كيف نجعل سلاح المقاطعة لدولة الاحتلال فعالا وناجحا؟
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
نشر موقع "فكر تورو" التركي مقال رأي للكاتبة إليف نور أوغلو تناولت فيه مفهوم المقاطعة والفوائد المحتملة التي يمكن أن تجلبها.
وقالت الكاتبة، في مقالها التي ترجمه "عربي21"، إن احتلال الأراضي الفلسطينية المستمر منذ نحو 75 عامًا، واضطهاد الفلسطينيين من قبل " إسرائيل" التي قامت بقرار من الأمم المتحدة، أصبح مرفوضًا على المستوى الشعبي في أجزاء كثيرة من العالم.
وأوضحت الكاتبة أن المواطنين حول العالم يرون "إسرائيل" ككيان ظالم ويرون أفعالها غير قانونية، ويعبرون عن احتجاجاتهم أمام السلطات المختلفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والتظاهرات.
بالمقابل؛ يحاول المستهلكون السياسيون تطبيق عقوبات اقتصادية على الدول التي تساند "إسرائيل" على الأقل من خلال حملات المقاطعة المدروسة والفعالة.
المستهلك السياسي
وذكرت الكاتبة أنه بفضل وسائل الاتصال المتقدمة في عصرنا الحالي، يمكن للمستهلكين الحصول على الأخبار على الفور بشكل عالمي حول الأحداث التي تحدث في أماكن متعددة من العالم. في هذا العصر لم يعد لوسائل الإعلام القدرة على التلاعب بالجماهير بنفس الطريقة التي كانت تفعلها في الماضي من خلال تقديم الأخبار التي يريدونها فقط.
وأضافت الكاتبة أنه يمكن للأفراد الوصول بسرعة كبيرة إلى المعلومات، مما يمكنهم من التعبير عن رغباتهم ومطالبهم كمواطنين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وذلك من خلال السبل العادية للمشاركة السياسية ومن خلال تبني دور المستهلك.
المقاطعات التي غيرت مجرى التاريخ
وأفادت الكاتبة أن مفهوم المقاطعة هو مفهوم قديم جدًّا في تاريخ البشريّة، فقد كانت هناك مقاطعات قبل استخدام مصطلح "مقاطعة". على مر التاريخ؛ استخدمت الدول والأفراد التجارة كشكل من أشكال الاحتجاج على حدث أو موقف معين، وقطعوا أحيانًا الشراء. في الواقع؛ تم الوصول إلى المعايير الحالية في العديد من القضايا، مثل مكانة الأقليات في المجتمع، وحقوق المرأة والعمال، وسياسة الأجور المتساوية، من خلال أعمال مثل الإضرابات والمقاطعات.
أما استخدام كلمة "مقاطعة" فقد بدأ منذ وقت قريب نسبيًا. ففي القرن التاسع عشر، في أيرلندا، رفض الكابتن البريطاني تشارلز بايكوت (1832-1897) تخفيض الإيجارات بالطريقة التي أرادها السكان.
وردًّا على ذلك، مارس سكان المنطقة ضغوطًا اجتماعية عليه، وقاطعوه تجاريًا، ولم يتم بيع أي شيء له، ولم يتم تسليم بريده، حتى أن الناس الذين يروه أصبحوا يغيرون مسارهم، وأطلق على هذه الحركة التي حقق بها المستأجرون ما يريدونه فيما بعد اسم "بايكوت"، وهو اسم العائلة المشتق من اسم الشخص الذي تم مقاطعته. ومنذ ذلك الحين، يستخدم هذا المصطلح في جميع أنحاء العالم.
وبينت الكاتبة أنه في الولايات المتحدة، كان السود والبيض يجلسون في أماكن منفصلة في الحافلات حتى عام 1955، وإذا كانت الحافلة ممتلئة، كان على السود أن يتنازلوا عن مقاعدهم للبيض.
ذات يوم، رفضت روزا باركس، وهي امرأة سوداء، التنازل عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض بعد أن كانت تعمل طوال اليوم وكانت متعبة للغاية؛ حيث تم القبض عليها وسجنها، ولكن نتيجة للحركة التي بدأتها روزا باركس والاحتجاجات التي وقعت في جميع أنحاء البلاد بعد ذلك، تم تغيير قوانين التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة.
المقاطعات ضد اليهود
وأشارت الكاتبة إلى أن اليهود تعرضوا أيضًا للمقاطعة طوال التاريخ، سواء كانوا هم من يبادرون بها أو المستهدفين منها. ففي ألمانيا النازية، على سبيل المثال، أغلقت العديد من المتاجر اليهودية بعد أن قامت فرق خاصة بتعليق أعلام الصليب المعقوف على أبوابها ونوافذها. بالإضافة إلى ذلك؛ وضع النازيون مراقبين أمام المحلات التجارية اليهودية وحثوا المارة على الشراء من المتاجر الألمانية.
بالمقابل، استجابةً للمقاطعة التي قام بها النازيون ضد اليهود ومحلات الأعمال اليهودية في ألمانيا، تم تنظيم مقاطعة ضد منتجات ألمانيا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد قامت بعض البلدان بمقاطعة المنتجات الألمانية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا ورومانيا واليونان ولاتفيا ويوغوسلافيا ومصر وفلسطين والمغرب وبعض دول جنوب أمريكا، كانت مشاركة المملكة المتحدة في هذه المقاطعة نشطة للغاية، مما أدى إلى تقريبًا إيقاف تجارة الفراء بين المملكة المتحدة وألمانيا.
كيف يمكن تنفيذ مقاطعة مستدامة ومخطط لها؟
من الشائع أن تتفاعل الشعوب بشكل كبير في البداية مع الأحداث التي تحدث، ثم ينخفض رد فعلهم وحساسيتهم تجاه الموضوع بمرور الوقت.
وأوضحت الكاتبة انه كلما طالت مدة المقاطعة، أصبح من الصعب استمرارها. فمثلًا قد يشعر الفرد أحيانًا بالحرمان، وأحيانًا قد تنخفض معاييره. لذلك، من أجل أن تكون تأثير المقاطعة طويل الأمد وعميقًا، يجب أن تكون مخططة، وأن يتم مراجعة جميع النتائج المحتملة في البداية، وأن يتم وضع خطط A و B و C مسبقًا.
على سبيل المثال؛ المقاطعات التي تُجرى في تركيا ضد الشركات الداعمة لإسرائيل، والتي تنتشر يومًا بعد يوم، ليست متفرقًة ولا عشوائية، بل تركز على مجموعات منتجات معينة.
وبيّنت الكاتبة أنه عند بدء المقاطعة، يجب تحديد البدائل من المنتجات والشركات ومشاركتها مع الجماعات التي ستقوم بالمقاطعة. قد يكون توجيه جهود المقاطعة نحو قطاعات وشركات معينة أفضل من مقاطعة العديد من الشركات بشكل عشوائي وغير منظم. مثلًا، في الأيام الأخيرة بدأت حملة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد قطاع الطعام وشركات النظافة التي تدعم إسرائيل بشكل صريح في تركيا.
وتم ملاحظة أن إحدى هذه الشركات تقدم خدمات ضمن هيكل السكك الحديدية لجمهورية تركيا وقام المواطنون بشكل كبير بتقديم شكاوى لشركة السكك الحديدية في تركيا بغية إيقاف نشاط هذه الشركة ضمن هيكل السكك الحديدية. وبشكل مماثل، تم ملاحظة أن هذه الشركة تقدم بعض خدماتها في بعض المستشفيات العامة في بعض المدن، وقام المستهلكون بتركيز جهودهم على ممارسة الضغط على هذه المستشفيات.
ولفتت الكاتبة إلى أنه من الأمور المهمة الأخرى في المقاطعات، بالإضافة إلى قرار عدم الشراء، هو تشويه سمعة الشركة، ويمكن أن يتم تشويه سمعة الشركة بسرعة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ويمكن أن يكون له نتائج أكثر ديمومة من قرار عدم الشراء وحده.
وأكدت الكاتبة على أن المقاطعات تؤدي إلى انخفاض مبيعات الشركات من جهة، كما تؤثر على أسعار أسهمها من جهة أخرى؛ حيث يُعد انخفاض أسعار الأسهم نتيجة بارزة لخسارة الشركة لسمعتها.
واختتمت الكاتبة تقريرها بأن عدد الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على الرغم من دعم الحكومات لإسرائيل، كان كبيرًا للغاية. فإذا استمرت المقاطعة الإسرائيلية، التي تركز على الرأي العام وتستمر لفترة طويلة، على عدد قليل من القطاعات، مثل قطاعي الأغذية والمشروبات ومنتجات التنظيف، فمن المحتم أن تتكبد الشركات التي تتعرض للمقاطعة خسائر كبيرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية المقاطعة تركيا تركيا غزة مقاطعة مفاهيم سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المملکة المتحدة الکاتبة أنه الکاتبة أن من خلال
إقرأ أيضاً:
لكي تستحق القمة العربية اسمها..
قلة قليلة من أبناء الأمة العربية هم المتفائلون بإمكانية صدور قرارات جريئة عن القمة العربية في القاهرة في الرابع من آذار/مارس الحالي، لا سيما أن تجربة الامة مع نظامها الرسمي العربي لم تكن أبداً مشجعة خصوصاً في المفاصل التاريخية التي تمر بها الأمة، وخصوصاً ما ظهر من خذلان وتواطؤ خلال ملحمة " طوفان الأقصى"..
لكن هناك من يقول أن ظروف اليوم هي غير ظروف الأمس، لا سيّما وأن المشروع الصهيو ـ أمريكي قد كشر عن أنيابه وأعلن تهديده صراحة لدول رئيسية في المنطقة كمصر والأردن وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، وخاصة بعد أن صدرت تصريحات من المسؤولين الكبار في هذه الدول العربية ترفض مقترحات ترامب بتهجير الفلسطينيين وتوطينهم في هذه الدول...
لذلك أعتقد أن من واجب كل مواطن عربي أن يطمح إلى أن يرى ترجمة لهذه التصريحات إلى مواقف عملية يمكن اتخاذها للضغط على حلف قوى الإبادة الجماعية في غزة وجنوب لبنان.. رغم أن الأمل بإمكانية التجاوب الرسمي العربي مع مطالب الأمة ضئيل جداً لأن الضغوط الأمريكية والغربية على هذه الحكومات لا تجد ضغوطاً مقابلة لها من قبل الحركة الشعبية العربية المدعوة، هي الأخرى، إلى مراجعة أوضاعها لتتحول إلى قوة مؤثرة فعلاً في القرار العربي العام..
طبعاً لا أعتقد أن أحداً من أبناء الأمة يتطلع إلى دعوة الدول العربية إلى خوض حرب دفاعية ضد الكيان الصهيوني، لكن ما من مواطن عربي إلاّ ويدرك أن في مقدور حكوماتنا أن تتخذ قرارات ذات طابع سياسي واقتصادي وإعلامي وقضائي يمكن لها ان تشكل ضغطاً حقيقياً على العدو الصهيوني وداعميه للتراجع عن مخططات التهجير والتوطين والتطبيع وحروب الإبادة الجماعية.
أول هذه المطالب هو إلغاء اتفاقيات التطبيع المعقودة بين بعض الحكومات والعدو الصهيوني، بدءا ًمن "كامب ديفيد إلى أوسلو ووادي عربة واتفاقات السلام الإبراهيمي"، فمثل هذا الإلغاء أو حتى التلويح به يمكن أن يشكل ضغطاً شديداً على تل أبيب وواشنطن لردعهما عن جرايئمهما الإبادية بحق شعب فلسطين ولبنان لا سيّما لإجباره العدو على الالتزام باتفاقيات وقف النار في غزة وجنوب لبنان والتي يبدو أن العدو مصمم على انتهاكها متجاهلاً كل الالتزامات والضمانات الدولية المتصلة بها.
لا أعتقد أن أحداً من أبناء الأمة يتطلع إلى دعوة الدول العربية إلى خوض حرب دفاعية ضد الكيان الصهيوني، لكن ما من مواطن عربي إلاّ ويدرك أن في مقدور حكوماتنا أن تتخذ قرارات ذات طابع سياسي واقتصادي وإعلامي وقضائي يمكن لها ان تشكل ضغطاً حقيقياً على العدو الصهيوني وداعميه للتراجع عن مخططات التهجير والتوطين والتطبيع وحروب الإبادة الجماعية.ثاني هذه المطالب هو تفعيل حركة المقاطعة العربية والإسلامية للعدو وداعميه، وهو أمر لا يحتاج إلى أكثر من قرارات تفعّل قوانين المقاطعة المتخذة بإجماع عربي منذ خمسينيات القرن الماضي وإعادة فتح مكاتب المقاطعة في العواصم العربية في مواجهة كل متعاون مع العدو الصهيوني أو مشارك في عدوانه.. لا سيّما أن المقاطعة الشعبية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وحتى الدولية قد أثبتت فعاليتها وإن شركات أجنبية عديدة باتت تشكو من آثار هذه المقاطعة..
وبالطبع إن قيام الحكومات بواجبها لا يعفي الشعوب أيضاً من تشكيل أو تفعيل لجان المقاطعة الشعبية في كل أقطار الأمة واعتماد كافة الوسائل لتعميم الدعوة إلى المقاطعة .
ثالث المطالب من الحكومات العربية أن تسعى لتنقية العلاقات بين أقطار الأمة وداخل كل قطر، ومحاصرة كل الممارسات والدعوات والخطابات ذات الطابع الطائفي والمذهبي والعرقي والعودة لإعلاء شأن الرابطة الوطنية داخل كل قطر، ورابطة العروبة على مستوى الأمة.
وفي هذا الإطار لا بد من تحرير السجون والمعتقلات العربية من كل معتقل سياسي غير ملوثة يداه بالدم..
كما المطلوب تنقية العلاقات وتكاملها بين الأقطار العربية ودول الجوار الإقليمي في إيران وتركيا ودول إفريقية مجاورة على طريق بناء إقليم كبير يستطيع أن يلعب دوراً هاماً في السياسة والأمن والاقتصاد في المنطقة والعالم.
المطلوب تنقية العلاقات وتكاملها بين الأقطار العربية ودول الجوار الإقليمي في إيران وتركيا ودول إفريقية مجاورة على طريق بناء إقليم كبير يستطيع أن يلعب دوراً هاماً في السياسة والأمن والاقتصاد في المنطقة والعالم.المطلب الرابع هو تبني النظام الرسمي العربي لحركة المقاومة في فلسطين ولبنان ورفض كل محاولات عزل قوى المقاومة وشيطنتها ومحاصرتها خصوصاً إنها قوة للأمة لا يستهان بها، وإنها اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو المتمادي في إرهابه ووحشيته ومطامعه.
المطلب الخامس والسريع هو اتخاذ قرارات بإعمار غزة، ولبنان دون أي شروط مسبقة خاصة تلك التي تتصل بتقييد حركة المقاومة التي أصبحت رقماً صعباً في معادلة الصراع في الأمة.. إذ لا يجوز أن يكون الإعمار وسيلة ابتزاز سياسي للبلدان والمجتمات المنكوبة..
المطلب السادس متابعة المسارات القضائية الراهنة سواء في محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية والتفاعل مع دول "تجمع لاهاي" التسع التي أخذت على عاتقها الضغط لتفعيل هذه المسارات، بالإضافة إلى ملاحقة العدو وداعميه لتحمل مسؤولياتهم في إعادة اعمار ما تهدم في غزة ولبنان على يد العدوان الصهيوني وبالسلاح الأمريكي والأوروبي.
المطلب السابع هو السعي الجدي لتحقيق تكامل وطني فلسطيني بين الفعل المقاوم والعمل السياسي والدبلوماسي، لكون المقاومة هي القوة التي يستند إليها العمل السياسي الفلسطيني، ولكون العمل الديبلوماسي الفلسطيني من شأنه أن يؤدي إلى نتائج لصالح المقاومة وأهلها..
المطلب الثامن هو الوقوف إلى جانب الجزائر بوجه التهديدات الفرنسية المشحونة بلغة الاستعمار والعنصرية، خصوصاً بعد الدور الهام الذي لعبته وتلعبه الجزائر على صعيد مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي.
المطلب التاسع هو وضع خطة لحماية سورية من التوسع العدواني الصهيوني، ومقاومة التدخل الصهيوني في الشأن الداخلي السوري عبر إثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، والعمل على دعم كل الجهود الرامية من أجل أن تكون سورية لكل السوريين بعيداً عن كل عمليات الانتقام والبقاء أسرى صراعات الماضي.
المطلب العاشر هو السعي لتشكيل تحالف عالمي بين الدول العربية والإسلامية والصديقة للتصدي لكل المطامع الصهيونية والاستعمارية في بلادنا والعالم.
إن هذه المطالب الملحة يمكن أن تشكل برنامج عمل لقمة عربية إذا كان أركانها مستعدين للتفاعل مع إرادة الشعوب والتعويض عن كل تقصير أو خذلان أو تواطؤ أصاب مواقف البعض من هؤلاء الحكام تجاه ما تعرضت له غزة ولبنان من حروب إبادة وتطهير عرقي.
بل إن التجاوب مع هذه المطالب من شأنه أن يجعل القمة العربية تستحق اسمها كهيئة تقود الأمة نحو التحرير والوحدة والحرية.
*الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي