عربي21:
2025-02-23@07:36:37 GMT

إنهم يخططون لليوم التالي بعد الحرب في غزة!

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

حرب غزة لم تنته بعد، ومع إنها قد تطول، فإن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تستعجل نهايتها، لأنها كلما طالت زادت تعقيدات تداعياتها. ومن ثم تتجه السياسة الأمريكية إلى محاولة إغراق الحرب بالدبلوماسية، مع تأكيد ما تردده بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وصلابة الالتزام الأمريكي بحمايتها، والعمل على ألا تصبح حربا إقليمية متعددة الجبهات.

وهناك اتفاق بين مراكز التفكير الاستراتيجي على أن عنصر الوقت لا يعمل لصالح أي منهما في الشرق الأوسط. ويبدو من تطورات الحشد العسكري والدبلوماسي الأمريكي أن الغرض الرئيسي لسياسة القوة الأمريكية الآن هو محاولة غلق ملف «حرب الإبادة» ضد الفلسطينيين بأسرع ما يمكن، مع تحقيق أكبر قدر ممكن من أهدافها، وقصر التعامل معها على مجرد تخفيف آثارها الإنسانية. وتتكلم سياسة القوة الأمريكية بلسانين في وقت واحد، أولا بتكثيف الحشود العسكرية في شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج، وثانيا بتكثيف الاتصالات الدبلوماسية مع حلفائها في المنطقة. وفي هذا السياق أصبحت القوة العسكرية الأمريكية في شرق البحر المتوسط هي أكبر قوة قتالية في وضع الاستعداد خارج الولايات المتحدة. كما تجاوزت كثافة الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة ما عداها في أماكن الصراع الأخرى، بما في ذلك أوكرانيا ومنطقة المواجهة في بحري الصين الجنوبي والشرقي الممتدة من اليابان وتايوان حتى الفلبين. الهدف من هذا التكثيف العسكري والدبلوماسي هو جمع كل عوامل الضغط من أجل تقصير أمد الحرب، وحماية إسرائيل من التعرض لهزيمة عسكرية مذلة.

لماذا أصبح عامل الوقت حاسما؟

منذ 7 أكتوبر حتى الآن سقطت استراتيجية الردع الإسرائيلية، وكانت النتيجة أن القوة العسكرية الأمريكية الضاربة حلت محلها لحماية إسرائيل، وتقييد احتمالات حصول الفلسطينيين على مساعدات من الخارج، والتدخل إذا لزم الأمر لحمايتها من الهزيمة، لكن بقاء القوات الأمريكية في شرق المتوسط بكثافتها الحالية مدة طويلة يمكن أن يهدد فرص جوزيف بايدن في الانتخابات الرئاسية، فهو حتى إن كسب الصوت الصهيوني؛ فإن ذلك يمكن أن يكلفه أصوات الأغلبية الأمريكية، التي تدفع الثمن الاقتصادي والاجتماعي لبقاء هذه القوات، خصوصا مع الزيادة المتوقعة في الهجمات ضد القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط عموما، وليس في العراق وسوريا فقط. كما أن طول بقاء القوات الأمريكية في شرق المتوسط يجعل الولايات المتحدة شريكا صريحا في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وما يترتب على ذلك من تداعيات. ومع أن كل العوامل المحيطة بهذه الحرب تتصف بطابع التقلبات وعدم اليقين، فإن متابعة تطوراتها منذ بدأت حتى الآن (33 يوما) تثبت وجود ثلاثة عوامل جوهرية يقينية لم تضطرب، ولم يتسرب إليها الشك، ما تزال هي التي تقرر ملامحها. العامل الأول هو الصمود الفلسطيني، رغم فداحة التضحيات؛ فألسنة الفلسطينيين وقلوبهم ووجدانهم تهتف: «ننزف دما ولن ننزف كرامة». العامل الثاني هو الاستمرار في القدرة على الرد ومواجهة آلة الحرب الإسرائيلية البربرية، لتأكيد سقوط استراتيجية الردع المعتمدة على القوة الغاشمة، وأن إسرائيل ترتكب خطأً فادحا إذا اعتقدت أنها تستطيع إبادة شعب أو حرمانه من حق العيش في وطن آمن، وأن الحل العسكري يتناقض جوهريا مع هدف تحقيق استقرار مستدام. أما العامل الثالث فهو قوة التضامن العالمي. هذا التضامن مع الشعب الفلسطيني أصبح يغطي كل قارات العالم على مستوى الشعوب، كما يظهر في الاحتجاجات المليونية المناهضة للحرب، الداعية إلى وقف إطلاق النار وإحلال السلام، التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني. كما أن التضامن العالمي يتجلى أيضا على مستوى الحكومات، كما سجله تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كاسحة (120 ضد 14 منها الولايات المتحدة وإسرائيل). هذا التأييد الذي تحصل عليه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية يزداد قوة كل يوم، حتى في الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي، وحتى بين اليهود أنفسهم. هذا تأييد يستحق أن يحتفل به الصمود الفلسطيني، وأن تبذل كل الأطراف الفلسطينية، بما فيها السلطة في رام الله، مجهودا أكبر لتوسيع نطاق حرب البقاء الفلسطينية من مجرد حرب في ميادين المواجهة المسلحة مع إسرائيل إلى مواجهة أيضا في ساحات الدبلوماسية والحوار لمواصلة كسب الرأي العام العالمي بتقديم مشروع واضح للتعايش والسلام مع الشعب اليهودي. هذه العوامل الثلاثة، الصمود، وقوة الإرادة، وتعاظم التضامن العالمي، تمنح الشعب الفلسطيني قوة فوق قوته، وتبشر بطول أجل الحرب التي اعتقدت الحكومة الإسرائيلية أنها ستكون سهلة وقصيرة. إن من يستعيد تصريحات نتنياهو وغالانت وسموتريتش وبن غفير، ومعهم رئيس الأركان حرزي هاليفي، في الأيام الأولى للحرب يدرك الآن إلى أي مدى كانت تقديراتهم خاطئة، وإلى أي حد تتعرض خططهم العسكرية للتغير يوما بعد يوم، وكيف أن تنفيذ هذه الخطط يتعثر الواحد وراء الآخر، وهو ما يتضح في استمرار الضربات الجوية الانتقامية اليائسة ضد المدنيين في المخيمات والأحياء السكنية والمدارس ومعسكرات الإيواء المؤقتة، حتى وصل الأمر إلى قصف الجرحى المدنيين، باستهداف عربات الإسعاف والمستشفيات! استمرار كثافة الضربات الجوية ضد المدنيين يعكس روحا انتقامية يائسة، لم تعد لديها خيارات غير إلقاء أطنان القنابل كل يوم على غزة.

حرب مستمرة أم تغيير نظام؟

يستخلص ميخائيل أيزنستات مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن تحقيق هدف «تدمير حماس» يحتاج إلى مجهود عسكري طويل ممتد. وقال إنه كلما طال القتال، ستقل قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بحريتها في العمل العسكري كما تشاء، نظرا للتداعيات التي يتركها طول مدة الحرب على جبهات أخرى أقربها الضفة الغربية، والتعقيدات التي يمكن أن تتركها أيضا على مستقبل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، والأضرار التي قد تتعرض لها المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، إضافة إلى التداعيات السلبية المتوقعة على فرص الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد أعاد تحديد أهداف الحرب في كلمة أمام الكنيست يوم 20 من الشهر الماضي، مؤكدا ضرورة تحقيق هدفين، الأول هو تدمير كل الإمكانيات العسكرية لحكومة حماس، والثاني هو تدمير مصداقيتها السياسية بالقضاء على أجهزتها الحاكمة وهياكلها الإدارية. وأوضح غالانت أن خطة الحرب تجري على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي حملة جوية نيرانية مركزة، تتبعها عمليات عسكرية على الأرض (برية) هدفها تدمير عناصر حماس والبنية الأساسية العسكرية التي يعتمدون عليها. المرحلة الثانية هي مرحلة انتقالية، تستمر فيها العمليات القتالية، ولكن بكثافة أقل، وذلك بهدف تصفية جيوب المقاومة المتبقية. أما المرحلة الثالثة فإن هدفها هو خلق حقيقة أمنية جديدة للمواطنين الإسرائيليين، بما في ذلك سكان منطقة «غلاف غزة»، تعيد إليهم الثقة في قدرة الحكومة على حمايتهم. وبمقارنة ما يجري على الأرض وفي الجو وفي البحر حتى كتابة هذه السطور، وبعد مرور أكثر من شهر على بدء العمليات القتالية، وبعد إعلان نتنياهو وغالانت أن الحرب دخلت مرحلتها الثانية، فإن إسرائيل ما تزال تواصل الضربات الجوية ضد المدنيين الفلسطينيين، وتحاول تشديد الضغط على غزة من البحر، بينما تتعرض قواتها المدرعة على الأرض إلى خسائر كبيرة. ونتيجة لكل ذلك فإن إسرائيل تعمل على تركيز مجهودها العسكري الرئيسي في توجيه ضربات ساحقة إلى مدينة غزة لتسويتها بالأرض. هذه الأرض لم تعد مسرح عمليات آمنا منذ أن تحولت فتحات الأنفاق إلى ما يشبه «فوهات البراكين» التي تلقي نيرانها على المدرعات المعتدية وأطقم العسكريين في داخلها.

ويعتقد كثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة أن إسرائيل يجب أن تعيد صياغة الهدف من الحرب، واختصاره إلى مجرد تغيير نظام الحكم في غزة، أي regime change على غرار ما فعلت الولايات المتحدة في العراق منذ 20 عاما. ونصح الجنرال احتياط عودي ديكل مدير برنامج الدراسات الفلسطينية في معهد جامعة تل أبيب لدراسات الأمن القومي، رئيس الوفد الإسرائيلي في مفاوضات أنابوليس (2007- 2008) بأن تستثمر الحكومة الإسرائيلية قوة التأييد الأمريكي والأوروبي الحالي في إسقاط حكم حماس، وإرساء الشروط الكفيلة بمنع عودتها للحكم مرة أخرى، وتشجيع فكرة تشكيل تحالف دولي للحرب على حماس، وهو ما قد يتضمن وجودا عسكريا دائما لقوات أمريكية وأوروبية، لضمان الرد على أي عدوان من جانب إيران. وهذا يعني من وجهة نظر ديكل أن تستفيد إسرائيل من الالتفاف الغربي حولها، وبالتعاون مع شركائها الإقليميين في إقامة منظومة جديدة لضمان الأمن والحد من التهديدات المحتملة في المستقبل بعد إسقاط حكم حماس.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة حماس حماس غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی الأمریکیة فی فی شرق

إقرأ أيضاً:

الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة:الحرب الأمريكية الجديدة وتطبيقاتها

مدلولات الجيل الرابع من الحرب الأمريكية خطوات وخطوط سير الحرب الجديدة الأطماع الأمريكية في العالم العربي واستغلالها لثورات الربيع لتفكيك الأنظمة واستبدالها بأنظمة تابعة أمريكا ترى أن نمو العالم العربي يهدد مصالحها ولذلك قامت بإشعاله بالحروب اليمن يكشف الخطط الأمريكية لحروبها الجديدة بالوكالة

الثورة  / صلاح محمد الشامي

• أول من أطلق اسم ( الجيل الرابع من الحرب ) غير المتكافئة، على الحرب الأمريكية الجديدة، هو البروفيسور ( ماكس يوراينك ) ، خلال محاضرته في معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

• وقد عَرَّفَها بأنها : – حربٌ بالإكراه، يتم فيها إفشال الدولة المستهدفة، وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية.

• ولقد وضع ( ماكس يوراينك ) نقاطاً أساسية للحرب الجديدة «حرب الجيل الرابع» ، وهي:

-1 دعم الإرهاب.

2 – خلق قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات داخل الدولة المستهدفة.

3 – حرب نفسية متطورة للغاية، بواسطة الإعلام، والتلاعب النفسي.

-4 استخدام كافة وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

-5 استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد.

• نرى حالياً، ومنذ اندلاع العدوان الأمريكي على اليمن، بمجيئه بأيد سعودية وإماراتية، وبأيدٍ عربية وغير عربية، أن هذا العدوان الأمريكي، الذي نطلق عليه ( العدوان الأمريكي السعودي ) أو ( السعودي الأمريكي )، يسير وفق مقاصد الإدارة الأمريكية، مستخدماً كل النقاط السالفة الذكر ، فهو يستخدم أبناء البلد ، أو بعضهم ممن يطمح للسلطة بكل سبيل ووسيلة ، حتى ولو أدى ذلك إلى سحق شعبه الذي كان يرجو أن يحكمه ، ولذلك صار تابعاً لأمريكا وللإدارة الأمريكية ، تلعب به كيف تشاء ، بينما هي تُمَنّيه بالسلطة، والحماية تحت المظلة الأمريكية.

• ولنفند ذلك نقطة نقطة :

1 _ دعم الإرهاب: وهنا لن آتيَ بجديد، فالجميع يعلم علم اليقين ما هو الإرهاب، ثم صناعة من هو، إنه بيادق أمريكا التي تحركها على طول خارطة العالم، العالم الذي هو بالنسبة لأمريكا وللإدارة الأمريكية عبارة عن رقعة شطرنج كبيرة تسرح وتمرح فيها كيف تشاء، ولذلك تجد حاملاتها وبارجاتها وقواتها في كل بحر وخليج، وعند كل ممر ومضيق، وحول كل منطقة تمثل أطماعاً للأمريكي.

• يأتي (دعم الإرهاب) بعدة أوجه، منها الصناعة من الألف إلى الياء، ومنها التمويل والإمداد، بشكل مباشر، وغير مباشر، عبر أذرعته حول العالم، وخاصة المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، حتى تُلصَقَ لعنةُ الإرهاب بالأمة العربية والإسلامية، ولما تمثله هذه الدول من أهداف استراتيجية اقتصادية للغول الأمريكي، حتى إذا ما شاءت أمريكا وضع يدها عليها، ألصقت بها تهمة الإرهاب، وقد رأينا هكذا سفسطة عبر الوقح ( ترامب ).

2 _ خلق قاعدة إرهابية غير وطنية ( متعددة الجنسيات ) :

يتجلى ذلك بوضوح لكل متابع للأنباء، عبر الفضائيات، ففي كافة أنحاء العالم العربي نجد هؤلاء وراء كل جريمة يتم الإعلان عنها بكل وقاحة وجرأة، لماذا ؟ – حتى تُحَيَّدَ أمريكا عن المشهد، فنرى السعودي واليمني والباكستاني والأوروبي والأمريكي من أصل كذا، أو أمريكي محض، مع العلم أن أمريكا تحاول جاهدة تحييد ذوي الحنسيات الأمريكية عن هذا المشهد قدر الإمكان، ومن كل جنسيات العالم، وهي، بنظري خطة قديمة نفذتها قريش في محاولة قتل رسول الله صلى اللَّهُ وسلم عليه وعلى آله، إذ أجمعت قريش على أن تجمع من كل قبيلة رجلاً فيضربون ( محمداً ) ضربة رجل واحد، فيضيع دمه بين القبائل.

• نعم ، أمريكا تستفيد من التاريخ الإنساني، ولكن بصورة لا إنسانية، تقرأ التاريخ، وتضع الخطط، من واقعٍ دراستها للحاضر، ونظرتها للمستقبل .. أمريكا تعمل، وتبتكر، وتقلد في آن واحد.. وهي هنا تأتي بجنسيات مختلفة، تحت إشراف إدارة مختصة تتبع الرئيس الأمريكي نفسه، وتحت إشراف المخابرات الأمريكية، فتنفذ إرهابها داخل الدولة المستهدفة، فإذا ما قبض على أفراد المجموعة الإرهابية، استعصى على الدولة إلقاء اللوم على أي دولة، أو تحميلها المسؤولية.

3 _ حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي : تطورت الحرب النفسية على يد أمريكا، لكن بداياتها كانت على يد ( جوزيف جوبلز ) وزير ( البروبجاندا ) النازي في عهد ( هتلر )، والتي طورها الإعلام ( الصهيوني ) بالعقول الأمريكية .. لقد تطورت الحرب النفسية مع تطور العلوم ووسائل الاتصال، ومع ظهور دراسات نفسية «سيكولوجية» جديدة، تدرك جيداً كيف تستغل الأهداف النبيلة -ظاهرياً- في تحقيق نتائج مدمرة فعلياً .. ثم ظهرت دراسات ( التأثيرات غير الإدراكية ) التي تتسلل إليك حتى دون أن تدرك أنك واقع تحت تأثيرها.

• وتطبيقاً على الواقع، في العدوان على اليمن، نرى ونسمع يومياً، كل ناعق وزاعق، يصنف ما يحدث على اليمن من عدوان أنه حرب داخلية، مردداً ما تبثه وسائل الإعلام الصهيوأمريكي الموجه للعالم العربي ، وهو ما أكده السيد عبدالملك الحوثي قائد الثورة، في خطابه يوم الخميس الـ 25 من مارس لعام 2021 ، من أن الإدارة الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة، عندما تصل جرائمهم بحق الشعب اليمني إلى حد مأساوي يأتون ليسوِّقوا مصطلح الحرب الداخلية، ثم يدعون الجهات اليمنية إلى التصالح، وكأنهم ليسوا صُنّاع العدوان وصُناع أدواته وأسلحته، وهم أصحاب أهدافه.

• إن السلاح الأقوى في حرب الجيل الرابع هو سلاح الحرب النفسية، من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، التي تُستخدم فيها كل فنون الشائعات.

4 _ استخدام كل وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية : استخدمت أمريكا في العدوان على اليمن كافة الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ضد الشعب اليمني، تمثلت بالقصف المتعمد، واستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية، وتدمير البُنى التحتية، كما استخدمت الضغوط السياسية بكافة أشكالها وألاعيبها، وكذلك الضغوط الاقتصادية متمثلة في الحصار الخانق، وقصف المطارات والمنافذ البرية والبحرية، وإغلاقها بقوة السلاح، دفعاً لخنق الاقتصاد الوطني، في محاولة لدفع القيادة السياسية للاستسلام والرضوخ، ونقل البنك المركزي، ومن ثم جعله وودائعه نهباً للمرتزقة الذين يحكمون الجنوب.. وأخيراً الضغوط الاجتماعية بشتى وسائلها وأساليبها، وبواسطة النقطة السابقة ( الحرب النفسية عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ) يتم التدمير الممنهج لبنية المجتمع اليمني، عبر خلق الخلافات، وتضييع الحقائق بالمناقشات والمناكشات والحوارات الجوفاء، وإظهار التباينات في الآراء والرؤى والأفكار تجاه كل جزئية تتعلق بالقضية العامة، وهي العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وبواسطة النقطة التالية ( حروب العصابات ) تصنع أمريكا العصابات داخل المجتمع اليمني، وتمولها، وتوجهها لنشر الشائعات، وتغييب الوعي، وكذلك توجهها لعمل جرائم اغتيالات واختطاف وسرقات، إلى جانب التجسس، لخلخلة الوضع الأمني، ثم التحجج بأن الحكومة والدولة اليمنية هي من يقوم بهذه الممارسات، أو هي من ترعاها، أو تتستر عليها، أو أن الدولة والحكومة تعجز عن توفير الأمن للمجتمع اليمني، بينما دور هذه العصابات هو خلخلة الأمن والاستقرار، وتفكيك الترابط المجتمعي، وهذا من أهداف ووسائل الإدارة الأمريكية لتنفيذ حربها الجديدة، أو ما يُطلق عليه : ( الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة ) .

#الحرب الناعمة:

• من ناحية أخرى، نرى أن الحرب الناعمة – كنوع من الضغوط الاجتماعية – تتخلل المشهد، بتوجيه ودعم أمريكي، وتخطيط صهيوني، الهدف منها صناعة جيل لا يُعنى بما يدور حوله من أحداث، ولا يهتم بما يصيب وطنه وأمته، لأنه أمسى يعيش في عالم آخر، يسرق منه كل اهتماماته، حتى ولو كان مصيره هو نفسه ومصير أسرته متعلقاً بتحركه أو جموده.

5 _ استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد : وقد رأينا استخدام أمريكا في العدوان على اليمن عصابات ( بلاك ووتر ) و ( الجانجويد ) وغيرها، علماً بأن غرفة العمليات الأمريكية حولت حتى وحدات الجيش اليمني التابع للدنبوع إلى مجرد عصابات ، حتى اختفى مبدأ الأخوة والزمالة بين أفراد الكتيبة الواحدة ، وهذا ما تسعى إليه أمريكا، وهو التفكيك ثم التفكيك ثم التفكيك ، حتى لمفردة الجندي الواحد، تجعله منفصلاً عن نفسه وعن واقعه وعن وطنه وعن أهله وعن كيانه الشخصي وكيانه الوطني والعملي في مجال عمله الأدائي الآني باختصار، تحول الجندي إلى ( روبوت ) ينفذ بلا تفكير، ويطيع بلا مناقشة.

خلاصة:

• من خلال النقاط السابقة، نرى أن أمريكا استخدمتها كلها على وطننا، في كل بند منها، وكذلك على بقية دول العالم العربي، وبمراحلها المزمنة، تبعاً لظروف كل دولة، مما يؤكد الهدف من الحرب الحالية، وهو بث الفوضى وروح الفُرقة في الدولة المستهدفة تمهيداً لإسقاطها، وهو ما عملت وتعمل عليه الإدارة الأمريكية بمشاركة دولة الكيان الصهيوني وبريطانيا، منذ اندلاع براكين الربيع العربي، الذي حولته الإدارة الأمريكية وتابعوها إلى خريف دائم، لن تعود فيه دول الربيع إلى ما كانت عليه -على الأقل- من استقرار، ولو جزئي، مادامت أطماع أمريكا قائمة، ومادام الوعي الجماهيري لعبة بأيدي عتاولة صناعة الإعلام والشائعات والحرب النفسية وتزييف الحقائق..

ماذا تريد أمريكا من حربها الجديدة؟

• ترى أمريكا أن نمو العالم العربي قد يخلق قوة أو كياناً قوياً يهدد المصالح الأمريكية على المدى البعيد، لذا فهي تحارب كل الأنظمة العربية في آن واحد، وتستخدم بعض الأنظمة على بعضها الآخر، كما هو حاصل في العدوان على اليمن، إذ استخدمت المملكة السعودية والإمارات وبعض دول الخليج للقضاء على الثورة اليمنية ووأدها في مهدها.

• تعمل أمريكا على هدم الدول العربية، واستخدام المعارضة للعمل على تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة متطاحنة، تنشغل بحروب داخلية تستنزف مواردها وتعوق نموها وتدمر شبابها وقوتها.

• أما في اليمن، فإن هدف أمريكا هو هدم النظام، وإنشاء نظام بديل، يكون تابعاً تبعية مُطلقة للإدارة الأمريكية، وللمصالح الأمريكية، كما فعلت في سوريا.

• تريد أمريكا من خلال حربها الجديدة ( الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة ) أن تستحوذ على ثروات ومقدرات العالم العربي، والسيطرة عليه سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية، لما يمثله من موقع استراتيجي، ولمخزونه الهائل من الثروات، وتريد قطع الطريق على سواها في الاستيلاء عليه، فهي تخشى -بقوة- ظهور ( التنين ) الصيني، باعتبار الصين قوة اقتصادية لا يستهان بها، وهي قوة لا تزال صاعدة، ونموها يتعاظم كل يوم، بينما الاقتصاد الأمريكي أصبح عرضة للزوال، فقد غدت تتهدده الأزمات، وينخره الفساد، لأنه لم يُبْنَ على أسس مجتمعية وأخلاقية سليمة، وأقحمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تدخلاتها العسكرية والسياسية، لخلخلة معظم الأنظمة العالمية بشكل عام .. لذا فهي ترى أن استغلالها للربيع العربي وتدويره لخدمة مصالحها، واستباقاً للدول العربية من أن تتذوق طعم الحرية التي نادى بها شباب 2011 ، فتقوم أنظمة حرة ونزيهة ترى أمريكا أنها تهدد مصالحها، لذلك كله استهدفت العالم العربي، وعملت على إسقاط الأنظمة، لتنصيب أنظمة عميلة ومنقادة، وأشعلت حروباً عدوانية -كما هو حاصل في اليمن-، بالإنابة.

• لقد تجلت صورة الحرب الجديدة، أو الجيل الرابع من الحرب الأمريكية، بصورة واضحة، فكل هذه الحروب، وكل هذا العدوان، ولم يدخل في المعادلة جندي أمريكي واحد.

ورغم وضوح الحرب أنها أمريكية، عبر صفقات السلاح مع الدول المعتدية فعلياً، وغرف العمليات الأمريكية، ومشاركة طيارين أمريكيين وإسرائيليين وغيرهم، إلا أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تنأى بنفسها، وتبث عبر وسائل إعلامها الأعرابي، أن الحرب غير ذلك، وهذا لأنها حرب أمريكية جديدة، أو هي ما يُطلق عليه الجيل الرابع من الحرب الأمريكية غير المتكافئة.

#متغيرات طوفان الأقصى:

• يلاحظ القارئ أنني لم أعقب على طوفان الأقصى، وأنني ركزت على العدوان على اليمن فقط، وذلك لحصول متغيرات استراتيجية في الحرب على غزة، ومحاولة إسكات دول المحور بالقوة الأمريكية المباشرة، فقد دخلت أمريكا (بايدن) الحرب بشكل مباشر، بسفنها وقطعها الحربية وبثلاث حاملات للطائرات وغواصة نووية، لكن تم ضربها وطردها ولم تتحمل القوة البحرية الأمريكية الخسائر، فأعلنت أمريكا (ترامب) سحب كل قطعها الحربية من البحر الأحمر، لتعود أمريكا ترامب إلى استخدام الحرب بالوكالة، عبر الضغط على دول الطوق (الأردن ومصر والسعودية) لتنفذ هي إرادة الإدارة الأمريكية، ممارسة كل الضغوط السياسية والاقتصادية، وملوحة بالضغوط الأخرى القذرة التي استخدمتها في إسقاط سوريا الممانعة، وحولتها إلى سوريا المُطاوِعة.

• إذن، مازلنا ندور حول خطط (الجيل الرابع أو الخامس من الحرب غير المتكافئة).. ولابد للجميع أن يعيَ هذا المد الغربي الغاشم، قبل أن تكتسح موجة التجهيل الأغلبية النائمة في أوهام الحرب الناعمة، فنصحو لنجد أنفسنا بلا أوطان ولا هوية، كما يعاني الشعب السوري اليوم.

• إن الصمود المبني على وعي، والتمسك بمبادئنا وعروبتنا وديننا، والثبات على هويتنا الإيمانية، والالتفاف حول قيادتنا الثورية والسياسية هو ما يضمن لنا عدم الاضمحلال، وها هي الانتصارات تشيد قصور العزة، على أرض راسخة، وتطوير القدرات القتالية، والتكتيكات الدفاعية، ومعرفة أساليب وطرق إدارتهم للحرب، ثم مقاومتها، ودحر وكشف الشائعات، سواءً تلك التي تأخذ صفة الديمومة، أو تلك الشائعات الآنية، التي تطلَق ذيولاً للأحداث، ثم الحفاظ على شبابنا من الضياع، وتحصينهم التحصين الثقافي الديني، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، وبث الوعي في أوساط المجتمع، ولن يسبقونا إلى قلوب شعبنا، فنحن الأقرب والأحرص عليه، والنصر قاب قوسين أو أدنى، وسيثبت الشعب اليمني أن كل مخططاتهم مهما بلغت من الدقة والإحكام، ليست سوى فراشات تحوم حول محرقة، محرقة اسمها اليمن .. اليمن ( مقبرة الغزاة ).

مقالات مشابهة

  • عن اليوم التالي للحرب على غزة
  • الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة:الحرب الأمريكية الجديدة وتطبيقاتها
  • ترامب: سأنهي الحرب الروسية الأوكرانية وسنستعيد أموالنا التي دفعناها لأوكرانيا
  • ما هي الدروس التي استخلصها الجيش الفرنسي بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا؟
  • الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته
  • وزير الأشغال والإسكان الفلسطيني لـ«الاتحاد»: الحرب دمرت البنية التحتية و60 مليار دولار تكلفة الإعمار
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل
  • جوارديولا بعد الخسارة أمام الريال: الفريق الأفضل فاز.. إنهم يستحقون ذلك
  • كواليس الـ48 ساعة التي انقلب فيها ترامب على زيلينسكي