ما يجب أن يراه القائلون إن حماس هاجمت دون سبب
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
بطبيعة الحال، لم يكن مُفاجئًا أن تردّ إسرائيل بغضبٍ وعنفٍ غير متناسبَين على عمليّة "طوفان الأقصى" التي شنّتها كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل. وحتّى بين أولئك الذين يدعمون حماس في الظروف العادية، هناك عددٌ كبير يتهمونها بالتصرّف بشكل غير مسؤول لقيامها بهذه الخُطوة عن يقينٍ بالعواقب. والحقيقة أنّ اعتقادَهم أنّ حماس اتّخذت هذه الخطوة "فجأة" يظهر مدى عدم اكتراثِهم بالمشاكل الإنسانيّة العميقة للفلسطينيين في يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأوّل (قبل الهجوم بيوم واحد).
في ذلك اليوم الذي سبقَ العملية، كانت القضية الفلسطينية قد تحوّلت إلى أمر هامشيّ في العالم كله تقريبًا، الجميع سلّم بالأمر الواقع، بمن فيهم أصدقاؤها، فالعالم الإسلاميّ قطع شوطًا طويلًا نحو تطبيع العَلاقات مع إسرائيل، ولم يعد يلفت انتباهَه ما يحدث في الضفّة وغزّة والقدس والمسجد الأقصى، كأنه أصبح أمرًا مفروغًا منه وطبيعيًا. وفي غضون ذلك، كانت مساحات المعيشة للفلسطينيين تضيق يومًا بعد يوم، والمسجد الأقصى- المقدّس لجميع المسلمين- يتّجه نحو الدمار تدريجيًا.
كانَ عدم ظهور ردّات فعل قويّة، يوفر عذرًا للجميع لقَبول الوضع كما هو، لكنّ هذا الظلم الذي يصل إلى عنان السماء لا يمكن قَبوله إلا إذا كانت الإنسانيّة قد اضمحلّت تمامًا، وقبوله يعني أن تصبح شريكًا فيه.
نجحت حماس في أن تجعل قضية فلسطين محطّ تركيز العالم كلّه مجددًا، بل جعلتها قضية عالمية ذات أهميّة قصوى، وقد حقّقت ذلك بتصعيدِها للصراع مع إسرائيل بطرق ذكيّة وبالتحدّي.
تمكّنت حماس بعمليّتها الأخيرة من تحويل هذا القمع- الذي تصالح معه المسلمون والعالم مؤخرًا- إلى اهتمام عالمي كبير بالقضية الفلسطينية، قضية القدس والمسجد الأقصى
إنَّ المواطنين الفلسطينيين في غزّةَ أو الضفة الغربية يعانون يوميًا، في الواقع، من قمع وإرهاب الاحتلال، والاستيطان. حتّى التفاصيل الصغيرة لما يمرّون به تكون مخيفة جدًا، لدرجة تجعلك تخجل من إنسانيتك. في الضفة الغربية- التي ليست تحت حكم حماس- يمكن أن يُنزع منك المنزل الذي تملكه وتعيش فيه منذ أجيال في أي لحظة، الجرّافات تطرق الباب لتهدمَ المنزل على رأسك، أو يتسلّمه يهودي أمريكي ليعيش فيه، ولا يمكن للفلسطينيّ الانتقالُ من شارع إلى آخر إلا بعد المرور عبر ثلاث نقاط تفتيش، ويتعرّض خلالها إلى وقاحة الغزاة. هذه فظائع روتينية عادية. ناهيك عن تعرضهم للضرب والقتل. كل هذا كان لا يزال يحدث، لكن الصرخة لم تعدْ تصل إلى بقية العالم، ولا حتى المسلمين.
تم قمع الصرخات حتى لا تخرج عن حدود غزة والقدس. ليست فقط عبر الدعاية الكاذبة لإسرائيل ومؤيّديها، بل ساهمت في ذلك موجات العلْمنة والخضوع واللامبالاة بين المسلمين. أن تصبح غير مبالٍ بالقمع، وتأخذه كأمر مسلّم به، وتعتاد التعايش معه… يملؤُك ذلك شعورًا بالعجز أنك لا تستطيع مواجهة الظلم الذي كنت تعترض عليه دائمًا فتستسلم، بل تتصالح معه، وتتصرف كما لو أنه ليس موجودًا.. هذا هو ما أعنيه بأن نكون شركاء للظالم في ظلمِه.
كما قلنا، تمكّنت حماس بعمليّتها الأخيرة من تحويل هذا القمع- الذي تصالح معه المسلمون والعالم مؤخرًا- إلى اهتمام عالمي كبير بالقضية الفلسطينية، قضية القدس والمسجد الأقصى. لقد جعلوا هذه القضية في أعلى سُلّم اهتمامات العالم أجمع. فعلوا ذلك عبر تقديم صورة ملحميّة للرجولة والبطولة والثبات على أرض شنّت عليها إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الحربَ بأكثر الطرق جبنًا، واستخدمت ضدّها أقوى تقنيات الأسلحة والدعاية.
هم لم يحوّلوا قبّة إسرائيل الحديدية إلى مصفاة فحسْب، بل حطّموا أيضًا القباب الفولاذية للتوجهات الغربية والصهيونية في ظلّ اختلال موازين القوى، فلفتوا انتباه العالم، وكل شوارع العالم الإسلاميّ نفضت عنها التراب وبدأت تستيقظ.
كما بدأت شوارع العالم الغربيّ تتساءل عن سبب الدعم غير المشروط الذي تقدّمه حكوماتهم لإسرائيل ونوع المديونية السرّية التي يدينون لها بها. ما الذي يخفيه هؤلاء عن شعوبهم، ويجعلهم مستعدّين لقَبول ارتكاب إبادة جماعية ضد شعب أعزل بالتواطؤ مع إسرائيل، التي تقصف المدارس والمستشفيات والأسواق والكنائس والمساجد وتقتل المدنيين والأطفال؟
لقد قوَّضت حماس قيمًا يسوّقها الغرب على أنها من اختراعه مثل حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والمساواة، إذ لم يظهر منهم سوى العنصريّة البدائية والتعصّب الديني والإبادة الجماعية. تعرية هذا النظام القائم على خداع الناس هي خيبة أمل للغربيين، ولكن ذلك مكسب للإنسانية.
من الواضح أنّ معظم الذين يرون في عملية حماس نزقًا غير مسؤول يضرّ أكثر مما ينفع، إنما يشعرون في الحقيقة بالقلق من إزعاج راحتهم بسبب هذا الحادث. لقد عطلت حماس النظام العالميّ الحالي القائم على القمع والنفاق والاستغلال وعدم المساواة. وأفسدت مخططات دول إسلامية كانت وطّنت نفسها على العيش مستقرّة تحت نِيره. وليس غريبًا، إذن، أن تشعر تلك الدول بالانزعاج مما قامت به حماس.
في غضون ذلك، بدأ يتبين أنّ البطولة الملحمية التي أظهرتها حماس في 7 أكتوبر لم تكن صدفة عابرة. فإسرائيل التي نهضت بكل غضبها لتنتقم تواجه عارًا متزايدًا كل يوم في عمليتها البرية. نحن نرى كيف تتمتّع كتائب القسام بتفوق واضح في القتال الميداني ضد قوات الاحتلال، وجعلت إسرائيل عالقة في مستنقع حقيقي يتواجه فيه جندي جبان حريص على حياته مع بطل قوي مستعد للموت شهيدًا في سبيل قضيته.
لقد قلنا في البداية: إنّ العملية التي بدأت في 7 أكتوبر كانت قادرة على تغيير العالم كله. وها نحن نستشعر ذلك بوضوح أكبر مع مرور الوقت. إسرائيل تدفن مع كل قنبلة على غزة جزءًا من الصورة البرّاقة الكاذبة التي راكمتها عن نفسها في كل مجال على مدى 75 عامًا. كل طفل يموت يسبب دمارًا كبيرًا لسمعة إسرائيل والغرب، وكل شهيد يقع في أرض غزة يروي قلوب المسلمين الجافة في جميع أنحاء العالم ويجدّد إيمانهم.
لقد وصلنا إلى لحظة استنفد فيها المسلمون- في جميع أنحاء العالم- إيمانَهم وثقتهم وتوقعاتهم في الغرب تمامًا. وهذه الصحوة في الوعي تشكل ضغطًا على حكّامهم الذين وصلوا مرحلة لا يسعهم فيها البقاء غير مبالين أمام وعي استيقظ وقد يصل إلى حدّ الانفجار.
وبفعل هذا الوعي والغضب الشعبي الجارف رأينا الدول الإسلامية التي سبق أن انخرطت في عملية "التطبيع" مع إسرائيل، تتراجع خطوة إلى الوراء، فسحبت الحكومتان: الأردنية والبحرينية سفيرَيهما من إسرائيل.
ومن المفيد لمن يتساءل بصدق لماذا شنّت حماس هجومها في هذا الوقت أن يحاول النظر من الزوايا السّابقة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: والمسجد الأقصى مع إسرائیل
إقرأ أيضاً:
المخرج من دائرة الجهل التي تتميز بها دول العالم الثالث وتتجلي في الحروب الأهلية
المخرج من دائرة الجهل التي تتميز بها دول العالم الثالث وتتجلي في الحروب الأهلية ... المخرج هو التعليم والتعليم والتعليم !!..
ابننا العزيز المهذب الجنتلمان الأستاذ علي شندوق الشاعر والرياضي المطبوع الذي جمع بين المساقين العلمي والأدبي في بوتقة نادرة وعبر بها الي دنيا الابداع .
اولا السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
اطلعت اليوم علي ورقة صادرة منكم تحوي صيغة السؤال الاول لمادة الرياضيات للجالسين لامتحان الشهادة الابتدائية .
طالما أن العمل صادر منك ونحن نثق فيك كل الثقة في علمك وادبك وأسلوب حياتك ولا بد أن هذا العمل الهام سيكون إن شاء الله سبحانه وتعالى فأل حسن وطريق معبد للنجاح والفلاح في هذه المادة التي استعصت مؤخرا علي الكثيرين وانا منهم وقد استعصت علي من زمان حتي قبل أن تتحور الي كائن جديد يخيل الي أنه ليس فيه غير س و صاد والدالة ورسومات احيانا اراها مثل الكتابة الهيروغلوفية أو المسمارية ودائما اتحسر علي علم الحساب وثمن رطل السكر والملح وحساب المثلثات والجبر والهندسة والرسم البياني ورغم كل ماكانت تحويه حديقة الرياضيات من كل روض زهرة ومن كل ماء قطرة ولم يحدث أن رسبت في هذه المادة مطلقا لكن كان بيني وبينها بعد المشرقين وكنت اهرب من حصة الرياضيات واتعلل بأي سبب رغم أن الأساتذة الذين درسوها في حنتوب كانوا علماء بها نالوا تدريبهم الخارجي في بريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس .
ابننا الأستاذ العزيز المهذب الجنتلمان علي شندوق هل هذه الرياضيات الحالية التي تدرس في بلادنا في مرحلة التعليم العام هل هي بديل للرياضيات التقليدية ؟!
ولماذا أسموها الرياضيات الحديثة لأنها كما وضعوا لها حيثية أنها عمود فقري لعلوم الكمبيوتر وفيما بعد للذكاء الاصطناعي ؟!
طيب اذا كان أمثالي ليس بينهم ود لا بالقديم ولا الجديد من الرياضيات فهل ستكون لنا مدارس خالية من لغة الأرقام هذه خاصة ونحن لسنا من أنصار الكمبيوتر ولا الموبايل ونري أن هذه الأجهزة مهمة في بعض الأحيان ولكن ليس في كل الوقت وقد أصبح الانشغال بها أكثر من العمل بالشيء المفيد وربما عند البعض صارت مضيعة للوقت ووصلت بالكثيرين الي درجة الإدمان مما استدعي فتح مشافي لعلاج هذه الحالات المستحدثة في تطور البشر الذين كانوا ينعمون بالهدوء والسكينة فقلب الموبايل مواجعهم وسلب النوم من جفونهم وجعلهم يعيشون في عزلة مجيدة !!..
شكرا ابننا العزيز المهذب الجنتلمان علي شندوق فجزاكم الله سبحانه وتعالى خيراً علي مساهماتكم المقدرة في كافة المساقين العلمي والأدبي وتفوقكم في الشعر وقد قرأت لأحد الفلاسفة والمفكرين أن الشاعر هو خير من يجيد في ميادين البحث والاستقصاء فهنيئا لك بهذه النعمة ونتمني لكم دائما دوام الصحة والعافية والسرور وراحة البال وراحة الضمير .
ودمتم في رعاية الله وحفظه .
عمكم حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com