المدنيين والعسكر وحل الأزمة في البلاد
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
أن أي فاعلية من أجل ايجاد حل لوقف الحرب الدائرة الآن، و الخروج من الأزمة السياسية يقع على عاتق القوى التي تتحكم في الفعل الدائر الآن. لذلك يركز المجتمع الدولي و منظمات الإقليمية مجهوداتهم من أجل وقف الحرب، مما يجعل الحوار محصورا على القوات المسلحة و ميليشيا الدعم، باعتبار أن الحرب تعيق أي عمل سياسي مناط به إنجاز أجندة سياسية في الواقع، و من جانب أخر ستظل القوى السياسية هي على هامش الفعل، باعتبار أن القوى العسكرية من الجانبين وحدهما من يملك شروط وقف الحرب.
الملاحظ من مجريات الواقع: أن القيادات السياسية تنتظر ما تتمخض عنه مفاوضات جدة، لكي تعلق على مجريات العمل السياسي و محاولة ربطه بالمفاوضات. و هذا يؤكد أن إدارة الإزمة محصورة على القيادات العسكرية، و حتى عندما تتوقف مفاوضات جدة تجد أن حديث القيادات يطالب الدولتان المشرفتان على المفاوضات أن تحث الجانبين لكي يواصلان المفاوضات. هذا يؤكد أن صناعة الحدث الذي يخلق أجندة الحوار محصورة في الجانبين العسكريين. الأمر الذي يجعل الحراك السياسي مقيد و لا يستطيع أن يتحرك إلا في حدود ضيقة جدا. و هذا يعود إلي أن حالة الانقسام في القوى المدنية يجعل حركتها هامشية لا تجني تأييدا واسعا وسط المجتمع إلا في حدود ضيقة. و يعجز أن يتطور إلي فعل مركزي يمكن أن يكون له أثرا فاعلا في وقف الحرب. القضية الأخرى الخطاب السياسي للميليشيا و محاولة تقديم شعارات و مصطلحات لا تستطيع أن تقنع بها المواطن العادي،لذلك سوف تشوش على كل القوى السياسية، لآن الفعل السالب الذي يقع المواطنين، و خاصة في أقليم دارفور لا يتناسب مع الشعارات و المصطلحات التي ترفعها الميليشيا، هذا التشويش يؤثر في الفاعلية السياسية التي تنادي بوقف الحرب.
أن القوى السياسية و المدنية لا تستطيع أن تحدث أختراقا في الأزمة و مجريات الحرب، إلا إذا استطاعت أن تتوحد وفق أجندة وطنية، أي "مشروع سياسي متفق عليه" تحت راية وطنية جامعة، و أن تكون الدعوة لوقف الحرب مبنية على مشروع يؤسس للدولة الديمقراطية، و ليس قاصرا على استلام السلطة. إذا اتفقت القوى السياسية على تشكيل حكومة مدنية بكفاءات غير منتمية سياسيا، و تكون مهامها محصورة فقط في إعادة الإعمار و تحسين المعيشة، و الترتيب لانتخابات عامة في البلاد أفضل لها من التنافس على استلام سلطة الفترة الانتقالية. و يجب على سلطة الفترة الانتقالية أن تجري انتخابات النقابات العمالية و الاتحادات المهنية، إلي جانب انتخابات المجالس المحلية لكي تدخل أغلبية الشعب السوداني في أجواء الديمقراطية و ممارستها. هذا الفعل سوف يخلق وعيا جديدا في المجتمع، و سوف يتحول قطاع كبير من الشعب من مفاهيم الثورية و حالات الصراع الصفري إلي الشرعية القانونية، و هذه هي التي تشكل قاعدة العمل الديمقراطي المجتمعي.
أن الخلاف الذي خلق انقسام في القوى المدنية هو الصراع على السلطة، فكل تحالف يعتقد هو المؤهل دون الأخرين إلي استلام السلطة و هندسة البلاد وفقا لتصوره، و هذه القناعة السلطوية هي التي تحول الصراع من سياسي و فكري إلي صراع صفري إبعاد الأخر و محاولة تقييد حركته. و مثل هذا الصراع لا يؤسس لديمقراطية، بل يؤسس لسلطة شمولية لأن الذي سوف يفوز سوف يفكر على كيفية حماية سلطته من تقول الآخرين عليها. أما أن تبتعد الأحزاب من دائرة صراع السلطة و تعمل من أجل توعية الجماهير و تحضير نفسها للانتخابات العامة سوف يساعد أن ينقل الصراع إلي صراع سياسي بأدوات ديمقراطية قائمة على الحوار و الجدل الفكري. فهي مهمة تحتاج إلي المرونة و إدارك الواقع و تحدياته. هذا يذكرني بقول الفيلسوف جون ستيورت ميل عن الذين يطلبون أن يكون لهم نفوذا بين الناس و استقلالية في الشخصية و قوتها. يقول عنهم ( انهم محتاجين لشرطين الأول إطلاق الحرية و الثاني تنويع المواقف) لأن الحرية و حركة الإبداع لا تتماشى مع تصلب الرأي و فرضه على الآخرين، بل تحتاج لمرونة في التعامل و خلط للألون حسب الحاجة لها. و للأسف بعض القيادات تريد أحتكار الحرية و تجعلها مقيدة، و في ذات الوقت تريد التصلب في الرأي، و أن يخضع الكل له، و رغم ذلك يريدون تمريرها بشعارات ديمقراطية لا تتوافق مع المسعى.
أن التدهور الذي حدث في الاقتصاد السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، أثر سلبا على الطبقة الوسطى التي كانت تقود عملية الاستنارة في المجتمع، ثم تحسن الاقتصاد في بدايات هذا القرن باستخراج البترول، حيث استطاعت الطبقة الوسطى أن تعيد بعض عافيتها، و ظهر دورها بصورة كبيرة في الصحافة السودانية التي لعبت دورا مقدرا في عملية توسيع مساحة الحرية رغم حالة الحصار الذي كان مضروبا عليها، و الرقابة القبلية و البعدية عليها، لكنها أحدثت تغييرا باينا في عملية الوعي السياسي و المجتمعي، ثم تراجعت الطبقة الوسطى بعد انفصال الجنوب و تدهور لاقتصاد، لذلك عجزت هذه الطبقة في إدارة الفترة الانتقالية بالصورة التي كان أن ترسخ فيها مباديء الديمقراطية، و الالتحام بصورة أوسع مع الشارع و الرهان عليه. الآن مطلوب منها قراءة الواقع بعيدا عن حالة الشطط و البحث عن الأدوات التي تجعل الحوار ممكنا بهدف توحيد القوى المدنية لنجاح عملية التحول الديمقراطية، بدلا عن السعي لاستلام السلطة. نسأ الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة
إقرأ أيضاً:
تحركات إقليمية جديدة بحثا عن التوافق بين فرقاء السودان
الخرطوم– بعد تعثّر جهود استمرت شهورا، باشرت جهات دولية وإقليمية مساعي جديدة لجمع الفرقاء السودانيين والتوافق على تسوية الأزمة في بلادهم ورسم مستقبلها في اليوم التالي للحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرا. في حين رهن مراقبون تحقيق اختراق سياسي بتقديم القوى السياسية تنازلات متبادلة وإعلاء مصلحة وطنهم على المصالح الحزبية.
وعجزت القوى السياسية في السودان بمختلف توجهاتها، لمدة أكثر من عام بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023، عن الجلوس تحت سقف واحد لمناقشة الأزمة في البلاد. وتنامى الاستقطاب، واصطفت فصائل سياسية في مساندة الجيش بينما وقعت أخرى مذكرة تفاهم مع قوات الدعم السريع عدّها خصومها تحالفا.
وأفلحت القاهرة لأول مرة في جمع الفرقاء تحت سقف واحد يوليو/تموز الماضي بمؤتمر شاركت فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" برئاسة عبد الله حمدوك وقوى الحرية والتغيير– الكتلة الديمقراطية، لكن بعض المشاركين رفضوا التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر.
وأجرى الاتحاد الأفريقي لقاءات منفصلة مع القوى السياسية، وأخفق في جمعها في مؤتمر دعا له بأديس أبابا أغسطس/آب الماضي، فاضطر لعقد مؤتمرين للأطراف من أجل تصميم خطة للعملية السياسية.
الاتحاد الأفريقي أخفق في جمع القوى السودانية بمؤتمر في أديس أبابا في أغسطس/آب الماضي (رويترز) تحركات جديدةوتكشف مصادر سياسية متطابقة، للجزيرة نت، عن أن القاهرة وعواصم أخرى شهدت خلال الأسابيع الماضية لقاءات غير رسمية بين قيادات من القوى السياسية المتنافرة من أجل تحريك مواقفها نحو التوافق على قواسم مشتركة تقود إلى دفع جهود وقف الحرب وإعلان يجيب عن أسئلة اليوم التالي بعد الحرب والعملية السياسية.
وتوضح تلك المصادر -التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها- أن ثمة توافقا على إنهاء الحرب، وإعادة النازحين واللاجئين إلى بلادهم، وزيادة المساعدات الإنسانية، وأنه لا مستقبل سياسيا أو عسكريا لقوات الدعم السريع، وتشكيل حكومة غير حزبية لإدارة البلاد خلال مرحلة تأسيسية انتقالية.
وتقول المصادر ذاتها إن المواقف لا تزال متباعدة حيال مستقبل المكون العسكري في مجلس السيادة ووضع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان وإشراك الإسلاميين في العملية السياسية.
كما أجرى المبعوث الألماني للقرن الأفريقي هايكو نيتشكي مباحثات مع تنظيمات وكتل سياسية بالقاهرة بشأن وحدة القوى السودانية ومصير العملية السياسية بناء على مخرجات مؤتمر القاهرة.
وشملت لقاءات المبعوث نيتشكي رئيس الكتلة الديمقراطية جعفر الميرغني، ورئيس حزب الأمة مبارك الفاضل، وقيادات من تحالف قوى "تقدم"، أبرزها رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ورئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي بابكر فيصل.
وعلمت الجزيرة نت أن فريق الميسّرين الذي تم اختياره في مؤتمر القاهرة للقوى السودانية في يوليو/تموز الماضي نشط للترتيب لمؤتمر جديد قبل نهاية العام لجمع الفرقاء، على أن تسبقه مشاورات لتقريب مواقفهم قبل المؤتمر لضمان نجاحه في تحقيق اختراق عملي يؤدي لتوافق سوداني عريض.
وفي مساعٍ أخرى، تنطلق الاثنين المقبل بمدينة جنيف السويسرية اجتماعات المائدة المستديرة الثالثة وتستمر يومين، بمشاركة قوى سياسية ومدنية متباينة في مواقفها بشأن حل الأزمة السودانية، بتنظيم ورعاية منظمة "بروميديشن" بعد مؤتمرين مماثلين في جنيف والقاهرة لم يحرزا تقدما في تقريب مواقف الفرقاء.
وتشارك في المائدة الجديدة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وقوى أخرى، من ضمنها فصائل بتحالف الكتلة الديمقراطية بعد تباين مواقف التحالف تجاه المشاركة، بينما قاطعها تحالف الحراك الوطني.
خلاف وتوافق
وبشأن فرص التوافق بين الفرقاء، يرى الناطق باسم الجبهة الثورية ورئيس اللجنة القانونية لتحالف "تقدم" أسامة سعيد أن قضية توافق القوى السياسية "ذريعة يتخذها البرهان للتشبث بالسلطة" ويستخدمها "شرطا تعجيزيا" يصعب الإيفاء به حتى للمواليين له، لأن طبيعة عمل القوى السياسية قائمة على الاختلاف والتنافس.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد سعيد أن ثمة توافقا كبيرا بين القوى السياسية حول المبادئ العامة، أبرزها وحدة السودان والمواطنة المتساوية والحكم المدني الديمقراطي والفدرالية وإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، وتوافق عريض أيضا على ضرورة وقف الحرب.
ووفقا للمتحدث، فإن التوافق السياسي المطلوب هو "على وقف الحرب وعزل التيار السياسي الداعم للحرب المتمثل في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا والحركة الإسلامية التي تتخذ من الحرب أداة لعودتها للسلطة والعمل ضد إرادة الشعب السوداني والقوى الوطنية الراغب في إيقاف الحرب".
غير أن قياديا في تحالف الكتلة الديمقراطية يرهن تحقيق اختراق في التقارب بين المكونات السياسية بالاتفاق بالمواقف تجاه الجيش وقوات الدعم السريع، واتهم جهات سياسية بأنها متماهية مع الأخير وتحاول أن تجد له موقعا في المستقبل السياسي وإعادة إنتاجه بعدما ارتكب من جرائم بحق الشعب وتمرد على المؤسسة العسكرية.
وفي تصريح للجزيرة نت، يصف القيادي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- هذه الجهات بأنها قوى سياسية "مرتبطة بأجندة جهات دولية وإقليمية" وتعتمد عليها كرافعة سياسية تتبنى مواقف إقصائية وتسعى إلى تشكيل المستقبل السياسي وفق رؤية ضيقة لا تساعد في حوار سوداني-سوداني بعيدا عن التأثير الخارجي.
من جانبه، يستبعد المحلل السياسي خالد سعد توافقا سياسيا شاملا في الوقت الحالي، "لأن التحيزات السياسية الجزئية لا تزال هي المسيطرة على مشهد الفرقاء، كما أن أجندة الإقصاء هي المهيمنة على أجندة القوى السياسية بما فيها تلك المتحالفة سرا وجهرا ومع القوى العسكرية المتحاربة".
هيمنة الإقصاء
وحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن مناورة القادة العسكريين تُسهم أيضا في هذا المأزق وتعميق الصراع السياسي، فضلا عن تلويحهم أحيانا بأن أجندة اليوم التالي سيحددها العسكر وحدهم، كما توجد قوى أجنبية دولية وإقليمية مؤثرة تدعم هذا الاتجاه، بمنطق أن المتحاربين هم وحدهم القادرون على إيقاف الحرب، أو حسمها في ميدان القتال، مما يجعلهم سادة المشهد المقبل.
وباعتقاده، فإن انخراط حزب المؤتمر الوطني المحظور في المشهد السياسي -بصورة شبه علنية وبقادته أنفسهم- يزيد من تعقيد لم الشمل، ويوسع فجوة الثقة بين السياسيين والعسكريين وبشكل خاص الجيش الذي تتهمه قوى الثورة بالانحياز إلى النظام السابق.
ومن ثم، يقول المحلل خالد سعد إنه من غير المتوقع أن يتنازل الجيش عن فكرة أن يكون حزب النظام القديم جزءا من هندسة وضع ما بعد الحرب، على الرغم من تنازله باستيعاب تيارات وأحزاب كانت جزءا من النظام السابق، وجزءا من الإسلاميين الذين مثلوا الرافد الرئيس للحزب المحظور.
مع ذلك، وفقا للمتحدث، فإن ما أصاب البلاد والمواطنين جراء الحرب، ومخاوف تقسيم البلاد، واستطالة الحرب دون حسم، يظل حافزا مستمرا لاحتمال اختراق لتسوية وطنية، خصوصا إذا جاءت مبادرة لم الشمل الوطني من البرهان.