الجزيرة:
2024-12-18@15:07:29 GMT

ما يجب أن يراه القائلون إن حماس هاجمت دون سبب

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

ما يجب أن يراه القائلون إن حماس هاجمت دون سبب

بطبيعة الحال، لم يكن مُفاجئًا أن تردّ إسرائيل بغضبٍ وعنفٍ غير متناسبَين على عمليّة "طوفان الأقصى" التي شنّتها كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل. وحتّى بين أولئك الذين يدعمون حماس في الظروف العادية، هناك عددٌ كبير يتهمونها بالتصرّف بشكل غير مسؤول لقيامها بهذه الخُطوة عن يقينٍ بالعواقب. والحقيقة أنّ اعتقادَهم أنّ حماس اتّخذت هذه الخطوة "فجأة" يظهر مدى عدم اكتراثِهم بالمشاكل الإنسانيّة العميقة للفلسطينيين في يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأوّل (قبل الهجوم بيوم واحد).

في ذلك اليوم الذي سبقَ العملية، كانت القضية الفلسطينية قد تحوّلت إلى أمر هامشيّ في العالم كله تقريبًا، الجميع سلّم بالأمر الواقع، بمن فيهم أصدقاؤها، فالعالم الإسلاميّ قطع شوطًا طويلًا نحو تطبيع العَلاقات مع إسرائيل، ولم يعد يلفت انتباهَه ما يحدث في الضفّة وغزّة والقدس والمسجد الأقصى، كأنه أصبح أمرًا مفروغًا منه وطبيعيًا. وفي غضون ذلك، كانت مساحات المعيشة للفلسطينيين تضيق يومًا بعد يوم، والمسجد الأقصى- المقدّس لجميع المسلمين- يتّجه نحو الدمار تدريجيًا.

كانَ عدم ظهور ردّات فعل قويّة، يوفر عذرًا للجميع لقَبول الوضع كما هو، لكنّ هذا الظلم الذي يصل إلى عنان السماء لا يمكن قَبوله إلا إذا كانت الإنسانيّة قد اضمحلّت تمامًا، وقبوله يعني أن تصبح شريكًا فيه.

نجحت حماس في أن تجعل قضية فلسطين محطّ تركيز العالم كلّه مجددًا، بل جعلتها قضية عالمية ذات أهميّة قصوى، وقد حقّقت ذلك بتصعيدِها للصراع مع إسرائيل بطرق ذكيّة وبالتحدّي.

تمكّنت حماس بعمليّتها الأخيرة من تحويل هذا القمع- الذي تصالح معه المسلمون والعالم مؤخرًا- إلى اهتمام عالمي كبير بالقضية الفلسطينية، قضية القدس والمسجد الأقصى

إنَّ المواطنين الفلسطينيين في غزّةَ أو الضفة الغربية يعانون يوميًا، في الواقع، من قمع وإرهاب الاحتلال، والاستيطان. حتّى التفاصيل الصغيرة لما يمرّون به تكون مخيفة جدًا، لدرجة تجعلك تخجل من إنسانيتك. في الضفة الغربية- التي ليست تحت حكم حماس- يمكن أن يُنزع منك المنزل الذي تملكه وتعيش فيه منذ أجيال في أي لحظة، الجرّافات تطرق الباب لتهدمَ المنزل على رأسك، أو يتسلّمه يهودي أمريكي ليعيش فيه، ولا يمكن للفلسطينيّ الانتقالُ من شارع إلى آخر إلا بعد المرور عبر ثلاث نقاط تفتيش، ويتعرّض خلالها إلى وقاحة الغزاة. هذه فظائع روتينية عادية. ناهيك عن تعرضهم للضرب والقتل. كل هذا كان لا يزال يحدث، لكن الصرخة لم تعدْ تصل إلى بقية العالم، ولا حتى المسلمين.

تم قمع الصرخات حتى لا تخرج عن حدود غزة والقدس. ليست فقط عبر الدعاية الكاذبة لإسرائيل ومؤيّديها، بل ساهمت في ذلك موجات العلْمنة والخضوع واللامبالاة بين المسلمين. أن تصبح غير مبالٍ بالقمع، وتأخذه كأمر مسلّم به، وتعتاد التعايش معه… يملؤُك ذلك شعورًا بالعجز أنك لا تستطيع مواجهة الظلم الذي كنت تعترض عليه دائمًا فتستسلم، بل تتصالح معه، وتتصرف كما لو أنه ليس موجودًا.. هذا هو ما أعنيه بأن نكون شركاء للظالم في ظلمِه.

كما قلنا، تمكّنت حماس بعمليّتها الأخيرة من تحويل هذا القمع- الذي تصالح معه المسلمون والعالم مؤخرًا- إلى اهتمام عالمي كبير بالقضية الفلسطينية، قضية القدس والمسجد الأقصى. لقد جعلوا هذه القضية في أعلى سُلّم اهتمامات العالم أجمع. فعلوا ذلك عبر تقديم صورة ملحميّة للرجولة والبطولة والثبات على أرض شنّت عليها إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الحربَ بأكثر الطرق جبنًا، واستخدمت ضدّها أقوى تقنيات الأسلحة والدعاية.

هم لم يحوّلوا قبّة إسرائيل الحديدية إلى مصفاة فحسْب، بل حطّموا أيضًا القباب الفولاذية للتوجهات الغربية والصهيونية في ظلّ اختلال موازين القوى، فلفتوا انتباه العالم، وكل شوارع العالم الإسلاميّ نفضت عنها التراب وبدأت تستيقظ.

كما بدأت شوارع العالم الغربيّ تتساءل عن سبب الدعم غير المشروط الذي تقدّمه حكوماتهم لإسرائيل ونوع المديونية السرّية التي يدينون لها بها. ما الذي يخفيه هؤلاء عن شعوبهم، ويجعلهم مستعدّين لقَبول ارتكاب إبادة جماعية ضد شعب أعزل بالتواطؤ مع إسرائيل، التي تقصف المدارس والمستشفيات والأسواق والكنائس والمساجد وتقتل المدنيين والأطفال؟

لقد قوَّضت حماس قيمًا يسوّقها الغرب على أنها من اختراعه مثل حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والمساواة، إذ لم يظهر منهم سوى العنصريّة البدائية والتعصّب الديني والإبادة الجماعية. تعرية هذا النظام القائم على خداع الناس هي خيبة أمل للغربيين، ولكن ذلك مكسب للإنسانية.

من الواضح أنّ معظم الذين يرون في عملية حماس نزقًا غير مسؤول يضرّ أكثر مما ينفع، إنما يشعرون في الحقيقة بالقلق من إزعاج راحتهم بسبب هذا الحادث. لقد عطلت حماس النظام العالميّ الحالي القائم على القمع والنفاق والاستغلال وعدم المساواة. وأفسدت مخططات دول إسلامية كانت وطّنت نفسها على العيش مستقرّة تحت نِيره. وليس غريبًا، إذن، أن تشعر تلك الدول بالانزعاج مما قامت به حماس.

في غضون ذلك، بدأ يتبين أنّ البطولة الملحمية التي أظهرتها حماس في 7 أكتوبر لم تكن صدفة عابرة. فإسرائيل التي نهضت بكل غضبها لتنتقم تواجه عارًا متزايدًا كل يوم في عمليتها البرية. نحن نرى كيف تتمتّع كتائب القسام بتفوق واضح في القتال الميداني ضد قوات الاحتلال، وجعلت إسرائيل عالقة في مستنقع حقيقي يتواجه فيه جندي جبان حريص على حياته مع بطل قوي مستعد للموت شهيدًا في سبيل قضيته.

لقد قلنا في البداية: إنّ العملية التي بدأت في 7 أكتوبر كانت قادرة على تغيير العالم كله. وها نحن نستشعر ذلك بوضوح أكبر مع مرور الوقت. إسرائيل تدفن مع كل قنبلة على غزة جزءًا من الصورة البرّاقة الكاذبة التي راكمتها عن نفسها في كل مجال على مدى 75 عامًا. كل طفل يموت يسبب دمارًا كبيرًا لسمعة إسرائيل والغرب، وكل شهيد يقع في أرض غزة يروي قلوب المسلمين الجافة في جميع أنحاء العالم ويجدّد إيمانهم.

لقد وصلنا إلى لحظة استنفد فيها المسلمون- في جميع أنحاء العالم- إيمانَهم وثقتهم وتوقعاتهم في الغرب تمامًا. وهذه الصحوة في الوعي تشكل ضغطًا على حكّامهم الذين وصلوا مرحلة لا يسعهم فيها البقاء غير مبالين أمام وعي استيقظ وقد يصل إلى حدّ الانفجار.

وبفعل هذا الوعي والغضب الشعبي الجارف رأينا الدول الإسلامية التي سبق أن انخرطت في عملية "التطبيع" مع إسرائيل، تتراجع خطوة إلى الوراء، فسحبت الحكومتان: الأردنية والبحرينية سفيرَيهما من إسرائيل.

ومن المفيد لمن يتساءل بصدق لماذا شنّت حماس هجومها في هذا الوقت أن يحاول النظر من الزوايا السّابقة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: والمسجد الأقصى مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"

بعد مرور حوالي عام على لحظة وداعه المؤثرة لحفيدته الصغيرة ريم، ارتقى الجد الفلسطيني خالد نبهان، المعروف بلقب "أبو ضياء"، إثر قصف إسرائيلي استهدف مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. نبهان، الذي أصبحت صورته وهو يحتضن جثمان حفيدته رمزا لمعاناة الفلسطينيين، يكتب اليوم فصلا جديدا من المأساة التي لا تنتهي.

اعلان

في نوفمبر 2023، أبكى خالد نبهان العالم وهو يودع حفيدته ريم التي قتلت في غارة إسرائيلية، بكلمات حنونة خالدة: "روح الروح.. ما لي غيرك، ما لي بالدنيا غيرك". تلك اللحظة الحزينة انتشرت عالميا، مجسدة حجم الألم الذي يعيشه الفلسطينيون يوميا في ظل الحرب الإسرائيلية الدامية والمتواصلة منذ أكثر من 14 شهرا.

Relatedالحرب على غزة: مجازر إسرائيلية على وقع مفاوضات التبادل ونتنياهو يؤكد "غيرنا الشرق الأوسط وسنستمر"الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيرانمقتل 28 فلسطينياً بينهم أطفال ونساء في غارات إسرائيلية على غزةعشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على غزة والأونروا: قرار إسرائيل يهدف لتجريد اللاجئين من حق العودة

كما ظهر الجد "أبو ضياء" في وقت سابق في لقاءات صحفية حيث تحدث عن معاناته بسبب الحرب ومقتل أحبائه. لم يصمد طويلاً أمام فراق حفيدته وصديقه الدكتور محمود الشيخ علي الذي قتل هو الآخر في وقت سابق من نفس الشهر في ضربة أخرى.

View this post on Instagram

A post shared by khaledmnabhann (@khaledmnabhann)

منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت وطأة حرب شرسة شنها الجيش الإسرائيلي، أودت بحياة عشرات الآلاف وخلفت دمارا هائلا. وبحسب التقارير، تجاوزت الحصيلة أكثر من 151 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالسكان المدنيين.

هذا وأسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة عن تدمير واسع للبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.

ويعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والدواء، فيما تتضاعف المعاناة بسبب الحصار الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المنطقة.

وفي وقت تتفاقم فيه الأزمة، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن تل أبيب باتت على وشك إنهاء "مهمتها" في القطاع، مع تأكيدات حول قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تل أبيب تغلق سفارتها في أيرلندا بسبب "السياسات المعادية لإسرائيل" أو هكذا قالت هل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخ أستراليا تُباغت الزوار الإسرائيليين بإجراء جديد: استبيان يُشعل القلق في تل أبيب أزمة إنسانيةقطاع غزةضحاياقصفالصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيران يعرض الآن Next الكرملين: لا قرارات نهائية بشأن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حتى الآن يعرض الآن Next لمكافحة استغلال الأطفال عبر الإنترنت.. السويد تدرس فرض حدود عمرية على وسائل التواصل الاجتماعي! يعرض الآن Next البرلمان الألماني يصوت اليوم على منح الثقة لشولتس وحكومته: هل سيفشل؟ يعرض الآن Next أجسام طائرة مجهولة تثير الفزع في أمريكا وترامب يطالب بإسقاطها فورًا.. ماذا نعرف حتى الآن؟ اعلانالاكثر قراءة ما الذي يخبئه فروٌ على كتفي سيدة؟ كاميرا خفية تدخل مزارع تربية الثعالب في فنلندا فماذا وجدت؟ عزل رئيس كوريا الجنوبية.. احتجاجات حاشدة في سيول تطالب بسحب القرار مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز لصوص بالعشرات بينهم رجال ونساء وأطفال.. جرائم نهب وحرق للبيوت داخل مجمع سكني قرب دمشق سوريا ما بعد الأسد.. تصريحات أردوغان تثير البلبلة فهل تتحول البلاد إلى محمية تركية؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومسورياإسرائيلبشار الأسدهيئة تحرير الشام روسياعيد الميلادإيرانبنيامين نتنياهوبودابستغزةدونالد ترامبداعشالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • سموتريتش مُعقّبا على صفقة التبادل: "سيئة ولا تخدم مصالح إسرائيل"
  • الزلزال السوري كما يراه عباس عراقجي: السقوط كان متوقعا
  • مفاوضات غزة – تفاصيل الاتفاق الذي سينفذ على 3 مراحل
  • إذا لم تضع إسرائيل شروطاً جديدة..حماس: الهدنة ممكنة
  • إسرائيل: سنواصل السيطرة الأمنية على غزة بعد الحرب
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • هجوم جديد بطائرة مسيرة علي حي اولاد الرديف بالفاشر يسقط عشرات القتلى والجرحى