقط.
وتشرح مور في كتابها أن الفتيات اعتمدن طريقة طلاء الساعات باستخدام شفاههن، لأنها كانت الطريقة الأسهل لتحديد رسمات دقيقة وصغيرة على أرقام الساعات التي لم يتخط حجمها الميليمتر الواحد.
ولكن، لم تقتنع الفتيات بهذه التقنية فوراً، إذ حرصن على الاستفسار أكثر، ولكن القائمين على المصانع أكدوا عدم خطورتها، وذلك لإكمال تصنيع أحد المنتجات الأكثر شهرة في ذلك الزمن. بل وأقنعوا الفتيات أن المادة كانت ستحسن من صحتهن وتزيدهن جمالاً بسبب إشعاعها ولمعانها، وسرعان ما اقتنعت فتيات الراديوم بالتأثيرات الإيجابية لهذه المادة على صحتهن وجمالهن.
وفي أوائل عشرينيات القرن الماضي، بدأت تتطور بعض الأعراض لدى فتيات الراديوم، مثل التعب، والتهاب الأسنان، لتحدث أول وفاة في العام 1922، عندما توفيت مولي ماجيا، البالغة من العمر 22 عاماً، بعد معاناتها من آلام شديدة لعام كامل. ورغم أن شهادة وفاتها نصت على أنها توفيت بسبب مرض الزهري، إلا أن ماجيا كانت تعاني في الحقيقة من حالة تسمى "فك الراديوم،" حيث تصبح عظام الفك السفلي بأكملها هشة، ما سمح لطبيبها بإزالة فكها بأكمله بمجرد رفعه، إذ كان يدمر الراديوم العظام ويحفر الثقوب في فك الفتيات.
وفي العام 1925 قررت جريس فراير، أحد العاملات في مصنع نيو جيرسي الأصلي، رفع دعوى قضائية، ولكنها أمضت عامين كاملين وهي تبحث عن محامي لمساعدتها. وفي العام 1927، استطاعت فراير التقدم بشكوى أمام المحكمة مع أربعة نساء أخريات من زملائها.
واستقرت القضية في العام 1928، لصالح النساء، وأصبحت تعتبر معلماً بارزاً في قانون المخاطر المهنية، حتى أصبحت مخاطر الراديوم معروفة لعامة الناس، وأوقفت تقنية التلوين بالشفاه، وباتت تستخدم أدوات واقية عند العمل في المصانع.
كما تلقى العاملون الناجون تعويضاً، وبدأت شهادات الوفاة تذكر سبب الوفاة الحقيقي. ثم حظرت إدارة الغذاء والدواء المنتجات القائمة على مادة الراديوم، وأخيراً تخلصت المصانع من استخدام طلاء الراديوم، وصنعت آخر ساعة راديوم في العام 1968.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: فی العام
إقرأ أيضاً:
ترامب متصالحاً.. ولكن؟!
ظهر الرئيس الأمريكي المنتخب متصالحاً مع العالم وهو يلقي كلمة طويلة أمام حشد من مؤيِّديه في أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن أن أمريكا لن تدخل في حروب مع غيرها خلال فترة ولايته الثانية، وأنه سيمنع حدوث حرب عالمية ثالثة، مع إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، وإنهاء الفوضى في الشرق الأوسط.
وهي توجهات لن يكون هناك من سيقف غير مؤيِّد لها، وقرارات وكأنها تلامس تطلعات وشعوب الدول المحبة للسلام، وأبسط ما يُقال عنها إنها لو تحققت فسوف تزيل المخاوف، وتعزِّز الاستقرار في العالم، بل وإنها ستتجه نحو بناء علاقات ود وتفاهم بين الدول، بعيداً عن الصراعات والخلافات والحروب، مما لا فائدة منها.ولكن هل يملك الرئيس الأمريكي المنتشي بفوزه الساحق في الانتخابات، وعودته ثانية إلى البيت الأبيض، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، رغم ما أحاطه من اتهامات ومحاكمات وتحديات تمكِّن من التغلّب عليها، وهزيمة منافسته، وسيطرة حزبه على الكونغرس، وبالتالي تحجيم أي معارضة لما ينوي اتخاذه من قرارات، هل يملك تنفيذ وعوده الكبيرة والمهمة والعظيمة؟!
في شأن الشرق الأوسط، هل يمكن أن يكون ترامب محايداً وعلى مسافة واحدة في التعامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من جهة، وبين إسرائيل ودول المنطقة من جهة أخرى، فيمنع إسرائيل من تبني هذه الفوضى التي أشار إليها، مع أنه كان يجب أن يقول هذا الاحتلال وليس هذه الفوضى، كيف له أن يمنع ذلك، وهو الذي اعترف بالجولان السورية كأرض لإسرائيل، وبالقدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل، وهو الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ولم يكن له موقف إيجابي من خيار الدولتين؟!
وعن الحرب الروسية الأوكرانية، وإيقافها، من أين له القدرة على وضع حد لهذه الحرب، دون الاستجابة لشروط روسيا، واستعداد أوكرانيا للتخلِّي عن أراضيها التي أصبحت تحت السيطرة الروسية، وأين سيكون الموقف الأوروبي من أي تفاهمات تصالحية لا تخدم دولهم، وينشأ عنها ما يرونه تهديداً روسياً لأمنهم واستقرارهم؟!.
وبالنسبة للحرب الكونية أو العالمية، فقد كان التلويح بها يتردد من الروس خلال حربهم في أوكرانيا، لكن تلويحهم لم يأخذ صفة الجد، والرئيس ترامب يتحدث عن حرب عالمية لن يستطيع منعها بقرار منه، فأكثر من دولة تملك السلاح النووي، وهناك تحالفات بين الدول ولديها قرارها كما لدى ترامب، ومع ذلك فيمكن فهم المحاذير التي في أذهان كل الدول من خطورة الإقدام على مغامرة كهذه، وبالتالي فالعالم ليس على موعد مع هذه الحرب، وفيما لو آن أوانها، فليس لدى ترامب عصا سحرية لمنعها.
أما وأن أمريكا ستكون بلا حروب في فترته الثانية، فهذا قرار أمريكي يمكنه به أن يمنع أمريكا من الانغماس في التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الحروب، لكني أشك أن يفعل ذلك، فمصالح أمريكا تتحقق كما هي سياستها في حضورها بالأزمات، وفي لعب دور يؤهلها لتوجيه مسار الحروب وفقاً لمصالحها، وألاعيبها الشيطانية، لهذا ستظل أمريكا - كما نرى- مع تنامي الخلافات والصراعات بين الدول!
وعلينا أن ننتظر أفعال الرئيس ترامب لا أقواله، وهو الذي قرَّر بناء قبة حديدية يحمي بها سماء أمريكا وحدودها حين يستلم مهامه الرئاسية، وطرد أكثر من عشرين مليون مهاجر يقيمون بأمريكا يقول إن إقامتهم بطرق غير نظامية، وأنه ينوي ضم قناة بنما إلى أمريكا لارتفاع الضرائب على ما يمر عبرها من بواخر وقطع عسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ما ينسف قوله بأن أمريكا لن تتورَّط في حروب، وأنها سوف تمنع الفوضى بالشرق الأوسط، وإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، والحيلولة دون حرب عالمية ثالثة؛ كلام كبير وعظيم، ولكن المهم التنفيذ، نعم الالتزام بالتنفيذ.