علي جمعة: لم يعرف التاريخ رجلا اتبعه أقوام بكثرة مثل سيدنا محمد
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إنه عندما جاء سيدنا رسول الله ﷺ كان وحده يدعو إلى ربه ولا أحد معه، وبدأ بدعوته حتى أصبح أكثر الأنبياء تبعا إلى يوم القيامة، بل أكثر البشر تبعا، فلم يعرف التاريخ القديم والحديث رجلا أتباعه أقوام بهذه الكثرة على مر العصور مثل نبينا ﷺ.
والرجال تعرف بالحق، ولا يعرف الحق بالكثرة ولا الرجال، فإن النبي ﷺيقول: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والرجلين، والنبي وليس معه أحد» [موطأ مالك ، وابن حبان] يعني ولا يضره ذلك أنه كان على الحق، ولابد من التغيير «ابدأ بنفسك ثم بمن يليك» [مسلم والطبراني في الأوسط وبهذا اللفظ أخرجه العجلوني في كشف الخفاء].
والإسلام كما بدأ غريبا مستضعفا معتديا عليه يعود كذلك كما أخبرنا بذلك النبي ﷺ: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» [رواه مسلم والترمذي]. وفي رواية الطبراني زيادة «قيل ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» فوطن نفسك أيها المؤمن أن تكون من الغرباء المصلحين، ولا تكن إمعة فقد نهانا رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: (لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) [الترمذي والطبراني في الكبير].
وأمامنا فرصة أن نكون من أحباب رسول الله ﷺ ، وأعظم درجة ممن سبقونا، وإن كانوا هم في المنزلة الأعلى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «متى ألقى أحبابي؟. فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحباؤك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بي أنا إليهم بالأشواق» [أبو الشيخ في الثواب] وفي زيادة الديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب: «أنا إليهم بالأشواق»
وعن رجاء بن حيوة رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله ﷺ ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا : يا رسول الله من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبعناك؟ قال : "ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم الوحي من السماء ، بلى قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم ، أجرا أولئك أعظم منكم أجرا ،أولئك أعظم عند الله أجرا "» [الطبراني]
فهلا دخلنا في دائرة الحب لسيدنا رسول الله ﷺ ، وجعلناه أسوتنا واتبعناه حقا، ففي زمن الغربة الأول، بدأ رسول الله ﷺ بمنهج البداية بالنفس، فقال ﷺ: (ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول) [رواه مسلم وابن حبان].
ففي هذا الزمان يكون إصلاح النفس وتربيتها أولى من الانغماس في أمر العامة، ثم بعد هذه المرحلة يمكن أن يتدرج المؤمن للانغماس في أمر العامة لإصلاحهم، يقول النبي ﷺ: «إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال عبد الله بن المبارك: «قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم» [رواه الترمذي]
إذن علينا أن نبدأ بأنفسنا ثم بمن نعول، وأن نتحمل المسئولية عن أفعالنا، وأن لا نبرر أخطاءنا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله ﷺ
إقرأ أيضاً:
هذا ما أعده الله للكاظمين الغيظ في الدنيا والآخرة.. فرصة عظيمة اغتنمها
كظم الغيظ والاحتساب من سنة النبي- صلى الله عليه وسلم-، فاللحظة الأولى عند الغضب يجب أن يحتسب المرء الأمر عند الله وبعدها يكظم الغيظ، وذلك عملا بحديث النبى: "لا تغضب لا تغضب لا تغضب".
جزاء الكاظمين الغيظ عند الله يوم القيامةالجنة هي مكانة الكاظمين الغيط يوم القيامة، حيث جعل الله هذه الصفة من صفات المؤمنين قال الله تعالى « وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
ومن يكظم غيظه عن الناس فى الدنيا يخيره الله تعالى بين الحور العين ليتزوج منهن ما شاء، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-« من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء».
فضل كظم الغيظ عند اللهكظم الغيظ مكانة كبيرة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، فعن معاذ بن أنس الجهنيِّ "رضى الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظـًا وَهُوَ قَـادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَـاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَـا شَـاءَ"، رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ" رواه البخاري في "صحيحه.
ومعنى "كَظَم غَيْظَا" أي سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه، قال الإمام ابن عطيَّة: "كَظم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه"، وقال أيضًا: "الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ".
ويحرص الشيطان دائما عند المنازعات والخصومات على أن يثير غيظ بني آدم وغضبه؛ لأن ذلك يُسَهِّل سيطرته عليهم، ويدفعهم بذلك إلى شرورٍ غير متوقعة.
وكان إبليس يعرف ذلك عن آدم عليه السلام وذريته منذ بداية الخليقة، فعن أنس بن مالك "رضي الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ، عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ" رواه مسلم.
ومعنى "لا يتمالك" أي: ليس لديه القدرة على أن يملك نفسه عند الغيظ والغضب، أو لا يملك نفسه، ويحبسها عن الشهوات، أو لا يملك دفع الوسواس عنه - كما ذكر ذلك الإمام النووي - ومن هنا كان من سُنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يمنع كيد الشيطان بكظم الغيظ وعدم إنفاذه، والترغيب في ذلك بالمنزلة العالية يوم القيامة.
وقد عظَّم الله جل وعلا أجر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ومما يروى في هذا الصدد، أنه كان للمأمون - الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد - خادم، وهو صاحب وضوئه، فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده، فاغتاظ المأمون عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال المأمون: قد كظمت غيظي عنك، قال: {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال: قد عفوت عنك، قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهب، فأنت حر. فما أعظمها مِنْ سُنَّة، تنفعنا في الدنيا بهدوء الحال، وتنفعنا في الآخرة بطيب المال.
تفسير والكاظمين الغيظ والعافين عن الناسفسر الشيخ الراحل الإمام الشعراوي، قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، فالله سبحانه وتعالى يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر].
وأضاف "الشعراوي"، أن هذه بعض من صفات المتقين {والكاظمين الغيظ} لأن المعركة- معركة أُحد- ستعطينا هذه الصورة أيضًا، فحمزة وهو سيد الشهداء وعم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقتل. وليته يُقتل فقط ولكنه مُثِّل به، وأُخِذ بضع منه وهو كبد فلاكته (هند)، وهذا أمر أكثر من القتل. وهذه معناها ضغن دنيء، وحينما جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مقتل حمزة وقالوا له: إن (هندًا) أخذت كبده ومضغتها ثم لفظتها، إذ جعلها الله عَصِيَّة عليها، قال: (ما كان الله ليعذب بعضًا من حمزة في النار) كأنها ستذهب إلى النار، ولو أكلتها لتمثلت في جسمها خلايا، وعندما تدخل النار فكأن بعضًا من حمزة دخل النار، فلابد أن ربها يجعل نفسها تجيش وتتهيأ للقيء وتلفظ تلك البضعة التي لاكتها من كبد سيد الشهداء.
وأشار الى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شبه هذه الحادثة بأنها أفظع ما لقي. إنها مقتل حمزة فقال: (لئن أظفرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، وهنا جاء كظم الغيظ ليأخذ ذروة الحدث وقمته عند رسول الله في واحد من أحب البشر إليه وفي أكبر حادث أغضبه، وينزل قول الحق: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.. [النحل: 126].
وتابع: كي نعرف أن ربنا- جل جلاله- لا ينفعل لأحد؛ لأن الانفعال من الأغيار، وهذا رسوله فأنزل سبحانه عليه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ويأتي هنا الأمر بكظم الغيظ، وهو سبحانه يأتي بهذا الأمر في مسألة تخص الرسول وفي حدث (أٌحد). وبعد ذلك يُشيعها قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في الحرب. وتكون مع الناس دون رسول الله؛ لأنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، {والكاظمين الغيظ} ونعرف أن كل الأمور المعنوية مأخوذة من الحسّيات. وأصل الكظم أن تملأ القِرْبة، والقِرَب- كما نعرف- كان يحملها (السقا) في الماضي، وكانت وعاء نقل الماء عند العرب، وهي من جلد مدبوغ، فإذا مُلئت القربة بالماء شُدّ على رأسها أي رٌُبط رأسها ربطًا محكمًا بحيث لا يخرج شيء مَمّا فيها، ويقال عن هذا الفعل: (كظم القربة) أي ملأها وربطها، والقربة لينة وعندما توضع على ظهر واحد أو على ظهر الدابة فمن ليونتها تخرج الماء فتكظم وتربط بإحكام كي لا يخرج منها شيء.
وأردف: كذلك الغيظ يفعل في النفس البشرية، إنه يهيجها، والله لا يمنع الهياج في النفس لأنه انفعال طبيعي، والانفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين الإنساني، إنما هو يريدها لأشياء مثلا: الغريزة الجنسية، هو يريدها لبقاء النوع، ويضع من التشريع ما يهذبها فقط، وكذلك انفعال الغيظ، إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، لا، هو سبحانه يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث، الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر.
وأشار الى أن المؤمن ليس مطبوعًا على الشدة، ولا على الرحمة، ولكن الموقف هو الذي يصنع عواطف الإنسان، فالحق سبحانه يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين}.. [المائدة: 54].
وقلنا: إن هناك فرقًا بين الانفعال في ذاته، فقد يبقى في النفس وتكظمه، ومعنى كظم الانفعال: أن الإنسان يستطيع أن يخرجه إلى حيز النزوع الانفعالي، ولكنّه يكبح جماح هذا الانفعال. أما العفو فهو أن تخرج الغيظ من قلبك، وكأن الأمر لم يحدث، وهذه هي مرتبة ثانية. أما المرتبة الثالثة فهي: أن تنفعل انفعالًا مقابلًا؛ أي أنك لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل إنك تستبدل بالإساءة الإحسان إلى من أساء إليك. إذن فهناك ثلاث مراحل: الأولى: كظم الغيظ. والثانية: العفو. والثالثة: أن يتجاوز الإنسان الكظم والعفو بأن يحسن إلى المسئ إليه.
وهذا هو الارتقاء في مراتب اليقين؛ لأنك إن لم تكظم غيظك وتنفعل، فالمقابل لك أيضًا لن يستطيع أن يضبط انفعاله بحيث يساوي انفعالك، ويمتلئ تجاهك بالحدة والغضب، وقد يظل الغيظ ناميًا وربما ورّث أجيالا من أبناء وأحفاد.
وتابع: لكن العقل البشري يفقد ذكاءه في مواقف الغضب؛ فالذي يسيء إلى إنسان يحسبه عدوٍّا. لكن على الواحد منا أن يفهم أن الذي يسيء إليك إنما يجعل الله في جانبك؛ فالذي نالك من إيذائه هو أكثر مما سلبك هذا الإيذاء. هنا يجب أن تكون حسن الإيمان وتعطي المسيء إليك حسنة.
ويضيف الحق من بعد ذلك في صفات أهل الجنة: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله...}.